تقدمت نظم الذكاء الصناعي بشكل كبير في السنوات الأخيرة لدرجة أننا بتنا نشهد أشياء كنا لا نراها إلا في أفلام الخيال العلمي. وها نحن نعاصر هذه الثورة في بدايتها التي تعتمد أساسا على تقنية «التعلم العميق» (Deep Learning) حيث تعمل على تطوير شبكات عصبية صناعية تحاكي في طريقة عملها أسلوب العقل البشري، أي إنها قادرة على التجربة والتعلم والتطور ذاتيا دون الحاجة لتدخل الإنسان.
هذه التقنية أغرت العديد من كبرى الشركات للاستثمار فيها ولعل أكبر مثال لذلك شركات غوغل وفيسبوك وسامسونغ التي ستقوم لوحدها بضخ أكثر من 22 مليارا في السنوات الثلاث المقبلة لتطوير قطاع تكنولوجيات الذكاء الصناعي فيها.
وبما أن تقنية «التعلم العميق» أثبتت قدرتها على التعرف على الصور وفهم الكلام والترجمة من لغة إلى أخرى بل والقدرة على إجراء حوار كامل بينها وبين البشر، فقد أصبح من الطبيعي جدا أن نراها في مختلف جوانب الحياة سواء في الأنظمة التعليمية أو القطاع الصحي أو في مراكز خدمات العملاء بل ووصل الأمر إلى رسم لوحات فنية تضاهي تلك المرسومة بأيادي الفنانين الكبار.
أتمتة توجيه المكالمات
في خطوة جديدة قررت سلسلة المتاجر البريطانية الضخمة «ماركس أند سبنسر» استبدال موظفي مركز الاتصال واستخدام نظم ذكاء اصطناعي مصممة خصيصا للتعامل بسرعة مع شكاوى العملاء. واستعانت الشركة ببرامج من شركتي التكنولوجيا تويليو Twilio وغوغل لأتمتة توجيه المكالمات خلافا لما كان عليه الوضع في السابق، حيث كان على العملاء التحدث إلى مشغل بشري ليتم نقلهم إلى الإدارة الصحيحة.
وسيتم استخدام التكنولوجيا الجديدة في 13 مركز اتصال بالإضافة إلى جميع متاجر الشركة والبالغ عددها 640 متجرا في المملكة المتحدة بحلول نهاية سبتمبر (أيلول) من العام الجاري. وأكدت الشركة أنها لم تتخل عن أي من موظفيها وقامت بتوزيعهم على المتاجر المختلفة، كما بررت الشركة هذا الانتقال بأنه من خلال تجربتها، استطاعت التقنية تحديد 90 في المائة من طلبات العملاء بشكل صحيح ووجهت مكالماتهم إلى الإدارة المعنية في غضون ثوانٍ.
ولعل الفضل في هذا يرجع لغوغل التي قامت في شهر مايو (أيار) الماضي بعرض أول نسخة لنظام الذكاء الصناعي دوبلكس (Duplex) وهو نظام يمكن الكومبيوتر من التحدث إلى البشر وإجراء حوار كامل بكافة تفاصيله دون أن يشعر الإنسان أنه يتحدث مع جهاز إلكتروني. ورغم أن غوغل أكدت أن الغرض الرئيسي من نظام دوبلكس هو استخدام الذكاء الصناعي للاتصال بالشركات أو المحلات التجارية نيابة عن المستخدمين كتحديد موعد للحلاقة في صالون أو حجز غرفة في فندق فإن هناك بعض التقارير التي تفيد بأن الشركة تتطلع إلى استخدام «دوبلكس» في الاتجاه الآخر: نيابة عن الشركات للتحدث إلى الناس.
وفي هذا الخصوص فقد تنبأت شركة كونتاكت بابل ContactBabel وهي شركة أبحاث سوق خدمة العملاء، بأن حوالي 45.700 وظيفة دعم عملاء ستختفي بحلول عام 2021 نتيجة لإدخال نظم الذكاء الصناعي.
تعلم اللهجات المحلية
ونظرا لازدياد شعبية المساعدات الرقمية في الآونة الأخيرة فقد أصبح وجودها في البيت أمرا اعتياديا إذ تقدر أوفكوم Ofcom «الهيئة التنظيمية للاتصالات في المملكة المتحدة» أن 13 في المائة من الأسر لديها الآن على الأقل مساعد ذكي واحد في المنزل.
ولكن كان من أهم وأكبر التحديات لهذه النظم هو قدرتها على فهم اللهجات المحلية والتي عادة ما تكون مختلفة تماما عن اللهجات الأصلية للبلد. فلو أخذنا اللغة الإنجليزية كمثال، سنرى تباينا واضحا بين لهجة سكان لندن وسكان المناطق الشمالية كليفربول ومانشستر مثلا.
وغالبا ما تكون أنظمة التعرف على الكلام أقل جودة في تمييز اللكنات المحلية لأن البيانات المستخدمة لتدريبهم تأتي من متحدثين بدون لهجات إقليمية قوية، فلذلك تجد الأشخاص الذين لديهم لهجات إقليمية «ثقيلة» غالباً ما يجدون أنفسهم يكررون العبارات لأكثر من مرة لهذه الأجهزة الذكية.
وقد انتشر مقطع في وسائل التواصل الاجتماعي يظهر امرأة ذات لهجة اسكوتلندية قوية تطالب «أليكسا» بتشغيل أغنية ما فتجاهلها المساعد الذكي مرارا وتكرارا، حتى تحدثت بلكنة أبسط وحينها استجابت «أليكسا» على الفور.
ولكن مشكلة اللهجات الإقليمية لا توجد في المملكة المتحدة فحسب، فقد ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» في وقت سابق من هذا العام أن المساعدين الصوتيين «غوغل هوم» و«أليكسا» كانا أقل دقة بنحو 7 في المائة في الاستجابة للهجات «الأميركية بلكنة إسبانية» مقارنة باستجابتهما للكنة الأميركية الخالصة.
ولا يقتصر التحدي المتمثل في تدريب المساعدات الصوتية على فهم اللهجات المختلفة للغة الإنجليزية فقط، فأليكسا مثلا تتحدث الإنجليزية والألمانية واليابانية والفرنسية. ولهذا فقد قامت أمازون بإنتاج إصدارات تجريبية من أليكسا للعاملين في مراكزها اللوجيستية في فرنسا لتدريبها على فهم أفضل للفروق الدقيقة في اللغة. ليس ذلك فحسب، بل إنهم يدربون أليكسا على تعلم أغاني الحضانة المحلية وإضافة بعض المهارات المحلية الأخرى مثل القدرة على العثور على قصص من الصحف المحلية.
وقال متحدث باسم أمازون إنهم يعملون بجد لضمان أن تفهم أليكسا العديد من اللهجات وأنها أصلا مصممة لتزداد ذكاء كل يوم، ومع زيادة عدد الأشخاص الذين يتحدثون إلى أليكسا يوميا، بلهجات متعددة، ستتكيّف أكثر مع أنماط الكلام واللهجات المختلفة إلى أن تصل لمرحلة فهم واستيعاب جميع ما يقال لها بغض النظر عن اللغة أو اللكنة.
ولكن الشيء السلبي لهذا التطور هو التأثير العكسي على اللكنات المحلية كما أفاد تقرير جديد نشره مركز أبحاث لايف ساينس Life Science Centre في نيوكاسل والذي أكد فيه أن المساعدات الصوتية تؤثر سلبيا على اللكنات الإقليمية، حيث يضطر المستخدمون إلى استعمال اللهجات الأصلية لكي تجعل من مهمة المساعدات أسهل في فهم ما يريدون.
كما أوضح التقرير أن حوالي 80 في المائة من المستخدمين أكدوا أنهم يتعمدون تعديل الطريقة التي يتكلمون بها إذا أرادوا أن يحظوا بتجربة، وقال نصفهم إنهم بالفعل قلقون من أن هذه التكنولوجيا قد تؤدي في نهاية المطاف إلى اندثار لهجاتهم المحلية.
مهمات متنوعة
*التنبؤ بالأمراض. أما في المجالات الصحية فلا يزال من المستحيل التنبؤ بمعرفة أي من الأطفال عرضة للإصابة بمرض التوحد حيث إن الأطفال المصابين بالتوحد يتصرفون بشكل طبيعي حتى حوالي عامين، وحتى ذلك الحين لا يوجد في الغالب ما يوحي بوجود أي مشكلة بهم.
ولكن يبدو أن العلماء توصلوا إلى طريقة للتنبؤ بالأطفال الذين سيتم تشخيصهم بهذا المرض خلال مسح Scan أدمغة الأطفال الذين يعاني إخوتهم من التوحد ثم فحص هذه البيانات من خلال خوارزميات مبنية على الذكاء الصناعي.
* الرسم. ووصل الأمر بالذكاء الصناعي إلى أن ينافس الرسامين وينتج لنا لوحات فنية لعل أشهرها لوحة حملت اسم «إدموند بيلامي» منفذة على القماش ومحاطة ببرواز مذهب ستطرح للبيع في دار كريستيز الشهيرة بقيمة 10 آلاف دولار في مزادها القادم في نيويورك في شهر أكتوبر (تشرين الأول).
وهذه هي المرة الأولى التي تتعامل فيها دار مزادات عالمية مع «فن» مصنوع بواسطة الذكاء الصناعي، والوقت وحده كفيل لنعرف مدى إقبال المهتمين بالفن بهذه اللوحة.
وكانت مغامرة الفريق القائم على هذه التجربة بدأت في العام الماضي حين أرادوا اكتشاف احتمالات استخدام الذكاء الصناعي في المجال الفني وقاموا بتطوير تقنية لتلقين الكومبيوتر بيانات لـ15 ألف لوحة فنية رسمت ما بين القرنين الـ14 والـ20، واستخدموا برنامجا إلكترونيا يمكنه إنتاج عمل فني مبتكر معتمدا على كمية المعلومات التي تم إدخالها للكومبيوتر من تلك البيانات.