الأزهر يستنكر مسابقة الرسوم المسيئة للإسلام ويثني على تحركات «الخارجية»

وفد نسائي يشيد بتحركات المشيخة في الخارج لتصحيح مفاهيم التنظيمات المتطرفة

TT

الأزهر يستنكر مسابقة الرسوم المسيئة للإسلام ويثني على تحركات «الخارجية»

أعرب الأزهر الشريف عن استنكاره الشديد لإقدام أحد البرلمانيين الهولنديين على تنظيم مسابقة للرسوم المسيئة للإسلام، معرباً في الوقت ذاته عن تقديره موقف الحكومة الهولندية الرافض لتلك المسابقة، وهو ما نقله وزير الخارجية الهولندي خلال اتصال هاتفي مع نظيره المصري.
وأشاد الأزهر بتحركات وزارة الخارجية المصرية، ومواقفها في التصدي لخطاب الكراهية والتحريض والإساءة للأديان، مؤكداً أن هذه المواقف تدعم جهود الأزهر في تحقيق السلام ومد جسور الحوار بين أتباع الأديان حول العالم.
وكان عضو البرلمان الهولندي خيرت فيلدرز، صرح في وقت سابق بأن مقر البرلمان الهولندي سوف يستضيف مسابقة دولية لرسومات كاريكاتورية حول النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، نهاية العام الحالي... وأنه «تلقى بالفعل أكثر من 100 من الرسوم الكاريكاتورية، وأن الباب ما زال مفتوحاً لتلقي المزيد من الرسومات من مختلف أنحاء العالم».
ويشدد الأزهر على ضرورة التمييز بين حرية التعبير وإبداء الرأي التي هي حق أقرته المواثيق والأعراف الدولية، وبين الإساءة للأديان والمعتقدات، بما يقوض جهود التعايش والسلام ويغذي الإرهاب والتطرف حول العالم.
وكان سامح شكري، وزير الخارجية المصري، قد تلقى أول من أمس اتصالاً هاتفياً من نظيرة الهولندي ستيف بلوك. وقال المتحدث باسم الخارجية أحمد أبو زيد، إن الوزير الهولندي أعرب عن أسفه، وأسف الحكومة الهولندية، لاعتزام عضو البرلمان الهولندي ورئيس حزب «حزب من أجل الحرية» تنظيم مسابقة للرسوم المسيئة للإسلام بمقر البرلمان.
وأضاف أن بلوك أكد خلال المكالمة مع شكري على أن مثل هذا العمل لا يعبر بأي شكل من الأشكال عن موقف الحكومة والمجتمع الهولندي، مؤكداً على رفض حكومته كل مظاهر الكراهية والتحريض وعدم احترام الأديان.
من ناحيته، أكد شكري على ضرورة عدم الخلط بين قيم حرية التعبير وتبني خطاب الكراهية والتحريض والإساءة إلى معتقدات الآخرين، «لما لذلك من تأثير بالغ الخطورة على العلاقات بين الشعوب وبين معتنقي الأديان المختلفة»، مضيفاً أن «العالم أحوج ما يكون الآن لتعزيز ونشر قيم التسامح واحترام الرأي الآخر واحترام المعتقدات والأديان لدحر التطرف الديني والإرهاب والعنف وما تسببه مثل هذه الممارسات المرفوضة من تقويض للسلام الاجتماعي واستقرار المجتمعات».
في سياق آخر، استقبل الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، أمس، وفداً من المصريات بالخارج في دول بولندا، وهولندا، والولايات المتحدة الأميركية.
وأكد الدكتور الطيب أهمية التواصل بين المصريين في الخارج ووطنهم الأم مصر، لربطهم بثقافتهم وهويتهم المصرية، مضيفاً أن الأزهر حريص على الحفاظ على ثقافة التسامح ومنهج الوسطية في مصر والعالم، لأن هذا المنهج الأزهري هو الضمانة الوحيدة للسلام في العالم.
وأضاف الدكتور الطيب أن «الأزهر يدعم المرأة المصرية والعربية للحصول على حقوقها التي سبق الإسلام الجميع في إقرارها»، مؤكداً أهمية محاربة الظواهر الاجتماعية الخاطئة التي تمس المرأة والتي تتنافى مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
من جهته، أشاد وفد المصريات بالخارج ببيان الأزهر الأخير الذي جرم التحرش ضد النساء، مؤكدين أن هذا الموقف هو امتداد لمواقف الأزهر المساندة للمرأة المصرية والعربية في الحصول على حقوقها وحمايتها من الاعتداء والعنف.
وبينت عضوات الوفد أهمية الجهود التي يبذلها الأزهر في الخارج لإرساء السلام العالمي، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي في الغرب، وتشجيع المسلمين على الاندماج الإيجابي في مجتمعاتهم، موضحات أن هذه التحركات أسهمت في تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام التي شكلتها ممارسات التنظيمات الإرهابية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.