عارف علوي... حليف عمران خان بلا ثقل سياسي

الرئيس الجديد لباكستان طبيب أسنان ناجح ونجم برامج حوارية

عارف علوي... حليف عمران خان بلا ثقل سياسي
TT

عارف علوي... حليف عمران خان بلا ثقل سياسي

عارف علوي... حليف عمران خان بلا ثقل سياسي

كما كان منتظراً، جاءت الخطوة السياسية التنظيمية التالية لانتخاب عمران خان رئيساً لحكومة باكستان، تعيين رئيس جديد للجمهورية. ومع أن منصباً رئيس الجمهورية في الكثير من الدول التي تعتمد النظام البرلماني يعد منصب بروتوكولياً يحمل من الرمزية الوطنية أكثر من النفوذ العملي، فإن هذه الرمزية تعني الكثير سواءً على صعيد تأكيد التوافق الشعبي العريض وضمان الوحدة الوطنية الضرورية في بلدان كبيرة الحجم ومتعددة الأعراق والمذاهب. ومما لا شك فيه، أن باكستان، التي تعد من كبريات دول العالم من حيث عدد السكان، والتي عاشت فترات عصيبة من الحروب والتقسيم والانقلابات العسكرية والأحكام منذ ولادتها عام 1947، في أمس الحاجة اليوم إلى فترة طويلة من الاستقرار المطلوب للجم الأزمات الاقتصادية، ومكافحة آفة الفساد، والمشاركة في التصدي لموجات الإرهاب والتطرف والتطرف المضاد.

قد لا يتمتع عارف علوي، رئيس جمهورية باكستان الجديد، بنفوذ أو ثقل سياسي كبير، لكنه مع ذلك معروف جيداً في المجتمع الباكستاني. لماذا؟ لأنه يظهر كثيراً في البرامج الحوارية السياسية التي تُبث في مواعيد عرض تحظى بنسبة مشاهدة عالية على مختلف المحطات التلفزيونية الإخبارية الباكستانية البالغ عددها أربعين محطة. ولقد خلّف دفاع علوي الحماسي القوي عن سياسة رئيس الوزراء الجديد عمران خان، واتهاماته بالفساد لرئيس الوزراء السابق نواز شريف، انطباعاً راسخاً في الرأي العام الباكستاني.
الدكتور عارف علوي يستطيع الحديث لساعات ضد شريف وتأييداً لـ«قائده» عمران خان. بل، وكان من المستحيل لسنوات بالنسبة للشعب الباكستاني ألا يشاهدوا علوي نجماً على إحدى المحطات التلفزيونية في وقت يحظى بنسبة مشاهدة عالية إذا ما صادف وفتح شخص ما جهاز تلفازه. ولأن الرجل بطبيعته شخصٌ مثقّف ومتحضّر ومتعلّم ينتمي إلى الطبقة الوسطى، فإنه غدا بفضل حججه الجدلية وآرائه الناضجة الذكية، محبوباً من الشعب الباكستاني الذي سأم من قادة الأحزاب السياسية الذين يظهرون في البرامج التلفزيونية الحوارية السياسية.

- عضو «حركة الإنصاف»
عارف علوي، في الواقع، عضو مؤسس لحزب «حركة الإنصاف الباكستانية»، الذي أسسه وينتمي إليه عمران خان، لاعب الكريكيت الدولي الشهير الذي تحوّل نحو السياسة، وأصبح رئيس وزراء باكستان بأغلبية ضئيلة في البرلمان.
لماذا وقع اختيار رئيس الوزراء الجديد على الدكتور علوي من بين كل ساسة حزبه ليكون مرشح الحزب للرئاسة؟ يذكر المحللون السياسيون ثلاثة أسباب لاختيار الحزب طبيب الأسنان المسيّس الناجح ليكون مرشحه للرئاسة، وهي:
السبب الأول، مستواه التعليمي الجيد سياسياً وأكاديمياً؛ فهو طبيب جراح للأسنان، ولديه تاريخ طويل من النشاط السياسي في المجتمع الباكستاني.
السبب الثاني، فصاحته، فمن يشاهده ويسمعه وهو يتكلم على شاشات التلفزيون يشهد أنه واحد من أكثر القادة السياسيين فصاحة وبلاغة في باكستان.
السبب الثالث، ولعله الأهم، هو الولاء والإخلاص؛ إذ إنه أمضى فترة غير قصيرة في «التيه السياسي» برفقة عمران خان، وكان دوماً مقرباً منه، بينما كانت الدوائر السياسية الباكستانية تتعامل مع خان كشخص دخيل على السياسة ولا ينتمي إلى كيان.
لقد انضم علوي إلى عمران خان عام 1997 عندما انخرط الأخير في مجال السياسة، وظل مخلصاً وفياً له طوال الفترة التالية. وتقول مصادر مطلعة داخل الحزب عنه، إنه أثبت لخان أنه الأكثر جدارة بالثقة، والأكثر إخلاصاً له بين جميع القيادات في تنظيمه ومحيطه.
كذلك جاء في ملف شخصي رسمي لعارف علوي نُشر على الموقع الإلكتروني لـ«حركة الإنصاف» أن علوي «خاض نقاشات مع عمران قبل تأسيس حركة الإنصاف، وأصبح عضواً مؤسساً للحزب عام 1996، وهو يعمل في المجلس التنفيذي المركزي منذ عام 1996 بلا كلل أو راحة. وبعدها عُيّن رئيساً لمجلس إقليم السند في الحزب عام 1997. وفي العام 2001. رُقي لمنصب نائب رئيس الحزب. ثم عام 2006 أصبح علوي الأمين العام لحزب «حركة الإنصاف» وظل في المنصب حتى عام 2013.

- الرئيس الـ13 لباكستان
انتخب عارف علوي يوم الثلاثاء الموافق 4 سبتمبر (أيلول) 2018 ليكون الرئيس الثالث عشر لباكستان. وصوّت أعضاء البرلمان الاتحادي (بمجلسيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ)، وكذلك مجالس الأقاليم الأربعة خلال العملية الانتخابية لمرشحهم المفضل. وحصل علوي على 353 صوتاً انتخابياً، في حين حصل منافسه مولانا فضل الرحمن، مرشح جماعة «علماء الإسلام» على 185 صوتاً، وحصل اعتزاز أحسن، مرشح حزب الشعب الباكستاني، على 124 صوتاً. والجدير بالذكر، أن منصب الرئيس الباكستاني منصب شرفي، ليس لدى شاغله سوى بعض الصلاحيات التنفيذية المحدودة. وهو يوقّع (الرئيس) على مشاريع القوانين، التي يقرّها البرلمان، لتغدو قوانين، وهو أمر شكلي للغاية. ثم إنه يعد (الرئيس) القائد الأعلى للقوات المسلحة طبقاً للدستور، لكنه منصب شرفي أيضاً لا يتضمن أي صلاحيات. ولقد نشر عمران خان، بعد فوز علوي بالاقتراع الرئاسي، صورة فوتوغرافية قديمة تجمعه به يظهر فيها الاثنان وهما في سن أصغر كثيراً من عمريهما حالياً مع تعليق قال فيه «عندما كان عالمنا أصغر».
كان رئيس الجمهورية الجديد نشطاً جداً إبان فترة عمله في البرلمان، وساهم بقوة في جهود سنّ القوانين في البرلمان الاتحادي طوال فترة عضويته التي امتدت منذ عام 2013 حتى 2018. وتجدر الإشارة إلى أنه انتخب نائباً في البرلمان عن مدينة كراتشي التي رزحت تحت وطأة أعمال العنف العرقي والطائفي على مدى السنوات الماضية. واللافت في الأمر أنه تغلب في المعركة الانتخابية بكراتشي على مرشح حزب «الحركة القومية المتحدة»، وهي جماعة عرقية منخرطة في العنف سيطرت على المشهد السياسي في المدينة التي تعد كبرى مدن باكستان خلال العقود الثلاثة الماضية. ووفق المحلل السياسي فصيح الرحمن «نُظر إلى عارف علوي إبان انتخابات 2013 في كراتشي كانتصار لحزب وطني محب للسلام في مواجهة حزب عرقي كان يميل إلى العنف والجريمة». ومن ناحية أخرى، كان علوي منتقداً قوياً لنواز شريف، رئيس الوزراء السابق، لفساده المالي المزعوم. وظل نشطاً في مواجهته في البرلمان وخارجه أيضاً، وشارك حتى العام الماضي بقوة في مظاهرتين احتجاجيتين نظمهما عمران خان ضد حكومة شريف.
ولئن كانت كل هذه الحقائق غير كافية لبروز علوي في الدوائر السياسية، فلقد جعله ارتباطه الوثيق بالأحزاب الدينية في بداية مسيرته أكثر شهرة في وسائل الإعلام المحلية والعالمية. إذ كان مرتبطاً بجناح الطلبة من «الجماعة الإسلامية» عندما كان طالباً، بل وخاض المنافسة في انتخابات أحد البرلمانات الإقليمية على قائمة «الجماعة الإسلامية» في عقد السبعينات من القرن الماضي. ومن ثم، تصل فترة نشاط علوي السياسي إلى خمسة عقود بدأت بانخراطه في المشهد السياسي الطلابي رئيساً لاتحاد الطلبة بكلية دي مونتمورينسي لطب الأسنان في مدينة لاهور. كذلك، كان له دور مميز في الحركة الطلابية عام 1969 أثناء حكم النظام العسكري للجنرال أيوب خان. وحسب ناشطي حزبه، كان من بين الذين ناضلوا من أجل الديمقراطية في البلاد، وأصيب أثناء مظاهرات في أحد المراكز التجارية في لاهور، وهو لا يزال يحمل «بفخر واعتزاز» رصاصة في ذراعه اليمنى رمزاً لنضاله من أجل تحقيق الديمقراطية في باكستان.

- مع حزبه الحالي
يعود الفضل لطبيب الأسنان في المشاركة في تأسيس «حركة الإنصاف» مع حفنة من الناشطين الآخرين، ويعد واحداً من مؤلفي لوائح الحزب الانتخابية ومن أعضاء الحزب البارزين. ثم إنه نافس على أحد مقاعد برلمان إقليم السند (حيث مدينة كراتشي) في الانتخابات العامة عامي 1997 و2002، لكنه لم ينجح. بعدها – كما سبقت الإشارة – صار واحداً من أعضاء المجلس التنفيذي المركزي بالحزب عام 1996، وظل كذلك لمدة سنة، حتى تعيينه رئيساً للحزب في إقليم السند عام 1997. بعد ذلك عام 2001 رُقي ليتولى منصب نائب رئيس الحزب، ثم أميناً عاماً للحزب عام 2006، وظل في ذلك المنصب حتى عام 2013. ثم فاز بعضوية البرلمان الاتحادي عن الدائرة «إن آيه 250» في كراتشي خلال انتخابات عام 2013.
بعد ذلك خلال الانتخابات العامة الأخيرة، التي أجريت في 25 يوليو (تموز) 2018، فاز بالمقعد البرلماني عن الدائرة «إن آيه 247» في كراتشي بعد حصوله على 91.020 صوتاً، في حين حصل منافسه سيد زمان علي جعفري، مرشح حركة طالبان باكستان، على 24.680 صوتاً فقط.

- خلفية عائلية
ينتمي عارف علوي إلى أسرة متعلمة ومرموقة، وكان والده طبيب أسنان أيضاً. ولقد نشرت صحيفة هندية يوم الأربعاء موضوعاً مثيراً للاهتمام عن رئيس الجمهورية الجديد، ذكرت فيه أنه كان طبيب الأسنان الشخصي للزعيم الاستقلالي الهندي الكبير جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للهند. وجاء في ملفه الشخصي «لقد كان واحداً من أطباء الأسنان البارزين في كراتشي، وهاجر والده دكتور حبيب الرحمن علوي، الذي مارس طب الأسنان في الهند، إلى باكستان عام 1947، وافتتح عيادة لطب الأسنان في بلدة صدر بكراتشي... ولدى الأسرة خطابات مرسلة من نهرو إلى الدكتور علوي».
عودة إلى الرئيس الجديد، المولود يوم 29 يوليو 1949 في كراتشي، فإنه بعد تخرجه في كلية دي مونتمورينسي لطب الأسنان في لاهور، تابع دراسته في الولايات المتحدة الأميركية حاز الماجستير في أحد تخصصات طب الأسنان من جامعة ميشيغان، وماجستير أخرى في تخصص ثانٍ من جامعة الباسيفيك في ولاية كاليفورنيا.
الرئيس الجديد متزوج من سامينا علوي وأنجبا أربعة أبناء تزوّجوا جميعهم، وكوّنوا أسراً. وهو يستمتع بتمضية الوقت مع أحفاده، ويعتبرهم من أجمل المتع وأسباب البهجة في حياته. ثم إنه اعتاد لعب الاسكواش، والكريكيت، والهوكي حين كان شاباً، وهو يستمتع حالياً ببعض اللعب الخفيف، ومشاهدة المباريات.
وما يستحق الذكر، أنه قبل دخوله عالم السياسية كان ناجحاً جداً في عمله طبيب أسنان في كراتشي، وتشهد المؤسسات الطبية الباكستانية والعالمية بكفاءته المهنية. بل وحصل في عام 1997 على شهادة المجلس الأميركي لطب الأسنان.
كذلك كان المؤلف الرئيسي للائحة «الاتحاد الباكستاني لطب الأسنان»، وجرى انتخابه رئيساً لذلك الاتحاد. كذلك أسندت إليه رئاسة «المؤتمر الباكستاني الدولي الأول لطب الأسنان» عام 1981. وعام 1987 أصبح رئيس «المؤتمر الباكستاني الدولي الثالث لطب الأسنان» الذي افتتحه رئيس الوزراء الأسبق محمد خان جونیجو. واختاره الرئيس الباكستاني ليكون راعي «المؤتمر الباكستاني الدولي الخامس لطب الأسنان».
كذلك شغل منصب رئيس «المؤتمر الآسيوي الهادي لطب الأسنان» في دورته الثامنة والعشرين، وحصل على أكثر من زمالة من الكلية الدولية لأطباء الأسنان. وكان أيضاً زميل الكلية الأميركية لأطباء الأسنان، وأكاديمية «بيير فوشار» تقديراً لإنجازاته الأكاديمية والعملية والمهنية الكبرى.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟
TT

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية، بقيادة ميشال بارنييه، في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)، على رأس الحكومة الجديدة. يأتي قرار التعيين في الوقت الذي تعيش فيه فرنسا أزمة برلمانية حادة بسبب غياب الأغلبية وهشاشة التحالفات، مما يضفي على الحياة السياسية جواً من عدم الاستقرار والفوضى. كان هذا القرار متوقَّعاً حيث إن رئيس الوزراء الجديد من الشخصيات المعروفة في المشهد السياسي الفرنسي، والأهم أنه كان عنصراً أساسياً في تحالف ماكرون الوسطي وحليف الرئيس منذ بداية عهدته في 2017. تساؤلات كثيرة رافقت إعلان خبر التعيين، أهمها حظوظ رئيس الوزراء الجديد في تحقيق «المصالحة» التي ستُخرِج البلاد من الأزمة البرلمانية، وقدرته على إنقاذ عهدة ماكرون الثانية.

أصول ريفية بسيطة

وُلِد فرنسوا بايرو في 25 مايو (أيار) عام 1951 في بلدة بوردار بالبرينيه الأطلسية، وهو من أصول بسيطة، حيث إنه ينحدر من عائلة مزارعين، أباً عن جدّ. كان يحب القراءة والأدب، وهو ما جعله يختار اختصاص الأدب الفرنسي في جامعة بوردو بشرق فرنسا. بعد تخرجه عمل في قطاع التعليم، وكان يساعد والدته في الوقت ذاته بالمزرعة العائلية بعد وفاة والده المفاجئ في حادث عمل. بدأ بايرو نشاطه السياسي وهو في سن الـ29 نائباً عن منطقة البرانس الأطلسي لسنوات، بعد أن انخرط في صفوف حزب الوسط، ثم رئيساً للمجلس العام للمنطقة ذاتها بين 1992 و2001. إضافة إلى ذلك، شغل بايرو منصب نائب أوروبي بين 1999 و2002. وهو منذ 2014 عمدة لمدينة بو، جنوب غربي فرنسا، ومفتّش سامٍ للتخطيط منذ 2020.

شغل بايرو مهام وزير التربية والتعليم بين 1993 و1997 في 3 حكومات يمينية متتالية. في 2017 أصبح أبرز حلفاء ماكرون، وكوفئ على ولائه بحقيبة العدل، لكنه اضطر إلى الاستقالة بعد 35 يوماً فقط، بسبب تورطه في تحقيق يتعلق بالاحتيال المالي. ومعروف عن فرنسوا بايرو طموحه السياسي، حيث ترشح للرئاسة 3 مرات، وكانت أفضل نتائجه عام 2007 عندما حصل على المركز الثالث بنسبة قاربت 19 في المائة.

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف (إ.ب.أ)

شخصية قوية وعنيدة

في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون: كيف ضغط رئيس (الموديم) على إيمانويل ماكرون»، كشفت صحيفة «لوموند» أن رئيس الوزراء الجديد قام تقريباً بليّ ذراع الرئيس من أجل تعيينه؛ حيث تشرح الصحيفة، بحسب مصادر قريبة من الإليزيه، أن بايرو واجه الرئيس ماكرون غاضباً، بعد أن أخبره بأنه يريد تعيين وزير الصناعة السابق رولان لوسكور بدلاً منه، واستطاع بقوة الضغط أن يقنعه بالرجوع عن قراره وتعيينه هو على رأس الحكومة.

الحادثة التي نُقلت من مصادر موثوق بها، أعادت إلى الواجهة صفات الجرأة والشجاعة التي يتحّلى بها فرنسوا بايرو، الذي يوصف أيضاً في الوسط السياسي بـ«العنيد» المثابر. ففي موضوع آخر نُشر بصحيفة «لوفيغارو» بعنوان: «فرنسوا بايرو التلميذ المصاب بالتأتأة يغزو ماتنيون»، ذكرت الصحيفة أن بايرو تحدَّى الأطباء الذين نصحوه بالتخلي عن السياسة والتعليم بسبب إصابته وهو في الثامنة بالتأتأة أو الصعوبة في النطق، لكنه نجح في التغلب على هذه المشكلة، بفضل عزيمة قوية، واستطاع أن ينجح في السياسة والتعليم.

يشرح غيوم روكيت من صحيفة «لوفيغارو» بأنه وراء مظهر الرجل الريفي الأصل البشوش، يوجد سياسي محنّك، شديد الطموح، بما أنه لم يُخفِ طموحاته الرئاسية، حيث ترشح للرئاسيات 3 مرات، و«لن نكون على خطأ إذا قلنا إنه استطاع أن يستمر في نشاطه السياسي كل هذه السنوات لأنه عرف كيف يتأقلم مع الأوضاع ويغيّر مواقفه حسب الحاجة»، مذكّراً بأن بايرو كان أول مَن هاجم ماكرون في 2016 باتهامه بالعمل لصالح أرباب العمل والرأسماليين الكبار، لكنه أيضاً أول مع تحالف معه حين تقدَّم في استطلاعات الرأي.

على الصعيد الشخصي، يُعتبر بايرو شخصية محافظة، فهو أب لـ6 أطفال وكاثوليكي ملتزم يعارض زواج المثليين وتأجير الأرحام، وهو مدافع شرس عن اللهجات المحلية، حيث يتقن لهجته الأصلية، وهي اللهجة البيرينية.

رجل الوفاق الوطني؟

عندما تسلّم مهامه رسمياً، أعلن فرنسوا بايرو أنه يضع مشروعه السياسي تحت شعار «المصالحة» ودعوة الجميع للمشاركة في النقاش. ويُقال إن نقاط قوته أنه شخصية سياسية قادرة على صنع التحالفات؛ حيث سبق لفرنسوا بايرو خلال الـ40 سنة خبرة في السياسة، التعاون مع حكومات ومساندة سياسات مختلفة من اليمين واليسار.

خلال مشواره السياسي، عمل مع اليمين في 1995، حيث كان وزيراً للتربية والتعليم في 3 حكومات، وهو بحكم توجهه الديمقراطي المسيحي محافظ وقريب من اليمين في قضايا المجتمع، وهو ملتزم اقتصادياً بالخطوط العريضة لليبيراليين، كمحاربة الديون وخفض الضرائب. وفي الوقت ذاته، كان فرنسوا بايرو أول زعيم وسطي يقترب من اليسار الاشتراكي؛ أولاً في 2007 حين التقى مرشحة اليسار سيغولين رويال بين الدورين الأول والثاني من الانتخابات الرئاسية للبحث في تحالف، ثم في 2012 حين صنع الحدث بدعوته إلى التصويت من أجل مرشح اليسار فرنسوا هولاند على حساب خصمه نيكولا ساركوزي، بينما جرى العرف أن تصوّت أحزاب الوسط في فرنسا لصالح اليمين.

ومعروف أيضاً عن رئيس الوزراء الجديد أنه الشخصية التي مدّت يد المساعدة إلى اليمين المتطرف، حيث إنه سمح لمارين لوبان بالحصول على الإمضاءات التي كانت تنقصها لدخول سباق الرئاسيات عام 2022، وهي المبادرة التي تركت أثراً طيباً عند زعيمة التجمع الوطني، التي صرحت آنذاك قائلة: «لن ننسى هذا الأمر»، كما وصفت العلاقة بينهما بـ«الطيبة». هذه المعطيات جعلت مراقبين يعتبرون أن بايرو هو الأقرب إلى تحقيق التوافق الوطني الذي افتقدته الحكومة السابقة، بفضل قدرته على التحدث مع مختلف الأطياف من اليمين إلى اليسار.

ما هي حظوظ بايرو في النجاح؟رغم استمرار الأزمة السياسية، فإن التقارير الأولية التي صدرت في الصحافة الفرنسية توحي بوجود بوادر مشجعة في طريق المهمة الجديدة لرئيس الوزراء. التغيير ظهر من خلال استقبال أحزاب المعارضة لنبأ التعيين، وعدم التلويح المباشر بفزاعة «حجب الثقة»، بعكس ما حدث مع سابقه، بارنييه.

الإشارة الإيجابية الأولى جاءت من الحزب الاشتراكي الذي عرض على رئيس الوزراء الجديد اتفاقاً بعدم حجب الثقة مقابل عدم اللجوء إلى المادة 3 - 49 من الدستور، وهي المادة التي تخوّل لرئيس الحكومة تمرير القوانين من دون المصادقة عليها. الاشتراكيون الذين بدأوا يُظهرون نيتهم في الانشقاق عن ائتلاف اليسار أو «جبهة اليسار الوطنية» قد يشكّلون سنداً جديداً لبايرو، إذا ما قدّم بعض التنازلات لهم.

وفي هذا الإطار، برَّر بوريس فالو، الناطق باسم الحزب، أسباب هذا التغيير، بالاختلاف بين الرجلين حيث كان بارنييه الذي لم يحقق حزبه أي نجاحات في الانتخابات الأخيرة يفتقد الشرعية لقيادة الحكومة، بينما الأمر مختلف نوعاً ما مع بايرو. كما أعلن حزب التجمع الوطني هو الآخر، وعلى لسان رئيسه جوردان بارديلا، أنه لن يكون هناك على الأرجح حجب للثقة، بشرط أن تحترم الحكومة الجديدة الخطوط الحمراء، وهي المساس بالضمان الصحّي، ونظام المعاشات أو إضعاف اقتصاد البلاد.

يكتب الصحافي أنطوان أوبردوف من جريدة «لوبنيون»: «هذه المرة سيمتنع التجمع الوطني عن استعمال حجب الثقة للحفاظ على صورة مقبولة لدى قاعدته الانتخابية المكونة أساساً من كهول ومتقاعدين قد ترى هذا الإجراء الدستوري نوعاً من الحثّ على الفوضى».

كما أعلن حزب اليمين الجمهوري، على لسان نائب الرئيس، فرنسوا كزافييه بيلامي، أن اليمين الجمهوري سيمنح رئيس الحكومة الجديد شيئاً من الوقت، موضحاً: «سننتظر لنرى المشروع السياسي للسيد بايرو، ثم نقرر». أما غابرييل أتال، رئيس الوزراء السابق عن حزب ماكرون، فأثنى على تعيين بايرو من أجل «الدفاع على المصلحة العامة في هذا الظرف الصعب».

أما أقصى اليسار، الممثَّل في تشكيلة «فرنسا الأبية»، إضافة إلى حزب الخضر، فهما يشكلان إلى غاية الآن الحجر الذي قد تتعثر عليه جهود الحكومة الجديدة؛ فقد لوَّحت فرنسا الأبية باللجوء إلى حجب الثقة مباشرة بعد خبر التعيين، معتبرة أن بايرو سيطبق سياسة ماكرون لأنهما وجهان لعملة واحدة.

فرانسوا بايرو يتحدث في الجمعة الوطنية الفرنسية (رويترز)

أهم الملفات التي تنتظر بايرو

أهم ملف ينتظر رئيس الوزراء الجديد الوصول إلى اتفاق عاجل فيما يخص ميزانية 2025؛ حيث كان النقاش في هذا الموضوع السبب وراء سقوط حكومة بارنييه. وكان من المفروض أن يتم الإعلان عن الميزانية الجديدة والمصادقة عليها قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2024، لولا سقوط الحكومة السابقة، علماً بأن الدستور الفرنسي يسمح بالمصادقة على «قانون خاص» يسمح بتغطية تكاليف مؤسسات الدولة وتحصيل الضرائب لتجنب الشلّل الإداري في انتظار المصادقة النهائية. أوجه الخلاف فيما يخّص القانون تتعلق بعجز الميزانية الذي يُقدَّر بـ60 مليار يورو، الذي طلبت الحكومة السابقة تعويضه بتطبيق سياسة تقشفية صارمة تعتمد على الاقتطاع من نفقات القطاع العمومي والضمان الاجتماعي، خاصة أن فرنسا تعاني من أزمة ديون خانقة حيث وصلت في 2023 إلى أكثر من 3200 مليار يورو. الرفض على المصادقة قد يأتي على الأرجح من اليسار الذي يطالب بإيجاد حل آخر لتغطية العجز، وهو رفع الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء. وكان فرنسوا بايرو من السياسيين الأكثر تنديداً بأزمة الديون، التي اعتبرها مشكلة «أخلاقية» قبل أن تكون اقتصادية؛ حيث قال إنه من غير اللائق أن «نحمّل أجيال الشباب أخطاء التدبير التي اقترفناها في الماضي».

الملف الثاني يخص نظام المعاشات، وهو ملف يقسم النواب بشّدة بين اليمين المرحّب بفكرة الإصلاح ورفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، إلى اليسار الذي يرفض رفع سنّ التقاعد، معتبراً القانون إجراءً غير عادل، وبالأخص بالنسبة لبعض الفئات، كذوي المهن الشاقة أو الأمهات.

وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا كانت قد شهدت حركة احتجاجات شعبية عارمة نتيجة إقرار هذا القانون، وبالأخص بعد أن كشفت استطلاعات الرأي أن غالبية من الفرنسيين معارضة له. صحيفة «لكبرس»، في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون ماذا كان يقول عن المعاشات» تذكّر بأن موقف رئيس الوزراء بخصوص هذا الموضوع كان متقلباً؛ فهو في البداية كان يطالب بتحديد 60 سنة كحّد أقصى للتقاعد، ثم تبنَّى موقف الحكومة بعد تحالفه مع ماكرون.

وعلى طاولة رئيس الوزراء الجديد أيضاً ملف «الهجرة»؛ حيث كان برونو ريتيلو، وزير الداخلية، قد أعلن عن نصّ جديد بشأن الهجرة في بداية عام 2025، الهدف منه تشديد إجراءات الهجرة، كتمديد الفترة القصوى لاحتجاز الأجانب الصادر بحقهم أمر بالترحيل أو إيقاف المساعدات الطبية للمهاجرين غير الشرعيين. سقوط حكومة بارنييه جعل مشروع الهجرة الجديد يتوقف، لكنه يبقى مطروحاً كخط أحمر من قِبَل التجمع الوطني الذي يطالب بتطبيقه، بعكس أحزاب اليسار التي هددت باللجوء إلى حجب الثقة في حال استمرت الحكومة الجديدة في المشروع. وهذه معادلة صعبة بالنسبة للحكومة الجديدة. لكن محللّين يعتقدون أن الحكومة الجديدة تستطيع أن تنجو من السقوط، إذا ما ضمنت أصوات النواب الاشتراكيين، بشرط أن تُظهر ليونة أكبر في ملفات كالهجرة ونظام المعاشات، وألا تتعامل مع كتلة اليمين المتطرف.

إليزابيث بورن (أ.ف.ب)

بومبيدو

دوفيلبان

حقائق

رؤساء الحكومة الفرنسيون... معظمهم من اليمين بينهم سيدتان فقط


منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958، ترأَّس حكومات فرنسا 28 شخصية سياسية، ينتمي 8 منها لليسار الاشتراكي، بينما تتوزع الشخصيات الأخرى بين اليمين الجمهوري والوسط. ومن بين هؤلاء سيدتان فقط: هما إيديت كريسون، وإليزابيث بورن.هذه قائمة بأشهر الشخصيات:جورج بومبيدو: ترأَّس الحكومة بين 1962 و1968. معروف بانتمائه للتيار الوسطي. شغل وظائف سامية في مؤسسات الدولة، وكان رجل ثقة الجنرال شارل ديغول وأحد مقربيه. عيّنه هذا الأخير رئيساً للوزراء عام 1962 ومكث في منصبه 6 سنوات، وهو رقم قياسي بالنسبة لرؤساء حكومات الجمهورية الخامسة. لوران فابيوس: ترأَّس الحكومة بين 1984 و1986. ينتمي للحزب الاشتراكي. شغل منصب وزير المالية، ثم وزيراً للصناعة والبحث العلمي. حين عيّنه الرئيس الراحل فرنسوا ميتران كان أصغر رئيس وزراء فرنسي؛ حيث كان عمره آنذاك 37 سنة. شغل أيضاً منصب رئيس الجمعية الوطنية. تأثرت شعبيته بعد محاكمته بوصفه مسؤولاً عن الحكومة في قضية الدم الملوّث الذي راح ضحيته أكثر من 4 آلاف فرنسي. كما تكرر اسمه في مفاوضات الملف النووي الإيراني.جاك شيراك: إضافة لوظيفته الرئاسية المعروفة، ترأَّس جاك شيراك الحكومة الفرنسية مرتين: المرة الأولى حين اختاره الراحل فاليري جيسكار ديستان وكان ذلك بين 1974 و1976، ثم إبان عهدة الرئيس فرنسوا ميتران بين 1986 و1988. شغل مناصب سامية، وتقلّد مسؤوليات عدة في مؤسسات الدولة وأجهزتها، حيث كان عمدة لمدينة باريس، ورئيس حزب التجمع الجمهوري اليميني، ووزيراً للزراعة.دومينيك دوفيلبان: شغل وظيفة رئيس الحكومة في عهدة الرئيس جاك شيراك بين 2005 و2007، وكان أحد مقربي الرئيس شيراك. كما شغل أيضاً حقيبة الخارجية ونال شعبية كبيرة بعد خطابه المعارض لغزو العراق أمام اجتماع مجلس الأمن في عام 2003. حين كان رئيس الوزراء، أعلن حالة الطوارئ بعد أحداث العنف والاحتجاجات التي شهدتها الضواحي في فرنسا.فرنسوا فيون: عيّنه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في منصب رئيس الوزراء بين 2007 و2012، وهو بعد بومبيدو أكثر الشخصيات تعميراً في هذا المنصب. شغل مناصب وزارية أخرى حيث كُلّف حقائب التربية، والتعليم، والشؤون الاجتماعية، والعمل. أصبح رسمياً مرشح حزب الجمهوريون واليمين والوسط للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017، وأُثيرت حوله قضية الوظائف الوهمية التي أثّرت في حملته الانتخابية تأثيراً كبيراً، وانسحب بعدها من الحياة السياسية.