الكل يسجل مذكراته بعد أن يتقاعد من المهنة. لكن كلير شازال، أكثر المذيعات شعبية في فرنسا، لم تتقاعد بل تحملت استبعادها الفظ عن نشرة الأخبار المسائية في القناة الأولى. لم يعد عمرها في صالحها، وقد احتلت مكانها شقراء أخرى أصغر سناً هي آن كلير كودري. ففي فرنسا، بورصة للوجوه التلفزيونية، وبناء على تعاملات تلك البورصة فإن الجمهور يفضل المذيعة الشقراء. لكن شازال، 61 عاماً، لم تكن مجرد مذيعة تقرأ النص الذي كُتب لها بل صحافية تشارك في صياغة النشرة وإعدادها. وهي قد تلقت عروضاً جديدة للعمل واختارت الانتقال إلى القناة الخامسة لتقديم برنامج ثقافي يومي يشبع هوايتها للأدب.
أخذت شازال وقتها لتلتقط أنفاسها وتسجيل مذكراتها التي صدرت عن منشورات «غراسيه»، مؤخراً، بعنوان «بما أن كل شيء يمضي». وفيها تتطرق إلى فصلها من القناة الأولى بين عشية وضحاها بعد 23 عاماً من تقديمها للنشرة التي يتابعها نحو من 10 ملايين مشاهد في عطلة نهاية الأسبوع. ورغم المرارة التي تشعر بها فإنها لم تستخدم الكتاب لتصفية الحساب مع أي من رؤسائها السابقين، وكتبت أنها تكتفي بالحب الذي يحيطها به الناس حيثما تنقلت في الأماكن العامة وبالرسائل التي تصلها من المعجبين. فقد تلقت رسالة من رجل يقيم في مدينة نانت، يبلغ من العمر 33 عاماً، كتب لها أنه يعرفها ويتابعها منذ أن كان في السادسة من العمر، وما زال يتمنى لو يسمعها تقدم النشرة بصوتها الهادئ وملامحها الوديعة. وتعلق كلير بالقول إن المشاهدين يرونها هادئة ولا يعرفون القلق الذي يعيشه النجم التلفزيوني، خصوصاً في الدقائق التي تسبق البث المباشر على الهواء. وتكتب عن نوع آخر من القلق هو «الشعور بالوحدة وخشية الفشل والخوف من الشيخوخة واحتمال أن يكشف الجمهور نقطة الضعف عندك». وكانت السينما قد تطرقت إلى هذا الموضوع من خلال فيلم قامت ببطولته النجمة كاترين دينوف، ودارت حبكته حول مقدمة شهيرة لنشرات الأخبار يجري الاستغناء عنها في غفلة منها بسبب تقدمها في السن.
نعرف من الكتاب أن سنة 2015 كانت ثقيلة عليها. وعدا عن فقدانها لوظيفتها، فقد فارقت والدتها الحياة كما قرر ابنها الشاب أن يستقل بحياته ويغادر المنزل العائلي. كانت الستّون تفتح ذراعيها لاستقبالها ولتذكيرها بأنها لم تعد تلك الشابة التي تطلبها الشاشات. إن عمر المذيعة أطول من عمر عارضة الأزياء، بالتأكيد، لكن عليها أن تعتني بمظهرها وتحافظ على قوامها مثل العارضة تماماً. كما أنها في طفولتها وصباها عشقت الرقص وكانت تخصص ساعة ونصف الساعة كل يوم لتدريبات «الباليه». وتقول إنها لن تخترع لنفسها سيرة غير سيرتها، ولم تلجأ للكتابة لتجميل صورتها بل لأنها شعرت بالحاجة لأن تكتب الأمور كما حصلت رغم إدراكها بأنها ستنشر هذه الاعترافات. ومن اعترافاتها أن عائلتها لم تأخذ بيدها نحو السعادة وعاشت في جو من القلق وكانت والدتها تخشى القدر وقد أورثتها تلك الخشية. وظلت نوبات الشك تراودها بحيث إنها أوشكت، أثناء مقابلة مع الرئيس السابق فرنسوا هولاند، أن تنسحب من موقع التصوير. ثم هناك الخوف من المنافسة. وكانت مضطرة لأن تخفي قلقها وتبدو قوية وقديرة أمام زملائها وفريق العاملين معها، لأنها ترى في أعين بعضهم أمنيات في إزاحتها واحتلال موقعها. ومع كل صباح، كان عليها قراءة أرقام المشاهدين الذين تابعوا النشرة لتتأكد من أن القنوات الأخرى لا تهددها شعبيتها ولا تصل لعدد المشاهدين نفسه. وحتى عندما وجدت نفسها مطرودة من النشرة، لم تفكر بالتخلي عن كل شيء وصفق الباب وراءها والذهاب بعيداً والاكتفاء بما جمعته من ثروة. تقول: «ماذا سأفعل إذا تقاعدت؟ أنا صحافية تلفزيونية ولا أعرف القيام بعمل غير هذا».
