إعلاميو ليبيا يدفعون ثمن الفوضى

صحافة عمرها 150 عاماً تتعرض لـ«التغييب القسري»

مقر إذاعة شباب بنغازي («الشرق الأوسط»)
مقر إذاعة شباب بنغازي («الشرق الأوسط»)
TT

إعلاميو ليبيا يدفعون ثمن الفوضى

مقر إذاعة شباب بنغازي («الشرق الأوسط»)
مقر إذاعة شباب بنغازي («الشرق الأوسط»)

يدفع إعلاميو ليبيا ثمن الفوضى التي تضرب بلادهم منذ 2011، وتعرضت تجربة العمل الصحافي البالغ عمرها في هذا البلد نحو 150 عاماً، للتغييب القسري. فبعد رحيل نظام معمر القذافي، ظهر المئات من الشبان المتحمسين لخوض مرحلة إعلامية جديدة، وطي صفحة «البوق الواحد» في الإعلام التي اتسم بها العهد السابق، لكن، ومنذ عام 2012، تعرضت وسائل الإعلام الجديدة لموجة كراهية أدت إلى تشريد عشرات الصحافيين، ما بين القتل والاختفاء والهجرة للخارج.
ولم يتوقف البحث عن المدون الليبي عبد المعز بانون، في عموم البلاد. واختفى بشكل مفاجئ في العاصمة طرابلس قبل نحو عامين، ليوضع اسمه مع قائمة طويلة من أسماء إعلاميين تم قتلهم أو تغييبهم قسراً منذ اندلاع الانتفاضة المسلحة قبل نحو سبع سنوات.
يقول الإعلامي فرج غزالي، الذي يعمل في قناة «ليبيا اليوم»، وهي من قنوات القطاع الخاص: «لم يعد في الإمكان العمل من داخل البلاد. هذا أمر أصبح محفوفاً بالمخاطر. تعرض كثير من أصدقائي وزملائي إما للقتل وإما للاختطاف. هناك زملاء نبحث عنهم منذ سنوات دون أن نعرف إلى أين انتهى مصيرهم، ومن هؤلاء يوسف الدعيكي، وعبد المعز بانون».
والدعيكي مفقود، مع عشرات الإعلاميين الآخرين منذ 2011. وكان في السابق يعمل في إذاعة مدينة «بني وليد» المحلية. وتقع المدينة قرب طرابلس. وظلت إذاعتها، مع إذاعة مدينة «سرت» المجاورة لها، تواصلان البث وتذيعان مواد إعلامية رافضة لتدخل حلف الناتو في ليبيا.
قلبت أحداث ما يعرف بـ«الربيع العربي»، كل شيء رأساً على عقب. في البداية كان الشبان الليبيون يتطلعون إلى مرحلة إعلامية جديدة. فمع بداية عام 2012 جرى إصلاح ماكينات طباعة الصحف واستيراد أخرى، وانتشار صحف «التابلويد»، مع إعادة تشغيل الإذاعات المسموعة والمرئية، وتحديث الاستوديوهات، وخوض دورات تدريبية، والعمل بحرية أكبر، بيد أن هذا كله انتهى مع توغل الميليشيات وسيطرتها على مقاليد الدولة.
ثم دخلت على المشهد مجاميع متطرفة أكثر دموية، منذ عام 2014، مثل تنظيم «داعش»، ليتحول الإعلاميون، سواء من الليبيين أو الأجانب، لهدف مستباح من الجميع، ما أقلق المجتمع المحلي والدولي. وأصدر «المركز الليبي لحرية الصحافة»، و«منظمة مراسلون بلا حدود»، صفارة إنذار مشتركة ضد تصاعد الانتهاكات بحق الصحافيين.
حتى بالنسبة إلى الإذاعات المحلية الكثيرة المنتشرة في المدن الليبية، اكتفت بالاهتمام بالشأن المحلي، ومحاولة عدم المساس بخطوط معينة، خصوصاً في غرب البلاد، حيث تقع السلطة الفعلية في يد المسلحين. ويوضح الإعلامي الليبي، عبد العزيز الرواف: «نستطيع أن نقول، بكل ووضح، إن ليبيا حالياً من دون صحافة سواء رسمية أو خاصة».
ويقدر الغزالي عدد الإعلاميين الليبيين المشهورين، ممن اختاروا العمل انطلاقاً من قنوات ليبية لها مكاتب في القاهرة، بين 30 و40 صحافياً وإعلامياً. إلا أن المركز الليبي لحرية الصحافة يقول إن عدد الصحافيين الذين اختاروا الفرار من جحيم الاعتداءات، إلى المنافي، يصل إلى نحو 83 حالة منذ سنة 2014.
ويبدو أن أمل العودة للعمل من داخل ليبيا ما زال بعيداً، فقد قامت مجموعة من الإعلاميين الليبيين بتأسيس رابطة لهم في مصر الأسبوع الماضي، بهدف توحيد الجهود لوضع خطط ورؤى إعلامية وإنشاء آليات ووسائل تقنية تشكّل قاعدة بيانات انسيابية بين الإعلاميين. كما نقل إعلاميون آخرون عائلاتهم إلى مقرات أعمالهم الجديدة في المنافي.
وتستطيع اليوم أن تتأسى لحال الصحافة والإعلام في ليبيا، فقد مرّت التجربة طوال قرن ونصف القرن بعدة محطات ناجحة، أعقبتها انتكاسات كبيرة. ويقول الإعلامي الليبي عبد العزيز الرواف: «من يريد أن يتحدث عن الصحافة في ليبيا، يجب أن يتطرق إلى أكثر من فترة». ويضيف أن «الفترة الأولى كانت مع بداية ظهور الصحافة في ليبيا، وهي تعود إلى منتصف القرن التاسع عشر، عندما كانت ليبيا ولاية عثمانية. وشهدت هذه الفترة صدور صحيفة (طرابلس الغرب) عام 1866، وصحيفة (الترقي) عام 1897».
أما الفترة الثانية، فبدأت مع الاستعمار الإيطالي لليبيا، حيث ظهرت وقتذاك صحف حاولت أن تدعم جهود الليبيين في التخلص من الاستعمار، منها مجلة «ليبيا المصورة» عام 1935. أما الفترة الثالثة فهي مرحلة الاستقرار والنهضة الإعلامية للصحافة الليبية. واستمرت هذه الفترة نحو 17 عاماً من حكم الملك إدريس السنوسي. ويقول الرواف: «في فترة حكم الملك هذه، غاب مقص الرقيب بشكل كبير، وجرى إطلاق العنان لحرية الفكر والإبداع، حيث وصل عدد المطبوعات الليبية في تلك السنوات إلى أكثر من 35 صحيفة ومجلة يومية وأسبوعية».
وبعد ذلك جاء حكم القذافي في سنة 1969. ويصف الرواف هذه الفترة بأنها فترة كساد للصحافة الليبية، فلم توجد بها أي صحيفة خاصة، بل كلها مملوكة للدولة ومؤدلجة بالفكر السياسي، ومؤيدة لنمط الحكم على طول الخط، ولم تعد توجد على الساحة سوى بضعة صحف فقيرة المحتوى... ومع هذا نذكر أنه بداية من عام 2007 ظهرت محاولات مع تيار ليبيا الغد لنشر صحف ومطبوعات تتمتع بهامش ما للحرية، غير أنها سرعان ما اختفت من ساحة الإعلام الليبي.
وفي ما يتعلق بمرحلة ما بعد 2011، يوضح الرواف قائلاً: «نستطيع أن نقول إنه حدثت فيها طفرة مطبوعات وإذاعات وقنوات خاصة ملأت الفضاء الليبي، حتى إن الصحف وصلت إلى 100 صحيفة يومية وأسبوعية، غير أن هذه الطفرة بدأت في التلاشي منذ عام 2013، حين بدأت قبضة الإرهاب بالتغول في المشهد الليبي، واختفت كل هذه الصحف والمطبوعات، ولجأت قلة من الصحافيين إلى النشر الإلكتروني من خلال مواقع إخبارية ليبية، أغلبها من خارج ليبيا».
ومن بين الصحف الورقية اليومية التي كانت تصدر في عهد القذافي: «الزحف الأخضر»، و«الشمس» و«الجماهيرية»... وجرى بعد 2011 استخدام المطابع والبنية التحتية لكل هذه الصحف في استحداث تجارب جديدة، لكنّ هذا لم يستمر. ويقول الغزالي: «لم يعد في الإمكان إصدار صحف ورقية من داخل ليبيا. يتم التنكيل بك والقبض عليك فوراً. الصحافي مطارد أكثر من أي أحد آخر. حتى بالنسبة إلى من تحولوا للتدوين على مواقع الإنترنت... إذا كتبت باسمك الحقيقي أي انتقادات يتم القبض عليك أو تغييبك. أي شخص يهاجم الميليشيات ضروري يتم اعتقاله أو تغييبه».
