عودة النازحين من لبنان تدخل مرحلة تقنية

السفير الروسي: تحفظات واشنطن لن توقف المبادرة

TT

عودة النازحين من لبنان تدخل مرحلة تقنية

دخل ملف عودة النازحين السوريين من لبنان بموجب المبادرة الروسية، المرحلة التقنية، إثر الإعداد لتشكيل اللجنة اللبنانية - الروسية المشتركة التي سيمثلها عن الجانب اللبناني مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وعن الجانب الروسي السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسبكين.
وقال زاسبيكين بعد لقائه وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل أمس: «استكمالا لمفاوضات الوزير باسيل مع نظيره الروسي سيرغي لافروف مؤخرا في موسكو، وفي ضوء الأوضاع والمستجدات في المنطقة، بحثنا في القضايا الإقليمية والدولية والعلاقات الثنائية بين البلدين، خصوصا موضوع عودة النازحين، في ضوء المبادرة الروسية في هذا المجال، التي تؤيدها القيادة اللبنانية». وأعلن زاسبكين أنه بحث وباسيل «في موضوع تأسيس اللجنة لهذا الهدف»، مؤكداً أنه «ما يهم هو مواصلة العمل اليومي لتأمين عودة النازحين إلى المناطق الآمنة في سوريا». وأضاف: «أشرت إلى ضرورة التواصل السوري - اللبناني في هذا المجال لمصلحة شعبي البلدين».
وقال مستشار الوزير باسيل للشؤون الروسية النائب السابق أمل أبو زيد الذي شارك في لقاء باسيل وزاسبكين: «عمليا دخلنا مرحلة الإعداد التقني للجنة»، حيث بحث السفير الروسي مع باسيل بالآليات، أن يتولى اللواء إبراهيم مهمة التنسيق في ملف إعادة إعادة النازحين، مشيراً إلى أن اللواء إبراهيم «هو المكلف من قبل الرئيس اللبناني العماد ميشال عون في تأمين الاتصال الأمني مع الجانب السوري»، لافتاً إلى أن اللواء إبراهيم «محل ثقة من قبل جميع الأطراف اللبنانية»، في إشارة إلى الرئيس عون ووزارة الداخلية والقوى السياسية.
وقال أبو زيد لـ«الشرق الأوسط»: «ما يهمنا هو عودة النازحين وتنفيذ العودة من دون أن يشكل ذلك أي إشكالات سياسية مباشرة أو غير مباشرة في الداخل»، مشدداً على أنه «لن تكون هناك عودة إلزامية لأحد من السوريين، بل عودة طوعية وآمنة ومستقرة ضمن الأصول». وقال: «لبنان مصرّ على طلب ضمانات للعائدين من الطرف الروسي» في إشارة إلى ضمانات بعدم ملاحقة العائدين، وضمانات متعلقة بالتجنيد الإجباري للمطلوبين للخدمة الإلزامية.
وأفاد مصدر دبلوماسي لوكالة الأنباء «المركزية»، بأن «العدد المتوقع أن تشمله المبادرة هو مليون نازح، من مختلف الدول المضيفة وليس فقط من لبنان»، مشيرا إلى أن «الجانب اللبناني هو المخول تنظيم أعداد النازحين، وإعداد لوائح بأسمائهم، وليس أي جهة أخرى».
ولمح زاسبكين من وزارة الخارجية اللبنانية أمس بأن المبادرة الروسية ستسير بمعزل عن التحفظات الأميركية، إذ قال رداً على سؤال عن تجميد المبادرة الروسية لأنها لم تحظ بتأييد المجتمع الدولي، تحديدا من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وعن كيفية الحصول على الدعم لهذه المبادرة: «هذه المبادرة هي استراتيجية شاملة ومفتوحة أمام الجميع للمشاركة، ومطروحة ليس لإبراز الدور الروسي فقط، والأساس هو قرار سوريا وموقفها وجهودها. أما الآخرون بمن فيهم روسيا فهم يساعدون، كذلك هناك الأطراف التي تؤيد هذه المبادرة منذ طرحها». وأضاف: «أما بالنسبة لموقف الولايات المتحدة الأميركية، فنحن نتمنى أن تؤيد المبادرة، وإذا كان موقفها سلبيا، فهذا لا يعني أنه علينا إيقاف هذه المبادرة وهذا لن يحدث. فنحن يجب أن نعمل يوميا ونتعاون مع الراغبين في ذلك».
وتوقع زاسبكين أن «يتم تشكيل اللجنة في الأيام المقبلة»، كاشفا عن أن الوزير باسيل أبلغه أنه «قد أنجز كل المعاملات فيما يخص وزارة الخارجية وهناك اتصالات تجري مع الآخرين».
وفي سياق التحضير للجنة اللبنانية المكلفة التنسيق مع الجانب الروسي، التقى الوزير باسيل، المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم وجرى عرض المبادرة الروسية لعودة النازحين السوريين إلى بلادهم.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.