«هيئة تحرير الشام» بين خياري مواجهة النظام أو التصفية

صورة ارشيفية لزعيم «هيئة تحرير الشام» ابو محمد الجولاني (يمين) شمال سوريا (أ ب)
صورة ارشيفية لزعيم «هيئة تحرير الشام» ابو محمد الجولاني (يمين) شمال سوريا (أ ب)
TT

«هيئة تحرير الشام» بين خياري مواجهة النظام أو التصفية

صورة ارشيفية لزعيم «هيئة تحرير الشام» ابو محمد الجولاني (يمين) شمال سوريا (أ ب)
صورة ارشيفية لزعيم «هيئة تحرير الشام» ابو محمد الجولاني (يمين) شمال سوريا (أ ب)

طالما شكلت «هيئة تحرير الشام» التي تضم «فتح الشام» (جبهة النصرة سابقاً)، ملفاً شائكاً في النزاع السوري، وها هي اليوم توشك أن تكون عرضة لهجوم لقوات النظام التي تحشد منذ أسابيع عند أطراف محافظة إدلب، معقلها الأخير في البلاد.
تُسيطر «هيئة تحرير الشام»، على الجزء الأكبر من محافظة إدلب في شمال غربي سوريا، وتُعد خصم دمشق الأساسي فيها.
في يناير (كانون الثاني) عام 2012 ظهرت «جبهة النصرة» في سوريا، وقد شكلت في بداياتها امتدادا لـ«داعش»، فرع تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين.
وفي أبريل (نيسان) 2013، رفضت «جبهة النصرة» الاندماج مع تنظيم داعش وبايعت زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، الذي أعلن في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام ذاته أنها الممثل الوحيد لتنظيم «القاعدة» في سوريا.
وقد أعلن زعيمها وهو سوري يعرف باسم أبو محمد الجولاني في يوليو (تموز) 2014 طموحه لتشكيل «إمارة إسلامية» تنافس مناطق تنظيم داعش في ذلك الحين. وسرعان ما صنفتها واشنطن والدول الغربية منظمة «إرهابية».
قاتلت «جبهة النصرة» تنظيم داعش، وتعاونت في المقابل مع فصائل معارضة بينها إسلامية لقتال قوات النظام. ومنذ عام 2012، تمكنت إلى جانب الفصائل من التقدم والسيطرة على مناطق عدة في البلاد.
وفي عام 2015، سيطرت «جبهة النصرة» ضمن تحالف «جيش الفتح» مع فصائل أخرى على كامل محافظة إدلب.
ونتيجة ضغوط داخلية، خصوصاً من ناحية تأثيرها السلبي على الفصائل المعارضة لكونها مصنفة «إرهابية»، أعلن الجولاني في يوليو عام 2016 فك ارتباط «جبهة النصرة» مع تنظيم القاعدة وتغيير اسمها إلى «جبهة فتح الشام».
وما هي إلا أشهر حتى أعلنت في يناير عام 2017 وإثر اقتتال داخلي مع فصائل إسلامية في إدلب، عن اندماجها مع فصائل أخرى في «هيئة تحرير الشام»، وتولى قيادتها العامة الجولاني أيضاً. ورغم تغيير هذا الفصيل لاسمه مرات عدة، فإن نظرة دمشق والدول الغربية له لم تتغير. وقد استهدفه التحالف الدولي بقيادة واشنطن مرات عدة وإن بوتيرة أقل بكثير عن تنظيم داعش. وبالإضافة إلى القصف السوري، تستهدفه أيضا الطائرات الروسية. وأسفر هذا القصف على مر السنوات الماضية عن مقتل كثير من قادة «الهيئة».
تضم «هيئة تحرير الشام» في صفوفها حالياً نحو 25 ألف مقاتل، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ويوضح الباحث في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر أن «نحو 20 في المائة من مقاتليها من الأجانب»، ويتحدر هؤلاء بشكل أساسي من الأردن وتونس ومصر ودول عربية أخرى، فضلاً عن دول في جنوب آسيا.
ورغم انتشارها سابقاً في مناطق عدة في البلاد، فإنه على وقع تقدم قوات النظام بدعم روسي منذ عام 2015، انحصر مؤخراً وجود هيئة تحرير الشام في محافظة إدلب.
وتسيطر «الهيئة» على عدة مدن رئيسية بينها مدينة إدلب، مركز المحافظة، وخان شيخون وجسر الشغور.
على وقع اقتتال داخلي مع فصائل أخرى تكرر في العامين 2017 و2018، تمكنت الهيئة لكونها الأكثر قوة وتنظيماً من طرد الفصائل من مناطق واسعة في إدلب، وبسطت سيطرتها على أكثر من 60 في المائة منها، فيما باتت الفصائل الأخرى وعلى رأسها «حركة أحرار الشام» تنتشر في مناطق محدودة.
وتسيطر «الهيئة» على أبرز المعابر التجارية في إدلب إن كانت تلك التي تربط بمناطق سيطرة قوات النظام أو بتركيا شمالاً.
ويقول الباحث في المعهد الأميركي للأمن نيكولاس هيراس إن نفوذ «الهيئة» ذاتها «يعود بشكل كبير إلى كونها تسيطر على الحركة التجارية من وإلى إدلب، التي تساهم في تمويلها وتمنحها سلطة أكبر من حجمها».
وطالما شكل تحالف «الهيئة» مع الفصائل المعارضة عائقاً أمام وقف إطلاق النار أو تخفيض التوتر، إذ إنه كان يتم استثناؤها من كل تلك الاتفاقيات إلى جانب تنظيم داعش لكونها تُعد مجموعة متطرفة رغم محاولاتها فصل نفسها عن تنظيم القاعدة.
ولا تزال دمشق وموسكو تستخدمان اسم «جبهة النصرة» في الحديث عنها.
وطالما بررت دمشق وموسكو شنهما غارات على إدلب باستهداف هذا الفصيل المصنف «إرهابياً» وحملتها على صلاته بتنظيم القاعدة. وتطلب روسيا من تركيا، صاحبة النفوذ في إدلب وحيث تنشر نقاط مراقبة، إيجاد حل لإنهاء وجود «هيئة تحرير الشام»، وبالتالي تفادي هجوم واسع على محافظة إدلب.
وتعمل تركيا ميدانياً على توحيد صفوف الفصائل المعارضة في إدلب استعداداً لمواجهة محتملة مع «هيئة تحرير الشام». وفي هذا الإطار، أعلنت أربعة فصائل، على رأسها حركة «أحرار الشام» و«فصيل نور الدين زنكي»، في بداية أغسطس (آب) تحالفها ضمن ائتلاف «الجبهة الوطنية للتحرير».
وعلى وقع هجوم وشيك لقوات النظام، تدور حاليا مفاوضات بين تركيا و«هيئة تحرير الشام» يهدف إلى تفكيك الأخيرة لتفادي هجوم واسع على إدلب، وفق المرصد السوري.
وقد أعلنت تركيا رسمياً في نهاية أغسطس تصنيف الهيئة منظمة «إرهابية».
يقول هيراس إن «من شأن حل الهيئة بأمر من تركيا أن يحرمها من جزء كبير من قوتها، ويعني استبدال حكم تركيا بحكم هيئة تحرير الشام».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.