غداة إصدار نتائج تحقيقات مستقلة أجرتها الأمم المتحدة في شأن انتهاكات حقوق الإنسان ضد مسلمي الروهينغا في ميانمار، طالب الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش، بمحاسبة المسؤولين البورميين على «واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية وحقوق الإنسان في العالم».
وشاركت النجمة السينمائية كيت بلانشيت، باعتبارها سفيرة النوايا الحسنة لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في الجلسة المفتوحة التي عقدها مجلس الأمن حول الوضع في ميانمار، وما تضمنه تقرير البعثة التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان في مارس (آذار) 2017.
وخلال جلسة مجلس الأمن، تحدث غوتيريش عن زيارته لكوكس بازار في بنغلادش الشهر الماضي، وعن محنة الروهينغا الذين هرب منهم مئات الآلاف. وقال «استمعت إلى قصص رهيبة عن الاضطهاد والمعاناة»، مضيفاً «انهار أحد الآباء عندما أخبرني كيف قُتل ابنه بالرصاص أمامه. ثم قتلت والدته بوحشية وحرق منزله تماماً. ولجأ إلى المسجد قبل أن يكتشفه الجنود الذين أساءوا إليه وأحرقوا نسخة من المصحف».
ودعا أعضاء مجلس الأمن إلى الانضمام إليه في حض سلطات ميانمار على التعاون مع الأمم المتحدة، وضمان وصول وكالاتها وشركائها بشكل فوري ومن دون عوائق إلى المحتاجين. وطالب بـ«مواصلة الضغط من أجل إطلاق الصحافيين الذين اعتقلوا بسبب التغطية الإعلامية لهذه المأساة الإنسانية».
وقال إن أفراد الأقلية المسلمة «لا يزالون يواجهون التهميش والتمييز، وقطعت عن الكثيرين منهم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة». وأوضح، أن نحو 130 ألفاً من الروهينغا يوجدون في مخيمات تفرض قيوداً شديدة على حركتهم. ويصاحب ذلك وصول محدود للغاية إلى الصحة والتعليم والخدمات الأساسية الأخرى، وسبل كسب العيش. وقال إن التعاون الدولي الفاعل سيكون حاسماً لضمان أن تكون آليات المساءلة ذات مصداقية وشفافة ونزيهة ومستقلة، مصحوبة بضمان امتثال ميانمار لالتزاماتها بموجب القانون الدولي.
- عذابات «ليلى»
استحضرت كيت بلانشيت معايناتها الشخصية لأوضاع الروهينغا الذين فروا من العنف في ميانمار إلى مخيمات كوكس بازار في بنغلادش، ولقاءها فتاة في الثامنة عشرة من عمرها، أطلقت عليها اسم ليلى؛ حتى لا تكشف عن هويتها الحقيقية. وقالت «كانت ليلى واحدة من 720 ألفاً من اللاجئين الروهينغا من دون جنسية»، مضيفة أن ليلى «هربت من قريتها المحترقة مع ابنها الرضيع يوسف. وفي حين كانت تحتضن يوسف بين ذراعيها، وصفت لي كيف أخذ أناس زوجها قسراً من قريتها، وأنها لم تسمع أي شيء عنه منذ ذلك الحين، وكيف عاد هؤلاء الأشخاص أنفسهم بعد خمسة أيام ليضرموا النيران في منزلها ويجبروها على الفرار وحيدة مع طفلها».
ونقلت بلانشيت عن ليلى، أنها «رأت عمها يُقتل بأيدي مسلحين بالسكاكين. اختبأت هي وطفلها في غابة لأشهر، وأبقتهما النباتات والأشجار على قيد الحياة. قصتها المروعة انتهت بها في بنغلادش، حيث تستمر معاناتها. استضافتهما أسرة لاجئة وشاطرت معهما مأوى صغيراً مكتظاً. عندما جلست مع ليلى، كان هناك طفل يلعب خلفي، لاحظت ندوباً رهيبة على ساقه. قالت لي أسرته إنها بسبب النيران التي أضرمت في منزلهم. لحسن الحظ، أنقذ الطفل من النيران، لكن الندوب ستستمر جسدياً ونفسياً». وقالت بلانشيت أيضاً، إنها رأت أطفالها في أعين كل طفل لاجئ التقته خلال زيارتها لكوكس بازار في بنغلادش، ورأت نفسها في أعين كل أم وأب، وتساءلت «كيف تتحمل أي أم رؤية طفلها يلقى في النار؟ وقالت إن تجارب اللاجئين الروهينغا ستظل معها إلى الأبد». وشكرت الأمين العام للأمم المتحدة لإعطائه صوتاً للروهينغا على مدى أكثر من عقد من الزمن، منذ أن كان مفوضاً سامياً لشؤون اللاجئين.
- دعوات لمحاسبة المسؤولين قضائياً
طالب تقرير البعثة بمقاضاة الجنرالات الكبار في ميانمار، وبينهم القائد الأعلى مين أونغ هلينغ، بتهم ارتكاب إبادة جماعية في شمال ولاية راخين وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في راخين وكاتشين وشان. ودعت إلى إحالة الوضع في ميانمار إلى المحكمة الجنائية الدولية أو محكمة جنائية أخرى تنشأ لهذا الغرض، وفقاً لما قاله رئيس اللجنة مرزوقي داروسمان.
وأكد عضو البعثة، كريستوفر سيدوتي، أن الانتهاكات ارتكبت بشكل أساسي من القوات المسلحة في ميانمار المعروفة باسم (تاتمادو)، بالإضافة إلى قوات الأمن الأخرى.
وقال «توصلت لجنة تقصي الحقائق، بناءً على أدلة معقولة، إلى أن الأنماط التي وجدتها للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي، تصل إلى درجة أكثر الجرائم جسامة وفق القانون الدولي. وقد ارتكبت تلك الجرائم بشكل أساسي من قوات التاتمادو». وأضاف أن «الضرورة العسكرية لا يمكن أبداً أن تبرر القتل العشوائي والاغتصاب الجماعي للنساء والاعتداء على الأطفال وحرق قرى بأكملها». وقالت عضوة البعثة، راديكا كوماراسوامي، إن الانتهاكات كانت على ما يبدو جزءاً من استراتيجية متعمدة، موضحة أن «نطاق ووحشية الاغتصاب والعنف وطبيعتهما المنهجية، يشيران إلى أن تلك الأعمال كانت جزءاً من استراتيجية متعمدة لترهيب أو معاقبة السكان المدنيين. وقد استخدمت (تلك الانتهاكات) أسلوباً للحرب وشملت الاغتصاب، والاغتصاب الجماعي والاسترقاق الجنسي، والإجبار على التعري، وبتر الأعضاء».
وأضافت أن الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في كاتشين وشان وراخين، تشمل القتل والسجن والاختفاء القسري والتعذيب والاغتصاب والاسترقاق الجنسي وغير ذلك من أشكال العنف الجنسي والاضطهاد والاستعباد. بالإضافة إلى ذلك توفرت في ولاية راخين عناصر الجرائم ضد الإنسانية المتعلقة بالإبادة والترحيل. وأكدت وجود معلومات كافية لإجراء تحقيقات ومقاضاة سلسلة القيادة في القوات المسلحة، لتتمكن محكمة كفؤ من تحديد مسؤولية أولئك القادة على ارتكاب الإبادة الجماعية في ولاية راخين.