وتراجعت ليبيا في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لسنة 2018 إلى المركز 162 من أصل 180 بلداً، وفقاً لما ذكره «المركز الليبي لحرية الصحافة»، قائلاً أيضاً إنه جرى تسجيل 46 اعتداءً جسيماً بحق الصحافيين في 2017 في 16 مدينة، وهو «رقم يمثل جزءاً قليلاً من الاعتداءات والجرائم التي يعيشها الصحافيون بشكل يومي». ويضيف أن حوادث العنف ضد الصحافيين تتم بدوافع سياسية في أغلبها، بالإضافة إلى فرض القيود على الوصول للمعلومات والضغوط المتزايدة في غرف الأخبار.
- أبرز القنوات التلفزيونية الليبية
تمتلك حكومة الوفاق المدعومة دولياً، قناتين تلفزيونيتين، هما «الوطنية» و«الرسمية»، ولهما مكاتب في غرب ليبيا.
وهناك قناة «النبأ» المملوكة لقيادي في الجماعة الليبية المقاتلة، المرتبطة بتنظيم القاعدة، بالإضافة إلى قناة «التناصح» التي تتبع دار الإفتاء الليبية، ومتهمة ببث خطاب يدعو للكراهية والعنف.
وتبث كل من «النبأ» و«التناصح» من خارج ليبيا، مثلهما مثل قنوات «ليبيا 24»، و«ليبيا الأحرار»، و«الوطن»، و«قناة 218» العادية، و«218 نيوز»، و«قناة ليبيا روحها الوطن». وكلها تتبع القطاع الخاص.
أما في شرق ليبيا، حيث توجد مقرات للحكومة المؤقتة المنافسة لحكومة الوفاق، فتوجد قناتان، واحدة موالية للجيش الذي يقوده المشير خليفة حفتر، وتحمل اسم «ليبيا الحدث»، وتبث من بنغازي، وأخرى تتلقى الدعم من الحكومة المؤقتة بمدينة البيضاء، اسمها «قناة ليبيا»، لكنها ضعيفة، لأسباب تتعلق بالموارد المالية. وثالثة تحمل اسم «المستقبل» موالية للبرلمان الذي يعقد جلساته في بلدة طبرق. ومن الطريف أن قناة الدولة الرسمية في عهد القذافي، المعروفة باسم «الجماهيرية»، ما زالت تعمل، لكن من خارج ليبيا، وتبث برامج وأخباراً ودعاية مؤيدة للنظام السابق.
وعلى العموم ظهر منذ عام 2011 العديد من المسميات الإعلامية واختفت، لأسباب سياسية أو مالية. فإحدى أشهر القنوات التي كانت تبث من مدينة بني وليد، في الفترة من 2012 إلى 2015، ومؤيدة للنظام السابق، من داخل ليبيا، أغلقت أبوابها بعد أن عجزت عن سداد رواتب العاملين فيها. بينما تعرضت قنوات أخرى في طرابلس للضرب بالقذائف الصاروخية، بسبب معارضتها لحكم الميليشيات.
إذاعة «سرت»...
- من القذافي إلى «داعش»
في أيامه الأخيرة اعتمد الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي على إذاعة «سرت» المحلية في إدارة المعركة، قبل أن يتعرض موكبه للقصف. وتوجد تسجيلات نادرة في أرشيف تابع لأنصار الرئيس الليبي السابق، يظهر فيها صوته وهو يوجه نداءات لمقاتلين موالين له يتمركزون حول مقر إقامته في المدينة.
وفي أحد التسجيلات كان يحث المقاتلين على عدم هدر الذخيرة، للصمود أطول فترة ممكنة أمام الحصار الذي ضربه من حوله المنتفضون المسلحون المدعومون من الناتو.
ومن المواقف المثيرة للانتباه أن إذاعة «سرت» على سبيل المثال ورثها، لبعض الوقت، تنظيم «داعش» حين احتل المدينة في عامي 2015 و2016. وحوّلها إلى منبر دعائي لمنظّريه القادمين من مكتب زعيم التنظيم بالعراق أبو بكر البغدادي. وكان من ضيوف الإذاعة الدائمين، تركي البنعلي، القاضي الشرعي العام لدى «داعش».



كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
TT

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)

أوردت تقارير، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أن ناشري الأخبار كثّفوا ظهورهم على «غوغل ديسكوفر» بهدف زيادة حركات المرور على مواقعهم، وهذا بعدما تراجعت وسائل التواصل الاجتماعي عن دعم ظهور الأخبار منذ مطلع العام. إذ اتجهت «غوغل» إلى نموذج الملخّصات المعزّز بالذكاء الاصطناعي بديلاً عن ترشيح روابط الأخبار من مصادرها، ما أدى إلى تراجع الزيارات تدريجياً. غير أن خبراء ناقشوا الأمر مع «الشرق الأوسط» عدُّوا هذا الاتجاه «رهاناً محفوفاً بالمخاطر، وقد لا يحقق نموذج عمل مستداماً». أبحاث أجرتها «نيوز داش»، وهي أداة متخصصة في تحسين محركات البحث (SEO) موجهة للناشرين والمواقع الإخبارية، أظهرت أن «غوغل ديسكوفر» بات يمثل في المتوسط 55 في المائة من إجمالي حركة المرور الآتية من «غوغل» للناشرين، مقارنة بـ41 في المائة، في دراسة سابقة، ما يعني أن «ديسكوفر» أضحى القناة الكبرى التي تجلب الزيارات إلى مواقع الأخبار.

جدير بالذكر أن «غوغل ديسكوفر» هو موجز للمقالات يظهر على نظامي «أندرويد» و«آبل» عند فتح «غوغل» للتصفّح. ووفق محرّك البحث، فإن المقالات المُوصى بها تُحدَّد وفقاً لاهتمامات المستخدم وعمليات البحث السابقة، ومن ثم، فإن ما يظهر لدى المستخدم من ترشيحات هو موجز شخصي جداً، لذا يحقق مزيداً من الجذب.

محمد الكبيسي، الباحث ومدرب الإعلام الرقمي العراقي المقيم في فنلندا، أرجع تكثيف بعض المواقع الإخبارية وجودها على «غوغل ديسكوفر» إلى احتدام المنافسة الرقمية بين المنصّات للوصول إلى الجمهور. وأوضح: «منطقياً، تسعى مواقع الأخبار إلى الظهور على منصات متعدّدة، مما يعزز فرص الوصول والتفاعل مع الأخبار دون الحاجة للبحث المباشر».

وحدَّد الكبيسي معايير ظهور المقالات على «غوغل ديسكوفر» بـ«جودة المحتوى، والتحديث المستمر، وتوافق SEO، والملاءمة مع اهتمامات المستخدمين وسلوكهم السابق في استخدام وسائل الإنترنت، إضافة إلى الالتزام بمعايير الإعلام والصحافة المهنية».

ومن ثم، بعدما رأى الباحث العراقي تكثيف الاهتمام بأداة «غوغل ديسكوفر» حلاًّ مؤقتاً للمرحلة الحالية، شرح أنه «يمكن القول عموماً إن (غوغل ديسكوفر) قد يُسهم في زيادة معدلات الزيارات للعديد من المواقع الإخبارية، لكن ذلك يعتمد على أهمية المحتوى وملاءمته اهتمامات الجمهور». أما عن الحلول المستدامة فاقترح الكبيسي على صُناع الأخبار تحقيق المواءمة مع تطوّرات المنصات ومواكبة التحديثات؛ لتجنب التبِعات التي قد تؤدي إلى تقليل الظهور أو انخفاض معدلات الوصول».

من جهته، يقول الحسيني موسى، الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة الـ«سي إن إن» العربية، إن «غوغل ديسكوفر» لا يقبل أي مقالات؛ لأن لديه معايير صارمة تتعلق بجودة المحتوى ومصداقيته. وتابع أن «الظهور على (غوغل ديسكوفر) يشترط تقديم معلومات دقيقة تلبّي اهتمامات المستخدمين وتُثري معرفتهم، مع استخدام صور عالية الجودة لا تقل عن 1200 بيكسل عرضاً، وعناوين جذابة تعكس مضمون المقال بشكل شفاف بعيداً عن التضليل». ثم أضاف: «يجب أن تكون المواقع متوافقة مع أجهزة الهواتف الذكية؛ لضمان تجربة مستخدم سلسة وسريعة، مع الالتزام الكامل بسياسات (غوغل) للمحتوى».

وعلى الرغم من أن معايير «غوغل ديسكوفر» تبدو مهنية، عَدَّ موسى أن هذا «الاتجاه لن يحقق مستقبلاً الاستقرار للناشرين... وصحيح أن (غوغل ديسكوفر) يمكن أن يحقق زيارات ضخمة، لكن الاعتماد عليه فقط قد لا يكون واقعاً مستداماً».

ورأى، من ثم، أن الحل المستدام «لن يتحقق إلا بالتنوع والتكيف»، لافتاً إلى أنه «يُنصح بالتركيز على تقديم محتوى ذي قيمة عالية وتحويله إلى فيديوهات طولية (فيرتيكال) مدعومة على منصات التواصل الاجتماعي لجذب المزيد من المتابعين وبناء قاعدة جماهيرية وفية».