أول من أمس، كان من المقرر أن يبدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطابه أمام سفراء بلاده عبر العالم الساعة الحادية عشرة تماماً، إلا أنه تأخر عن الموعد عشرين دقيقة، وفهم لاحقاً أنه كان في اتصال هاتفي مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، وأن الحديث تناول العقوبات الأميركية على إيران، وما تقوم به فرنسا «إضافة إلى بريطانيا وألمانيا» من أجل تمكين إيران من الاستمرار في الاستفادة مما يوفره لها الاتفاق النووي لعام 2015، خصوصاً لجهة الاستمرار في تصدير النفط، والاستفادة من النظام المصرفي العالمي، وأن ما تسعى إليه الأطراف الأوروبية هو دفع إيران للبقاء داخل الاتفاق.
وليس سراً أن باريس كانت من أشد المدافعين عن ضرورة المحافظة على الاتفاق، والأكثر انتقاداً لانسحاب واشنطن منه، ولاحقاً إعادة فرضها عقوبات على طهران. وقد مارست واشنطن ضغوطاً قوية على شركائها الأوروبيين للاحتذاء بها، ووقف معاملاتهم التجارية والاقتصادية مع إيران، في الوقت الذي يجهد فيه الأوروبيون لـ«تعطيل» نتائج الإجراءات الأميركية، وتشجيع شركاتهم على الاستمرار في نشاطاتها التجارية والاستثمارية. والحال أن ما هو فوق السطح لا يعكس بأمانة حال العلاقات بين الطرفين، التي يشوبها على ما يبدو كثيراً من التوتر، وقد برز ذلك بقوة من خلال الكشف عن مذكرة رسمية صادرة عن الأمانة العامة لوزارة الخارجية الفرنسية، تنصح فيها دبلوماسييها ورسمييها بتأجيل زياراتهم إلى إيران، إلا عند الضرورة القصوى، بسبب محاولة الاعتداء على تجمع دولي للمعارضة الإيرانية، تحت راية «مجلس المقاومة الإيرانية»، المنبثق عن تنظيم «مجاهدين خلق»، عقد نهاية يونيو (حزيران) في ضاحية فليبنت، الواقعة شمال العاصمة الفرنسية. ويقع مقر تنظيم «مجاهدين خلق» في أوفير سور واز، وهي مدينة صغيرة وادعة تقع أيضاً شمال باريس، وأصبحت شهيرة لأن الرسام الهولندي الشهير فان غوخ حل فيها، وما زال المنزل الذي سكنه قائماً.
ويشير التعميم الرسمي الداخلي، الصادر عن الخارجية الفرنسية بتاريخ 20 أغسطس (آب) الحالي، الذي كشفت عنه «رويترز» أمس، إلى هذه الحادثة ليشرح ما يعتبره «تشدداً» في مواقف طهران إزاء فرنسا. وللتذكير، فإن الأجهزة الأمنية الفرنسية قامت بتاريخ 2 يوليو (تموز) بالقبض على 3 أشخاص على علاقة بمحاولة الاعتداء على تجمع المعارضة الإيرانية، الذي حضرته شخصيات فرنسية وبريطانية وأميركية وعربية. ومن الذين حضروا رودي جولياني عمدة نيويورك السابق المحامي الحالي للرئيس دونالد ترمب، ونيوت غينغريش رئيس مجلس الشيوخ السابق أحد داعمي ترمب. وفي العشرين من يوليو، عمدت فرنسا إلى تسليم أحد المشتبه بهم، واسمه مرهاد أ.، إلى السلطات البلجيكية، بينما كانت قد أفرجت سريعاً عن الشخصين الآخرين. وهذا الأخير، البالغ من العمر 54 عاماً، إيراني الأصل، لكنه يحمل الجنسية البلجيكية، وكان قد اعتقل قريباً من فليبنت، بينما الشخصان الآخران اعتقلا في مدينة سينليس، القريبة من مطار رواسي شارل ديغول.
ويواجه مرهاد أ. تهماً بالتورط بـ«محاولة اغتيال إرهابية» و«التخطيط لتنفيذ اعتداء»، بحسب مذكرة التوقيف الأوروبية التي أصدرها القضاء البلجيكي بحقه في الثالث من يوليو. وكان ناطق باسم النيابة البلجيكية قد أفاد بأن الأخير أوقف قيد التحقيق لفترة شهر.
وتجدر الإشارة إلى أن بلجيكا أوقفت شخصين، فيما أوقفت السلطات الألمانية دبلوماسياً اسمه أسد الله أسدي، وهو معتمد في النمسا التي رفعت الحصانة عنه. وثمة شكوك بأنه يعمل لصالح المخابرات الإيرانية. وردا على ذلك، اعتبرت طهران أن كل ذلك «مخطط» للإضرار بها.
وتفيد مذكرة الخارجية بأن «تصرف السلطات الإيرانية يدل على تشدد في مواقف إيران إزاء بلدنا، وإزاء عدد من حلفائنا». وبناء عليه، وبسبب «المخاطر الأمنية»، فإنه يطلب من الدبلوماسيين والرسميين، أكانوا في باريس أو المعتمدين في الخارج، تأجيل سفرهم إلى إيران، إلا في حالة الضرورة، وفق ما كتبه موريس غوردو مونتاني، أمين عام الوزارة الذي يشغل هذا المنصب منذ ربيع العام الماضي، أي بعد انتخاب ماكرون رئيساً للجمهورية. كذلك، فإن المذكرة تشير إلى تهاوي الثقة بالسلطات الإيرانية، رغم استمرار التواصل بين باريس وطهران على أعلى المستويات، كما يبرز ذلك من خلال الاتصالات الهاتفية بين ماكرون وروحاني.
كانت «الشرق الأوسط» قد سعت للحصول على مزيد من المعلومات من الخارجية الفرنسية، إلا أن الطرف الفرنسي امتنع عن التعليق على ما جاءت به «رويترز»، أو الرد على التساؤلات التي طرحت عليها. بيد أن مصادر في باريس اعتبرت أن تدهور العلاقات بين الطرفين، إذا ما تأكدت حقيقته، سيكون «بالغ التأثير على الجهود الفرنسية للاستمرار في المحافظة على الاتفاق النووي، رغم انسحاب واشنطن منه، وبالتالي فإن طهران ستخسر أحد أهم الشركاء الأوروبيين».
كان الرئيس ماكرون في خطابه أمام السفراء قد أعاد التأكيد على التمسك بالاتفاق النووي، لكنه أعرب عن تمسكه بضرورة فتح باب المفاوضات مجدداً مع طهران لاستكماله بتناول الملفات الغائبة، مثل البرامج الباليستية والصاروخية الإيراني، أو سياسة طهران الإقليمية، إضافة لمصير النشاطات النووية الإيرانية لما بعد عام 2025. وبإصراره على هذه الجوانب، فإن ماكرون يقترب كثيراً من مطالب ترمب، بينما ما يفصل بين الرئيسين هو تمسك الأول بالبناء على الاتفاق الموجود، فيما الثاني يرى فيه «أسوأ الاتفاقيات التي وقعت عليها الولايات المتحدة الأميركية».
الخارجية الفرنسية تنصح الدبلوماسيين والرسميين بتأجيل سفرهم إلى إيران
الخارجية الفرنسية تنصح الدبلوماسيين والرسميين بتأجيل سفرهم إلى إيران
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة