فجأة اهتم الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالوضع في إدلب عندما تبلغ تحذيراً من «كارثة إنسانية»، فتحركت الماكينة الأميركية سياسياً وعسكرياً لتحقيق 4 أهداف تتضمن «قتال الإرهابيين دون حصول كارثة» مع تذكير بـ«الخط الأحمر الكيماوي»، لكن تقديرات تشير إلى ضيق هامش التحرك الأميركي بسبب تغير الواقع السوري عما كان سابقاً.
في التفاصيل، فإن معلومات مباشرة وصلت إلى الرئيس ترمب مفادها أن إدلب على «حافة الكارثة الإنسانية» بسبب وجود 3 ملايين شخص نصفهم من النازحين والمهجرين من مناطق أخرى، ذلك بسبب «القيام بهجوم عسكري شامل عليها، وليس هناك إدلب أخرى كي يذهب الناس إليها»، وأنه «لا يجوز أن يكون قتال الإرهابيين مبرراً لشن حملة ضد المنطقة».
ترمب تفاعل مع المعطيات وحرك ماكينة المؤسسات الأميركية لـ«عدم السماح بحصول كارثة» وفق الآتي:
أولاً، وزارة الدفاع (البنتاغون) وضعت «قائمة أهداف» في حال استعمل الكيماوي. وجرت اتصالات بين ترمب والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ومسؤولين غربيين. كما اتصل وزير الخارجية مايك بومبيو بنظيره الروسي سيرغي لافروف لنقل «تحذيرات من استعمال الكيماوي». ونشطت الدبلوماسية الأميركية في الكواليس لتحذير موسكو التي اتهمت في الماضي بغض الطرف حيال استخدام دمشق أسلحة كيماوية.
وكانت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ذكرت بـ«خطها الأحمر»، بعدما نفذت معاً في منتصف أبريل (نيسان) ضربات على منشآت سورية رداً على هجوم بغاز في الغوطة الشرقية حملت دمشق مسؤوليته. وأكدت الدول الثلاث في بيان مشترك صدر في 21 الشهر الماضي، أنه «مثلما أثبتنا سابقاً، فإننا سنرد بالشكل المناسب على أي استخدام جديد للأسلحة الكيماوية من قبل النظام السوري». وتعقيباً على ذلك، توعد مستشار البيت الأبيض للأمن القومي جون بولتون بالرد «بشدة بالغة» في حال وقوع هجوم كيماوي.
في المقابل، حشدت روسيا قطعاً بحرية غير مسبوقة في البحر المتوسط، وبدأت أمس مناورات أحد أسبابها «ردع» واشنطن من استعمال القوة، خصوصاً أن موسكو قالت في أبريل الماضي إنه «لن تسمح مرة ثانية بضرب مواقع في سوريا».
ثانياً، وزير الخارجية مايك بومبيو «غرد» على موقع «تويتر» أول من أمس، باتهام نظيره الروسي سيرغي لافروف بـ«الدفاع عن الهجوم السوري والروسي على إدلب»، قائلاً: «الولايات المتحدة تعتبر أن هذا الأمر تصعيد في نزاع هو أصلاً خطير». من جهته، علق لافروف مبدياً أمله في ألا تعمد الدول الغربية على «عرقلة عملية مكافحة الإرهاب» في إدلب. وقال: «من الملح أن يتم الفصل بين ما نسميه معارضة معتدلة والإرهابيين، وأن يتم التحضير لعملية ضد هؤلاء عبر الإقلال قدر الإمكان من الأخطار على السكان المدنيين».
ثالثاً، قرر بومبيو إيفاد مساعد نائب وزير الخارجية جيمس جيفري ومسؤول الملف السوري جول روبان إلى إسرائيل وتركيا والأردن بين 1 و4 الشهر الحالي، للتأكيد على أن «الهجوم العسكري في إدلب سيصعد الأزمة في سوريا والمنطقة، ويعرض حياة المدنيين للخطر، فضلاً عن تدمير البنية التحتية».
ويتوقع أن يضغط الوفد الأميركي على الجانب التركي والروسي ونقل 4 رسائل: «الإسراع في محاربة الإرهابيين في إدلب، وتجنب وقوع كارثة إنسانية، وربط مستقبل إدلب بالعملية السياسية، والتزام الخط الأحمر بعدم استعمال السلاح الكيماوي».
ولا يعتبر الجانب الروسي بعيداً عن هذا الموقف، إذ إنه يمارس من جهته ضغوطاً على أنقرة لاستعجال انحيازها ضد «هيئة تحرير الشام» من جهة، وعلى دمشق لإعطاء مهلة للوصول إلى هذا الهدف من جهة ثانية.
ولا تزال المفاوضات الروسية - التركية مستمرة بكثافة للوصول إلى ترتيبات و«حسم ملف إدلب خلال شهر سبتمبر (أيلول) الحالي» ووضع خطة واضحة قبل القمة الروسية - التركية - الإيرانية في طهران في 7 الشهر الحالي. ويعتقد أن قرار أنقرة تصنيف «هيئة تحرير الشام» تنظيماً إرهابياً أول من أمس، مؤشر إلى فشل مفاوضات أنقرة مع «الهيئة» لحل نفسها، ما يرجح خيار الحسم العسكري، الذي كان مقرراً أن تتبلغ به فصائل «الجبهة الوطنية للتحرير» من الاستخبارات التركية مساء أمس، مع تعهد موسكو بمنع دمشق من قتال فصائل «الجبهة» بالتزامن مع تشغيل دمشق خيار المصالحات جنوب إدلب.
وكان لافتاً أن وزير الخارجية وليد المعلم قال في مقابلة مع «روسيا اليوم» أمس، إن دمشق التي تريد «استعجال» معركة إدلب «لا تتطلع لمواجهة مع تركيا، لكن على الأخيرة أن تفهم أن إدلب محافظة سورية». وكان هذا ضمن الترتيبات الروسية - التركية القائمة على قبول أنقرة «عودة السيادة السورية على إدلب»، مقابل قبول تهجير مدنيين من ريف إدلب إلى عفرين، التي سيطرت عليها فصائل ضمن عملية «غضن الزيتون» بداية العام، ضمن مساعٍ تركية لإقامة «جدار عربي بين الأكراد والبحر المتوسط».
كما يتوقع أن يجري الوفد الأميركي في أنقرة مراجعة لتنفيذ خريطة الطريق الخاصة بمنبج بعد تسيير دوريات مشتركة وقرب الاتفاق على تشكيل مجلس محلي للمدينة، في وقت أعربت فيه أنقرة عن القلق من زيادة الانتشار الأميركي شرق سوريا بعدما حسمت إدارة ترمب قرارها «البقاء إلى أجل غير محدد» شرق نهر الفرات لتحقيق 3 أهداف: منع عودة «داعش» بعد هزيمته، وتقليص النفوذ الإيراني، والتوصل إلى حل سياسي في دمشق.
كانت واشنطن نصحت «مجلس سوريا الديمقراطي» بتأجيل بحث الملفات السياسية مع دمشق مقابل التركيز على الخدمات، وذلك خلال المفاوضات التي جرت بين «مجلس سوريا» والحكومة السورية الشهر الماضي. وعلم أمس، أن استئناف المفاوضات ينتظر قراراً سياسياً من الطرفين بعد الخلاف بين تركيز دمشق على «الإدارات المحلية بموجب القانون 107» الذي ستجري انتخابات الإدارة المحلية بموجبه في منتصف الشهر الحالي، وتركيز «مجلس سوريا» على «الإدارات الذاتية». وقال المعلم لـ«روسيا اليوم» أمس إن «الأكراد جزء من النسيج الاجتماعي السوري، والحكومة السورية مستعدة لمواصلة الحوار معهم، لكن رهان بعضهم على الأميركيين واهم، علماً أن الأميركيين معروفون بالتخلي عن حلفائهم». وأضاف: «لا نسمح بالانفصال والفيدرالية، والأولوية للحوار والتفاهم».
ويتوقع أن يراجع الوفد الأميركي في تل أبيب نتائج التفاهمات الروسية - الإسرائيلية - الأميركية بعد سيطرة الحكومة السورية على الجنوب والجنوب الغربي مقابل إخراج إيران وميلشياتها وعودة «القوات الدولية لفك الاشتباك» (اندوف) للعمل في الجولان. وقال مسؤول غربي إن مفاوضات تجري بين واشنطن وموسكو لـ«تقليص وجود إيران شرق سوريا بعد ما انسحبت جزئياً من جنوبها، مقابل الاعتراف بوجود نفوذها في قلب مناطق النظام».
ترمب «مهتم» بمنع كارثة إدلب... والتحرك عسكرياً محصور بـ «الكيماوي»
وفد أميركي في أنقرة لاستعجال قتال «النصرة» وتحييد المدنيين
ترمب «مهتم» بمنع كارثة إدلب... والتحرك عسكرياً محصور بـ «الكيماوي»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة