إغراءات الهجرة وعذاباتها.. في رواية مغربية

الكاتب حسن المددي يتناولها فنياً في رواية «ليال بلا جدران»

إغراءات الهجرة وعذاباتها.. في رواية مغربية
TT

إغراءات الهجرة وعذاباتها.. في رواية مغربية

إغراءات الهجرة وعذاباتها.. في رواية مغربية

لقد استطاع الكاتب المغربي حسن المددي أن يكتب رواية مختلفة تماما عن كل ما كتِب حول الهجرة، مغربيا وعربيا، من حيث تناول موضوع هجرة اليد العاملة المغربية في المرحلة التي انطلقت رسميا بموجب اتفاقية بين الدولة المغربية وفرنسا في منتصف 1963، وامتدت عملياتها المتواترة إلى حدود نهاية السبعينات، لتتابع تأثيراتها إلى اليوم. واستطاع أن يسجل فنيا هذه الظاهرة وانعكاساتها اجتماعيا واقتصاديا على التجمعات الريفية المهمشة والمنسية وهي تعيش في زواياها المعتمة في عالم يسوده الفقر والفاقة والقهر والحرمان، وكيف انتقل هؤلاء المنسيون إلى أحد عوالم الوفرة، ليبدأ صراع الهوية والانتماء، وليتسرب المال المنقول من المهجر لكي يلوث القيم التي تعودها الناس في قراهم الوديعة الصامتة الصابرة بين أحضان الجبال، وقد تصدت الرواية للعلاقات الاجتماعية التي تتصدع وتنهار تحت قسوة الحاجة. إنه امتحان عسير لبقاء واستمرار براءة العيش في البادية، فإما الحفاظ على الهوية والعلاقات الحياتية وإما التفريط فيها، سواء من قبل الشباب الذين هاجروا، أو من قبل العيون الدامعة التي أدمنت انتظارهم؛ إما لسد الحاجات العاطفية، وإما لتوفير المتطلبات المادية.
لقد جاءت الرواية زاخرة بالحياة، تتحرك بديناميكية عالية وهي تحتضن فعلها الروائي المتشابك والمتحرك باتجاه مضامين فكرية ومعرفية متوازنة. استطاع أن يتحفنا بهذا العمل الروائي الجميل، حيث يسهب في بنائه المعماري لحاضنة الحدث الروائي (أيت همّان) ويثقلها بعناصرها البشرية، التي ستصبح هي المحرك لزمن يمتد بشكل تلقائي في تلك القرية المغروسة في منطقة أمازيغية على حدود أقدام جبال الأطلس الشامخة، كأنها تنشب أظفار الحاجة متشبثة بقوة بتلك السفوح المتطاولة.. قرية مغموسة في شح كل ما يحيط بها من طبيعة شاسعة، حيث تتعايش بزهد وقناعة مع مفردات الحياة اليومية، قرية استطاعت أن تنجب الأبناء الذين زحفوا يبحثون عما يملأ أفواههم وأحلامهم. إبراهيم الخضار الذي كان ينزف ألما على واقعه باستماتة في سبيل تغييره. ولكنه ما إن تحين فرصة العمل في المهجر الفرنسي حتى تخلى عن نفسه وعن مسؤولياته، حينما انبهر بالعوالم الجديدة التي وجد نفسه منغمسا مع بهجتها الآنية، التي أنسته مغزى هجرته وعلة وجوده، فينساق وراء رغبات الجسد، محاولا أن ينهل من متاهة ما يحيط به، فينغمس حتى الثمالة في البارات والملاهي الليلية، ثم يعشق جاكلين، النادلة الفرنسية ذات الأصول الجزائرية من ناحية الأم، وبسببها يغرق في ملذات لا تنتهي، وينسى زوجته وإعالة أطفاله، ويتزوج بجاكي.. وبسبب غيرته عليها يتشاجر مع شاب صربي من رواد الحانة تحرش بها، ويسفر العراك عن موت الشاب، وضياع إبراهيم في متاهات السجن بعد أن تحكم عليه المحكمة الفرنسية بعشرين سنة، ليختفي من المشهد العام للفعل الروائي وتبقى تأثيراته. أما الشخصية الرئيسة الثانية، فهي شخصية مبارك البياض وهو رفيق طفولة إبراهيم الخضار ورفيق هجرته. ومع أن مبارك كان ذا بناء إيجابي، إلا أن الهجرة صدعت هذا البناء وكشفت شقوقه الخفية، فبدا متعجرفا أنانيا جشعا. كان يمثل الجانب السلبي من المهاجرين الذين ينسلخون من قيم القرية ومثلها وما تعودته. فحينما عاد في أول إجازة من السفر بمعية بعض من أبناء القرية، تزوج فتاة من قرية أخرى بغير رغبتها، وحين عجز عن أداء واجباته الزوجية، تحول إلى وحش كاسر للتنكيل بزوجته وتعذيبها وممارسة العنف اليومي عليها. كما أنه تحول إلى شخص متسلط ومتجبر، متناسيا ماضيه.. لقد مارس كل أنواع الاضطهاد ضد أهل القرية حتى وصل به الأمر لأن يخدع زوجة صديقه إبراهيم، فيحتال عليها للاستيلاء على أراضيها الزراعية بعقود بيع مزورة. ولكن مبارك فشل في كل حياته، وتحول إلى حطام بشري، بعد إصابته بمرض التحجر الرئوي الذي ورثه عن العمل في منجم الفحم حين كان يملأ صدره بالسخام الأسود كل يوم.. هذان هما الشخصيتان الرئيسيتان في الرواية اللذان يشكلان بنيتها المعمارية. وهناك أشخاص ثانويون مثل الحسين، وهو مهاجر استطاع أن يتغلب على ظروف الهجرة، بعدما استطاع محو أميته وانخراطه في الدروس الليلة الحرة، ثم ليتابع دراسته بعد ذلك حتى أصبح أستاذا جامعيا. وهناك أم العيد زوجة إبراهيم الخضار التي ناضلت شظف الحياة في سبيل أطفالها، وخدوج زوجة مبارك المضطهدة، وأحمد المعلم الذي كان يعمل في مدرسة القرية، والفقيه المحتال الفاسد... وغيرهم. كل هؤلاء يكوّنون البناء المعماري للرواية من خلال مساهماتهم في صنع الأحداث.
من الأمور التي أكدتها الرواية، هذه المعادلة الرياضية: حاجة فرنسا إلى يد عاملة رخيصة، يوازيها فائض في اليد العاملة مع نقص في ميادين العمل بالمغرب، وما رافق ذلك من مفارقات وتوترات وتصدعات في البنية الاجتماعية والأخلاقية، والتمزقات التي تنشأ نتيجة لذلك. الاختلال في البنية الاقتصادية لمجتمع «أيت همّان» الذي يعيش على الفلاحة البسيطة، وبين أموال المهاجرين التي حسنت الوضع الاقتصادي من جانب ولكنها خلقت فجوة كبيرة بين فقراء القرية وموسريها الجدد، إضافة إلى أنها أحدثت شرخا كبيرا وتصدعا بينا في البنية العائلية التي هي نواة لمجتمع مقهور لا يملك الحق حتى في التعبير عن رغباته، لذلك نجد الكاتب يغوص في أغوار الناس لاستنباط بعض التوترات والإيماءات والهواجس التي يتعارض بعضها مع التابوهات المحرمة، من خلال التحرشات الجنسية مثلا بين الفقيه ونساء القرية، أو الرغبات المكبوتة التي تتجاوز المحرم، والرواية تزخر بالأمثلة ومنها علاقة خدوج بالمعلم ورغبة مبارك البياض وعبدو البقال في زوجة إبراهيم.
وفي كل ذلك، تنمو الرواية في نسيج متعدد المرجعيات، منها الواقعي ومنها الرمزي، وتتضافر عناصرها وفصولها وأحداثها لحياكة مادة روائية تعتمد على النمو التدريجي لمراحل من الزمن، وهي متوازنة من حيث السرد، فقد أطلق الكاتب لنفسه الحرية في تتبع الأفعال لشخوصه وتحريكها، وشد أوتار الحدث وتنظيم مساراته.. يأتي كل ذلك بلغة شفافة تسيل بتلقائية أقرب إلى الشعر منها إلى النثر.
في غمرة السرد الروائي، أعطى الكاتب حسن المددي لنفسه الحرية لتسليط الأضواء على عدة ظواهر، ومنها ظاهرة السحر والشعوذة من خلال «الثقاف» الذي اعتقد مبارك أنه أصابه وجعله عاجزا جنسيا. وظن أنه تعرض للسحر، مما جعله يلجأ إلى فقيه مشعوذ، أوهمه بأنه مسحور وبأن (الأسياد) يريدون مكرماتهم حتى يبطل السحر. وقد قدم لنا صورة حية عن هذه الظاهرة وشيوعها وضحاياها وطلابها من النساء اللاتي يبحثن عن الحظ في الزواج، ثم تناول الأساليب المستخدمة والعلاجات المقدمة، ومنها الذي يعتمد على خداع النظر وإيهام الضحية من أجل ابتزازها، كما ربط الكاتب بين السحر والجهل والأمية المتفشيين في المجتمع، حيث ترجع بعض الدراسات السوسيولوجية تنامي ظاهرة السحر في ظل البطالة والأمية والتهميش. وقد يكون امتدادا لأنثروبولوجيا ثقافية وتاريخية. وكان للكاتب موقف أدان هذه الظاهرة من خلال تسفيهها وكشف ألاعيبها «ما لم يدركه مبارك، هو أنه لو نظر داخل غطاء الطاجن المقعر قبل وضعه على النار، لرأى تميمتين مثبتتين بقليل من الشمع، وقد سقطتا على وجه الماء الساخن بعد أن ذاب الشمع.. » (ص108). ربط كذلك بين الشعوذة وبعض رجال الدين الذين يستغلون ثقة العامة بهم ليمتهنوا حرفة السحر وبطلانه الذي يدر عليهم الأموال في ظل انحطاط الثقافة والوعي. كما قدم لنا توصيفا رائعا لمسألة (الثقاف) أو العجز الجنسي المؤّقت أو الدائم الذي يفسره سياق السرد بغياب الثقة بين العروسين، ومفهوم فكرة السيطرة التي تحددها تلك الليلة، وغياب فكرة التفاعل الإنساني الحميم بين الزوجين. والتسلح بالعنف من قبل الزوج لترويض زوجته وجعلها مطيعة وخادمة إلى الأبد. لذا، فقد شرع مبارك في ضرب خدوج زوجته والتنكيل بها، مما جعل الاستجابة الجنسية أمرا مستحيلا. وقد ألقى الكاتب الأضواء فنيا على ظاهرة العنف ضد المرأة، وكيف أن المجتمع غير قادر على حمايتها، وكيف أن المجتمع الذكوري يجعل من المرأة سلعة ووسيلة للمتعة والنسل والخدمة والسخرة، وذلك من خلال السلوك الوحشي الذي يسلكه رجال القرية تجاه زوجاتهم.. قدم لتا الكاتب حسن المددي كذلك بانوراما جميلة لزواج القرويات في مواسم الزواج، مما يذكرنا بالمهرجان السنوي للزواج في إحدى مناطق الأطلس تدعى «إملشين» الذي ينجذب إليه السياح بكثرة. هذا المهرجان الذي يقوم على أسطورة مفادها: أن عاشقين من قبيلتين بينهما عداء رفض أعيانهما تزويج فتى وفتاة متحابين، فذهب العريس وانتحر في بحيرة سميت (أيسلي) أي العريس، وفعلت العروس بنفسها الفعل ذاته، ومن دموعها تكونت بحيرة (تسليت) أي العروس. لم يتحدث الكاتب عن هذه الأسطورة، ولكنه أورد وصفا بديعا لزواج مماثل يجري في قرى الأطلسي. كما تناول ظاهرة «التويزة» وهي من ظواهر الحصاد الجماعي الذي يعبر عن مفهوم التعاون بين الناس وما يتخلل ذلك من تفاؤل بعودة العافية إلى الزرع الذي هده الفيضان.. لم يكتف بذلك، بل قدم لنا صورا من حياة الهجرة في باريس وما يلاقيه المتشردون والوافدون والهاربون من بلدانهم، فاتخذوا من أرصفتها مآوي، ومن محطات المترو ملاجئ تقيهم برد الشتاء. وهنا، نرى الكاتب يسلط أضواءه على إبراهيم الذي هام على وجهه حينما خرج من السجن، حتى التقى ثلة من المشردين ومنهم ماجد العراقي الذي تعرض لأسوأ أنواع التعذيب الجسدي والتنكيل النفسي بعد انقلاب شباط البعثي في العراق عام 1963، وكانت محطته باريس التي أصبحت أرصفتها أقل قسوة من المعتقلات في بلده العراق. وجملة القول، فإن رواية «ليال بلا جدران» للكاتب والشاعر المغربي حسن المددي تشكل إضافة نوعية إلى المكتبة العربية لثراء لغتها وغنى مضامينها.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».