فرصة ذهبية أُتيحَت لشباب التشكيليين من حديثي التخرُّج لعرض أعمالهم الفنية في قاعتين من أشهر قاعات الفن التشكيلي في القاهرة، حتى الأسبوع الأول من شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، حيث تحتضن قاعة «بيكاسو إيست»، معرضاً لخريجي كلية الفنون الجميلة دفعة 2018، تحت عنوان «العرض الأول»، بينما تستضيف قاعة «ضي» معرضاً للدفعة نفسها بعنوان «الواعدون» في حدث يعتبر الأول من نوعه، حيث تُعدّ فرصة إقامة معرض للشباب، أحد أهم هموم المشهد التشكيلي المصري.
فاجأ غاليري «ضي» أو «أتيليه العرب للثقافة والفنون» جمهوره بتنظيم معرض ضخم يضم مختلف مجالات الفنون التشكيلية في الرسم والتصوير والغرافيك والنحت لخريجي كلية الفنون الجميلة بالزمالك دفعة 2108، وجاء المعرض حاملاً الاسم الذي اختار «الغاليري» أن يطلقه على الفنانين وهو «الواعدون» الذين يحتفي بهم الغاليري، كمواهب شابة في بداياتها. كما افتتحت قاعة بيكاسو معرضاً عنوانه «العرض الأول»، يتضمن مجموعة واسعة من الأعمال المبدعة في مجالي التصوير الزيتي والجداري لأكثر من 20 خريجاً في الكلية وفي الدفعة ذاتها، معلنة عن اتجاهها لتشجيع المواهب الشابة، ليصبح عنوان المعرضين معاً بمثابة عنوان واحد لمرحلة جديدة في الساحة الفنية المصرية هو «العرض الأول للواعدين»، إذ من المنتظر أن تُنظم القاعتان نسخاً جديدة منه خلال السنوات المقبلة بحيث يصبح هناك معرض سنوي للعرض الأول للواعدين من حديثي التخرج في الكليات الفنية، بل قد تحذو حذوهما قاعات فنية أخرى.
وعن المعرضين، يقول الفنان الدكتور أشرف رضا رئيس قطاع الفنون التشكيلية الأسبق، لـ«الشرق الأوسط»: «أكدت لي الأعمال الفنية لشباب الخريجين أن الجيل القادم من الفنانين سيكون جيلاً متميزاً وأن أبناء هذا الجيل سيوفرون مناخاً فنياً بديعاً، حيث تكشف مواهب الشباب عن قدرات فنية خاصة وجديدة، تحثنا على ضرورة تركيز اهتمامنا بهم ليستمروا في إبداعاتهم ويستكملوا مشوار الإبداع المصري». وتابع: «ما رأيته في قاعة بيكاسو من براعم الفن التشكيلي وفنون التصوير الزيتي والتصوير الجداري أكد لي أنهم يسيرون على خطى أجدادهم الأساتذة فناني الرعيل الأول والثاني رواد الفن الحديث، مثل راغب عياد وأحمد صبري وعبد الهادي الجزار وحامد ندا».
من جانبه، يقول رضا عبد الرحمن، مدير قاعة بيكاسو لـ«الشرق الأوسط» إن «المعرض حقق حتى الآن نجاحاً كبيراً، ويُعَد تظاهرة فنية ناجحة للغاية، لأنه يجمع عدداً من المبدعين الشباب الذين أردنا تقديمهم للساحة الفنية، وتعريف الجمهور بهم في إطار الدعم والمساندة لموهبتهم، خصوصاً أن دفعة 2018 في كلية الفنون الجميلة جامعة حلوان متميزة بالفعل، ولفتت الأنظار، وقد اعتمدنا في الاختيار على معايير عادلة تتمثل في القيمة الفنية لمشروع التخرج، وفي تعبيره عن فكر عميق».
