«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي: داكوتا جونسون: يهمني أولاً أن يكون دوري بمثابة فرصة لتأكيد موهبتي

واثقة من خطواتها وسعيدة بحضور المهرجان الإيطالي للمرة الأولى

داكوتا جونسون ممثّلة وعارضة أزياء أميركية
داكوتا جونسون ممثّلة وعارضة أزياء أميركية
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي: داكوتا جونسون: يهمني أولاً أن يكون دوري بمثابة فرصة لتأكيد موهبتي

داكوتا جونسون ممثّلة وعارضة أزياء أميركية
داكوتا جونسون ممثّلة وعارضة أزياء أميركية

دور داكوتا جونسون في فيلم «سوسبيريا» ليس دوراً هيّناً بالمرّة. ليس لأنّها لا تحبّ أفلام الرّعب كثيراً فقط، بل لأن مشاهد الرّقص كانت متعبة وطويلة. تؤدّي في هذا الفيلم المشترك بمسابقة مهرجان فنيسيا، دور فتاة أميركية بريئة تصل إلى أكاديمية لتعليم رقص الباليه في برلين المنقسمة على نفسها. تُقبل وتبدأ دورات التدريب وتنجح بالتدريج في تبوؤ القيادة بالنسبة لاستعراض سيجري تقديمه.
لكن الأكاديمية ليست سوى غطاء لما هو مخفي وما على القارئ إلّا أن يسعى لمشاهدة الفيلم لمعرفة ما هو. أمّا الآن فإن اللقاء مع بطلة الفيلم سيتشعب ما بين «سوسبيريا» و«ظلال من الرّمادي» ورأيها في مسيرتها الفنية وكيف نشأت وفي فمها ملعقة التمثيل.
ذلك أنّها ابنة الممثل دون جونسون والممثلة ميلاني غريفيث. جدتها ليست سوى تيبي هدرن، نجمة الستينات التي لعبت بطولة فيلم رعب آخر آنذاك هو «طيور» لسيد التشويق ألفرد هيتشكوك. داكوتا ولدت في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1989 ومثّلت مع والدتها لأول مرة في «مجنون في ألاباما». ثم توارت نحو عشر سنوات قبل أن تعود ممثلة محترفة بفيلم «سوشال نتوورك» سنة 2010.

> من السهل أن يتخيّل المرء صعوبة تنفيذ مشاهد رقص الباليه بالنسبة لأي ممثلة؟ هل كانت تلك المشاهد صعبة بالفعل؟
- لم تكن سهلة. اشتغلنا على تصميمها بعناية من ثمّ التدرب عليها لفترة شهرين تقريباً. كان هناك فنانون حقيقيون يعرفون تفاصيل رقص الباليه وساعدونا كثيراً. أقصد أنا والممثلات الأخريات أيضاً.
> لا بد أنّ نصيبك من هذه التدريبات كان أكبر، كونك بطلة الفيلم.
- صحيح. ومع الاعتراف بأنّ كل الاستعراضات التي قدّمناها كانت صعبة إلّا أنّ ما قمت به كان أساسيا. أخبرني لوكا (غواداغنينو المخرج) بأنّ ضبط التفاصيل ليس خياراً بل ضرورة، وسعيت بجدّية بالغة أن أنجح في هذا الدور لأنّني مؤمنة به وبالسيناريو وأحببت العمل مع لوكا كثيراً. أحياناً كنت أكمل التدريبات لوحدي، لكنّني شعرت بالثّقة أكثر مع وجود مدربين ومدربات.
> أعتقد أن خلفيتك الفنية لم تتضمن الرّقص. أي نوع من الرقص.
- لا. أتيت عبر فن مختلف لأنّني كنت عارضة أزياء، وهو أمر مختلف تماماً عن رقص الباليه أو أي رقص آخر.
> والداك ممثّلان معروفان، أي دور لهما في توجهك للتمثيل؟ هل اتخذت هذا القرار تبعاً لذلك؟
- لم أتخذ القرار تبعاً لرغبتهما في أن أصبح ممثلة. لقد تركا الخيار لي واتخذته من تلقاء نفسي. لكنّهما ساعداني في التوجيه الفني. كذلك في رفع معنوياتي في البداية. كنت أتخيّل، بسذاجة إلى حد كبير، أنّ الوصول إلى البطولة هو أمر سريع لأنّني ممثلة جيدة كما أخبرني كل من عملت معهم. لكنّ الفرص لا تتوالى من تلقاء نفسها. والدي أخبرني عن بداياته وكم كانت صعبة وكيف كان عليه التحلي بالصبر وانتظار كل فرصة على حدة ومحاولة بناء شيء على أساسها. ووالدتي لها حكايات شبيهة. ليس هناك شيء سهل في التمثيل أو في السينما عموماً. في أي حقل.
> عندما كنت صغيرة محاطة بأبوين ممثلين وجدتك هي تيبي هدرن، بطلة فيلم «الطيور» لألفرد هيتشكوك، هل شعرت بأنّك محاطة بعائلة من الفنانين أو أنّ ذلك الإدراك يأتي لاحقاً وأنت شابة؟
- نعم شعرت بذلك وأنا ما زلت صغيرة. كان مستحيلاً ألا يكون الجو في البيت غير مرتبط برغبتي المبكرة في أن أصبح ممثلة.
> هل زرت مواقع تصوير كثيرة؟
- بالطبع. معظم أوقات عطلتي قضيتها متنقلة إمّا مع والدتي أو مع والدي إلى مواقع التصوير. هذا زاد من رغبتي في أن أمثّل. وضعت ذلك نصب عيني منذ ذلك الحين.
> أعود إلى «سوسبيريا»... هل شاهدت الفيلم السابق؟
- نعم. شاهدته وأخافني لأنّي في الحقيقة لا أحبّ أفلام الرّعب ولا أشاهدها. أعرف عنها لكنّني لا أعرفها، إذا كنت تفهم ما أقصد. لكن كان علي أن أشاهد نسخة (داريو) أرجنتو لكي أتأكد من أن الفيلم الجديد مختلف.
> كيف تتأكدين من ذلك؟
- كنت قرأت سيناريو النسخة الحالية قبل أن أشاهد الفيلم السّابق وكنت أخشى أن يكون السيناريو الحالي مجرد اقتباس كامل للفيلم السابق، لكنّني لاحظت الاختلافات الكثيرة بين الفيلمين. حقيقة أنّ «سوسبيريا» أخافني، أعتقد أنّها شهادة على نجاحه، لكن كما أعرف أنّك رأيت، يختلف الفيلمان عن بعضهما البعض كثيراً.
> عندما تقولين ذلك يتراءى لي أنّك أشحت النظر عن بعض المشاهد التي وردت في الفيلم الأول مثل مشهد موت سارا عندما سقطت في وسط الأسلاك وكلّما حاولت الخلاص منها وجدت نفسها محاطة بها.
- هو بالفعل مشهد مخيف وخرجت من الفيلم معجبة به وبالمخرج وأنوي مشاهدة المزيد من أفلامه إذا ما سنحت لي الفرصة. لكن، وكما قلت لك، كانت سعادتي كبيرة في أنّي شخصياً لا أتعرض لمشاد عنيفة كالتي تتعرض لها شخصيات أخرى في الفيلم الحديث.
> لكن إذا ما كانت أفلام الرعب غير مريحة لك، لماذا قبلت تمثيل هذا الفيلم؟
- لأن «سوسبيريا» بالكاد فيلم رعب. نعم فيه أجواء من هذا النوع، لكنّه يدور حول شخصية فتاة تحبّ الرّقص وتكتشف نفسها من جديد في بيئة فنية. أعتبره فيلماً فنياً وليس فيلم رعب على الرّغم من وجود مشاهد مخيفة أو هكذا يمكن للبعض النظر إليها.
> مثلت ثلاث حلقات من فيلم Shades of Grey وهي ثلاثة أفلام ذات مشاهد عاطفية ساخنة. لكن أحد زملائي قال لي إنّك فتاة محافظة أساساً، وهذا ما أعتقد، يعني أنّ تمثيل تلك المشاهد كان أصعب مما يعتقد البعض. هل هذا صحيح؟
- نعم صحيح. أنا فتاة محافظة. ليس بالمعنى الصارم للكلمة لكني بمعنى أنني لست من النوع المتحرر كثيراً. لا أعتبر نفسي نموذجية لمثل هذه الأدوار ولا أنوي القيام بها لمجرد اللهو. لذلك كانت أصعب مما توقعت.
> من الصعب على الجمهور أن يعرف إذا ما كان تمثيل مثل هذه المشاهد أمرا صعبا…
- معظم المشاهدين يعتقدون أنّ هذه المشاهد سهلة وعادية. هي بالتأكيد ليست كذلك بالنسبة لي. وبعض المشاهد كانت أصعب من سواها. أفكّر في أحد مشاهد الجزء الثالث عندما رُبطت يداي وقدماي ووضعت عصبة على عينيّ. اكتشفت سريعاً أنّه مهما اعتقدت أنّي جاهزة لتمثيل هذا المشهد إلّا أنّ وقت التصوير هو شيء آخر غير سار بالمرة. طبعاً ليس هناك شيء حقيقي على الإطلاق بالنسبة للمشاهد الجنسية. كل شيء مفتعل ويجري بالتواري ولو بدا غير ذلك، لكنّ الصّعوبة تكمن في كيف يمكن أن تمثّل أنك مستمتع بينما أنت أبعد ما تكون مستمتعاً على الإطلاق.
> في زمن مضى كانت هذه الأفلام مقصداً لممثلات الإغراء، كما كانوا يسمون مارلين مونرو أو صوفيا لورين في إيطاليا أو جين مانفسيلد. لكن ما تقومين به مختلف.
- مختلف كثيراً. لكن هل ترى ممثلات جيّدات كاللواتي ذكرت أسماءهن؟ هذه الأدوار ليست لي لكنّي أقدر تلك الأفلام الكوميدية والعاطفية لأنّها كانت مسلية وهي بالفعل صنعت نجومها على أساس ما فيها من أدوار. قل لي إذا كنت على خطأ حين أقول إنها كانت للترفيه العام الذي لا يذهب إلى حدود قصوى.
> كانت كذلك بالفعل نتيجة اختلاف الأزمنة، كما أرى. هل تكترثين لنوعية الفيلم من نواح فنية معينة؟ أو هل تعتقدين أنّ هذه الثلاثية التي وجدت رواجاً كبيراً في السوق تحمل قيمة فنية ما؟
- لا. ليس هذا ما أفكر فيه عندما أشاهد فيلما انتهيت من تمثيله. لا أفكر فيما إذا كان عملاً فنياً كبيراً أو لا. أعتقد أنّني لم أمثل بعد فيلماً رديئاً، وهذا ربما ليس عن تخطيط مسبق بقدر ما هو ناتج عن ثقة بالمشاريع التي تعرض عليّ. أنا ممثلة وكممثلة يهمني أولاً أن يكون الدور الذي أقوم به بمثابة فرصة لتأكيد مهارتي وموهبتي. وأن يمنحني نافذة أطلّ منها على الجمهور.
لذلك نعم أكترث لنوعية الفيلم لكنّ ثقتي بالمشروع وبالدور الذي أقوم به تأتيان بالمرتبة الأولى.
> بعض الأفلام التي تقومين بها تؤثر عليك أكثر من سواها. هل هذا صحيح؟
- النجاح هو الذي يترك تأثيراً أكبر. إذا لم ينجح الفيلم بين المشاهدين لا أشعر بأنني أنجزت شيئا يذكر على الرّغم من إيماني بالعمل.
> هل تشاهدين أفلامك فيما بعد؟
- أشاهدها مرّة واحدة وأنساها بعد ذلك.
> هل تشاهدين أفلام سواك من الممثلين أو الممثلات؟
- أشاهد الكثير من الأفلام ولا أهتم بمن يقوم ببطولتها. الحقيقة هي أنّني في أيام كثيرة أعيش وحيدة. أنتهي من فيلم وأستعد لآخر، ولكن هناك شهر أو أكثر بين الفيلمين. خلال هذه الفترة أشاهد الكثير من الأفلام وأقرأ الكثير من الكتب أيضاً. أنا قارئة شغوفة.
> «سوسبيريا» يتيح لك حضور مهرجان عالمي أول مثل فنيسيا. أود لو أعرف منك كيف تنظرين إلى هذا الحدث مقارنة مع مهرجانات أميركية توجهت إليها؟ كيف تشعرين حيال جمهور عالمي وفي مواجهة نحو ألف صحافي وناقد؟
- سؤالك سهل وصعب. سهل، لأنّي أعرف تماماً كم أنا مستمتعة بوجودي في مهرجان فينيسيا وبعرض الفيلم واستقباله. أنظر إلى هذا المهرجان كما لو كان قمّة المناسبات، ربما لجانب الأوسكار أو الغولدن غلوبس أو على مسافة قريبة منهما. لكن من الصّعب وصف شعوري وأنا في هذا المحيط من الجمهور ومن النّقاد. في أميركا تعلم أنّك أمام أهل البيت وتقدر ترحيب الجمهور بك. في إيطاليا وربما في مهرجانات أخرى تجد نفسك أمام جمهور بثقافة مختلفة وإذا ما أحبّ الفيلم الذي تقوم بتمثيله وهو من ثقافة مختلفة، فإنّ ذلك يضاعف السّعادة التي تشعر بها. أنا الآن في وضع المستمتع بوجوده هنا، وسأحمل ذكريات عديدة حين أعود.


مقالات ذات صلة

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم، منذ أيام الفراعنة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من الفيلم تجمع «شاهيناز» وأولادها (الشركة المنتجة)

«المستريحة»... فيلم مصري يتناول النصّابين يمزج الكوميديا بالإثارة

تصدَّرت مجسّمات دعائية للأبطال دار العرض عبر لقطات من الفيلم تُعبّر عنهم، فظهرت ليلى علوي في مجسّم خشبيّ جالسةً على حافة حوض استحمام مليء بالدولارات.

انتصار دردير (القاهرة )

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».