موسكو تعلن «بدء مسرحية كيماوية» في سوريا

انتقدت موسكو بشدة تلويحاً أميركياً بـ«رد قوي» على استخدام محتمل للسلاح الكيماوي في سوريا، واستبقت تصاعد التحذيرات الغربية أمس، بإعلان توافر معطيات لديها في شأن «بدء تنفيذ مسرحية كيماوية من جانب المسلحين في جسر الشغور لاستفزاز تدخل غربي».
وجددت الخارجية الروسية، تأكيد موقف موسكو حول أنه «لا يمكن التسامح مع بقاء بؤرة للإرهابيين في إدلب السورية»، في إشارة إلى عزمها مواصلة التحضيرات لعملية عسكرية رغم عدم التوصل إلى تفاهمات مع أنقرة، وعلى خلفية تصاعد نبرة التحذيرات الغربية لنظام الرئيس بشار الأسد من مغبة استخدام السلاح الكيماوي مجدداً في إدلب.
ووصف نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، التهديدات الجديدة التي أطلقها مستشار الأمن القومي في الإدارة الأميركية جون بولتون، بأنها «تمثل بكل وضوح سياسة ابتزاز وتهديد»، مشدداً على أن «النهج الأميركي غير البنّاء في سوريا، يصب في مصلحة الإرهابيين، ويهدد الأمن الإقليمي».
وقال الدبلوماسي الروسي إن التهديدات بـ«توجيه ضربة أقوى إلى سوريا»، يمكن وصفها بأنها محاولة لـ«عرض العضلات» و«تلاعب وقح بالحقائق»، مشيراً إلى أن تصاعد هذه اللهجة الأميركية أخيراً، يهدف إلى «ابتزاز البلدان الضامنة للتسوية السورية، وتحديداً روسيا وإيران»، وقال إن موسكو «اتخذت جميع الإجراءات الاحترازية استعداداً لأي خطوات من قبل الولايات المتحدة».
ولفت ريابكوف إلى أن التصريحات الأميركية الجديدة تشكل استمراراً لنهج سابق، وتدخل في إطار محاولات تقويض جهود روسيا لدفع تسوية سياسية. مضيفاً أن «البعض في الغرب لم يتراجع بعد عن سيناريو استفزاز عسكري جديد في سوريا، لكن موسكو ستواصل العمل من أجل منع ذلك».
مشيراً إلى أن مستجدات الوضع في سوريا وإصرار الحكومة السورية على مواصلة العمل لتحرير آخر بؤر الإرهابيين يستدعي معارضة وقلقاً من جانب «أطراف لا تهتم بأن تكون سوريا دولة موحدة وسيادية وبأن يتم استعادة الحياة الطبيعية هناك وعودة اللاجئين». متهماً واشنطن وحلفاءها بأنهم «يرون في الوضع الحالي (حول إدلب) فرصة لنسف عملية التسوية مرة أخرى».
وذكّر نائب وزير الخارجية الروسي بأن الغرب «تجاهل الحقائق التي قدمتها روسيا بشأن التحضيرات الجارية للقيام باستفزاز كيماوي جديد في إدلب»، مشدداً في الوقت نفسه على حرص موسكو على مواصلة الحوار مع واشنطن بغية تطبيع الأوضاع في سوريا.
وأكد ريابكوف أن النقاشات بين العسكريين الروس وزملائهم السوريين من جانب، والأتراك من جانب آخر، مستمرة 24 ساعة يومياً، للتوصل إلى تفاهمات لحسم ملف إدلب، متوعداً بأنه «من الواضح أنه لا يمكن لنا التسامح مع بقاء بؤرة الإرهابيين في إدلب، وهذه هي سياسة دمشق، وهي صحيحة تماماً».
مشيراً إلى أن العسكريين الروس «يعملون على حل هذه القضية بشكل دقيق وفعال» مع تقليص الخطر على المدنيين قدر الإمكان ومنع الإرهابيين من الحصول على فرصة للفرار وإعادة تنظيم صفوفهم.
وأقر ريابكوف بأن مواقف روسيا وتركيا بخصوص إدلب «ليست متطابقة»، وعدّ ذلك «أمراً طبيعياً» مؤكداً أن الطرفين يسعيان عبر الجهود الدبلوماسية والسياسية إلى إيجاد أرضية مشتركة في الموضوع.
وكان جون بولتون قد أعلن أن بلاده اتفقت مع بريطانيا وفرنسا على القيام بردّ مشترك على «أي استخدام جديد للأسلحة الكيماوية في سوريا» وتوعد بأن الرد «سيكون أقوى بكثير من التحركات السابقة»، في إشارة إلى قيام التحالف الغربي بتوجيه ضربات ضد مواقع حكومية سوريا في أبريل (نيسان) الماضي.
وقال بولتون إن واشنطن «وجّهت خلال الأيام الماضية رسالة مفادها أن ردنا سيكون أقوى بكثير مما كان سابقاً في حال استخدام الأسلحة الكيماوية للمرة الثالثة»، موضحاً أنه «يمكن أن أذكر أننا تشاورنا مع البريطانيين والفرنسيين، الذين انضموا إلينا خلال توجيه الضربة الثانية، واتفقنا أيضاً على أن الاستخدام الجديد للسلاح الكيماوي سيسفر عن رد أقوى بكثير».
في مواجهة هذه التهديدات، استبقت وزارة الدفاع الروسية زيادة النشاط الغربي حول ملف الكيماوي، بإعلان أن لديها معطيات عن بدء التحضير من جانب فصائل سورية معارضة لتنفيذ «مسرحية كيماوية» تهدف إلى استفزاز ضربات غربية جديدة. وأعلنت قاعدة «حميميم» أن «معطيات وردت من سكان في إدلب أفادت ببدء تصوير محاكاة لـ(هجوم كيماوي) في مدينة جسر الشغور بمحافظة إدلب السورية بمشاركة عناصر إرهابية، لتحميل حكومة دمشق مسؤوليته».
وأفاد بيان عسكري صدر أمس، أنه «يجري في مدينة جسر الشغور الآن تصوير مشاهد لاستفزاز مفبرك يحاكي استخدام الجيش السوري سلاحاً كيماوياً ضد المدنيين، ولتصوير هذه المشاهد، وصلت إلى جسر الشغور صباح اليوم (أمس) فرق إعلامية تابعة لبعض قنوات التلفزة في منطقة الشرق الأوسط وكذلك لفرع إقليمي لقناة إخبارية أميركية كبرى، ويقضي سيناريو الاستفزاز بتصوير مشاهد تقديم نشطاء من قوات الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) المساعدة للمواطنين، بعد الإلقاء المزعوم من قبل الجيش السوري لبراميل متفجرة تحوي مواد سامة».
وذكر البيان: «من أجل إعطاء المشاهد صبغة واقعية وجمع (الخوذ البيضاء) عينات التربة بشكل سريع، نقل المسلحون من بلدة خربة الجوز إلى جسر الشغور صباح اليوم (أمس) برميلين يحتويان على مادة كيماوية مشتقة من الكلور». وزاد أن المشاهد «سيتم تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي قبل تسليمها لوسائل إعلام».
على صعيد آخر، تحركت موسكو دبلوماسياً لمواجهة تصاعد النشاط الغربي والتهديد بضربات جديدة، وطلبت عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي قالت إنها ستكون مخصصة لبحث نتائج قمة طهران التي جمعت أخيراً رؤساء روسيا وتركيا وإيران.
وأفاد ناطق باسم البعثة الروسية لدى المنظمة الدولية إن «روسيا طلبت عقد جلسة علنية لمجلس الأمن الدولي، نظراً إلى اهتمام أولاه عدد من أعضاء المجلس لنتائج القمة الروسية الإيرانية التركية. وينطلق موقفنا من أن الوضع حول محافظة إدلب السورية، حيث تتمركز حالياً قوى الإرهابيين الرئيسية، يثير اهتماماً بالغاً». وجدد المتحدث موقف موسكو حول أن «مواصلة الحرب على الإرهابيين حتى القضاء النهائي عليهم، وتحرير السكان المدنيين من سيطرتهم، يشكّلان أولوية ملحّة للمجتمع الدولي بأسره».
ورغم أن الدعوة الروسية حملت عنوان «قمة طهران»، فإن مصدراً دبلوماسياً روسياً قال إن موسكو ترى «ضرورة وضع مجلس الأمن أمام مسؤولياته في إطار التحضيرات الغربية الجارية لتصعيد جديد في سوريا». مشيراً إلى أن اطلاع المجلس على مواقف الأطراف الضامنة لمسار أستانة، و«رغم التباين في المواقف بينها حول إدلب لكنه مهم خصوصاً في هذه المرحلة الحاسمة».