إلزام السعوديين الراغبين في الطلاق بكشف الأسباب قبل دخول المحكمة

لم يعد بإمكان السعوديين الراغبين في الانفصال دخول أبواب المحاكم أو أخذ موعد لإثبات الطلاق والمضي في إجراءاته، إلا بعد الإجابة عن عدد من الأسئلة التي تحاول تشخيص أسباب الطلاق، وذلك في مشروع تطلقه وزارة العدل تحت عنوان «مؤشرات الطلاق»، من المنتظر أن يرى النور قريبا، ويتضمن بحث العوامل التي أدت إلى انفصال الطرفين (الزوج والزوجة) من نواح عدة، اجتماعية واقتصادية ودينية وتعليمية.
وكشف الدكتور ناصر العود، مستشار وزير العدل للبرامج الاجتماعية، لـ«الشرق الأوسط»، عن تفاصيل هذا المشروع الذي سيرى النور قريبا، مؤكدا أن معرفة الأسباب أمر مهم جدا للمساهمة في وضع حلول تحد من الطلاق، وشدد على أن الطرفين لن يتمكنا من أخذ موعد لإثبات الطلاق إلا بعد الإجابة عن الأسئلة اللازمة التي تراوح حدود العشرة أسئلة.
وأفاد العود بأن هذه المؤشرات تعد بمثابة الخدمة الاجتماعية التي تقدمها وزارة العدل للباحثين والمهتمين بمعرفة هذه البيانات والراغبين في تحليلها وتقديم الحلول في ضوئها.
وبسؤال العود عن احتمالية تحفظ الزوج أو الزوجة على إبداء أسباب الطلاق، أكد أن الأسباب الخاصة من الصعوبة معرفتها، كاشفا عن أن المؤشرات ستركز على معرفة البيانات الديموغرافية للطرفين، كمرحلة أولى، بحسب قوله.
ووصف العود الطلاق بأنه «مشكلة اجتماعية ونفسية»، قائلا: «وزارة العدل شعرت منذ وقت مبكر بحجم المشكلة وأبعادها وتأثيراتها الاجتماعية والأمنية، فعزمت على وضع المشكلة ضمن أولوياتها، التي تعمل جاهدة، بمشاركة جهات بحثية واجتماعية، لإيجاد الحلول الناجعة لها، وهذا ما تود طرحه من خلال إيجاد مشروع يبين المؤشرات التي توضح أسباب الطلاق وأبعاده، لتعمل على توضيحه للمجتمع والحد منه، وفق أسس علمية رصينة قائمة على البحث العلمي والتحليل وفق رؤية واضحة ورسالة رصينة وأهداف قابلة للتحقيق والمشاهدة».
وعلمت «الشرق الأوسط» أن هذه المؤشرات تتضمن ثلاثة محاور رئيسة، وتنطلق من الجهود البحثية القائمة على التحليل والاستقراء وبعد تمعن وتتبع للمؤشرات الإحصائية في السعودية ومراجعة للدراسات والأبحاث في هذا الشأن، حيث يتضمن المحور الأول (مؤشرات تتعلق بالخصائص الدينية الاجتماعية)، ويشمل السؤال التوافق العمري بين الزوج والزوجة (عدم وجود تباين كبير في سن كل منهما)، والتوافق العلمي والثقافي (المستوى التعليمي يكون متقاربا إلى حد ما)، وتوافق العادات والتقاليد بين الزوجين، ونظرة كل من الزوج والزوجة للحياة الزوجية (القدرة على التوافق الفكري).
ويتناول المحور الثاني من أسئلة مشروع مؤشرات الطلاق في السعودية (مؤشرات تتعلق بالخصائص الاقتصادية)، وتشمل التالي: تحديد المهر والنفقة، وتحديد السكن ونوعه وكيفية التعايش بين الزوجين، وتحديد عمل الزوجة ومدى تقبل الزوج ذلك، واستقلالية الصرف لها دون تدخل الزوج ما لم يكن هناك تراض بينهما.
أما المحور الثالث فيتناول (المؤشرات التي أدت إلى حدوث الطلاق بين الزوجين)، وتندرج في شقين؛ الأول يختص بمؤشرات تتعلق بالحالة العمرية للزوجين والأبناء، وذلك وفق الأسئلة التالية: كم عمر كل من الزوج والزوجة؟ كم عدد الأبناء - إن وجد؟ كم أعمار الأبناء؟ هل كان هذا الزواج هو الأول للزوج؟ هل يوجد لدى الزوج زوجة أخرى؟ هل الزوجة سبق لها الزواج من قبل؟
وأما الشق الثاني من المؤشرات التي أدت إلى حدوث الطلاق، فيتناول مؤشرات تتعلق بالحالة الاجتماعية والاقتصادية، وفق الأسئلة التالية: هل لدى الزوج قصور في الإنجاب؟ ما المستوى التعليمي لكل من الزوج والزوجة؟ هل الزوجة تدرس حاليا؟ هل الزوج يتعاطى مسكرات أو مخدرات؟ هل الزوج سريع الانفعال؟ هل الزوجة سريعة الانفعال؟
وبحسب التصور العام للمشروع الذي خصت وزارة العدل «الشرق الأوسط» بنسخة منه، فإن رؤية المشروع تتضمن «المساهمة في تقديم المعلومات الدقيقة لنسب الطلاق بالسعودية»، في حين تقوم رسالته على «توفير بيانات إحصائية موثوقة لحالات الطلاق ومعلومات أولية عن طالبي الطلاق أو فسخ عقد النكاح أو الخلع من مراجعي المحاكم».
وحول أهداف هذا المشروع، فإنها تشمل دراسة مشكلة الطلاق وأبعادها الاجتماعية والعدلية، وتحديد أهم المؤشرات التي تسهم في إيجاد مشكلة الطلاق بين الزوجين، وتوعية الأسرة الحالية والمقبلة على الزواج بأهم المؤشرات، وتعريف المهتمين بالمؤشرات لأخذها في الاعتبار عند معالجة المشكلة والتحذير من الوقوع فيها، وإعداد البرامج الإرشادية والتوعوية للحد من هذه المشكلة للحفاظ على أمن الأسرة واستقرارها، والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لتحقيق التكامل المجتمعي في الحد من مشكلة الطلاق، وإعداد معايير ومؤشرات تكون بمثابة الدليل الوقائي العدلي وتوضح أسباب مشكلة الطلاق وعلاجها.
وبالنظر إلى مبررات إقامة هذا المشروع، فإن مستشار وزير العدل يلخصها في ازدياد حالات الطلاق وانتشارها في المجتمع، وإيجاد مؤشرات ومعايير تحد من حجم المشكلة وتقلل من آثارها الأسرية والاجتماعية، وتزويد الجهات البحثية ومؤسسات المجتمع المتخصصة بالمعلومات البحثية الخاصة بحالات الطلاق، وتضافر الجهود وتكاملها (البحثية في الجامعات، والعدلية بوزارة العدل) لإيجاد حلول عملية لهذه المشكلة، وإشعار المجتمع بخطورة المشكلة وأبعادها الاجتماعية والعدلية والأمنية على المجتمع، وتكوين حلقة بحثية رصينة بوزارة العدل تبحث أهم الموضوعات المتعلقة بالمواطن وسعادته، وإيجاد دليل علمي يوضح المؤشرات قبل الزواج وبعد الزواج وطرق المعالجة للمشكلة - إن حدثت.
ويفيد مستشار وزارة العدل بأن «متطلبات إعداد هذا المشروع تقوم على إعداد لجنة متخصصة لبحث المشكلة تحت مظلة وزارة العدل، تهتم بقياس الأداء وتحديد المعايير والضوابط والأسس العاملة، مع مشاركة المهتمين من الجامعات والشؤون الاجتماعية في طرح المشكلة وقياس المؤشرات، إلى جانب الاعتماد على الجهود البحثية لمعالجة المشكلة وتطبيق الحلول».
يأتي ذلك في حين تكشف إحصاءات وزارة العدل عن أن نسب الطلاق بالسعودية مستقرة خلال الخمس سنوات الماضية وتقع بين 18 و22 في المائة، بينما تفيد الوزارة ضمن كتابها الإحصائي الـ36 والأخير، بأن أعلى عدد لحالات الطلاق والخلع والفسخ رصد في العاصمة الرياض، حيث بلغ عشرة آلاف و460 حالة، بنسبة 30.2 في المائة من إجمالي الحالات في البلاد، تليها منطقة مكة المكرمة، حيث بلغ عدد الحالات بها 9996 حالة، بنسبة 28.9 في المائة، في حين جاء أدنى عدد لتلك الحالات في منطقة الحدود الشمالية بعدد 319 حالة وبنسبة 0.9 في المائة.