ماكرون يريد مراجعة شاملة للأمن الأوروبي تتضمن روسيا

في خطوة قد تترك أثراً سلبياً في العلاقات بين ضفّتي الأطلسي، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم (الاثنين) أنه سيقدم اقتراحات جديدة للاتحاد الاوروبي ترمي إلى تعزيز الأمن في القارة، معتبرا ان التكتل يجب ان يتوقف عن الاعتماد على الولايات المتحدة حصرا في هذا الشأن.
وقال الرئيس الفرنسي في خطاب أمام سفراء فرنسا لمناسة إعادة إطلاق برنامج عمله الدبلوماسي: "لم يعد بإمكان أوروبا الاعتماد على الولايات المتحدة حصرا في أمنها. ضمان أمن أوروبا مسؤوليتنا". وأضاف أمام 250 دبلوماسيا ونائبا وخبيرا في العلاقات الدولية أنه سيكشف مقترحاته "خلال الأشهر المقبلة"، قائلا: "أريد أن نطلق مراجعة شاملة لأمننا، تتضمن روسيا، مع جميع الشركاء الأوروبيين".
ويضع ماكرون أوروبا في صلب عمله الدبلوماسي قبل تسعة أشهر من انتخابات أوروبية يأمل أن تتصدى لموجة قومية تجتاح العالم. وقال في خطابه: "علينا القيام بمبادرات جديدة وبناء تحالفات جديدة. فرنسا تريد أوروبا قادرة على حماية نفسها حتى في وقت بات فيه التطرف أقوى وعادت القومية إلى الظهور".
يذكر أن الرئيس الفرنسي اعتُبر عند انتخابه العام الماضي منقذ الاتحاد الأوروبي، غير أن طموحاته تلقت ضربات أمام جمود تكتل من البلدان ذات المصالح المتباينة في معظم الأحيان. واصطدمت مشاريعه الكبرى بحكومات شعبوية وقومية في العديد من البلدان من أوروبا الشرقية إلى إيطاليا، ورفض دول الشمال الغنية دفع الفاتورة عن غيرها، والتنافس الضريبي بين الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد، والخوف من تدفق اللاجئين، فضلا عن مفاوضات "بريكست" الشاقة.
وفي موازاة ذلك، ضعفت حليفته التقليدية المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بسبب انتكاساتها الانتخابية في بلادها.
وبخصوص بريطانيا، قال ماكرون في كلمته، إنه يريد من الاتحاد الأوروبي التوصل إلى اتفاق مع بريطانيا بشأن الخروج قبل نهاية العام، لكن أولويته لا تزال صون وحدة التكتل. وشدد على أن فرنسا "تريد الحفاظ على علاقة متينة وخاصة مع لندن لكن لا يمكن أن يكون الثمن هو تفكك الاتحاد الأوروبي".
وأضاف أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "خيار سيادي ينبغي أن نحترمه، إنما لا يمكن أن يكون على حساب سلامة الاتحاد الأوروبي".
وفي سبيل إنهاض المشروع الأوروبي، يقوم ماكرون بجولة أوروبية صغيرة تشمل الدنمارك وفنلندا، تبدأ غدا (الثلاثاء) وتستمر ثلاثة أيام، ليكون بذلك قد زار أكثر من نصف القادة الأوروبيين في 12 شهراً.
ويقر مستشارو قصر الإليزيه بأنه منذ العام الماضي "حصلت تغيّرات كثيرة في العالم مع صعود القوميات والأزمة التي تواجهها التعددية. ويجب أن نكون أكثر ديناميكية للتكيف مع هذه التطورات".
ومعلوم أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أضعف مجموعة السبع وانسحب من الاتفاق النووي الإيراني وباشر حربا تجارية عالمية، ويطالب الأوروبيين بمساهمات مالية أكبر للحفاظ على حلف شمال الأطلسي.
غير أن التهديد لا يأتي من الخارج فحسب، بل من داخل أوروبا أيضاً حيث تعتمد بولندا وإيطاليا سياسة مشكِكة في أوروبا ومعادية للهجرة، ترغم باريس على السعي لإقامة "قوس تقدمي" للتصدي لها.
وقال رئيس كتلة نواب الحزب الرئاسي في الجمعية الوطنية ريشار فيران أمس (الأحد) ملخصا الوضع: "المسألة هي في الواقع بين ماكرون وميركل وبيدرو سانشيز في إسبانيا، أي أولئك الذين يقولون إن لدينا مستقبلا أوروبيا وأولئك الذين يقولون لا، ينبغي التقوقع على الذات لأننا سننجح أكثر بمفردنا"، معددا بين أتباع هذا النهج رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ووزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني.
واضطرت عشر دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي من بينها فرنسا وألمانيا وإسبانيا، إلى التحرك هذا الصيف بشكل طارئ لتقاسم توزيع مهاجرين رفضت روما استقبالهم. وتتعثر المفاوضات حول آلية منسقة ثابتة في مواجهة الهجرة برفض إيطاليا التي هددت الجمعة بتعليق مساهمتها في ميزانية الاتحاد الأوروبي.
وإزاء عزم المعارضة في فرنسا على تحويل الانتخابات الأوروبية في مايو (أيار) 2019 إلى "استفتاء ضدّ ماكرون" كما أعلن رئيس حركة "فرنسا المتمردة" جان لوك ميلانشون، يتحتم على الرئيس الفرنسي أن يثبت أن جهوده الدولية ستعود بمنفعة مباشرة على الفرنسيين.
ورأت كلير دوميسماي من المعهد الألماني للسياسة الخارجية أن "الملف الأوروبي فقد الكثير من الديناميكية" في سنة، في حين تساءل رئيس المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية فرنسوا هايسبور في لندن هل سينجح ماكرون "في تحريك أوروبا" قبل إتمام التسويات الكبرى بحلول نهاية 2019؟ وأضاف "إنه الزعيم الوحيد في أوروبا اليوم"، لكنه "لا يمكن أن يكون زعيما وحده" بل ينبغي أن "تسير فرنسا وألمانيا معا" في حين أن ميركل لا تزال في موقع ضعف نتيجة انتكاستها في الانتخابات البرلمانية العام الماضي.