مصر تستنسخ الأحياء القديمة في المدن الجديدة

«غاردن سيتي» في العاصمة الإدارية... و«الحي اللاتيني» بالعلمين

نموذج لحي غاردن سيتي بالعاصمة الإدارية الجديدة  - نموذج للحي اللاتيني  بمدينة العلمين الجديدة - شارع تراثي بالقاهرة الخديوية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
نموذج لحي غاردن سيتي بالعاصمة الإدارية الجديدة - نموذج للحي اللاتيني بمدينة العلمين الجديدة - شارع تراثي بالقاهرة الخديوية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر تستنسخ الأحياء القديمة في المدن الجديدة

نموذج لحي غاردن سيتي بالعاصمة الإدارية الجديدة  - نموذج للحي اللاتيني  بمدينة العلمين الجديدة - شارع تراثي بالقاهرة الخديوية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
نموذج لحي غاردن سيتي بالعاصمة الإدارية الجديدة - نموذج للحي اللاتيني بمدينة العلمين الجديدة - شارع تراثي بالقاهرة الخديوية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

أعلنت مصر عن نيتها إعادة استنساخ بعض الأحياء التراثية القديمة بطرزها المعمارية في المدن الجديدة التي يتم بناؤها حالياً، لإعطائها طابعاً سياحياً، وصبغها بصبغة معمارية قديمة، وبينما أيّد البعض هذا المقترح باعتباره وسيلة للارتقاء بالذوق، ورفع قيمة هذه المدن اقتصادياً وسياحياً، انتقد آخرون الخطوة، مؤكدين أن الأفضل هو السعي لإيجاد طابع معماري خاص لهذه المدن الجديدة بدلاً من استنساخ القديمة.
وبدأت وزارة الإسكان إنشاء حي على طراز الإسكندرية القديمة بمدينة العلمين الجديدة بالساحل الشمالي، وأعلن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري ووزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، في بيان صحافي أنه تم «إسناد الأعمال إلى 6 شركات مقاولات مصرية كبرى، لتنفيذ منطقة بطابع الإسكندرية القديمة، على طراز المدن الكلاسيكي، تحت مسمى (الحي اللاتيني)، بمدينة العلمين الجديدة، بنمط الطراز المعماري الروماني والإغريقي القديم، على مساحة نحو 450 فداناً، وتضم نحو 12 ألف وحدة سكنية، بجانب الخدمات المختلفة»، على أن يكون متوسط عدد الأدوار بالمباني من 4 إلى 7 أدوار.
وأوضح هاني يونس، المستشار الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء، أن «الهدف من المشروع هو جعل مدينة العلمين مدينة جاذبة»، مشيراً إلى أن «الحي اللاتيني سيتم إنشاؤه في المنطقة الجنوبية من المدينة والبعيدة عن الشاطئ، وستضم إلى جانب ذلك جامعات ومدينة تراثية، وأوبرا ومجمع سينمات، وبحيرات».
في الوقت نفسه، أعلنت وزارة الإسكان عن البدء في إنشاء «غاردن سيتي الجديدة» على مساحة ألف فدان، في العاصمة الإدارية الجديدة، وستضم 23 ألف وحدة سكنية عبارة عن شقق سكنية وفيلات متصلة وشبه متصلة، ومنفصلة، إضافة إلى عدد من الوحدات الفاخرة، على الطراز الفرنسي، الموجود بمنطقة وسط البلد، وسيضم الحي مجموعة من الأبراج السكنية، وفندق 5 نجوم.
ويعتبر الدكتور ماجد عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة والخبير العقاري، هذه الخطوة «فكرة جيدة»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «استنساخ الأحياء ذات الطابع المعماري المميز، فكرة جيدة، لأن الناس تحب هذه النوعية من المباني ذات الطراز المعماري اليوناني أو الفرنسي، بعيداً عن الطرز المعمارية الحديثة التي تشبه مكعبات الإسمنت، وعلب الكبريت»، مشيراً إلى أن «هذه الخطوة ستمنح المدن الجديدة شخصية وتحوّلها إلى مزار سياحي وتمنحها مسحة من عبق التاريخ، وترفع من قيمتها الاقتصادية».
لكنّ هذا لا يمنع الاهتمام بالأحياء القديمة التاريخية، ويقول عبد العظيم إنه «لا بد من الاهتمام بالتراث المعماري والعمارات القديمة وتجديدها وتطويرها، فهي ثروة عقارية لا ينبغي إهمالها».
في السياق نفسه، يتم حالياً تطوير عدد من المباني ذات الطراز المعماري المتميز بمنطقة وسط البلد، ضمن مشروع القاهرة التاريخية، والذي يتضمن إلى جانب تطوير المباني التراثية، وضع خطة لإعادة استغلال المباني الحكومية ذات الطراز المعماري المتميز، بعد انتقال هذه الهيئات والوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة، ومن بينها مبنى مجمع التحرير، الذي توجد أفكار لتحويله إلى فندق سياحي.
لكن وزير الثقافة المصري الأسبق فاروق حسني يرفض الفكرة، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يجب صنع الملابس الجديدة من أكفان الموتى»، متسائلاً: «لماذا ترتبط كل أفكارنا بالحنين إلى الماضي، ولماذا لا نصنع حضارتنا وعمارتنا، نحن لسنا أقل من سابقينا، فلماذا نعود ونحن في الألفية الثالثة مئات السنين إلى الوراء؟».
ويضيف: «نحتاج إلى جهد في الخيال لإنشاء مدن ذات طابع معماري مميز دون أن نقلد أو نستنسخ التاريخ»، مشيراً إلى أن «حي غاردن سيتي سمِّي بذلك لأنه كان مليئاً بالحدائق، فلماذا لا تكون الفكرة في الحي الجديد معتمدة على حي مليء بالحدائق، مع عمارة حديثة ومميزة، فنستحضر الأحياء القديمة بأفكارها لا بشكلها، لنترك بصمتنا في التاريخ والعمارة بعد مئات السنين».
وانتقد حسني «انتشار المباني والعمارة الخالية من الذوق في المدن الجديدة، لأنها قائمة على التقليد دون رؤية واضحة أو دراسة لطبيعة المكان، وتعتمد على الفخامة، رغم أن الجمال في البساطة»، على حد قوله.
وحي غاردن سيتي تم إنشاؤه على الطراز الإنجليزي، واعتمد على الشوارع الدائرية، وفقاً لكتاب «شوارع لها تاريخ» للكاتب عباس الطرابيلي، وضم مجموعة من القصور والفيلات التي تحولت مع الوقت إلى مبانٍ حكومية، وتم إهمال وهدم بعضها.



الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة

الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة
TT

الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة

الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة

يَعدّ المصريون الاستثمار العقاري من بين أكثر أنواع الاستثمار أمناً وعائداً، مع الأسعار المتزايدة يوماً بعد يوم للوحدات السكنية والتجارية في مختلف الأحياء المصرية، بناءً على تغيّرات السوق، وارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء، ورغم أن هذه المتغيرات تحدد سعر المتر السكني والتجاري، فإن بعض الوحدات السكنية قد تشذّ عن القاعدة، ويخرج سعرها عن المألوف لوقوعها في حي راقٍ شهير وسط القاهرة وتطل على النيل، أو حتى في عمارة سكنية شهيرة.
وبتصفح إعلانات بيع الوحدات السكنية على المواقع الإلكترونية والتطبيقات المخصصة لذلك قد يصطدم المشاهد برقم غريب يتجاوز الأسعار المتعارف عليها في الحي بشكلٍ كبير جداً، لتقفز من وحدات سكنية سعرها 3 ملايين جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 15.6 جنيه مصري)، إلى أخرى مجاورة لها بأربعين مليوناً، هذه الإعلانات التي يصفها متابعون بأنها «غريبة جداً» على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط أسئلة منطقية عن السبب الرئيسي وراء هذه الأسعار، التي تؤكد تفوق أسعار بيع بعض الشقق السكنية على أسعار فيلات بالمدن الجديدة.
على كورنيش النيل، تطل واحدة من أشهر العمارات السكنية بحي الزمالك وسط القاهرة، تحديداً في عمارة «ليبون» التي سكنها عدد من فناني مصر المشهورين في الماضي، تُعرض شقة مساحتها 300 متر للبيع بمبلغ 40 مليون جنيه، أي نحو 2.5 مليون دولار، رغم أن متوسط سعر المتر السكني في الحي يبلغ 23 ألف جنيه، وفقاً لموقع «عقار ماب» المتخصص في بيع وشراء الوحدات السكنية في مصر.
ولا يشتري الناس بهذه الأسعار مجرد شقة، بل يشترون ثقافة حي وجيراناً وتأميناً وخدمات، حسب حسين شعبان، مدير إحدى شركات التسويق العقاري بحي الزمالك، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «عمارة ليبون واحدة من أعرق العمارات في مصر، وأعلاها سعراً، والشقة المعروضة للبيع كانت تسكنها الفنانة الراحلة سامية جمال»، مؤكداً أن «هذه الإعلانات تستهدف المشتري العربي أو الأجنبي الذي يبحث عن عقار مؤمّن، وجيراناً متميزين، وثقافة حي تسمح له بالحياة كأنه في أوروبا، فسعر الشقة ربما يكون مماثلاً لسعر فيلا في أفضل التجمعات السكنية وأرقاها في مصر، لكنه يبحث عن شقة بمواصفات خاصة».
وفي عام 2017 أثار إعلان عن شقة بجوار فندق «أم كلثوم» بالزمالك، الجدل، بعد عرضها للبيع بمبلغ 3 ملايين دولار، وتبين فيما بعد أن الشقة ملك للسياسي المصري أيمن نور، لكن شعبان بدوره يؤكد أن «الناس لا تهتم بمن هو مالك الشقة في السابق، بل تهتم بالخدمات والجيران، وهذا هو ما يحدد سعر الشقة».
ويعد حي الزمالك بوسط القاهرة واحداً من أشهر الأحياء السكنية وأعلاها سعرها، حيث توجد به مقرات لعدد كبير من السفارات، مما يجعله مكاناً لسكن الأجانب، وينقسم الحي إلى قسمين (بحري وقبلي) يفصلهما محور (26 يوليو)، ويعد الجانب القلبي هو «الأكثر تميزاً والأعلى سعراً، لأنه مقر معظم السفارات»، وفقاً لإيهاب المصري، مدير مبيعات عقارية، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «ارتفاع الأسعار في الزمالك مرتبط بنقص المعروض في ظل ازدياد الطلب، مع وجود أجانب يدفعون بالعملات الأجنبية، وهم هنا لا يشترون مجرد إطلالة على النيل، بل يشترون خدمات وتأميناً عالي المستوى».
وعلى موقع «أوليكس» المخصص لبيع وتأجير العقارات والأدوات المنزلية، تجد شقة دوبليكس بمساحة 240 متراً في الزمالك مكونة من 4 غرف، معروضة للبيع بمبلغ 42 مليون جنيه، وشقة أخرى للبيع أمام نادي الجزيرة مساحة 400 متر بمبلغ 40 مليون جنيه.
ورغم ذلك فإن أسعار بعض الوحدات المعروضة للبيع قد تبدو مبالغاً فيها، حسب المصري، الذي يقول إن «السعر المعلن عنه غير حقيقي، فلا توجد شقة تباع في عمارة (ليبون) بمبلغ 40 مليون جنيه، وعند تنفيذ البيع قد لا يتجاوز السعر الثلاثين مليوناً، وهو سعر الوحدة السكنية في عمارة (العبد) المطلة على نادي الجزيرة والتي تعد أغلى عقارات الزمالك».
والشريحة المستهدفة بهذه الأسعار هي شريحة مختلفة تماماً عن الشريحة التي يستهدفها الإسكان الاجتماعي، فهي شريحة تبحث عن أسلوب حياة وإمكانيات معينة، كما يقول الخبير العقاري تامر ممتاز، لـ«الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن «التعامل مع مثل هذه الوحدات لا بد أن يكون كالتعامل مع السلع الخاصة، التي تقدم ميزات قد لا تكون موجودة في سلع أخرى، من بينها الخدمات والتأمين».
وتتفاوت أسعار الوحدات السكنية في حي الزمالك بشكل كبير، ويقدر موقع «بروبرتي فايندر»، المتخصص في بيع وتأجير العقارات، متوسط سعر الشقة في منطقة أبو الفدا المطلة على نيل الزمالك بمبلغ 7 ملايين جنيه مصري، بينما يبلغ متوسط سعر الشقة في شارع «حسن صبري» نحو 10 ملايين جنيه، ويتباين السعر في شارع الجبلاية بالجانب القبلي من الحي، ليبدأ من 4.5 مليون جنيه ويصل إلى 36 مليون جنيه.
منطقة جاردن سيتي تتمتع أيضاً بارتفاع أسعار وحداتها، وإن لم يصل السعر إلى مثيله في الزمالك، حيث توجد شقق مساحتها لا تتجاوز 135 متراً معروضة للبيع بمبلغ 23 مليون جنيه، ويبلغ متوسط سعر المتر في جاردن سيتي نحو 15 ألف جنيه، وفقاً لـ«عقار ماب».
وتحتل الشقق السكنية الفندقية بـ«فورسيزونز» على كورنيش النيل بالجيزة، المرتبة الأولى في الأسعار، حيث يبلغ سعر الشقة نحو 4.5 مليون دولار، حسب تأكيدات شعبان والمصري، وكانت إحدى شقق «فورسيزونز» قد أثارت الجدل عندما عُرضت للبيع عام 2018 بمبلغ 40 مليون دولار، وبُرر ارتفاع السعر وقتها بأن مساحتها 1600 متر، وتطل على النيل وعلى حديقة الحيوانات، وبها حمام سباحة خاص، إضافة إلى الشخصيات العربية المرموقة التي تسكن «فورسيزونز».
وتحدد أسعار هذا النوع من العقارات بمقدار الخدمات والخصوصية التي يوفّرها، وفقاً لممتاز، الذي يؤكد أن «العقار في مصر يعد مخزناً للقيمة، ولذلك تكون مجالاً للاستثمار، فالمشتري يبحث عن عقار سيرتفع سعره أو يتضاعف في المستقبل، ومن المؤكد أنه كلما زادت الخدمات، فإن احتمالات زيادة الأسعار ستكون أكبر، خصوصاً في ظل وجود نوع من المستهلكين يبحثون عن مميزات خاصة، لا تتوافر إلا في عدد محدود من الوحدات السكنية».