وأكثر ما يتوقف عنده المتلقي لدى زيارة المعرض أنه في الوقت الذي يظهر تأثر الفنانين الشباب بالفنون العالمية والمدارس الغربية في التكنيك والأسلوب الفني، فإنهم يطرحون قضايا محلية وشخوصاً مصرية في وعي مجتمعي واضح لديهم، فعلى سبيل المثال عبر لوحتها «زواج القاصرات» التي تصور طفلة حزينة يتسم وجهها بالبؤس وبنظراتها الشاردة في مصيرها المجهول، تعبر ياسمين سمير عن ظاهرة اجتماعية تؤرق المجتمع المصري، وهي ظاهرة «زواج القاصرات» التي يرفضها قطاع واسع في المجتمع، وتُناقش في البرلمان لسن قانون جديد بشأنها، ففي اللوحة تظهر الطفلة وقد تخلت عن طفولتها وتركت ألعابها وعالم الطفولة، لتذهب إلى سجن لا يمت لعالمها بصلة، وهو الزواج المبكر، ويأتي الطربوش ليرمز إلى الرجل الذي سيحرمها من طفولتها، وتعلق ياسمين: «زواج القاصرات مشكلة يعاني منها المجتمع المصري، وأرفضها تماماً، ولأنني شعرت بمسؤوليتي في الدفاع عن بنات جنسي فقد وجدت نفسي أرسم هذه اللوحة».
في السياق نفسه، احتلت قضايا الأطفال مساحة من اهتمام الفنانين أيضا، فجاء العمل الفني ليارا إبراهيم، ليبرز معاناة الأطفال المصابين بالتوحد، ومدى اختلافهم عن باقي الأطفال، وفي ذلك تقول: «لاحظت أن الأسرة المصرية تفتقد القدرة على التعامل مع طفلها الذي يعاني من التوحد، ووضعت يدي على فروق شاسعة بين ما هو المفروض والواقع الأليم لأطفال التوحد وغيرهم من المصابين بالأمراض العقلية والنفسية»، وقد عبرت عن ذلك كله عبر لوحة تصور طفلة تجلس وحيدة تنظر إلى لا شيء في الفراغ، وتستند على أرض تتناثر عليها قطع «البازل» رمز التوحد، وفي معزل عن أقرانها، بينما يظهر على الحائط كسر وراءه أطفال يلعبون، وهو ما يشير إلى أن المجتمع في مكان وهؤلاء المرضى في مكان آخر تماما. تعتبر يارا نفسها سعيدة الحظ، لمشاركتها في هذا المعرض، فلم يسبق أن يجري مثل هذا العرض للشباب في قاعة كبيرة كـ«قاعة بيكاسو»، وتقول: «إن اسم القاعة سمح بحضور جمهور واسع، وبالتالي أسهم في توصيل رسالتنا الفنية، لا سيما أن القاعة لديها أحدث أساليب العرض التي تسمح بتقديم أعمالنا وأفكارنا بالشكل الصحيح».
وجاء عمل «التنميل» للطالب شريف منير ليحمل معاناة الإنسان حين يصبح فاقداً للإحساس وعاجزاً عن الحركة، عبر عمل يجمع بين الواقعية والسيريالية والرمزية في آن واحد، حيث يجسد بإبداع حالة «التنميل» أو العجز عن تحريك الأطراف بما تحمله تلك الحالة من دلالات وانعكاسات معنوية عميقة، أبرزها السلبية والكسل.
يقول شريف في حديثه لـ«لشرق الأوسط»: «عندما يصاب المرء بـ(التنميل)، فإنه يبقى من دون حركة لعدة ثوانٍ، ويشعر أن هذا الطرف الذي تخدر قد تضخم حجمه، ويشعر كأنه لم يعد جزءاً من جسده، ولا ينتمي إليه، فهو مسلوب الإرادة تجاهه. وتطرح اللوحة تساؤلاً، لو بقي هذا الطرف كبيراً للأبد، ماذا سيحدث وكيف سيكون رد فعل الناس تجاهه؟!».
وتحتضن قاعة «ضي» هي الأخرى، أكثر من ستين موهبة تشكيلية اختيرت بدقة وعناية، ويضم المعرض مختلف مجالات الفنون التشكيلية في الرسم والتصوير والغرافيك والنحت، في أعمال تترجم الأفكار المبتكرة بالألوان القوية والأسلوب المتميز، ومن بين العارضين ندى تركي التي تعتبر المعرض مفاجأة للمشهد التشكيلي كله. وتقول: «أقدم عملاً من التصوير الجداري، زجاجاً على خشب، وهو يقوم على رؤية للموسيقى كمفجرة للأحزان داخل النفس، بما تثيره من شجن، وهي بذلك تغسل النفس الإنسانية من الداخل».
معرضان يحتفيان بأعمال تشكيليين شباب في قاعتين شهيرتين بمصر
يتيح الفرصة لعشرات الخريجين لإظهار مواهبهم في «بيكاسو» و«ضي»
معرضان يحتفيان بأعمال تشكيليين شباب في قاعتين شهيرتين بمصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة