مدنيون يحملون أثاثهم هاربين من هجوم النظام في إدلب

جمعيات حقوقية تدق ناقوس الخطر شمال سوريا

مدنيون ينقلون أثاث منازلهم من إدلب نحو حدود تركيا أمس (أ.ف.ب)
مدنيون ينقلون أثاث منازلهم من إدلب نحو حدود تركيا أمس (أ.ف.ب)
TT

مدنيون يحملون أثاثهم هاربين من هجوم النظام في إدلب

مدنيون ينقلون أثاث منازلهم من إدلب نحو حدود تركيا أمس (أ.ف.ب)
مدنيون ينقلون أثاث منازلهم من إدلب نحو حدود تركيا أمس (أ.ف.ب)

فرّ مئات المدنيين من محافظة إدلب في شمال غربي سوريا خشية هجوم وشيك لقوات النظام، عشية قمة ثلاثية حاسمة في طهران من شأنها أن تحدد مصير هذه المنطقة التي تعد آخر معقل للفصائل المقاتلة، ذلك بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من إدلب أمس.
واستهدفت قوات النظام مجدداً الخميس بالمدفعية قرى وبلدات في الريف الجنوبي الشرقي في إدلب، ما تسبب بمقتل مدني وإصابة ستة آخرين بجروح، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وشاهد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية قبل ظهر الخميس عشرات العائلات أثناء نزوحها من الريف الجنوبي الشرقي، توجه بعضها إلى مزارع مجاورة بينما سلكت عائلات أخرى الطريق الدولي المؤدي إلى مناطق الشمال.
وحمل النازحون في سياراتهم والحافلات الصغيرة ما تمكنوا من أخذه من أوانٍ منزلية ومؤن وفرش وحتى خزانات مياه.
وقال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن إن «نحو 180 عائلة، أي ما يعادل قرابة ألف شخص» نزحوا منذ مساء الأربعاء من قراهم الواقعة في جنوب شرقي إدلب نحو مناطق تحت سيطرة الفصائل المعارضة في ريف حلب الغربي المجاور ومنطقة عفرين الواقعة على الحدود مع تركيا وتسيطر عليها فصائل سورية موالية لأنقرة. وحذرت الأمم المتحدة أن من شأن أي هجوم على إدلب أن يؤدي إلى نزوح نحو 800 ألف شخص. وترسل قوات النظام، التي لطالما أبدت تصميمها على استعادة كامل البلاد، تعزيزات عسكرية متواصلة إلى محيط إدلب. واستؤنفت في الأيام الأخيرة عمليات القصف والغارات على جنوب شرقي إدلب بمشاركة الطيران الروسي على وجه الخصوص بعد توقف استمر 22 يوماً.
وتسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) على الجزء الأكبر من إدلب بينما تتواجد فصائل إسلامية أخرى في بقية المناطق وتنتشر قوات النظام في الريف الجنوبي الشرقي. كما تتواجد الهيئة والفصائل في محافظات محاذية تحديداً في ريف حلب الغربي (شمال) وريف حماة الشمالي (وسط) واللاذقية الشمالي (غرب).
ويبدي محمد الزير، أحد سكان مدينة إدلب خشيته من الغارات بشكل خاص. ويوضح: «الخوف من القصف الجوي للنظام وحلفائه الروس، لأن طيرانهم مجرم ويرتكب المجازر بحق المدنيين» مضيفاً «دائماً ما يكون قصفه بربرياً ولا أهداف له. ويستهدف بشكل عشوائي المدنيين فقط». وتسببت غارات روسية الثلاثاء على محافظة إدلب بمقتل 13 مدنياً بينهم ستة أطفال، بحسب «المرصد». وأكدت موسكو الأربعاء أنها نفذت ضربات نحو أهداف تابعة للجهاديين خارج المناطق السكنية.
ويعد الطيران أحد الأسلحة الحاسمة التي يستخدمها النظام وحليفته روسيا في الهجمات الرامية الهادفة لاستعادة معاقل الفصائل المعارضة والجهادية، رغم ما ينجم عنه من خسائر بشرية كبرى ودمار هائل.
وحذرت الأمم المتحدة ودول غربية عدة من أن هجوماً واسع النطاق على إدلب سيؤدي إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة منذ اندلاع النزاع الذي خلف 350 ألف قتيل. وتؤوي إدلب مع جيوب محاذية لها تحت سيطرة الفصائل نحو ثلاثة ملايين شخص، وفق الأمم المتحدة، نصفهم من النازحين. ومن بينهم عشرات الآلاف من مقاتلي المعارضة الذين تم إجلاؤهم مع مدنيين على مراحل من مناطق عدة في البلاد شكلت معاقل سابقة للفصائل المعارضة قبل هجمات واسعة لقوات النظام بدعم روسي انتهت بسيطرتها عليها. وحذر الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأربعاء من أن «العالم يرصد والولايات المتحدة ترصد» ما يجري في إدلب، مضيفاً «أتابع هذا الأمر عن كثب».
ودعت واشنطن مجلس الأمن إلى عقد اجتماع لبحث الوضع في إدلب الجمعة، يتزامن مع قمة طهران الحاسمة التي تجمع الرئيس الإيراني حسن روحاني مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وهما أبرز حلفاء دمشق، والتركي رجب طيب إردوغان الداعم للفصائل المعارضة. وتتناول القمة الوضع في سوريا، وتركز بشكل خاص على التطورات في إدلب. وتبذل أنقرة التي حذرت من حدوث «مجزرة» وتخشى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى أراضيها، «جهوداً مكثفة» وفق ما أعلن زير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الأربعاء لمنع حدوث هجوم على إدلب. ويرجح محللون أن تقتصر العملية العسكرية في مرحلة أولى على مناطق محدودة، لكن استراتيجية على غرار مدينة جسر الشغور المحاذية لمحافظة اللاذقية، بالإضافة إلى مناطق سيطرة الفصائل المقاتلة في محافظات مجاورة.
وبعد استعادتها السيطرة على كامل دمشق ومحيطها ثم الجنوب السوري خلال العام الحالي، حددت قوات النظام هدفها التالي على أنه إدلب. ودعا مبعوث الأمم المتحدة الخاص ستيفان دي مستورا قبل يومين إلى تجنب «حمام دم»، مشيرا إلى تقارير إعلامية تفيد أن سوريا حددت العاشر من سبتمبر (أيلول) مهلة للتوصل إلى حل قبل شن هجوم شامل على المحافظة.
ودقت منظمات غير حكومية ومنظمات إنسانية ناقوس الخطر. وذكرت منظمة العفو الدولية في بيان الأربعاء أن «الوصول إلى الخدمات الأساسية كالرعاية الصحية (...) والمياه الصالحة للشرب محدود للغاية، ويعتمد معظم السكان على المساعدات الإنسانية» في إدلب. وقالت إن «حياة ملايين الأشخاص في إدلب أصبحت الآن في أيدي روسيا وتركيا وإيران» التي تملك «السلطة للقيام بما يضمن حماية المدنيين من هذه الهجمات المتواصلة».
وحذرت منظمة «سايف ذي شيلدرن» الخميس من «العواقب الوخيمة» للهجوم. وقال إن «الأطفال، الذين يجب أن يتلقوا المساعدة من أجل شفائهم في إدلب، يواجهون ضربات جوية جديدة وأعمال عنف». وستكون معركة إدلب في حال حصولها، آخر أكبر معارك النزاع السوري بعدما مُنيت الفصائل المعارضة بهزيمة تلو الأخرى وستشكل انتصاراً هاماً لقوات النظام التي باتت تسيطر على نحو ثلثي مساحة البلاد.



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.