ثم يأتي الفصل الأكثر إثارة في كتابها، حين تتحدث، لأول مرة، عن علاقتها الطويلة مع مذيع الأخبار الشهير باتريك بوافر دارفور، والد ابنها الوحيد. الذي سبقها في مواجهة تجربة الطرد المفاجئ من التلفزيون. وتكتب: «كانت حكايتي مع باتريك مشبوبة، وأحياناً فوضوية. إنه ليس من نوع البشر الذين يمكن بناء حياة مباشرة معهم لأنه كان رجلا خارج الأنماط المعتادة. وقد كنت أراه بعين الحب في البداية ثم عرفت مقدار القوة التي حاول نقلها إلى طفلنا. وأنا لا أبحث اليوم سوى عن التهدئة، وهو أيضاً، ونحن نتفاهم بشكل جيد، ومهما حدث يبقى هذا الرجل والد ابني». هذا الابن الذي تقول والدته إنه عانى من شهرة والديه وكان يرفض أن يتحدث عنه الناس باعتباره ابن فلان أو فلانة، بل يريد أن يؤسس حياته معتمداً على نفسه. لذلك شد الرحال إلى قارة بعيدة هي نيوزيلندا، وعاش في اليابان، قبل أن يعود مؤخراً إلى باريس.
رغم معرفة الجميع بالعلاقة التي جمعت بينها وبين باتريك بوافر دارفور. رفضت شازال، طوال سنوات، الإفصاح عن هوية والد ابنها. وكان الأب هو من أقرّ بذلك في كتاب أصدره بعد 10 سنوات على ولادة الطفل. وبعد انفصالهما تزوجت شازال المنتج التلفزيوني إكزافييه كوتور. لكن بخلاف العبارات الهادئة التي تخصصها لحبيبها السابق، فإنها تبدو أكثر مرارة في وصف الزوج الذي عاشت معه 3 سنوات، فتكتب أنهما تزوجا في سن متقدمة، وكانت هي قد تجاوزت الأربعين وتحتاج لكتف تسند رأسها عليه وتصورت أن نضجهما سيسمح لهما بالعيش معاً حتى نهاية العمر، ولهذا اشتريا منزلاً في الريف. «لكنه تركني وذهب. لماذا؟ لا أعرف».
حال صدور الكتاب، نشرت مجلة «باري ماتش» الباريسية مقابلة مع شازال عهدت بإجرائها إلى مارلين شيابا، الوزيرة الفرنسية لشؤون المساواة بين الجنسين. ولدى سؤالها عن الحملة الجارية في أوساط الممثلات والنساء الشهيرات لكشف المتحرشين بهن، أجابت بأنها لم تحب شعار الحملة «افضحي خنزيرك». لكنها تعتبر الحملة مفيدة ولا رجعة فيها. أما فيما يخص حضور المرأة الصحافية في التلفزيون فإنها تبدي سعادتها لأن قنوات مهمة كثيرة تدار حالياً من زميلات لها، وهي قد أخذت حقها ولقيت التقدير طوال سنوات عملها وتحملت مسؤوليات كبيرة من دون أن يعيقها كونها امرأة. لذلك فإنها تتمنى أن تجد الفتيات الفرص المناسبة للتقدم، وقد أطلقت، سنة 2007، حملة بالتعاون مع 5 صحافيات فرنسيات شهيرات لتحسين شروط التعليم للبنات في البلاد الفقيرة. ودعمت «اليونيسيف» تلك المبادرة.
حصلت شازال على وسام الشرف 2004 وعلى جائزة أفضل مذيعة أخبار 1991 وعلى درع المرأة الذهبية 2009. وبفضل شهرتها الطاغية كمذيعة للأخبار، شاركت شازال في أكثر من 13 فيلماً سينمائياً كضيفة شرف، حيث أدت دورها الحقيقي في الحياة. وفي الربيع الماضي وافقت على الظهور في حلقة من مسلسل «جريمة في شاطئ أوماها» الذي تبثه القناة الفرنسية الثالثة، وأدت دور نائبة في البرلمان ووالدة لأحد شهود الجريمة. وقد سبقها الكثير من نجوم الشاشة الصغيرة في الحلول كضيوف شرف على المسلسل.
اعترافات «كلير شازال»... أكثر مذيعات فرنسا شعبية
مذكرات عن طردها من النشرة والحبيب الفوضوي والزوج الهاجر
اعترافات «كلير شازال»... أكثر مذيعات فرنسا شعبية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة