متطوعون يرممون آثار الرقة بعد تحريرها من «داعش»

مشروعات بتمويل من واشنطن

متحف الرقة تعرض لدمار خلال مطاردة «داعش» العام الماضي («الشرق الأوسط»)
متحف الرقة تعرض لدمار خلال مطاردة «داعش» العام الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

متطوعون يرممون آثار الرقة بعد تحريرها من «داعش»

متحف الرقة تعرض لدمار خلال مطاردة «داعش» العام الماضي («الشرق الأوسط»)
متحف الرقة تعرض لدمار خلال مطاردة «داعش» العام الماضي («الشرق الأوسط»)

تعمل منظمات المجتمع المدني في مدينة الرقة شمال سوريا، على إعادة ترميم وتأهيل المواقع الأثرية التي دمرتها الحرب، بدعم من الخارجية الأميركية وبالتنسيق مع مجلس الرقة المدني.
وتحت شعار «نحو بيئة أفضل لمستقبل أجيال الرقة»، بدأت منظمة «شباب أوكسجين» حملة تنظيف سور الرقة الأثري وباب بغداد، وأطلقوا حملة بعنوان «رقتنا أحلى» بالتنسيق مع منظمات ومجموعات محلية شريكة، حيث حصلت المنظمة على دعم من برنامج «وئام» الممول من واشنطن. وقال بشار القرف مدير منظمة «شباب أوكسجين» لـ«الشرق الأوسط»: «مدة تنفيذ المشروع كانت شهرا واحدا»، ويبلغ طول سور الرافقة الأثري نحو 3 كيلومترات واستغرقت أعمال التنظيف شهرا كاملا، حيث عمل 43 شخصاً.
وكان القسم الأكبر من العمال الذين تولوا مهمة تنظيف باب بغداد ومحيط السور الأثري، من أعضاء منظمة شباب أوكسجين الذين عملوا بشكل تطوعي، وتابع القرف مدير المنظمة أن هذه الآثار ليست عبارة عن أحجار ومعالم تاريخية: «إنما هي تاريخ الرقة وحضارتها، هي ماضينا ومستقبلنا، هي حكاية مدينتنا».
وأشار عبد الجليل (42 سنة) الذي يقع متجره مقابل باب بغداد، إلى أن البوابة باتت نظيفة اليوم، وقال: «أزيلت النفايات ورفعت الأنقاض المتناثرة في محيط البوابة والسور. البوابة أصبحت جميلة للغاية بعد حملة التنظيف».
وتقع مدينة الرقة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، تبلغ مساحتها نحو 27 ألف كيلومتر مربع، خرجت عن سيطرة النظام الحاكم في سوريا ربيع 2013، لكن عناصر تنظيم داعش أحكموا قبضتهم عليها نهاية العام نفسه، قبل أن يطردوا على يد «قوات سوريا الديمقراطية» بدعم من التحالف الدولي والولايات المتحدة الأميركية في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي. وتعرض سور الرافقة الذي يحيط بالمدينة القديمة لأضرار بليغة، حيث عمد عناصر تنظيم داعش وأثناء معركة الرقة بين يونيو (حزيران) وأكتوبر 2017 إلى فتح ثلاث فوهات لربط الأحياء القديمة بمركز الرقة، الأمر الذي خلف أضراراً جسيمة في جسم السور القديم، ويعتبر السور من أهم الآثار التي بقيت منذ حقبة العصر العباسي وبقي شاهداً على أصالة الرقة وعراقتها.
ونقل سكان المنطقة الذين يعيشون في محيط السور القديم، أن عناصر «داعش» وأثناء سيطرتهم على الرقة، حولوه إلى مكب للسيارات المفخخة والمحترقة والقديمة ورمي النفايات والقمامة، وكانت تباع فيه غنائم الحرب، وذكر بشار القرف: «قمنا بالتنسيق مع بلدية مجلس الرقة المدني حيث تم رمي جميع النفايات والأنقاض والآليات القديمة في مكب أنقاض مخصص خارج مدينة الرقة»، منوهاً أن الحملة استهدفت تنظيف المناطق الأثرية دون ترميم جسم السور أو البوابة، وأضاف: «لأن هذه الأماكن التاريخية تحتاج إلى خبراء وفنيين في علم الآثار للعمل على ترميمها. دورنا اقتصر على النظافة فقط».
فيما تعرض متحف الرقة الأثري لدمار شبه كامل جراء المعارك التي شهدتها المدينة، وفي بداية يونيو الماضي، بدأت منظمة «رؤية للأعمال الإنسانية» بترميم جزئي للمتحف ضمن مشروع «رقتنا أحلى»، بالتنسيق مع لجنة السياحة والآثار التابعة لمجلس الرقة المدني، ويبلغ مدة المشروع 3 أشهر على أن تنتهي أعمال الصيانة في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، وتشمل عملية الترميم بناء المتحف من الداخل والخارج وجميع الصالات، بهدف عودة المتحف لاستقبال زواره من السياح والباحثين المهتمين.
وذكر عمر النوح مدير منظمة رؤية أن المشروع ينفذ بالتعاون مع منظمة «يونيسكو» التابعة للأمم المتحدة، وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، قال: «خاطبنا اليونيسكو للموافقة بالسماح على ترميم المتحف، وبالفعل أرسلوا لنا موافقة رسمية»، على أن تتضمن عملية الترميم ثلاث مراحل، حيث يتم خلال المرحلة الأولى الإنشائية ترميم الأسقف والجدران داخل المتحف وصالات العرض، فيما تتضمن المرحلة الثانية تصليح الأبواب والنوافذ وصيانة شبكة المياه والصرف الصحي والحديقة الخلفية للمتحف، لتأتي بعدها المرحلة الثالثة والأخيرة على أن يتم تجهيز صالات العرض وعددها 6 وإعادة المنحوتات واللوحات والقطع الأثرية.
ويتألف الفريق المشرف على عمليات ترميم المتحف من مهندسين وعمال ومختصين في الآثار، وقال عمر النوح: «اعتمدنا على مخطوطات المتحف في الترميم لإعادة شكله القديم، وإعادة صالة العرض وغرف المقتنيات، لأنها تعرضت للإهمال ونالها الخراب بعد سيطرة عناصر (داعش) الذين كانوا يمنعون أي شخص من الاقتراب منها».
ويقع متحف الرقة في مركز مدينة الرقة وتبلغ مساحته نحو 811 مترا مربعا، وهو عبارة عن بناء من طابقين وحديقة خلفية صغيرة. وقد كان يتألف الطابق الأرضي للمتحف من بهو للدخول وأربع صالات للعرض وغرفة إدارية، فيما كان يتألف الطابق الأول من 6 صالات للعرض وغرفة إدارية، بالإضافة إلى صالة استقبال مركزية.
وبني متحف الرقة سنة 1861 واستخدم سابقا دارا للسرايا، قبل أن يبدأ استخدامه متحفا منذ عام 1981. وتقول ساجدة (42 سنة) التي تقيم في الشارع الذي يقع فيه المتحف وعادت لمنزلها قبل 8 أشهر: «قبل 2011، كانت صالات المتحف تعرض لوحات فسيفسائية وتماثيل وآثارا تاريخية، إضافة إلى لوحات خزفية ومخطوطات قديمة، كان مكاناً يضم بين أجنحته تاريخ الرقة».
ويعد الجامع العتيق أو جامع المنصور، إلى جانب سور الرقة الأثري ويعرف باسم سور الرافقة، وبوابة بغداد، وقصر البنات، من أبرز معالم مدينة الرقة الأثرية، بالإضافة إلى متحف الرقة.
«معظم آثار الرقة ومقتنيات المتحف سرقت ونهبت، أما التي سلمت منها فنالت نصيباً من الخراب على إثر المعارك الدائرة في محيط المتحف»، بحسب المهندس حسن مصطفى حسن رئيس لجنة الثقافة والفنون في مجلس الرقة المدني، وأكد أن بناء المتحف تعرض لقذائف صاروخية وشظايا أثناء معركة طرد عناصر «داعش» العام الماضي، ويضيف: «جزء قليل من آثار المتحف سلمت وهي موجودة بعين عيسى. حفظت في مستودعات خاصة تحت إشراف خبراء أثار، وسيتم إعادتها إلى المتحف بعد الانتهاء من أعمال الترميم والصيانة».



«خط أحمر»... «الحكومة الموزاية» تثير مخاوف مصرية من تفكك السودان

وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
TT

«خط أحمر»... «الحكومة الموزاية» تثير مخاوف مصرية من تفكك السودان

وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)

تثير تحركات تشكيل «حكومة موازية» في السودان، مخاوف مصرية من تفكك البلاد، التي تعاني من حرب داخلية اندلعت قبل نحو عام ونصف العام، وشردت الملايين. وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأحد، إن «بلاده مع استقرار السودان ومع بسط سيادته على كل الأراضي السودانية»، مشيراً إلى أن «هذا أمر ثابت في السياسة الخارجية المصرية ولا يمكن أن تتزحزح عنه».

واعتبر وزير الخارجية، في مؤتمر صحافي مشترك، مع المفوضة الأوروبية لشؤون المتوسط دوبرافكا سويتشا، «تشكيل أي أطر موازية قد تؤدي إلى تفكك الدولة السودانية خطاً أحمر بالنسبة لمصر ومرفوضاً تماماً»، مضيفاً: «ندعم الشرعية. ندعم مؤسسات الدولة السودانية، وندعم الدولة، لا ندعم أشخاصاً بأعينهم».

ويرى خبراء ومراقبون، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أن الموقف السياسي المصري الداعم بقوة لمؤسسات الدولة، والرافض لتشكيل أي أطر موازية، هدفه حماية السودان من التمزق، لكنه يظل رهن تباينات إقليمية تعقد حل الأزمة.

ويمهد توقيع «قوات الدعم السريع» وحركات مسلحة وقوى سياسية ومدنية متحالفة معها بنيروبي، الأسبوع الماضي، على «الميثاق التأسيسي»، الطريق لإعلان حكومة أخرى موازية في السودان، في مواجهة الحكومة التي يقودها رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، وتتخذ من مدينة بورتسودان مقراً لها.

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» من القاهرة، قبل أيام، عدَّ وزير الخارجية السوداني، علي يوسف الشريف، أن تحرك تشكيل «حكومة موازية» في مناطق سيطرة قوات «الدعم السريع» لا يحظى باعتراف دولي، مشيراً إلى أن «دولاً إقليمية ودولية تدعم موقف بلاده في هذه القضية».

وجددت مصر، الأحد، رفضها مساعي تشكيل «حكومة موازية» بالسودان، ووصفت الخارجية المصرية، في بيان رسمي، الأحد، ذلك، بأنه «محاولة تهدد وحدة وسيادة وسلامة أراضي السودان».

وأضاف البيان أن تشكيل حكومة سودانية موازية «يُعقد المشهد في السودان، ويعوق الجهود الجارية لتوحيد الرؤى بين القوى السودانية، ويفاقم الأوضاع الإنسانية»، فيما طالبت كافة القوى السودانية بتغليب المصلحة الوطنية العليا للبلاد والانخراط في إطلاق عملية سياسية شاملة دون إقصاء أو تدخلات خارجية.

وحسب الوزير المصري عبد العاطي، فإن «مصر على تواصل مع كل الأطراف المعنية لنقل وجهه نظرها وموقفها الواضح والثابت»، وأضاف: «بالتأكيد نحن مع السودان كدولة، ومع السودان كمؤسسات، ومع السودان بطبيعة الحال لفرض سيادته وسيطرته على كل الأراضي السودانية».

وتستهدف مصر من رفض مسار الحكومة الموازية «دعم المؤسسات الوطنية في السودان، حفاظاً على وحدته واستقراره، وسلامته الإقليمية»، وفق عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير صلاح حليمة، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر تعمل على حشد الدعم الدولي والإقليمي لوقف الحرب ونفاذ المساعدات الإنسانية، ووضع خطط لإعادة الإعمار».

وتنظر القاهرة لحكومة بورتسودان باعتبارها الممثل الشرعي للسودان، والمعترف بها دولياً، وفق حليمة، ودلل على ذلك بـ«دعوة رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، للأمم المتحدة، وزيارة دول مختلفة، كممثل شرعي عن بلاده».

وترأس البرهان وفد السودان، في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، سبتمبر (أيلول) الماضي.

ويعتقد حليمة أن إجهاض مساعي «الحكومة الموازية» لن يتحقق سوى بـ«التوافق على مسار سياسي، من خلال حوار سوداني - سوداني، تشارك فيه كل الأطراف، ويفضي لتشكيل حكومة مدنية مستقلة لفترة انتقالية»، وطالب بالبناء على مبادرة مصر باستضافة مؤتمر للقوى السياسية السودانية العام الماضي.

وجمعت القاهرة، في شهر يوليو (تموز) الماضي، لأول مرة، الفرقاء المدنيين في الساحة السياسية السودانية، في مؤتمر عُقد تحت شعار «معاً لوقف الحرب»، وناقش ثلاث ملفات لإنهاء الأزمة السودانية، تضمنت «وقف الحرب، والإغاثة الإنسانية، والرؤية السياسية ما بعد الحرب».

في المقابل، يرى المحلل السياسي السوداني، عبد المنعم أبو إدريس، أن «التحركات المصرية تواجه تحديات معقدة، بسبب دعم دول إقليمية مؤثرة للقوى الساعية لتشكيل حكومة موازية، في مقدمتها (الدعم السريع)»، مشيراً إلى أن «الموقف المصري مرهون بقدرتها على تجاوز الرفض الدبلوماسي، وقيادة تحركات مع الفرقاء السودانيين وحلفائها في الإقليم».

ويعتقد أبو إدريس، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن اختراق القاهرة لأزمة «الحكومة الموازية»، «لن يكون سهلاً، في ضوء تأثير الجهات الدولية والأطراف الداعمة للقوى السودانية التي تقف خلف هذه الحكومة»، وقال إن «مصر تخشى أن تقود تلك التحركات إلى انفصال جديد في السودان، ما يمثل تهديداً لمصالحها الاستراتيجية».

ورغم هذه الصعوبات، يرى القيادي بالكتلة الديمقراطية السودانية، مبارك أردول، أن الموقف المصري مهم في مواجهة الأطراف الإقليمية الداعمة لمسار الحكومة الموازية، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رفض القاهرة يؤكد أن السودان لا يقف وحده في هذه الأزمة»، وأن «هناك أطرافاً إقليمية داعمة لوحدة واستقرار السودان».

وتعتقد مديرة وحدة أفريقيا في «مركز الأهرام للدراسات السياسية»، أماني الطويل، أن «المواقف الرافضة لهذه الحكومة، التي صدرت من مصر والأمم المتحدة ودول أخرى، يمكن أن تُضعف من الاعتراف الدولي والإقليمي للحكومة الموازية، دون أن تلغيها».

وباعتقاد الطويل، «سيستمر مسار الحكومة الموازية بسبب رغبة شركات عالمية في الاستفادة من موارد السودان، ولن يتحقق لها ذلك إلا في وجود سلطة هشّة في السودان»، وقالت: «الإجهاض الحقيقي لتلك التحركات يعتمد على التفاعلات الداخلية بالسودان، أكثر من الموقف الدولي، خصوصاً قدرة الجيش السوداني على استعادة كامل الأراضي التي تسيطر عليها (الدعم السريع) وخصوصاً دارفور».