المعارضة المسلحة في جنوب السودان ترفض توقيع اتفاق سلام في الخرطوم

رفض زعيم المتمردين في جنوب السودان رياك مشار، أمس الثلاثاء، التوقيع بـ«الأحرف الأولى» على اتفاق سلام نهائي مع الحكومة، في انتكاسة للجهود الإقليمية لإنهاء نحو 5 سنوات من الحرب الأهلية الدامية.
وأجرى مشار محادثات في الخرطوم على مدى أسابيع مع خصمه رئيس جنوب السودان سلفا كير من أجل التوصل إلى اتفاق سلام شامل ينهي النزاع الذي أسفر عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح الملايين منذ اندلاعه في ديسمبر (كانون الأول) 2013.
وفيما وقعت حكومة جنوب السودان بقيادة الرئيس سلفا كير ميارديت ومجموعة «المعتقلين السابقين» وأحزاب سياسية أخرى، على الاتفاق، وضع مشار عددا من الشروط. وأعرب وزير الخارجية السوداني الدرديري محمد أحمد أمس، عن دهشته للمبررات التي قدمها مشار. وأوضح المسؤول السوداني الذي يتولى الوساطة بين الفرقاء في جنوب السودان، أن مجموعة «التحالف المعارض»، وتتكون من 9 تنظيمات وحركات، اشترطت تضمين مقترح واضح بشأن آليات فض النزاع، وترسيم حدود الولايات، وعددها، والنص عليه في الاتفاقية. وتابع: «نرى أن هذا النص ليس جزءا من الاتفاقية، وينبغي أن يقدم بشكل مستقل ومنفصل عن الاتفاقية لقمة (إيقاد) المرتقبة».
ووقع سلفا كير ومشار على عدة اتفاقات سابقة، بينها اتفاق وقف دائم لإطلاق النار وآخر لتقاسم السلطة ينص على عودة مشار إلى منصبه كنائب أول للرئيس، إلا أن زعيم المتمردين رفض أمس التوقيع على الوثيقة النهائية التي وقعتها الحكومة.
وقال وزير الخارجية السوداني الدرديري أحمد للصحافيين إن «مجموعات المعارضة الرئيسية بجنوب السودان بما في ذلك الحركة الشعبية (لتحرير السودان - المعارضة) بقيادة رياك مشار رفضت التوقيع على وثيقة السلام». وأشار مسؤولون إلى أن المجموعات المتمردة لديها اعتراضات بشأن سير عمل الحكومة الانتقالية المقترحة وعدد الولايات التي سيتم تحديدها في البلاد وصياغة الدستور الجديد.
ويعد رفض المجموعات المتمردة التوقيع على الاتفاق انتكاسة للتحرك الأخير نحو السلام الذي تقوده الهيئة الحكومية للتنمية (إيقاد)، وهي تكتل يضم دولا من شرق أفريقيا. وعرض أحمد على الصحافيين والدبلوماسيين، الذين حضروا لمتابعة ما كان يفترض أن يكون حفل توقيع أولي في الخرطوم، نص مسودة الاتفاق الذي أكد أنها النسخة النهائية التي تم التوصل إليها بعد المشاورات بين جميع الأطراف في جنوب السودان. وأكد «لن يكون هناك سلام في جنوب السودان دون المجموعات التي لم توقع اليوم».
من جانبهم، أكد المتمردون أنهم تفاجأوا بوضع الوسطاء مسودة الاتفاق النهائي رغم وجود عدة مسائل عالقة كان من المفترض أن يتم حلها. وقالوا في بيان مشترك: «هذا تطور مؤسف لن ينعكس بشكل إيجابي على حيادية الوسطاء وسيلقي الشكوك على العملية برمتها». وأضافوا: «ولذلك، نحث الوسطاء على السماح لجميع الأطراف بحل هذه الأمور الهامة التي تشكل نقاط خلاف». وأكدت المجموعات المتمردة أنها لا تزال مستعدة للتفاوض.
إلا أن الوزير السوداني أشار إلى أن رفض المعارضة التوقيع يعني انتهاء الجولة الحالية من المحادثات في الخرطوم. وقال: «هذه آخر جولة تفاوض ولن يكون هناك تفاوض مرة أخرى»، مشيرا إلى أن الوسطاء سيرفعون النص إلى «إيقاد» رغم أنه لم يتضح بعد متى سيجتمع قادة هذا التكتل لمناقشة المسألة.
من جانبه قال رئيس لجنة الأمن عن تحالف المعارضة، د. أولاو أديانق، لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن 4 قضايا حالت بينهم وبين توقيع الاتفاق، تتمثل في حدود الولايات، والدستور، وطريقة اتخاذ القرار في مجلس الوزراء، وآلية فض النزاع. وتابع أديانق: «الحكومة تطالب بتكوين لجنة لتعديل الدستور الحالي، فيما نطالب بعقد مؤتمر دستوري وصياغة دستور جديد، كما نعارض مسألة اتخاذ القرار في مجلس الوزراء الذي نصت عليه الاتفاقية بثلثي الأعضاء، لأن الحكومة عمليا تملك هذا النصاب، بما يمكنها من اتخاذ القرارات منفردة، لذا نطالب بتعديله إلى 3 أرباع الأعضاء».
وأوضح أديانق أن الاتفاقية نصت على ضمانة القوات السودانية والأوغندية للاتفاق، دون أن تحدد كيفية تدخلهم حال حدوث خروقات. وأضاف: «نحن نطالب بقرار من مجلس الأمن يقر تدخل القوات الضامنة ضمن قوى حماية إقليمية».
وتابع: «ما تم التوقيع عليه أمس، هو أن الحكومة وقعت مع الحكومة، مجموعة المعتقلين السابقين أصلا جزء من الحكومة، والأحزاب السياسية القادمة من جوبا مؤيدة لها».
وفي وقت سابق من هذا الشهر، وقع كير ومشار على اتفاق لتقاسم السلطة ينص على عودة زعيم المتمردين إلى الحكومة كنائب أول للرئيس من بين 5 في هذا المنصب. وكان من المفترض أن يمهد الاتفاق الطريق أمام التوصل إلى معاهدة سلام نهائية وتشكيل حكومة انتقالية تتولى السلطة إلى حين إجراء الانتخابات. لكن داعمي عملية السلام الدوليين شككوا في مدى قدرة الاتفاق على الصمود نظرا لعمق العداوة بين قادة جنوب السودان، التي تعود إلى التسعينات عندما انشق مشار أول مرة في ذروة الحرب التي خاضتها البلاد للاستقلال عن السودان.
وأصدرت بريطانيا والنرويج والولايات المتحدة بيانا مشتركا في العاشر منه حذرت فيه من وجود «تحديات كبيرة مقبلة ونحن قلقون من أن الترتيبات التي تم الاتفاق عليها حتى الآن غير واقعية ولا مستدامة». وقالت الدول الثلاث: «نظرا لإخفاقاتهم السابقة، على قادة جنوب السودان أن يتصرفوا بطريقة مختلفة ويظهروا التزامهم بالسلام والإدارة الجيدة».
وحصل جنوب السودان على استقلاله عن السودان في 2011، لكن بعد نحو عامين، اندلعت حرب جديدة بين كير ونائبه السابق مشار. وارتكبت خلال النزاع عمليات قتل واغتصاب واسعة، على أساس عرقي في كثير من الحالات، بينما أجبر نحو ثلث السكان على النزوح. ووقع الزعيمان عدة اتفاقات سلام انهارت، كان آخرها في ديسمبر (كانون الأول). وفي كل مرة، تبادل الطرفان الاتهامات بشأن التسبب في انهيار التسويات وعمليات القتل التي تلت ذلك.