هل اقتربت نهاية أجهزة الألعاب الإلكترونية؟

ممارسة اللعبة على أي أداة ترتبط بالإنترنت يساهم في انحسارها

جهاز «سويتش» للألعاب
جهاز «سويتش» للألعاب
TT

هل اقتربت نهاية أجهزة الألعاب الإلكترونية؟

جهاز «سويتش» للألعاب
جهاز «سويتش» للألعاب

لطالما كان السؤال عن عدد أجهزة الألعاب المبيعة، مقياساً للنجاح بين الشركات الثلاث الكبرى في مجال صناعة الألعاب الإلكترونية، «سوني» و«مايكروسوفت» و«نينتندو». لكن كل واحدة من هذه الشركات كانت تنشر أرقاماً فصلية تركز فيها بشكل رئيسي على أرباح البرامج بدلاً من أرباح الأدوات؛ مما يؤكد على علاقة متغيرة بين الألعاب والأجهزة التي تمكننا من لعبها.
ويثير هذا التغير جدلاً واسعاً في هذه الصناعة حول مستقبل، أو حتى انقراض جهاز اللعب الذي اعتدنا عليه مثبتاً في غرفة معيشتنا ليحل محله عالم أكثر حركة نستطيع فيه تشغيل أكثر الألعاب المعقدة تقنياً على أي شاشة متصلة بالإنترنت.

انحسار الأجهزة
أثبتت الألعاب الحديثة كـ«إيبيكز فورتنايت»، أن المنصة ليست ضرورية حتى للألعاب السريعة المتعددة اللاعبين. هذا وتعتزم «نينتندو» إطلاق أول خدمة اشتراك في ألعابها في أواخر سبتمبر (أيلول). وكانت إيف غويومو، الرئيسة التنفيذية لشركة «يوبيسوفت» الناشرة للألعاب، قد كشفت في مقابلة أجرتها في أوائل هذا العام عن أنها تعتقد بأن الجيل القادم من أجهزة الألعاب سيكون الأخير؛ مما أثار نقاشات جديدة عن قرب انقراض مفهوم الجهاز. وقالت غويومو لمجلة «فراييتي»، «لم يتبق إلا جيل واحد من أجهزة الألعاب، وبعدها، سنعتمد جميعناً على خدمات العرض».
وأيضاً، اعتبر دوغ كروتز، محلل إعلامي في «كوين»، أن توافر إمكانية لعب المحتوى في أي مكان سيكون تطوراً ضخماً. وقال، إن التقنية التي ستتيح تشغيل الألعاب الإلكترونية على أي جهاز بأداء جيد ودون جهاز ألعاب ستوفر على المستهلكين شراء أجهزة بقيمة 600 - 800 دولار، وسيعفي المطورين من ضوابط المسرعات والرقائق التي تُستخدم في تلك الأجهزة. واعتبر كريس إيرلي، نائب رئيس قسم الشراكة والأرباح في «يوبيسوفت»، أن تقنية العرض تجذب كبار الناشرين كشركته، وتوفر رفاهية اللعب لعدد أكبر من الناس. وأضاف قائلاً «أصبحت الألعاب الإلكترونية جزءاً من الحياة الروتينية للجميع. عندما نفكر في خدمات العرض والحوسبة السحابية، يتبين لنا أنها ميزات أساسية تتيح لعدد أكبر من الناس الانضمام إلى عالم الألعاب الإلكترونية».

ألعاب أهم من الأجهزة
كشفت شركة «مايكروسوفت» الشهر الماضي عن أن عائداتها من الألعاب بلغت 10 مليارات دولار لأول مرة في الربع الماضي، مدعومة بشكل أساسي بمبيعات البرامج والاشتراكات. بدورها، أعلنت «نينتندو» أن أرباحها أيضاً شهدت ارتفاعاً بفضل الإقبال على ألعابها المتوافرة على منصة «سويتش» المتحركة. كما أعلنت «سوني»، أهم شركات تطوير أجهزة الألعاب في العالم، أن عائدات «بلايستيشن» رفعت أرباح الشركة الإجمالية إلى 17.9 مليار دولار، وتوقعت أن تساهم أرباح البرامج في رفع الوحدة 15 في المائة في الربع المقبل.
بدأت أجهزة الألعاب في التحول نحو أدوات أخف وزناً. فقد أثبت جهاز «سويتش» من «نينتندو» أن مفهومنا التقليدي عن الجهاز يجب ألا يكون محصوراً بعلبة مثبتة في غرفة المعيشة. وتوقع محللون أن نشهد تركيزاً أكبر على الأجهزة المحمولة العالية الأداء. وكان تسويوشي «جون» كوديرا، رئيس «بلايستيشن» الجديد في «سوني»، قد كشف أمام الصحافيين في مايو (أيار) الماضي عن أن شركته قد تدرس فكرة إصدار منصة ألعاب متحركة. وأورد موقع «ثوروت.كوم» (Thurrott.com) المتخصص في التقنية، شائعات تقول إن جهاز ألعاب «مايكروسوفت» الجديد يمكن تثبيته في غرفة المعيشة مع الاستعانة ببعض الطاقة التشغيلية، لكنه لن يكون مقيداً بعبء أو ضوابط هيكل العلبة. إلا أن تحقيق ثورة فعلية، وانقراض مفهوم الجهاز بالكامل، يتطلب تغير الكثير من الأمور، وليس مجرد التقنية المعنية بالجهاز المثبت في غرفة المعيشة. صحيح أن شبكات الإنترنت أحرزت تقدماً كبيراً، لكن مناطق كثيرة في البلاد لا تزال تعاني من محدودية سرعة الشبكات السلكية والخلوية، بحسب ما أفاد المحلل المتخصص بالألعاب الإلكترونية مات بيسكاتيلا من مجموعة «إن بي دي». وتوقع المحلل ظهور جيل جديد من الأجهزة بحلول عام 2020 تركز بشكل أساسي على خدمات العرض، إلا أنه أكد أن نهاية المنصات ليست قريبة.
من الناحية التجارية، اعتبر كروتز أنه لم يتضح حتى الساعة كيف سيجني الناشرون المال في حال تم استبدال المنصة بنموذج آخر يعتمد بشكل كامل على العرض. وأضاف أن الألعاب الإلكترونية مختلفة عن مشاهدة «نيتفليكس»؛ لأن اللاعب يميل إلى التركيز على لعبة واحدة طوال أشهر وحتى سنوات، بدل أن يتنقل بين مجموعة واسعة من الخيارات. وهذا الأمر من شأنه أن يصعّب على ناشري الألعاب ضمان تأمين توفير خيارات كثيرة من الألعاب تقلص الوقت الذي يمضيه الناس على العناوين التي تطرحها.
من جهته، قارن فيل سبينسر، نائب الرئيس التنفيذي لقسم الألعاب في «مايكروسوفت» ثورة نقل الألعاب إلى خدمة العرض بالتغيير الذي شهدناه في خدمة عرض الفيديوهات. وقال إن هدف «مايكروسوفت» هو نقل الألعاب إلى وسيلة يستطيع فيها الناس اللعب في أي مكان وأي زمان يريدون. وأشار إلى أنه وعلى الرغم من ادعاء خدمات عرض الفيديو أنها تسيطر على جزء كبير من الأفكار والسوق، فإن مبيعات أقراص الـ«دي في دي». لا تزال تحقق أرباحاً بمليارات الدولارات سنوياً. واعتبر سبينسر أن التحولات الكبيرة كهذه لا تحصل بسرعة كما يظن البعض، مؤكداً أن الأمر «يتطلب وقتاً».
* خدمة «واشنطن بوست»


مقالات ذات صلة

تعرف على معلم الذكاء الاصطناعي الجديد... الخاص بك

علوم تعرف على معلم الذكاء الاصطناعي الجديد... الخاص بك

تعرف على معلم الذكاء الاصطناعي الجديد... الخاص بك

أصبحت تطبيقات المساعدة المعتمدعلى الذكاء الاصطناعي، اليوم، أكثر من مجرد أجهزة للرد الآلي. وفي واقع الأمر، يعدّ كل من «وضع الدراسة» الجديد من «تشات جي بي تي»،

جيرمي كابلان (واشنطن)
الخليج المهندس أحمد الصويان وأنطونيو غوتيريش يبحثان الموضوعات المشتركة وسُبل التعاون (هيئة الحكومة الرقمية)

غوتيريش يشيد بتقدم السعودية النوعي في الحكومة الرقمية

أشاد أنطونيو غوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، بما حققته السعودية من تقدم نوعي في مجال الحكومة الرقمية، عادّاً ما وصلت إليه نموذجاً دولياً رائداً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
تكنولوجيا تكشف البيانات أن المستخدمين يلجأون للمساعد لطرح أسئلة صحية وعاطفية وفلسفية وليس فقط لحلول تقنية أو عملية (شاترستوك)

كيف يتحول «مايكروسوفت كوبايلوت» من أداة عمل إلى رفيق يومي للمستخدمين؟

يكشف التقرير أن «كوبايلوت» لم يعد مجرد أداة إنتاجية بل أصبح شريكاً رقمياً يلجأ إليه المستخدمون للعمل والقرارات اليومية بما يطرح تحديات ثقة ومسؤولية للمطوّرين.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا تُفقد الهيميانوبيا آلاف الناجين من السكتات نصف مجال رؤيتهم وتحدّ بشدة من قدرتهم على أداء الأنشطة اليومية (أدوبي)

علاج مبتكر وواعد لاستعادة المجال البصري لدى الناجين من السكتات

تقنية تجمع تدريباً بصرياً مع تحفيز دماغي متعدد الترددات أعادت تنسيق الإشارات البصرية لدى مرضى الهيميانوبيا، محققة تحسناً في إدراك الحركة وتوسّعاً في مجال الرؤية

نسيم رمضان (لندن)
خاص التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي يجب أن يترافق مع ابتكار مسؤول وتعليم شامل لضمان استفادة عادلة للجميع (غيتي)

خاص الذكاء الاصطناعي يتجاوز حدود الموضة التقنية... كيف يعيد تشكيل المجتمعات؟

يوضح تقرير «سيسكو - OECD» أن انتشار الذكاء الاصطناعي لا يكفي، فالمستقبل يتحدد بمهارات المستخدمين وتوازنهم الرقمي وقدرتهم على الاستفادة العادلة من التقنية.

نسيم رمضان (لندن)

كيف يتحول «مايكروسوفت كوبايلوت» من أداة عمل إلى رفيق يومي للمستخدمين؟

تكشف البيانات أن المستخدمين يلجأون للمساعد لطرح أسئلة صحية وعاطفية وفلسفية وليس فقط لحلول تقنية أو عملية (شاترستوك)
تكشف البيانات أن المستخدمين يلجأون للمساعد لطرح أسئلة صحية وعاطفية وفلسفية وليس فقط لحلول تقنية أو عملية (شاترستوك)
TT

كيف يتحول «مايكروسوفت كوبايلوت» من أداة عمل إلى رفيق يومي للمستخدمين؟

تكشف البيانات أن المستخدمين يلجأون للمساعد لطرح أسئلة صحية وعاطفية وفلسفية وليس فقط لحلول تقنية أو عملية (شاترستوك)
تكشف البيانات أن المستخدمين يلجأون للمساعد لطرح أسئلة صحية وعاطفية وفلسفية وليس فقط لحلول تقنية أو عملية (شاترستوك)

يكشف تقرير جديد لـ«مايكروسوفت» أن مُساعدها الذكي «كوبايلوت»، المُدمج في منظومتها الرقمية، بات يُستخدم بطرق تتجاوز بكثيرٍ المهام التقليدية في بيئات العمل. يستند التقرير إلى تحليل 37.5 مليون تفاعل مجهول الهوية، ويُظهر أن دور «كوبايلوت» يتوسع ليشبه أحياناً زميلاً في العمل، وأحياناً أخرى مستشاراً شخصياً يعتمد عليه المستخدمون في حياتهم اليومية.

استخدامات تتخطى المتوقع

عندما أطلقت «مايكروسوفت» المُساعد «كوبايلوت»، كان الهدف منه تعزيز الإنتاجية داخل تطبيقات مثل «وورد» و«إكسل» و«آوتلوك» و«تيمز». ومع ذلك، يكشف التقرير أن استخداماته أصبحت مختلفة جداً بحسب الجهاز والسياق. على أجهزة الكمبيوتر المكتبية وخلال ساعات العمل، يعتمد المستخدمون عليه لإنجاز مهامّ تتعلق بالبحث وتلخيص الوثائق وإدارة المحتوى. أما على الهواتف المحمولة، فيتحول «كوبايلوت» إلى شريك شخصي يُسأل عن الصحة والعلاقات، وحتى اتخاذ القرارات اليومية. هذا الانقسام في طبيعة الاستخدام يعكس قدرة الأداة نفسها على خدمة احتياجات متنوعة، وفقاً للحظة التي يُستخدم فيها التطبيق، وطبيعة الشخص الذي يتفاعل معه.

الوجه الإنساني للمحادثات

تحليل البيانات يُظهر أن الأسئلة المتعلقة بالصحة تأتي في المرتبة الأولى على الهواتف الذكية طوال العام، ما يشير إلى أن المستخدمين يلجأون إلى «كوبايلوت»، ليس فقط للمهام الذهنية، بل أيضاً للبحث عن دعم في أمورهم الخاصة. كما أظهر التقرير اختلافاً واضحاً في الموضوعات التي يطرحها الناس خلال اليوم، كأسئلة العمل والسفر التي ترتفع في ساعات النهار، بينما تزداد الأسئلة الفلسفية والدينية في الليل. هذه الأنماط تشبه السلوك البشري الطبيعي، ما يعكس اندماج الذكاء الاصطناعي في إيقاع الحياة اليومية.

يتجه مستقبل الذكاء الاصطناعي نحو شراكة فكرية مع الإنسان بما يستدعي تطوير أنظمة موثوقة تمنع الاعتماد المفرط أو إساءة الاستخدام (شاترستوك)

ما وراء الإنتاجية التقليدية

توضح نتائج الدراسة أن المستخدمين لا ينظرون إلى «كوبايلوت» بوصفه أداة آلية فقط، بل بصفته جهة يمكن الحوار معها وطلب المشورة منها. في أحيان كثيرة، يؤدي دور زميل يساعد في التفكير، أو صديق يمكن الحديث إليه عن موضوعات شخصية. هذا التوسع في الدور يطرح تحديات جديدة أمام مطوري الذكاء الاصطناعي، فكلما ازداد اعتماد الناس على الأداة كـ«رفيق»، أصبحت الحاجة إلى الدقة والشفافية والسلوك الأخلاقي أقوى.

الثقة والمسؤولية

تعترف «مايكروسوفت» بأن «كوبايلوت» لم يُصمَّم أصلاً ليكون مستشاراً عاطفياً أو نفسياً، لكن طبيعة تفاعل المستخدمين معه جعلته يؤدي هذا الدور بشكل غير مباشر. هذا الأمر يعكس العلاقة المعقدة بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، حيث تنشأ الثقة تدريجياً، وقد تتحول الأداة، مع الوقت، إلى جزء من مساحة اتخاذ القرار لدى الشخص. وفي المقابل، يحذر الخبراء من ضرورة وضع حدود واضحة؛ لأن التعلق الزائد بالتقنية قد يؤدي إلى سوء استخدام أو إساءة تفسير للمُخرجات.

مستقبل الذكاء الاصطناعي

يرسم تقرير «مايكروسوفت» صورة واضحة عن كيفية تحول الذكاء الاصطناعي إلى جزء لا يتجزأ من الحياة المهنية والشخصية على حد سواء. سواء في كتابة بريد إلكتروني أم تنظيم البيانات أم طلب نصيحة حياتية، أم حتى مناقشة أسئلة وجودية في آخِر الليل، بات المستخدمون ينظرون إلى هذه الأدوات على أنها شركاء في التفكير، وليس مجرد برامج. وبينما تتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي بوتيرة سريعة، تبرز الحاجة إلى تصميم أنظمة أكثر موثوقية ووعياً بسلوك الإنسان، قادرة على مساعدة المستخدم دون تجاوز الخط الفاصل بين المساندة والاعتماد المُفرِط.


علاج مبتكر وواعد لاستعادة المجال البصري لدى الناجين من السكتات

تُفقد الهيميانوبيا آلاف الناجين من السكتات نصف مجال رؤيتهم وتحدّ بشدة من قدرتهم على أداء الأنشطة اليومية (أدوبي)
تُفقد الهيميانوبيا آلاف الناجين من السكتات نصف مجال رؤيتهم وتحدّ بشدة من قدرتهم على أداء الأنشطة اليومية (أدوبي)
TT

علاج مبتكر وواعد لاستعادة المجال البصري لدى الناجين من السكتات

تُفقد الهيميانوبيا آلاف الناجين من السكتات نصف مجال رؤيتهم وتحدّ بشدة من قدرتهم على أداء الأنشطة اليومية (أدوبي)
تُفقد الهيميانوبيا آلاف الناجين من السكتات نصف مجال رؤيتهم وتحدّ بشدة من قدرتهم على أداء الأنشطة اليومية (أدوبي)

يفقد آلاف الناجين من السكتات الدماغية كل عام القدرة على رؤية نصف مجالهم البصري، في حالة تُعرف بـ«الهيميانوبيا»، حيث يختفي جانب كامل من الرؤية على طول الخط العمودي الفاصل بين نصفي المجال البصري. هذا الاضطراب يعرقل بشكل كبير أنشطة الحياة اليومية. وتصبح القراءة شاقة والقيادة قد لا تعود ممكنة، وحتى السير في مكان مزدحم يتحول إلى مهمة صعبة.

حدود العلاجات المتاحة حالياً

ورغم تأثير «الهيميانوبيا» الكبير، فلا توجد علاجات قادرة على استعادة الجزء المفقود من الرؤية بشكل فعّال؛ فمعظم التدخلات الحالية تركز على مساعدة المرضى في التكيف مع النقص بدلاً من استعادة القدرة البصرية. أما برامج التأهيل التي تهدف إلى بعض التحسن فهي تتطلب تدريباً مكثفاً يستمر لأشهر، وغالباً ما تكون نتائجها محدودة.

يرجع التحدي الأساسي إلى الطريقة التي يتواصل بها الدماغ داخل النظام البصري؛ ففي الوضع الطبيعي، تعمل القشرة البصرية الأولية والمنطقة المتوسطة الصدغية المسؤولة عن إدراك الحركة بانسجام، وتتبادلان المعلومات عبر إيقاعات كهربائية دقيقة تُعرف بالذبذبات الدماغية، لكن السكتة الدماغية قد تُفقد هذه المناطق قدرتها على العمل المتناسق ما يؤدي إلى اضطراب في معالجة المعلومات البصرية.

وقد أشارت دراسات سابقة إلى أن التحفيز غير الجراحي للدماغ قد يساعد في إعادة ضبط هذه الذبذبات وتحسين التواصل بين المناطق البصرية ودعم عملية التعافي. بناءً على هذا الأساس، اختبر فريق بقيادة فرايدهيلم هومل من معهد «Neuro - X» في جامعة «EPFL» السويسرية علاجاً جديداً يجمع بين تدريب بصري متخصص وتحفيز دماغي متعدد النقاط لإعادة تنسيق النشاط العصبي، وتحسين التعافي لدى مرضى الهيميانوبيا.

العلاج الجديد يجمع بين تدريب بصري وتحفيز دماغي متعدد الترددات أعاد مزامنة الإشارات العصبية لدى بعض المرضى

إعادة تنظيم المعالجة البصرية

في تجربة سريرية مزدوجة التعمية ومضبوطة بدواء وهمي، أظهر الباحثان أستيلا رافان وميكيلي بيفلاكوا مع زملائهما أن هذه الطريقة المزدوجة يمكن أن تُحدث تحسناً ملحوظاً في الوظائف البصرية حتى لدى المرضى المصابين منذ سنوات طويلة.

ويصف هومل هذا المشروع بأنه تطبيق لأول استراتيجية مبتكرة تعتمد على تحفيز دماغي ثنائي البؤرة يحاكي الطريقة التي يعمل بها الدماغ طبيعياً، بهدف تعزيز الوظائف البصرية لدى مرضى السكتة الدماغية. كما حدّد الفريق عوامل ترتبط بالاستجابة للعلاج، ما قد يمهّد لتحديد مؤشرات حيوية تساعد في اختيار المرضى الأنسب للعلاج.

كيف أُجريت التجربة؟

شارك في الدراسة 16 مريضاً يعانون من «الهيميانوبيا». تدرب المشاركون على مهمة للكشف عن الحركة صُممت لتحفيز الحافة الفاصلة بين الجزء المبصر والجزء المصاب من مجال الرؤية. وخلال التدريب، تلقّى المرضى تحفيزاً دماغياً عبر التيارات المتناوبة متعددة الترددات (cf - tACS)، وهي تقنية تستخدم تيارات كهربائية منخفضة الشدة لتعديل توقيت الذبذبات الدماغية ودعم الوظائف الإدراكية.

واستهدف الباحثون مزامنة الإيقاعات العصبية بين القشرة البصرية الأولية والمنطقة المتوسطة الصدغية، وذلك عبر تطبيق ترددات مختلفة على كل منطقة لمحاكاة نمط التواصل الطبيعي، منها موجات «ألفا» منخفضة التردد على القشرة البصرية، وموجات «غاما» عالية التردد على المنطقة الحساسة للحركة. هذا النمط «الأمامي» يعكس التدفق المعتاد للمعلومات من الأسفل إلى الأعلى في أثناء المعالجة البصرية، ويساعد في استعادة التواصل بعد السكتة.

التجربة السريرية أظهرت تحسناً واضحاً في إدراك الحركة وتوسّعاً في مجال الرؤية خصوصاً لدى من احتفظوا ببعض الاتصالات العصبية (شاترستوك)

تحسن واضح في إدراك الحركة

أظهر المرضى الذين تلقّوا هذا النمط الأمامي من «cf - tACS» تحسناً أكبر بكثير في القدرة على إدراك الحركة مقارنةً بمن خضعوا للنمط العكسي. كما توسّعت مجالات رؤيتهم بشكل ملموس، خصوصاً في المناطق المستهدفة في أثناء التدريب. كما أن بعض المرضى ذكروا تحسنات محسوسة في حياتهم اليومية.

وأكدت صور الدماغ وبيانات التخطيط الكهربائي (EEG) هذه النتائج وأظهرت استعادة التواصل بين القشرة البصرية والمنطقة المتوسطة الصدغية. كما بيّنت الفحوصات ازدياد النشاط في المنطقة المتوسطة الصدغية بعد التحفيز. وكان أكبر قدر من التحسن لدى المرضى الذين بقيت لديهم بعض الاتصالات العصبية الجزئية بين المنطقتين، ما يشير إلى أن الحفاظ الجزئي على هذه الدارات يمكن أن يدعم عملية التعافي.

توضح هذه الدراسة أن استهداف دوائر دماغية محددة بتحفيز متزامن مستوحى من آليات الدماغ يمكن أن يعزّز تأثير التدريب البصري بشكل واضح. وإذا أثبتت نتائجه في تجارب أكبر، فقد يصبح هذا النهج علاجاً أسرع وأكثر سهولة لمرضى السكتة الدماغية الذين يعانون من «الهيميانوبيا».


الذكاء الاصطناعي يتجاوز حدود الموضة التقنية... كيف يعيد تشكيل المجتمعات؟

التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي يجب أن يترافق مع ابتكار مسؤول وتعليم شامل لضمان استفادة عادلة للجميع (غيتي)
التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي يجب أن يترافق مع ابتكار مسؤول وتعليم شامل لضمان استفادة عادلة للجميع (غيتي)
TT

الذكاء الاصطناعي يتجاوز حدود الموضة التقنية... كيف يعيد تشكيل المجتمعات؟

التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي يجب أن يترافق مع ابتكار مسؤول وتعليم شامل لضمان استفادة عادلة للجميع (غيتي)
التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي يجب أن يترافق مع ابتكار مسؤول وتعليم شامل لضمان استفادة عادلة للجميع (غيتي)

طوال العامين الماضيين، انشغلت النقاشات العالمية حول الذكاء الاصطناعي التوليدي بمجموعة أسئلة بارزة: من يستخدم التقنية؟ وكيف تتوسع؟ وأي قطاعات تعيد تشكيل أعمالها حولها؟

إلا أن تعاوناً بحثياً بين «سيسكو» ومركز «وايز» (WISE) التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في جلسة خاصة حضرتها «الشرق الأوسط»، كشف عن أن عدد المستخدمين ليس سوى بداية القصة. فخلف موجة الحماس، يحدث تحول أعمق يتعلق بكيفية تأثير الحياة الرقمية على الاقتصادات والمهارات وحتى رفاهية الأفراد.

قاد الجلسة كل من جاي ديدريتش، نائب الرئيس الأول ومسؤول الابتكار العالمي في «سيسكو»، ورومينا بوريني مديرة مركز «وايز» (WISE) التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، حيث قدّما واحدة من أوسع قواعد البيانات العالمية حول تقاطع الذكاء الاصطناعي والسلوك الرقمي والرفاه الإنساني.

ويبحث التقرير، ليس فقط في مدى انتشار استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، بل في هوية المستفيدين ومن يتم استثناؤهم، وما يترتب على ذلك من آثار اجتماعية.

جاي ديدريتش نائب الرئيس الأول ومسؤول الابتكار العالمي في «سيسكو» (سيسكو)

الشباب يقودون موجة التبنّي

إحدى أبرز نتائج التقرير هي الفجوة العمرية، حيث إن الشباب هم المحرك الأكبر لاعتماد الذكاء الاصطناعي عالمياً. وتشير البيانات إلى أن أكثر من 75 في المائة من المستخدمين تحت سن 35 يرون الذكاء الاصطناعي التوليدي أداة مفيدة للعمل والدراسة وحل المشكلات اليومية.

وترى بوريني أن «الأجيال الشابة تتبنى هذه الأدوات بشكل أسرع، وغالباً ما ينظرون إليها على أنها امتداد طبيعي لحياتهم الرقمية»، لكن هذه السهولة لا تخلو من ثمن؛ فالفئة العمرية ذات أعلى تبنٍّ للذكاء الاصطناعي هي نفسها الأكثر تعرضاً لفرط الاستخدام الرقمي.

ويُظهر التقرير أن 38 في المائة من المشاركين عالمياً يقضون أكثر من خمس ساعات يومياً في استخدام ترفيهي لا علاقة له بالدراسة أو العمل، وهو عامل يرتبط مباشرة بانخفاض الرضا عن الحياة.

وتضيف بوريني أن «الوجود الرقمي أصبح جزءاً من معادلة الرفاه... المسألة لا تتعلق فقط بالوصول، بل بالتوازن». الرسالة واضحة، وتتمثل في أن الوصول إلى الذكاء الاصطناعي لا يكفي. ومع اندماج التقنية في الحياة اليومية، يصبح من الضروري إعادة التفكير في مفهوم «الصحة الرقمية».

رومينا بوريني مديرة مركز «وايز» (WISE) التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)

جغرافيا غير متكافئة

إذا كان العمر يقسم استخدام التقنية، فإن الجغرافيا تقسم الفرص، فقد أظهرت نتائج البحث فروقات حادة، حيث تصدرت الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا الاستخدام النشط، بينما جاءت ألمانيا وفرنسا وإيطاليا في مستويات أقل. للوهلة الأولى يبدو ذلك مفاجئاً؛ إذ تنتمي هذه الدول الأوروبية لاقتصادات متقدمة، لكن البيانات تكشف عن منطق مختلف.

يقول ديدريتش إن «بعض الأسواق الناشئة تتجاوز المراحل التقليدية... فهي تتبنى الذكاء الاصطناعي ليس كترقية، بل كضرورة»، فحيثما تتطور البنية التحتية الرقمية بسرعة، خصوصاً عبر الهواتف المحمولة، يصبح الذكاء الاصطناعي امتداداً طبيعياً للأدوات الرقمية؛ ليس رفاهية، بل حلاً لسد فجوات في التعليم والخدمات والرعاية. هذا يعيد تشكيل السرد الشائع؛ إذ إن التبنّي العالي لا يعني التطور دائماً، بل تعكس الحاجة والفرصة أحياناً الاضطرار.

المهارات لا الاتصال

طوال سنوات، اعتبر صنّاع القرار أن الفجوة الرقمية هي مشكلة «وصول»، لكن دراسة «سيسكو - OECD» تقدم خلاصة واضحة، وهي أن الفجوة التالية ستكون فجوة المهارات؛ فحتى مع توفر الإنترنت، تختلف قدرة الناس على استخدام الذكاء الاصطناعي بفاعلية وأمان بشكل كبير.

وتلخص بوريني ذلك بقولها إن «الناس يحتاجون إلى أكثر من الوصول... يحتاجون إلى مهارات لفهم الذكاء الاصطناعي ومساءلته واستخدامه بطرق هادفة». غياب هذه المهارات يجعل المستخدمين أكثر عرضة للتضليل واتخاذ قرارات خاطئة، والتفاعل في بيئات رقمية غير آمنة، بالإضافة إلى فقدان فرص اقتصادية في الوظائف والأسواق الجديدة.

ويؤكد ديدريتش أن المهارات أصبحت شرطاً اقتصادياً أساسياً، ويضيف: «نحن لا ندرب الناس على استخدام الذكاء الاصطناعي فقط... بل على المنافسة في اقتصاد مدعوم بالذكاء الاصطناعي».

بات الرفاه الرقمي عنصراً أساسياً في تقييم أثر الذكاء الاصطناعي على حياة الأفراد وسعادتهم (غيتي)

المهارات كجزء من البنية التحتية

وأوضحت «سيسكو» أن البنية التحتية وحدها لا تكفي؛ فالاستثمار في الإنسان أصبح ضرورة لا تقل أهمية عن الاستثمار في التقنية.

ويشدد ديدريتش على أهمية البرامج التعليمية الواسعة التي تقدمها الشركة، خاصة للفئات المحرومة، مؤكداً «الحاجة لمجتمعات قادرة على الاعتماد على نفسها... ويتطلب ذلك شمولية في الابتكار والتعليم معاً».

ولأن أكاديمية «سيسكو» للشبكات واحدة من أكبر برامج التدريب في العالم، فإنها تتحول اليوم لتشمل مهارات الذكاء الاصطناعي والتحضير للأمن السيبراني، والمشاركة الرقمية المتوازنة. وخلال النقاش، قال ديدريتش: «علينا تصميم أدوات ذكاء اصطناعي تكون بديهية وسهلة الاستخدام لجميع الفئات العمرية».

الرفاه الرقمي

واحدة من أهم إضافات هذا التقرير هي إدخال مفهوم الرفاه ضمن تقييم أثر الذكاء الاصطناعي، وهو جانب غالباً ما تهمله التقارير التقنية.

وتوضح بوريني أن «الحياة الرقمية أصبحت عاملاً مؤثراً في السعادة... سلوك الإنسان على الإنترنت يؤثر على رفاهه مثل ظروفه خارج الإنترنت». وتشير البيانات إلى مجموعة مخاطر متصاعدة، منها الإرهاق الرقمي والإفراط في الاستخدام وصعوبة الانفصال وتعرّض المستخدمين لمحتوى ضار، وانخفاض الرضا لدى من يقضون وقتاً طويلاً على منصات الترفيه. ولا يعني ذلك أن الذكاء الاصطناعي مضر بحد ذاته، بل إن غياب الوعي والضوابط قد يخلق آثاراً سلبية واضحة.

يقود الشباب تبنّي الذكاء الاصطناعي عالمياً لكنهم الأكثر عرضة لمخاطر الإفراط الرقمي وتراجع الرفاه (غيتي)

من يستفيد ومن يتحمل المخاطر؟

تسعى الدراسة إلى فهم التوزيع الحقيقي للفوائد والمخاطر، وليس فقط رصد معدلات الاستخدام. وتشير النتائج إلى أن الشباب هم الأكثر استفادة من إنتاجية الذكاء الاصطناعي، لكنهم الأكثر عرضة لمخاطر الرفاه.

الاقتصادات الناشئة تتبنى الذكاء الاصطناعي بسرعة، لكنها تواجه فجوات أعمق في الأمن الرقمي والمهارات. الدول المتقدمة ذات البنية الرقمية القوية لا تزال تعاني من تبنٍّ منخفض بسبب التردد الثقافي والتنظيمي.

هذه اللوحة المعقدة تنسف الفكرة السائدة بأن «زيادة المستخدمين تعني التقدم». الواقع أكثر تعدداً وتفصيلاً.

الذكاء الاصطناعي عادة ... لا موجة عابرة

في ختام الجلسة، شدد المتحدثان على أن الذكاء الاصطناعي التوليدي انتقل من كونه تقنية تثير الفضول إلى جزء من الروتين اليومي لملايين البشر، لكنه قد يتحول إلى سبب لانقسام جديد إذا ركّز العالم على التبنّي وتجاهل التأثير.

ونوهت بوريني إلى «الحاجة إلى مزيد من الثقافة الرقمية، ومزيد من الابتكار المسؤول، وفهم أعمق لتأثير الحياة الرقمية على رفاه الناس».

وأضاف ديدريتش: «السؤال الحقيقي ليس من الذي يتبنى الذكاء الاصطناعي؟... بل من يستفيد منه وكيف نجعل الفائدة شاملة للجميع؟».

وتذكّر نتائج تقرير «سيسكو – OECD» أن مستقبل الذكاء الاصطناعي ليس نقاشاً تقنياً فقط، بل هو نقاش اجتماعي واقتصادي وإنساني؛ فالانتشار الواسع مجرد بداية، أما ما سيأتي لاحقاً فهو ما سيحدد ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قوة للاندماج... أم مصدراً جديداً للانقسام.