حين يتساوى العلماء والجهلاء

حين يتساوى العلماء والجهلاء
TT

حين يتساوى العلماء والجهلاء

حين يتساوى العلماء والجهلاء

من علائم انحطاط أي أمة أن يتساوى العلماء والجهلة، بل أكثر من ذلك، أن يعلو الذين لا يعلمون على الذين يعلمون، الذين لا يبقى أمامهم سوى الانزواء على طريقة رهين المحبسين أبي العلاء، الذي قال قبل أكثر من ألف سنة:
ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا
تجاهلت حتى ظُن أني جاهل
أي زمن هذا الذي نعيشه؟ زمن بلغ فيه احتقار العلم ومراتبه ودرجاته الزبى. أينما ترهف أذنيك، وحيثما تجول قدماك، تعثر على دكتور ومفكر وفيلسوف وباحث استراتيجي، فتتعجب كيف لأمة حوت كل هؤلاء، أكثر من أي أمة فوق الأرض، لا تزال في الدرجة الأدنى من سلم التطور الإنساني؟!
وأي أمة هذه التي تحتقر هذه الألقاب الجليلة، التي لا يستحقها سوى العلماء الذين تحدث عنهم كتاب الله، فتطلقها جزافا على كل من لا يفكّ حرفاً! أي جريمة نقترفها بحق العلم والمعرفة بخفة ولا مبالاة قل نظيرهما!
ظل ماركس، وهو واحد من أعظم الفلاسفة عبر القرون، الذي صاغ نظرية كاملة دان بها ثلث البشرية، محل جدل طويل في الأوساط العلمية والفلسفية حول تصنيفه، أهو عالم اجتماع، أم مفكر، أم فيلسوف، أم منظر اقتصاد؟! ولا يزال الأمر عند كثيرين غير محسوم تماماً. وتعرض العملاق نيتشه، الذي لا تزال كتاباته وأفكاره ونظرياته مهيمنة على عصرنا بعد أكثر من قرن وعقدين من رحيله في مثل هذه الأيام عام 1900، لجدل طويل مستمر، هل كان فيلسوفا أم لا؟!
ماركس ونيتشه ليسا استثناءين. بل كثير من المفكرين والفلاسفة لم يستحقوا لقب مفكر أو فيلسوف إلا بعد اختبار طويل من الزمن، وتمحيص دقيق من قبل أهل الشأن.
وفي عصرنا الحديث، ظل جان بول سارتر، عراب الفلسفة الوجودية التي اجتاحت العالم في الستينات وتركت تأثيرها البالغ على اتجاهات الأدب العالمي ومضامينه، وصاحب السفر الفلسفي الضخم «الوجود والعدم»، محل خلاف أيضاً، فهناك من يعتبره مفكراً، وليس فيلسوفاً، فهو لم يفعل أكثر من قلب فلسفة الدنماركي سورين كيركيغارد من وجودية إيمانية، إلى فلسفة وجودية ملحدة، وهناك من يعتبر صاحب «الغثيان» و«دروب الحرية» مجرد كاتب، ليس إلا.
أما ألبير كامي، صاحب «الغريب» و«أسطورة سيزيف» و«الإنسان المتمرد»، هذه الأعمال التي تركت تأثيراتها الفكرية والثقافية على أجيال متعاقبة في مختلف أنحاء العالم، فقد بخلوا عليه بلقب فيلسوف حتى رحيله المفجع عام 1960.
أمتنا تحب الألقاب، فمن المفكرين والفلاسفة والدكاترة، إلى الشعراء «الكبار»، والروائيين «الكبار»، وكأن صفتي «شاعر» و«روائي» ليستا كافيتين بحد ذاتهما...
من أين جاءنا هذا الهوس المخيف بالألقاب؟!
كان عندنا الإعلام المكتوب، وجاء الإعلام المرئي ليزيد من المأساة، ويمعن في احتقار المعرفة والعلم والعلماء. ويبدو أننا نداري خواءنا الداخلي بألقاب وهمية يعرف أصحابها، والمتواطئون معهم، أنها كاذبة، فارغة، جوفاء بلا صدى. لكن خطر هذه الظاهرة المستفحلة، التي ننفرد بها عن كل الشعوب شرقا وغرباً، ليس محصورا في المجال الفردي، بل يمتد إلى عقل الأمة وقلبها ليخدرهما، ويشلهما، وليملأهما كذبا وبطلاناً. وفي هذه الحالة، لا يبقى أمام الصادقين، المفكرين والعلماء فعلاً، سوى الانسحاب مطرودين إلى صومعاتهم.



سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
TT

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)

عندما سافر علماء بيئة بريطانيون إلى سلوفينيا هذا الصيف على أمل التقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» المغرِّدة لإعادة إدخال هذا النوع إلى غابة «نيو فورست» في بريطانيا، كانت تلك الحشرات صعبة المنال تطير بسرعة كبيرة على ارتفاع بين الأشجار. لكنَّ فتاة تبلغ 12 عاماً قدَّمت عرضاً لا يُفوَّت.

وذكرت «الغارديان» أنّ كريستينا كيندا، ابنة الموظّف في شركة «إير بي إن بي»؛ الموقع الذي يتيح للأشخاص تأجير واستئجار أماكن السكن، والذي وفَّر الإقامة لمدير مشروع «صندوق استعادة الأنواع» دوم برايس، ومسؤول الحفاظ على البيئة هولي ستانوورث، هذا الصيف؛ اقترحت أن تضع شِباكاً لالتقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» لإعادتها إلى بريطانيا.

قالت: «سعيدة للمساعدة في هذا المشروع. أحبّ الطبيعة والحيوانات البرّية. الصراصير جزء من الصيف في سلوفينيا، وسيكون جيّداً أن أساعد في جَعْلها جزءاً من الصيف في إنجلترا أيضاً».

كان صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي هو النوع الوحيد من الصراصير الذي وُجِد في بريطانيا. في الصيف، يصدح الذكور بأغنية عالية النغمات لجذب الإناث التي تضع بيضها في الأشجار. وعندما يفقس الصغار، تسقط إلى أرض الغابة وتحفر في التربة، حيث تنمو ببطء تحت الأرض لمدّة 6 إلى 8 سنوات قبل ظهورها على شكل كائنات بالغة.

صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي (صندوق استعادة الأنواع)

اختفى هذا النوع من الحشرات من غابة «نيو فورست»، فبدأ «صندوق استعادة الأنواع» مشروعاً بقيمة 28 ألف جنيه إسترليني لإعادته.

نصَّت الخطة على جمع 5 ذكور و5 إناث من متنزه «إيدريا جيوبارك» في سلوفينيا بتصريح رسمي، وإدخالها في حضانة صراصير «الزيز» التي تضمّ نباتات محاطة في أوعية أنشأها موظّفو حديقة الحيوانات في متنزه «بولتون بارك» القريب من الغابة.

ورغم عدم تمكُّن برايس وستانوورث من التقاط صراصير «الزيز» البالغة، فقد عثرا على مئات أكوام الطين الصغيرة التي صنعها صغار «الزيز» وهي تخرج من الأرض بالقرب من مكان إقامتهما، وتوصّلا إلى أنه إذا كانا يستطيعان نصب خيمة شبكية على المنطقة قبل ظهور صراصير «الزيز» في العام المقبل، فيمكنهما إذن التقاط ما يكفي منها لإعادتها إلى بريطانيا. لكنهما أخفقا في ترك الشِّباك طوال فصل الشتاء؛ إذ كانت عرضة للتلف، كما أنهما لم يتمكنا من تحمُّل تكلفة رحلة إضافية إلى سلوفينيا.

لذلك، عرضت كريستينا، ابنة مضيفيهما كاتارينا وميتشا، تولّي مهمّة نصب الشِّباك في الربيع والتأكد من تأمينها. كما وافقت على مراقبة المنطقة خلال الشتاء لرصد أي علامات على النشاط.

قال برايس: «ممتنون لها ولعائلتها. قد يكون المشروع مستحيلاً لولا دعمهم الكبير. إذا نجحت هذه الطريقة، فيمكننا إعادة أحد الأنواع الخاصة في بريطانيا، وهو الصرصار الوحيد لدينا وأيقونة غابة (نيو فورست) التي يمكن للسكان والزوار الاستمتاع بها إلى الأبد».

يأمل الفريق جمع شحنته الثمينة من الصراصير الحية. الخطة هي أن تضع تلك البالغة بيضها على النباتات في الأوعية، بحيث يحفر الصغار في تربتها، ثم تُزرع النباتات والتربة في مواقع سرّية في غابة «نيو فورست»، وتُراقب، على أمل أن يظهر عدد كافٍ من النسل لإعادة إحياء هذا النوع من الحشرات.

سيستغرق الأمر 6 سنوات لمعرفة ما إذا كانت الصغار تعيش تحت الأرض لتصبح أول جيل جديد من صراصير «نيو فورست» في بريطانيا.