مطاردة مثيرة لسيارة مجنونة على مدرجات ثالث أكبر مطار في فرنسا

ما شهده أمس مطار سان أكزوبيري في مدينة ليون، ثانية المدن الفرنسية، كان أشبه بفيلم سينمائي هوليوودي توافرت له كل عناصر الإثارة... سيارة ضخمة من طراز مرسيدس تسير على الطريق السريع عكس السير لعشرات الكيلومترات، قبل أن تقتحم حرم مطارا أولا يستخدمه عادة رجال الأعمال لطائراتهم الخاصة ثم تخرج منه لتقطع كيلومترات إضافية على الطريق نفسه، وفوقها تحوم طوافة تابعة للدرك وتتبعها سيارات الشرطة. ثم مجددا تقتحم السيارة المجنونة المطار الرئيسي لمدينة ليون وهو ثالث كبرى المطارات الفرنسية حيث عشرات الطائرات الرابضة وآلاف الركاب. وهناك وبسرعة فائقة وبعد أن حطمت حاجزين أمنيين «تنزّه» السائق المتسلل على المدارج وخلفه سيارات الشرطة التي تلاحقه دون أن تنجح في إيقاف سيارته، فتنتقل من مدرج إلى مدرج وتلولب بين الطائرات التي كان ركابها يتفرجون على المشهد المثير. وبعد أن توقفت السيارة بسبب ارتطامها بأكمة، نزل منها السائق ليسرع راكضا ووراءه رجال الأمن الراجلون والسيّارون. وأخيرا، وضعوا أيديهم عليه ليقتادوه إلى مقر أمني داخل المطار حيث توقفت الحركة الملاحية ساعات كثيرة ولم تعاود إلا عصرا.
حتى مساء أمس، لم تكشف الشرطة هوية السائق المتسلل البالغ من العمر 31 عاما، كذلك امتنعت المصادر الفرنسية عن الحديث عن عمل إرهابي، لكنها أشارت إلى أن اسمه «غير مسجل» على لوائح الأشخاص المتعصبين دينيا، ما يعني بشكل غير مباشر أنه مسلم، كما أنه ليست له سوابق عدلية. وبالمقابل، أكدت هذه المصادر أنه مصاب بـ«اضطرابات نفسية»، من غير الخوض في مزيد من التفاصيل، باستثناء أن السيارة المرسيدس رمادية اللون التي كان يمتطيها مسجلة في لوكسمبورغ. ورجح المدعي العام في مدينة ليون أن تكون السيارة المرسيدس مسروقة.
وكانت ملاحقة هذا الشخص بدأت على الطريق السريع الواصل بين مدينتي شمبري وليون قبيل ظهر أمس. واللافت أنه رغم الإمكانات اللوجستية الواسعة المتوافرة لرجال الشرطة والدرك وأمن المطار، فإن المتسلل نجح في قطع عشرات الكيلومترات على الطريق السريع واقتحم مطارين و«تنزّه» على مدرجات المطار الرئيس العائد إلى مدينة ليون. وقد احتاجت القوى الأمنية لكثير من الوقت قبل أن تتمكن من إيقافه باستخدام الصاعق الكهربائي «تايزر». ووُضع السائق قيد التوقيف من غير إحالة هذه المسألة إلى النيابة العامة المتخصصة بشؤون الإرهاب التي تتابع في أي حال التحقيق عن كثب.
لم تكن هذه الحادثة الوحيدة التي أثارت قلق الفرنسيين، إذ سبقتها بساعات قليلة عملية طعن ارتكبها مواطن أفغاني في باريس وأصاب 7 أشخاص، بينهم 4 إصاباتهم خطرة. وحصلت الحادثة قبيل منتصف ليل الأحد (الاثنين) شمال باريس قريبا من «قناة أورك» حيث تكثر المقاهي والملاهي ودور السينما. ومن بين المصابين مواطنان بريطانيان وآخر مصري الجنسية. ويبدو أن التعليمات المعطاة لرجال الأمن والأشخاص المعنيين الذين هم على علاقة بتحقيق رجال الشرطة والقضاء هي الابتعاد عن الإثارة والاقتصاد في التصريحات.
وكما في حالة حادثة ليون، فإن الجهات الرسمية لم تربط ما شهدته الحادثة الخطيرة في باريس بعمل إرهابي. وقال مصدر قريب من التحقيق إنه «لا شيء في هذه المرحلة يدل على طابع إرهابي لهذه الاعتداءات». وعهدت نيابة باريس بتحقيق فُتح في قضية محاولة قتل عمد إلى الشرطة القضائية التي ستتابع إدارة مكافحة الإرهاب فيها الوضع «عن كثب»، وفق ما ذكره مصدر قضائي.
وأفاد مصدر آخر قريب من الملف بأن المشتبه به الذي يتم التدقيق في هويته، أفغاني الجنسية وهو مولود في 1987. وقد استخدم المعتدي سكينا -قال أحد الشهود إن نصلها يبلغ ما بين 25 إلى 30 سنتيمتر- وقضيبا حديديا. والواضح أن المهاجم اعتدى على أشخاص لا يعرفهم.
ليست المرة الأولى التي تحصل فيها اعتداءات بالسكين في فرنسا، بل هي المرة السادسة منذ شهر مايو (أيار) الماضي. والفرق هذه المرة أن أشخاصا كانوا متواجدين في المكان لاحقوا المعتدي وحاولوا القبض عليه، بل استهدفوه بكرات حديدية تستخدم عادة في إحدى الألعاب الشعبية في فرنسا والمسماة «بيتانك». ورغم امتناع القضاء عن الإشارة إلى عملية إرهابية، فإن النيابة العامة المتخصصة بالشؤون الإرهابية تتابع عن قرب مجريات التحقيق الذي يمكن أن تضع اليد عليه عند توافر مزيد من المعلومات. وحتى مساء أمس لم تتبن أي جهة الاعتداء. وعلى أي حال، فإن تبني «داعش» لعمليات من هذا النوع لا يعني بالضرورة صحة علاقته بها، إذ درج التنظيم الإرهابي على تبني عمليات، تبين لاحقا أنها ليست إرهابية، أو أنه لا علاقة لأي تنظيم خارجي بها.