متحف جديد يخاصم «إنستغرام» والزحام

مصمم حول فكرة أنّ الزائر بحاجة إلى تجربة هادئة لمعايشة العمل الفني

مصطلح «لحظة الموناليزا» يشير إلى شعور باليأس تجاه معارض متحف «اللوفر» في باريس حيث تعجّ القاعة المخصّصة لعرض اللوحة بحالة من الفوضى (غيتي)
مصطلح «لحظة الموناليزا» يشير إلى شعور باليأس تجاه معارض متحف «اللوفر» في باريس حيث تعجّ القاعة المخصّصة لعرض اللوحة بحالة من الفوضى (غيتي)
TT

متحف جديد يخاصم «إنستغرام» والزحام

مصطلح «لحظة الموناليزا» يشير إلى شعور باليأس تجاه معارض متحف «اللوفر» في باريس حيث تعجّ القاعة المخصّصة لعرض اللوحة بحالة من الفوضى (غيتي)
مصطلح «لحظة الموناليزا» يشير إلى شعور باليأس تجاه معارض متحف «اللوفر» في باريس حيث تعجّ القاعة المخصّصة لعرض اللوحة بحالة من الفوضى (غيتي)

هناك متاحف معاصرة يصعب الوصول إليها وتبدو أكثر عزلة عن غيرها، بما في ذلك متحف يقع على جزيرة منعزلة في اليابان وآخر داخل مدينة نائية بولاية تكساس الأميركية. وهناك متاحف لا يدخل إليها سوى من يحملون بطاقات دعوة وتعمل على نحو شبيه بالأندية الخاصة المنغلقة على مجموعة معينة من الأفراد. على الجانب الآخر، هناك الكثير من المؤسسات البارزة التي تركّز اهتمامها على مزج الثّقافة والطبيعة وتدعو الزائرين ليس للاطّلاع على الأعمال الفنية فقط، وإنّما أيضاً للاستمتاع بالمشهد العام المحيط بهذه الأعمال. إلا أنّه عندما يفتح متحف غلينستون مقرّه الجديد أمام الجمهور الشّهر المقبل في بوتوماك بولاية ماريلاند، فإنّ هذا الافتتاح يأتي متزامناً مع صعود ظاهرة جديدة في عالم الفن: شعور قوي بأنّ الكثير من المتاحف تحوّلت إلى ضحية لنجاحها وأصبحت هناك حاجة ملحّة لوضع نظام جديد للتّفاعل مع الأعمال الفنية.
جدير ذكره، أنّ متحف غلينستون صنيعة ميتش وإيميلي ريلز، وهما اثنان من هواة جمع الأعمال الفنية من الأثرياء واللذان افتتحا معرضاً داخل ضيعة يملكانها في ماريلاند عام 2006. وفي 4 أكتوبر (تشرين الأول)، من المقرّر أن يفتتح الزوجان مجمّعا فنّيّاً ضخماً تبلغ مساحة العرض في داخله خمسة أضعاف المساحة داخل مبنى يطلق عليه «بافيليونز»، وهو مجموعة من المعارض المترابطة بعضها البعض، بُنيت حول حمام سباحة أعلى أحد التلال.
ومن المقرّر أن يفتح مبنى غلينستون الجديد أبوابه بصورة أوسع عن المبنى القديم، بمعنى أنّه سيسمح لعدد أكبر من الأفراد بحجز مواعيد للزيارة من خلال نظام حجز إلكتروني عبر شبكة الإنترنت. وسيتمكن سعداء الحظ الذين سيزورون المبنى الجديد من معايشة الإنجاز الكامل لطموح آل ريلز، ببناء واحدة من أكبر وأثرى المؤسسات الثّقافية على مستوى العالم. إلا أنّ الملاحظ أن مجمع غلينستون القائم على مساحة 230 فداناً ويضم مقهى وصالة دخول ومعارض دوارة ومعروضات فنية في الهواء الطّلق، صمم وبُني بالتركيز على تجربة الزائر في الأساس، وليس السّعي للوصول بأعداد الزائرين لأكبر عدد ممكن. وقد استوحى المتحف إلهامه من حركة «الفن البطيء» الناشئة التي تعتبر بمثابة رد فعل لقوى أكبر داخل السّوق الفنّية والثّقافة الديمقراطية وعصر طرح الأعمال الفنية عبر «إنستغرام». من ناحيتها تتوقّع إيميلي ريلز أن يستقبل غلينستون نحو 400 زائر يومياً من دون أن يؤثّر ذلك على صورته العامة كملاذ للهروب بعيداً عن العالم، وهي فكرة تشكّل عنصراً محورياً في رؤية مؤسسي المتحف.
على النّقيض نجد أنّ مجموعة فيليبس القائمة داخل موقع صغير مغلق على نفسه بقلب واشنطن، يستقبل أكثر عن 500 زائر يومياً في المتوسط، بينما يستقبل متحف «هيرشهورن» الذي يوجد في موقع مركزي، ما يقرب من 2500 زائر يومياً.
من جهته شرح توماس بيفر، المهندس المعماري الذي تعاون مع آل ريلز لتصميم مبنى «بافيليونز» على مساحة 204.000 قدم مربع قائلاً: «لقد عايشنا جميعاً ما يمكن وصفه بـ(لحظة الموناليزا)». ويشير مصطلح «لحظة الموناليزا» إلى شعور باليأس تجاه معارض متحف «اللوفر» في باريس، حيث تعجّ القاعة المخصّصة لعرض لوحة الموناليزا بحالة من الفوضى مع دخول المرشدين السياحيين الذين يقودون مجموعات من الزائرين في مشاحنات ومنافسات للوصول إلى أقرب نقطة ممكنة من اللوحة من أجل التقاط صورة بالهاتف المحمول لأشهر لوحة فنية في العالم. وأضاف بيفر: «تدخل إلى تلك القاعة وحولك 400 من أصدقائك المقرّبين وكلّ ما تحصل عليه ربما مجرد لمحة من الموناليزا» وذلك في إشارة إلى تجربة مثيرة للشّعور بالإحباط أصبحت أكثر شيوعاً يوماً بعد آخر داخل المتاحف على مستوى العالم.
ويمكن للمرء معايشة «لحظة الموناليزا» تلك داخل المعارض التابعة لمتحف الفن الحديث في نيويورك الذي أصبح على درجة من الازدحام الشّديد جعلت الجّادين من عاشقي الفنون يتجنبونه، أو المعارض الخاصة مثل «معرض كوساما» الذي نُظّم العام الماضي في هيشهورن وقد نال درجة كبيرة من الشّعبية والشّهرة لدرجة دفعت القائمين عليه بمراقبة الزائرين عبر ساعة ميقاتية وسمحت لكل زائر ببضعة ثوان داخل كل غرفة من غرف المعرض الخاصة بأعمال الفنان الياباني.
ولا تقتصر المشكلة على الازدحام أو الضوضاء أو تشتت الانتباه، وإنّما كذلك القضاء على واحدة من العناصر الأساسية لتجربة معاينة الأعمال الفنية وهي التأمل الفردي.
من ناحية أخرى فإنّ مسألة إعادة بناء التصميم الهندسي للمتاحف بهدف الحفاظ على تجربة فنية ذات معنى، تنطوي على تعقيد كبير وتجبر مصممي المتاحف ومن يتولون رعايتها مثل آل ريلز، على مواجهة قضايا ثقافية عميقة ترتبط بقيمة التجارب الفنية واتهامات بالانحياز للنّخب الضيقة. يذكر أنّه في أواخر القرن الـ19 وعلى امتداد جزء كبير من القرن الـ20. عملت المتاحف كمعاهد للفن وقدّمت دروسا في نشر قيمة الثّقافة. في منتصف القرن الماضي بدأت أجيال جديدة من رؤساء المتاحف التأكيد بصورة أكبر على أفكار أكثر شعبوية تتعلّق بالانفتاح ومساواة الفرص المتعلقة بمعايشة تجربة المعارض الفنية.
إلا أنّ هذا الجيل الثاني من المتاحف الأميركية الذي أطلق عليه «عصر الوصول»، غرس بذور دماره لأنّه خلق تجربة ثقافية جذبت حشوداً ضخمة من الجماهير، ولكن من دون أن يوفّر لهم أي فرصة للتّفاعل الحقيقي مع التعقيد الفنّي أو الثّقافي للعمل المعروض.
وحمل «عصر الوصول» معه، مقاه وارتباط بالإنترنت وتجمعات اجتماعية. وحرصت هذه المتاحف على تقييم مستوى نجاحها تبعاً لأعداد الزائرين. وفي كتاب نشره عام 2017. بعنوان «الفن البطيء»، اقترح النّاقد الفني أردين ريد النّظر إلى تاريخ بديل للفن يتعارض مع مفاهيم السّرعة والتجارة والاستهلاك. وأوضح أنّ الفن البطيء يقصد به ممارسة أو علاقة ما، أو منظور تاريخي للنّظر إلى العمل الفني الذي تتعارض مع الكثير من القيم التي تجسّدها متاحف الفن الحديث. وشرح أنّه: «مع تنامي سرعة الحركة الثّقافية وانحسار الممارسات الجمالية المقدسة، تأتي فكرة الفن البطيء لتشبع حاجتنا إلى وقت مستقطع عبر إنتاج أعمال تستلزم اهتماما مستمرا كي يتمكّن المرء من معايشتها».
من جانبها، قالت إيميل ريلز عن المتحف الجديد إنّ: «المقر بأكمله مصمم حول فكرة أنّ المرء بحاجة إلى تجربة هادئة لمعايشة العمل الفني».
وأثناء تفكيرهما في مبنى «بافيليونز» الجديد، زارت إيميلي وزوجها الكثير من المتاحف وقاما بدراستها، بما في ذلك متاحف تشهد حركة ازدحام شديدة من جانب الزّوار. وأشارت إلى أنّه داخل متحف غوغينهايم في نيويورك، يوجد لدى كل زائر مساحة حركة تعادل في المتوسط نحو 32 قدماً مربعاً، ما يعني أنّ المكان متكدّس للغاية. لذا فقد حرص الزوجان على تصميم «غلينستون» لتوفير مساحة تقارب 300 قدم مربع للزائر. أيضاً لن توجد حواجز بين الأعمال الفنية والمشاهدين، ولكنّ هذا يعني السّيطرة على تدفق حركة الزّوار على نحو يضمن سلامة الأعمال الفنية.

- خدمة: {واشنطن بوست}



حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
TT

حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

يُشكّل «مهرجان ضي للشباب العربي» الذي يُطلقه «أتيليه العرب للثقافة والفنون» في مصر كل عامين، تظاهرة ثقافية تحتفي بالمواهب العربية الشابة في الفنون التشكيلية، وتعكس عمق التعبير وتنوعه بين الفنانين المشاركين عن القضايا الجماعية والتجارب الذاتية.

وتشهد نسخته الخامسة التي انطلقت تحت شعار «بلا قيود»، وتستمر لشهر كامل في قاعات غاليري «ضي» بالقاهرة، مشاركة 320 فناناً من الشباب، يمثلون 11 دولة عربية هي مصر، والسعودية، والسودان، وسوريا، وفلسطين، والعراق، والأردن، واليمن، ولبنان، والعراق، وتونس.

تُقدم سلمى طلعت محروس لوحة بعنوان «روح» (الشرق الأوسط)

وبين أرجاء الغاليري وجدرانه تبرز مختلف أنواع الفنون البصرية، من الرسم والتصوير والحفر والطباعة والخزف والنحت. ومن خلال 500 عملٍ فني تتنوع موضوعاتها وتقنياتها وأساليبها واتجاهاتها.

ويحفل المهرجان في دورته الحالية بأعمال متنوعة ومميزة للشباب السعودي، تعكس إبداعهم في جميع ألوان الفن التشكيلي؛ ومنها عمل نحتي للفنان السعودي أنس حسن علوي عنوانه «السقوط».

«السقوط» عمل نحتي للتشكيلي السعودي أنس علوي (الشرق الأوسط)

يقول علوي لـ«الشرق الأوسط»: «استلهمت العمل من فكرة أن كلمَتي (حرام) و(حلال)، تبدآن بحرف الحاء، وهما كلمتان متضادتان، وبينهما مساحات شاسعة من الاختلاف».

ويتابع: «يُبرز العمل ما يقوم به الإنسان في وقتنا الراهن، فقد يُحرّم الحلال، ويُحلّل الحرام، من دون أن يكون مُدركاً أن ما يقوم به هو أمر خطير، وضد الدين».

ويضيف الفنان الشاب: «لكنه بعد الانتهاء من فعله هذا، قد يقع في دائرة الشكّ تجاه تصرّفه. وفي هذه المرحلة أردت أن أُجسّد تلك اللحظة التي يدخل إليها الإنسان في مرحلة التفكير والتشكيك في نفسه وفي أعماله، فيكون في مرحلة السقوط، أو مراجعة حكمه على الأمور».

وتأتي مشاركة الفنانة السعودية سمية سمير عشماوي في المهرجان من خلال لوحة تعبيرية من الأكريلك بعنوان «اجتماع العائلة»، لتعكس عبرها دفء المشاعر والروابط الأسرية في المجتمع السعودي.

عمل للتشكيلية السعودية سمية عشماوي (الشرق الأوسط)

وتقول سمية لـ«الشرق الأوسط»: «تُعدّ اللوحة تجسيداً لتجربة شخصية عزيزة على قلبي، وهي لقاء أسبوعي يجمع كل أفراد أسرتي، يلفّه الحب والمودة، ونحرص جميعاً على حضوره مهما كانت ظروف الدراسة والعمل، لنتبادل الأحاديث، ونتشاور في أمورنا، ونطمئن على بعضنا رغم انشغالنا».

ويُمثّل العمل النحتي «حزن» أول مشاركة للتشكيلية السعودية رويدا علي عبيد في معرض فني، والتمثال مصنوع من خامة البوليستر، ويستند على رخام. وعن العمل تقول لـ«الشرق الأوسط»: «يُعبّر التمثال عن لحظة حزن دفينة داخل الإنسان».

عمل نحتي للفنانة السعودية رويدا علي عبيد في الملتقى (الشرق الأوسط)

وتتابع رويدا: «لا أحد يفهم معنى أن تقابل الصدمات بصمت تام، وأن تستدرجك المواقف إلى البكاء، فتُخفي دموعك، وتبقى في حالة ثبات، هكذا يُعبّر عملي عن هذه الأحاسيس، وتلك اللحظات التي يعيشها المرء وحده، حتى يُشفى من ألمه وأوجاعه النفسية».

من جهته قال الناقد هشام قنديل، رئيس مجلس إدارة «أتيليه العرب للثقافة والفنون»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مهرجان الشباب العربي يمثّل خطوة مهمة في تشجيع الفنانين الشباب ودفعهم إلى الابتكار، وتقديم أفكارهم بلا قيود؛ وانطلاقاً من هذا الفكر قرّرت اللجنة المنظمة أن يكون موضوع المهرجان 2025 مفتوحاً من دون تحديد ثيمة معينة».

وأضاف قنديل: «اختارت لجنتا الفرز والتحكيم أكثر من ثلاثمائة عملٍ فني من بين ألفي عمل تقدّمت للمشاركة؛ لذا جاءت الأعمال حافلة بالتنوع والتميز، ووقع الاختيار على الإبداع الفني الأصيل والموهبة العالية».

ولفت قنديل إلى أن الجوائز ستُوزّع على فروع الفن التشكيلي من تصوير، ونحت، وغرافيك، وخزف، وتصوير فوتوغرافي وغيرها، وستُعلن خلال حفل خاص في موعد لاحق يحدده الأتيليه. مشيراً إلى أن هذه النسخة تتميّز بزخم كبير في المشاركة، وتطوّر مهم في المستوى الفني للشباب. ومن اللافت أيضاً في هذه النسخة، تناول الفنانين للقضية الفلسطينية ومعاناة سكان غزة من خلال أعمالهم، من دون اتفاق مسبق.

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

وبرؤية رومانسية قدّمت الفنانة المصرية الشابة نورهان إبراهيم علاجاً لصراعات العالم وأزماته الطاحنة، وهي التمسك بالحب وتوفير الطفولة السعيدة للأبناء، وذلك من خلال لوحتها الزيتية المشاركة بها في المهرجان، التي تغلب عليها أجواء السحر والدهشة وعالم الطفولة.

وتقول نورهان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «براءة الأطفال هي بذرة الإبداع التي ستعالج العالم كله»، وتتابع: «أحب الأطفال، وأتعلم كثيراً منهم. وأدركت أن معظم المشكلات التي تواجه العالم اليوم من الجرائم الصغيرة إلى الحروب الكبيرة والإرهاب والسجون الممتلئة لدينا، إنما هي نتيجة أن صانعي هذه الأحداث كانوا ذات يومٍ أطفالاً سُرقت منهم طفولتهم».

«بين أنياب الأحزان» هو عنوان لوحة التشكيلي الشاب أدهم محمد السيد، الذي يبرز تأثر الإنسان بالأجواء المحيطة به، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «حين يشعر المرء بالحزن، يبدأ في الاندماج مع الطبيعة الصامتة، ويتحوّلان إلى كيان واحد حزين. وحين يسيطر الاكتئاب على الإنسان ينجح في إخفائه تدريجياً».

لوحة للتشكيلية المصرية مروة جمال (الشرق الأوسط)

وتقدم مروة جمال 4 لوحات من الوسائط المتعددة، من أبرزها لوحة لبناية قديمة في حي شعبي بالقاهرة، كما تشارك مارلين ميشيل فخري المُعيدة في المعهد العالي للفنون التطبيقية بعملٍ خزفي، وتشارك عنان حسني كمال بعمل نحت خزفي ملون، في حين تقدّم سلمى طلعت محروس لوحة عنوانها «روح» تناقش فلسفة الحياة والرحيل وفق رؤيتها.