الخلاف الأميركي ـ الإيراني يهدد التئام الجلسة الأولى للبرلمان العراقي

عراقي يتفحص عناوين الصحف في بغداد أمس (أ.ف.ب)
عراقي يتفحص عناوين الصحف في بغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

الخلاف الأميركي ـ الإيراني يهدد التئام الجلسة الأولى للبرلمان العراقي

عراقي يتفحص عناوين الصحف في بغداد أمس (أ.ف.ب)
عراقي يتفحص عناوين الصحف في بغداد أمس (أ.ف.ب)

مع اقتراب عقد الجلسة الأولى للبرلمان العراقي الجديد في الثالث من سبتمبر (أيلول) المقبل فإن الخلافات الحادة بين الولايات المتحدة، وإيران، حول تشكيل الحكومة المقبلة، باتت تهدد مصير تلك الجلسة، بين الإلغاء، أو انعقادها فقط لتأدية بعض المراسيم الأولية، وهو ما يعيق استكمال باقي الاستحقاقات الدستورية وفي المقدمة منها انتخاب رئيس للبرلمان ونائبين.
ولم تتمكن الكتل البرلمانية الرئيسية من حسم خياراتها بشأن مرشحي الكتلة الأكبر سواء لمنصب رئيس الوزراء أو البرلمان أو الجمهورية. وكل المؤشرات تذهب إلى التأكيد أنه من غير المتوقع الاتفاق على مرشح سني لرئاسة البرلمان مع نائب أول شيعي ونائب ثاني كردي.
فالقوى السنية والمتمثلة بالمحور الوطني لم تتفق حتى الآن على مرشح واحد لرئاسة البرلمان مع وجود ثلاثة مرشحين، وهم كل من محمد الحلبوسي من تحالف القوى العراقية وأسامة النجيفي من تحالف القرار ومحمد تميم كأحد مرشحي التسوية. كما لم يعلن الشيعة والأكراد بعد عن أي مرشح لمنصب النائب الأول والنائب الثاني.
والأمر نفسه ينسحب على المرشح الكردي لرئاسة الجمهورية، حيث يتنازع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني المنصب، في حين يزداد الصراع سخونة بين الشيعة بشأن مرشحهم لرئاسة الوزراء.
الصراع الأميركي - الإيراني دخل على الخط بقوة، وفي هذا السياق، يقول الدكتور علي الدباغ الناطق الرسمي السابق باسم الحكومة العراقية في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «من الواضح أن أميركا قلقة من تأخير تشكيل الحكومة العراقية، وعلى الرغم من أن مصالحها أحيانا تتطابق أو تتقارب مع المصالح الإيرانية في بعض المفاصل لكنها قلقة من التدخلات الإيرانية التي تحاول ضم العراق لمحورها».
وأضاف الدباغ أن «بريت ماكغورك والذي يمثل مصالح ووجهات نظر الإدارة الأميركية الحالية رجل طويل النفس ويتصرف بهدوء لضمان مصالح إدارته، حيث إنه ومن خلال معرفتي به فهو لا يصر على استمرار العبادي كما يشيعه البعض في محاولة للنيل من العبادي وإظهاره وكأنه خيار أميركا». وأوضح الدباغ أن «ضغوط الإدارة الأميركية تذهب في اتجاه تسريع وتذليل الخلافات، والتقارب بين اللاعبين، وبالتأكيد هنا تمارس بعض الضغوط على البعض لقبول بعض الشخصيات أو بعض الحلول».
وردا على سؤال بشأن التنافس بين الكتل الشيعية بشأن الكتلة الأكبر أكد الدباغ أن «الكتل المتصارعة الشيعية تسعى لكسب العدد الأكبر في أول سابقة بالاستعانة بتحالفات من خارج الائتلافات الشيعية، وهذا له ثمن وأحيانا يكون باهظا عندما يكون تفريطا ببعض الثوابت والتابوات واللاءات وعندما يتحول لغاية وليس وسيلة لبناء الدولة»، مبينا أن «الإعلانات الإعلامية عن الكتلة الأكبر هي مجرد إعلان مبكر يكون ذا أثر عند أول انعقاد لمجلس النواب، إذ يبدو أن الأطراف المتصارعة تتسابق في ضم أعضاء الطرف الآخر بإعلانات تثير السخرية، بينما يحرص الطرف المتضرر على عقد اجتماعات والتأكيد على تماسكه».
في السياق ذاته يرى القيادي في المحور الوطني الدكتور يحيى الكبيسي أنه «ولأول مرة نحن أمام صراع حقيقي، وكلا الفاعلين الأميركي والإيراني لديهما أدواتهما، وقدرتهما على التأثير»، مبينا أنه «طوال السنوات الماضية كنا أمام تواطؤ أميركي إيراني للحفاظ على الوضع الهش في العراق في إطار اللعبة المزدوجة في العراق، أما اليوم، وفي سياق الانقسامات البينية الشيعية الشيعية، وفي سياق تغير الموقف الأميركي، لم يعد السؤال عن الأكثر تأثيرا هو المهم، بل السؤال عن قدرة أي طرف في فرض معادلته، وهذا يعني أن الكتلة الأكثر عددا وما يتبعها لن يكون سوى الطلقة الأولى لصراع داخلي حقيقي بالنيابة سيدفع العراق نحو المجهول».
ورغم الإعلان عن جدول أعمال الجلسة الأولى للبرلمان العراقي الجديد والذي يتضمن كلمات لكل من رؤساء الجمهورية والوزراء والبرلمان المنتهية ولايتهم ومن ثم قيام رئيس السن بالإعلان عن انتخاب رئيس البرلمان الجديد، لكنه وبسبب عدم حسم المرشحين لرئاسة هذه المناصب فإن هناك مؤشرات على الاكتفاء بتأدية اليمين ومن ثم الإخلال بنصاب الجلسة مما يجعلها مفتوحة حتى يتم حسم المرشحين بمن فيهم مرشح الكتلة الأكبر لرئاسة الحكومة المقبلة.
في سياق ثان، قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إن العراق سيرسل وفدا إلى الولايات المتحدة للتفاهم حول التعاملات المالية مع إيران، بعدما أعادت واشنطن فرض عقوبات على طهران.
وتعليق العبادي هو أول تصريح من مسؤول عراقي منذ التصريحات العراقية التي أشارت الأسبوع الماضي إلى أن بغداد ستطلب من واشنطن إعفاءها من بعض العقوبات، لأن اقتصاد العراق يرتبط ارتباطا وثيقا بجارته إيران.
وقال العبادي في مؤتمر صحافي أسبوعي إن العراق لا يدعم فرض عقوبات اقتصادية على أي دولة وإن من الخطأ فرض عقاب جماعي على الناس. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أعلن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي أبرمته قوى عالمية مع إيران في 2015، واصفا إياه بأنه معيب، وأعاد فرض عقوبات تجارية على إيران. وقال مسؤولون في البنك المركزي والحكومة بالعراق إن الوفد سيسافر إلى واشنطن لطلب إعفاءات من تطبيق العقوبات، لكنهم لم يذكروا موعد السفر.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.