حوالي 20 ألف كردي سوري محرومون من الجنسية و46 ألفاً «مكتومو القيد»

تقرير حقوقي بمناسبة الذكرى الـ57 لـ«الإحصاء الاستثنائي»

TT

حوالي 20 ألف كردي سوري محرومون من الجنسية و46 ألفاً «مكتومو القيد»

أعلنت منظمة «سوريون من أجل الحقيقة والعدالة» أنّ عشرات الآلاف من الأكراد لا يزالون محرومين من الجنسية السورية، وذلك في تقرير موسّع نشر بمناسبة مرور 56 عاماً على ذكرى قيام حكومة دمشق بإحصاء استثنائي في مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا.
وقالت المنظمة في تقرير بعنوان «المواطنة السورية المفقودة: كيف دمر إحصاء عام 1962 حياة الكرد السوريين وهويتهم»، الذي سينشر في مدينة جنيف 18 من الشهر الحالي خلال الدورة الـ39 لمجلس حقوق الإنسان، واطلعت «الشرق الأوسط» على نسخته النهائية، أنّه حتى مطلع العام 2011 كان عدد الأشخاص من فئة أجانب الحسكة، أو ما كانوا يعرف سابقاً قبل حصولهم على الجنسية السورية بـ«حاملي البطاقة الحمراء»، بلغ 346242 فرداً من المسجلين ضمن قيود دوائر النفوس والسجلات المدنية في مدينة الحسكة وبلداتها.
وكشف بسام الأحمد مدير المنظمة: «مع نهاية شهر مايو (أيار) 2018 بلغ عدد الحاصلين على الجنسية السورية من الفئة نفسها 326489 شخصاً، فيما لا يزال هنالك 19753 كردياً من أجانب الحسكة لم يحصلوا على الجنسية بعد».
وبعد اندلاع حركة الاحتجاجات ربيع 2011، وطالبت بإجراء إصلاحات شاملة في البلاد، أصدر النظام الحاكم المرسوم التشريعي 49 في 7 أبريل (نيسان) من العام نفسه، ونصت مادته الأولى على منح «الجنسية العربية السورية للمسجلين في دوائر النفوس تحت بند أجانب الحسكة».
فيما بقيت قضية «مكتومي القيد»، وهم الأفراد الذين لم تذكر أسماؤهم لا في قيود أجانب الحسكة، ولا في سجلات الأحوال المدنية الرسمية معقدة، إذ وصل عددهم حتى بداية 2011 أكثر من 171300 فرد، بحسب التقرير، ويتابع الأحمد حديثه: «حصل 50400 كردي منهم على الجنسية السورية بعد تصحيح وضعهم القانوني من خانة المكتومين إلى فئة الأجانب»، ولفت إلى وجود أكثر من 41000 حالة لم يتم تصحيح وضعها، ولا يزالون محرومين من الجنسية، وأضاف: «كما لا يزال هناك خمسة آلاف شخص لم يقوموا بمراجعة دوائر النفوس من أجل تصحيح وضعهم القانوني، ويرجح أن يكون هؤلاء خارج البلاد».
وبعد صدور المرسوم التشريعي، نشرت جريدة «الثورة» الرسمية في 29 ديسمبر (كانون الأول) 2011، مقابلة مع العميد حسن جلالي معاون وزير الداخلية للشؤون المدنية، ذكر فيها: «أن عدد الطلبات المقدمة لمنح الجنسية وصلت إلى 105152 طلباً، وأنّ عدد الذين تقدموا إلى البطاقات الشخصية بلغ 67540 طلباً، وأنّ عدد الذين حصلوا على البطاقة الشخصية بلغ 67525 شخصاً»، الأمر الذي نفاه مدير منظمة «سوريون» بسام الأحمد، وشدد في حديثه: «كما تبين أعلاه الأرقام التي توصل إليها التقرير عكس ذلك، فالأعداد كانت أكبر بكثير، واعتمدنا على مصادر رسمية من دوائر النفوس بالحسكة وقاموا مشكورين بتزويدنا بهذه الأرقام».
ويرى باحثو المنظمة أن مشروع الإحصاء، «يعمد إلى تدمير حياة المواطنين الأكراد، ومارست الحكومات المتعاقبة على حكم سوريا سياسيات عنصرية وتمييزاً عنصرياً على أساس العرق بحق شريحة من السوريين»، والكلام للباحثة في المنظمة شفق كوجك، وتزيد: «أردنا أن ننقل بأمانة معاناة آلاف الكرد الذين حرموا من أبسط حقوقهم، حيث ما زالَ العديد منهم محرومين من الجنسية وكافة حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية».
وعلى مدى عقود، حُرم الأكراد المسجلون في قيود أجانب الحسكة، ومكتومي القيد، من حق تثبيت وقائع الزواج والولادات في السجلات الرسمية، إلى جانب حرمانهم من وثيقة جواز السفر، وبالتالي عدم تمكنهم من الانتقال إلى خارج البلاد، إلى جانب حرمانهم من التعليم العالي، إضافة إلى فقدان حق العمل لدى دوائر ومؤسسات الحكومة.



الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)

ازدادت مساحة التدخلات الحوثية في صياغة المناهج الدراسية وحشوها بالمضامين الطائفية التي تُمجِّد قادة الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي، مع حذف مقررات ودروس وإضافة نصوص وتعاليم خاصة بالجماعة. في حين كشف تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن عن مشاركة عناصر من «حزب الله» في مراجعة المناهج وإدارة المخيمات الصيفية.

في هذا السياق، كشف ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعمال تحريف جديدة للمناهج، وإدراج المضامين الطائفية الخاصة بالجماعة ومشروعها، واستهداف رموز وطنية وشعبية بالإلغاء والحذف، ووضع عشرات النصوص التي تمتدح قادة الجماعة ومؤسسيها مكان نصوص أدبية وشعرية لعدد من كبار أدباء وشعراء اليمن.

إلى ذلك، ذكرت مصادر تربوية في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة الحوثية أقرّت خلال الأسابيع الأخيرة إضافة مادة جديد للطلاب تحت مسمى «الإرشاد التربوي»، وإدراجها ضمن مقررات التربية الإسلامية للمراحل الدراسية من الصف الرابع من التعليم الأساسي حتى الثانوية العامة، مع إرغام الطلاب على حضور حصصها يوم الاثنين من كل أسبوع.

التعديلات والإضافات الحوثية للمناهج الدراسية تعمل على تقديس شخصية مؤسس الجماعة (إكس)

وتتضمن مادة «الإرشاد التربوي» -وفق المصادر- دروساً طائفية مستمدة من مشروع الجماعة الحوثية، وكتابات مؤسسها حسين الحوثي التي تعرف بـ«الملازم»، إلى جانب خطابات زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي.

وبيّنت المصادر أن دروس هذه المادة تعمل على تكريس صورة ذهنية خرافية لمؤسس الجماعة حسين الحوثي وزعيمها الحالي شقيقه عبد الملك، والترويج لحكايات تُضفي عليهما هالة من «القداسة»، وجرى اختيار عدد من الناشطين الحوثيين الدينيين لتقديمها للطلاب.

تدخلات «حزب الله»

واتهم تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن، الصادر أخيراً، الجماعة الحوثية باعتماد تدابير لتقويض الحق في التعليم، تضمنت تغيير المناهج الدراسية، وفرض الفصل بين الجنسين، وتجميد رواتب المعلمين، وفرض ضرائب على إدارة التعليم لتمويل الأغراض العسكرية، مثل صناعة وتجهيز الطائرات المسيّرة، إلى جانب تدمير المدارس أو إلحاق الضرر بها أو احتلالها، واحتجاز المعلمين وخبراء التعليم تعسفياً.

تحفيز حوثي للطلاب على دعم المجهود الحربي (إكس)

وما كشفه التقرير أن مستشارين من «حزب الله» ساعدوا الجماعة في مراجعة المناهج الدراسية في المدارس الحكومية، وإدارة المخيمات الصيفية التي استخدمتها للترويج للكراهية والعنف والتمييز، بشكل يُهدد مستقبل المجتمع اليمني، ويُعرض السلام والأمن الدوليين للخطر.

وسبق لمركز بحثي يمني اتهام التغييرات الحوثية للمناهج ونظام التعليم بشكل عام، بالسعي لإعداد جيل جديد يُربَّى للقتال في حرب طائفية على أساس تصور الجماعة للتفوق الديني، وتصنيف مناهضي نفوذها على أنهم معارضون دينيون وليسوا معارضين سياسيين، وإنتاج هوية إقصائية بطبيعتها، ما يُعزز التشرذم الحالي لعقود تالية.

وطبقاً لدراسة أعدها المركز اليمني للسياسات، أجرى الحوثيون تغييرات كبيرة على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتهم، شملت إلغاء دروس تحتفي بـ«ثورة 26 سبتمبر (أيلول)»، التي أطاحت بحكم الإمامة وأطلقت الحقبة الجمهورية في اليمن عام 1962، كما فرضت ترديداً لـ«الصرخة الخمينية» خلال التجمعات المدرسية الصباحية، وتغيير أسماء المدارس أو تحويلها إلى سجون ومنشآت لتدريب الأطفال المجندين.

مواجهة حكومية

في مواجهة ما تتعرض له المناهج التعليمية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من تحريف، تسعى الحكومة اليمنية إلى تبني سياسات لحماية الأجيال وتحصينهم.

اتهامات للحوثيين بإعداد الأطفال ذهنياً للقتال من خلال تحريف المناهج (أ.ف.ب)

ومنذ أيام، أكد مسؤول تربوي يمني عزم الحكومة على مواجهة ما وصفه بـ«الخرافات السلالية الإمامية العنصرية» التي تزرعها الجماعة الحوثية في المناهج، وتعزيز الهوية الوطنية، وتشذيب وتنقية المقررات الدراسية، وتزويدها بما يخدم الفكر المستنير، ويواكب تطلعات الأجيال المقبلة.

وفي خطابه أمام ملتقى تربوي نظمه مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب (شرق صنعاء) بالتعاون مع منظمة تنموية محلية، قال نائب وزير التربية والتعليم اليمني، علي العباب: «إن ميليشيات الحوثي، تعمل منذ احتلالها مؤسسات الدولة على التدمير الممنهج للقطاع التربوي لتجهيل الأجيال، وسلخهم عن هويتهم الوطنية، واستبدال الهوية الطائفية الفارسية بدلاً منها».

ووفقاً لوكالة «سبأ» الحكومية، حثّ العباب قيادات القطاع التربوي، على «مجابهة الفكر العنصري للمشروع الحوثي بالفكر المستنير، وغرس مبادئ وقيم الجمهورية، وتعزيز الوعي الوطني، وتأكيد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) المجيدتين».

قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

ومنذ أيام توفي الخبير التربوي اليمني محمد خماش، أثناء احتجازه في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة الحوثية، بعد أكثر من 4 أشهر من اختطافه على خلفية عمله وزملاء آخرين له في برنامج ممول من «يونيسيف» لتحديث المناهج التعليمية.

ولحق خماش بزميليه صبري عبد الله الحكيمي وهشام الحكيمي اللذين توفيا في أوقات سابقة، في حين لا يزال بعض زملائهم محتجزين في سجون الجماعة التي تتهمهم بالتعاون مع الغرب لتدمير التعليم.

وكانت الجماعة الحوثية قد أجبرت قبل أكثر من شهرين عدداً من الموظفين المحليين في المنظمات الأممية والدولية المختطفين في سجونها على تسجيل اعترافات، بالتعاون مع الغرب، لاستهداف التعليم وإفراغه من محتواه.