صوت الموريتانيون أمس في الدور الأول من الانتخابات التشريعية والمحلية والجهوية، وهي الانتخابات التي سبقتها حملة انتخابية، شهدت تراشقاً إعلامياً قوياً بين معسكر الأغلبية الرئاسية وأحزاب المعارضة، التي تشارك في أول انتخابات تشريعية ومحلية منذ نحو 12 عاماً.
وأغلقت مكاتب التصويت أبوابها في تمام الساعة السابعة من مساء أمس، بينما استمر التصويت في عدد منها بسبب وجود طوابير من الناخبين أمام المكاتب، ثم بدأت عمليات الفرز لاحقاً، على أن يتم الإعلان عن النتائج في غضون أيام.
لكن التصويت شهد بعض المشاكل منذ الساعات الأولى من صباح أمس، خاصة أن نسبة مهمة من مكاتب التصويت، البالغ عددها أكثر من 4 آلاف مكتب، لم تتمكن من فتح أبوابها عند السابعة صباحاً، وهو التوقيت المحدد من طرف اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات لانطلاق عمليات التصويت بشكل متزامن.
وقالت مصادر من داخل اللجنة تحدثت لـ«الشرق الأوسط» إن تأخر انطلاق التصويت في بعض المكاتب «لم يتجاوز 30 دقيقة» في أقصى حد، مشيرة إلى أن سبب التأخر هو «احتياطات لضمان أكبر قدر من الجاهزية الفنية»، لكن هذا المبرر لم يقنع ممثلي أحزاب المعارضة، الذين احتجوا على هذا التأخر.
وأفادت مصادر كثيرة أن الأمطار الغزيرة والعواصف منعت الناخبين في مناطق جنوبي البلاد من التصويت لعدة ساعات، رغم أن مكاتب التصويت كانت «مفتوحة وجاهزة»، وقد استمر تهاطل الأمطار في بعض هذه المناطق لأكثر من أربع ساعات متواصلة. أما في العاصمة نواكشوط، والكثير من كبريات المدن، فقد بدأت الطوابير تتشكل أمام مكاتب التصويت منذ ساعات الصباح الأولى، ثم تزايد الإقبال مع تقدم الوقت ليصل إلى ذروته في الساعة العاشرة صباحاً، ولم تمنع درجات الحرارة المرتفعة وأشعة الشمس الحارقة المواطنين من البقاء في الطوابير لعدة ساعات من أجل الإدلاء بأصواتهم.
وخلال الساعات الأولى تعذر على الكثير من الناخبين العثور على مكاتب التصويت التي يتوجب عليهم الإدلاء بأصواتهم فيها، وذلك بسبب عمليات نقل وتعديل المكاتب، التي قامت بها اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات قبيل ساعات قليلة من موعد الاقتراع، وقد تسبب ذلك في ارتباك كبير أثر على سير العملية لعدة ساعات، وقد منعت هذه التعديلات بعض الناخبين من التصويت.
وقال محمد فال ولد بلال، رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، في تعليق على هذه المشاكل، التي رفض تسميتها بأنها خروقات، «ليس عندي ما أقوله إلا ما يتردد عادة على لسان الأمين العام للأمم المتحدة عندما يقف عاجزاً عن فعل أي شيء... يقف ويعبر عن أسفه وقلقه أمام الوضع».
وفي رده على مواطنة احتجت على نقل اسمها دون علمها من مكتب تصويت في نواكشوط إلى مكتب في مدينة تبعد 600 كيلومتر شرقي البلاد، قال لها ولد بلال إن اللجنة المستقلة للانتخابات «تعرب عن أسفها وتعتذر لعدم إمكانية فعل أي شيء في الموضوع». ولم يُعرف عدد الناخبين الذين منعتهم مثل هذه «الأخطاء» من التصويت.
وبشكل عام كانت الأجواء داخل مكاتب التصويت هادئة وطبيعية طيلة يوم الاقتراع، كما لم تسجل «حوادث أو خروقات» من الحجم المؤثر على نتائج الانتخابات، وفق ما أكد مراقب محلي ينشط في «المرصد الوطني لمراقبة الانتخابات»، تحدث لـ«الشرق الأوسط» من داخل أحد مكاتب التصويت، لكن هذا المرصد يعد مقرباً من السلطة لأنه تأسس من طرف الحكومة عام 2013.
من جهة أخرى، حضرت بعثة من الاتحاد الأفريقي لمراقبة الانتخابات، وتجول أعضاؤها في مكاتب التصويت بأحياء العاصمة نواكشوط، وحضروا عملية انطلاق التصويت وإغلاق المكاتب وعمليات الفرز، وأعلنت البعثة الأفريقية أنها ستصدر تقريراً في غضون يومين، يرصد الظروف التي جرت فيها الانتخابات.
وتشكل هذه الانتخابات تحدياً كبيراً للنظام الحاكم في موريتانيا، وللمعارضة أيضاً، ذلك أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز يسعى لأن يحافظ حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم على «أغلبية ساحقة» في البرلمان، ومن أجل تحقيق ذلك نشط ولد عبد العزيز بشكل شخصي في الحملة الانتخابية، ودعا الموريتانيين للتصويت لصالح الحزب الحاكم، وهي المرة الأولى التي ينخرط رئيس موريتاني في الحملة للانتخابات التشريعية.
من جهة أخرى، يسعى معسكر الأغلبية الرئاسية إلى الحصول على ثلثي مقاعد البرلمان، وهو النصاب الذي سيمكنه من مراجعة الدستور عن طريق البرلمان، وربما فتح الباب أمام ولاية رئاسية ثالثة للرئيس ولد عبد العزيز يمنعها الدستور الحالي، ولا تخفي هذه الأحزاب السياسية رغبتها القوية في ترشح ولد عبد العزيز للانتخابات الرئاسية، التي ستنظم بعد أقل من عام.
وبعد أن أدلى الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بصوته أمس في مكتب بالقرب من القصر الرئاسي، قال في تصريح للصحافيين «في الساعات الأولى من هذا اليوم الانتخابي المبارك، أغتنم هذه الفرصة لأشكر وأهنئ الشعب الموريتاني على الجو الذي دارت فيه الحملة الانتخابية، الممهدة لهذه الاستحقاقات التشريعية والجهوية والبلدية».
وأضاف ولد عبد العزيز، الذي كان مصحوباً بالسيدة الأولى، أن الأجواء التي جرت فيها الانتخابات «اتسمت بالهدوء والانضباط في كنف الديمقراطية»، مؤكدا أن «النجاح سيكون بحول الله للشعب الموريتاني».
ومباشرة بعد الإدلاء بصوته، سافر ولد عبد العزيز إلى الصين للمشاركة في «قمة بكين 2018. منتدى التعاون الصيني - الأفريقي».
أما المعارضة فتشكل هذه الانتخابات بالنسبة إليها معركة انتخابية «حاسمة» ضد ما تقول إنه «مخططات النظام للاستمرار في الحكم». ويسعى تحالف أحزاب المعارضة إلى النجاح في الحصول على أكثر من ثلث مقاعد البرلمان، ما يعني قطع الطريق أمام خطط معسكر الأغلبية الرئاسية.
لكن في المقابل تعد هذه الانتخابات فرصة لإعادة رسم الخارطة السياسية داخل المعارضة نفسها، وستضع حزب «تواصل» الإسلامي على المحك، وهو الذي استغلّ غياب المعارضة الوازنة عن الانتخابات التشريعية السابقة ليظهر على أنه أكبر حزب معارض في البلاد، من خلال 16 مقعداً في البرلمان.
وشاركت أمس جميع أحزاب المعارضة في الانتخابات، وفي مقدمتها حزب تكتل القوى الديمقراطية، بقيادة أحمد ولد داداه، الزعيم التاريخي والتقليدي للمعارضة في موريتانيا، وهو الحزب الذي يشارك في الانتخابات التشريعية والمحلية منذ أكثر من 12 عاماً.
وإن كانت أحزاب المعارضة الوازنة قد قررت العودة والمشاركة في الانتخابات، إلا أنها تعبر بشكل دائم عن «قلقها» حيال الظروف التي تجري فيها، والتي تعتقد أنها «لن تضمن الحد الأدنى من الشفافية»، وبهذا الخصوص قال ولد داداه في تصريح صحافي عقب الإدلاء بصوته «الداخل الموريتاني شهد منذ الساعات من الاقتراع الكثير من التجاوزات والخروقات، وحدث تزوير فاحش»، مشيراً إلى أن الكثير من رؤساء مكاتب التصويت «ينتمون للحزب الحاكم».
كما وجه ولد داداه انتقادات لاذعة للرئيس الموريتاني، وقال إنه «يجب أن يكون رئيساً لجميع الموريتانيين، وعلى مسافة واحدة من الجميع»، في إشارة إلى انخراط ولد عبد العزيز في الحملة الانتخابية لصالح الحزب الحاكم.
من جانبه، قال رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير، وهو وجه معارض معروف في موريتانيا، إنه «يخشى وقوع عمليات تزوير في الانتخابات»، مشيرا في هذا السياق إلى أن حزبه رصد الكثير من «الخروقات» داخل البلاد.
وأكد ولد بلخير أنه لا يتهم الرئيس الموريتاني بالتورط في هذه الخروقات، «لكن الحزب الحاكم كان يقف وراء الكثير من الخروقات المسجلة»، كما أوضح أنه سينتظر صدور النتائج النهائية لإعطاء موقف «واضح وصريح» من الانتخابات.
ومن المتوقع أن تعلن النتائج النهائية للانتخابات مطلع الأسبوع المقبل، وذلك بسبب تعقيد عملية فرز الأصوات في ثلاث انتخابات متزامنة، هي الانتخابات التشريعية والمجالس المحلية، بالإضافة إلى انتخاب المجالس الجهوية للتنمية، التي تم تشكيلها العام الماضي لتحل محل مجلس الشيوخ، الذي تم إلغاؤه بموجب تعديل دستوري.
واللافت في هذه الانتخابات هو ارتفاع عدد المرشحين الذي وصل إلى ستة آلاف مرشح، وهو رقم غير مسبوق، ترشحوا من بوابة 98 حزباً سياسيا، يتسابقون لنيل ثقة أكثر من مليون وأربعمائة ألف ناخب موريتاني، وقد تسبب هذا التنافس القوي في زيادة الإقبال على صناديق الاقتراع أمس، ما يعني أن نسبة المشاركة ستكون مرتفعة في هذه الانتخابات.
الموريتانيون يصوتون في انتخابات تعيد رسم الخريطة السياسية للبلاد
يتنافس فيها أكثر من ستة آلاف مرشح و98 حزباً سياسيا
الموريتانيون يصوتون في انتخابات تعيد رسم الخريطة السياسية للبلاد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة