«أنشودة الملح» تتوالى فصولها في بصرة السياب

دعوات واسعة لإنقاذ المحافظة... وصمت حكومي

صورة انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي لتمثال الشاعر بدر شاكر السياب في البصرة وهو مكسو بالملح
صورة انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي لتمثال الشاعر بدر شاكر السياب في البصرة وهو مكسو بالملح
TT

«أنشودة الملح» تتوالى فصولها في بصرة السياب

صورة انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي لتمثال الشاعر بدر شاكر السياب في البصرة وهو مكسو بالملح
صورة انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي لتمثال الشاعر بدر شاكر السياب في البصرة وهو مكسو بالملح

رغم الاهتمام المتنامي لدى أغلب الفعاليات والشرائح الاجتماعية بأزمة المياه والكارثة البيئية التي تعاني منها محافظة البصرة الغنية بالنفط، لفت انتباه المراقبين الصمت الذي يلف موقف رئيس الوزراء حيدر العبادي بشأن ما يحدث في البصرة، وباستثناء بعض التحركات والبيانات التي أصدرتها وزارات في حكومته، لم يصدر عن مكتب العبادي حتى الآن أي تصريح يشير إلى الأزمة وأفق حلها وطرق معالجتها.
مراقبون يرجحون أن صمت العبادي يعود في جزء منه إلى صعوبة اتخاذ إجراءات عاجلة لحل مشكلة البنى التحتية ومشكلة المياه المتفاقمة منذ سنوات طويلة، كما يرون، أن للمعركة التي يخوضها العبادي مع منافسيه في الكتل الأخرى لإعلان الكتلة الأكبر المؤهلة لتشكيل الحكومة دخلاً في الموضوع.
أزمة العطش وضعف الخدمات في البصرة تتوالى فصولها، وباتت أصداؤها تتردد في أغلب المحافظات العراقية، حيث أطلق ناشطون في محافظة الأنبار الغربية حملة «قطرة إلى البصرة»، وقام بمثلها نظراء لهم في مدينة الموصل، وانضم إلى الحملة نجم كرة القدم السابق أحمد راضي، وقال عبر كلمة مسجلة في صفحته في «فيسبوك»: «نضم صوتنا مع الإخوان الناشطين الذين أطلقوا حملة (قطرة إلى البصرة)، ونكون معهم إلى أن يصل الماء الصالح للشرب إلى أهالينا في البصرة الفيحاء». وكذلك تضامن مع الحملة فنانون ومنهم المطرب قاسم السلطان والممثلة آلاء حسين.
وفي أبلغ دلالة على ما تعانيه البصرة هذه الأيام، عمد الناشط هاشم أحمد إلى كساء صورة تمثال الشاعر بدر شاكر السياب المقام على ضفاف شط العرب في البصرة بالملح، وكتب ناشطون تحت الصورة «أنشودة الملح»، في إشارة إلى قصيدة السياب الشهيرة «أنشودة المطر».
على الصعيد السياسي، يعتزم النواب الفائزون عن محافظة البصرة بعضوية مجلس النواب الجديد، عقد اجتماع اليوم (الأحد)، بمقر مجلس النواب، لمناقشة الأوضاع المتردية في المحافظة. وقال النائب فالح الخزعلي، في تصريحات، إن الاجتماع «سيطرح مقترح قرار بعدم التصويت على الحكومة المقبلة ما لم يكن في برنامجها الحكومي رؤية وبرنامج كامل لحل مشاكل البصرة وبسقف زمني محدد».
وأعلنت نقابة المحامين في البصرة، أمس، عن استعدادها لتكليف محامين متبرعين للترافع أمام المحاكم ضد المسؤولين في البصرة، الذين تسببوا بأضرار شخصية ومادية للمواطنين جراء مشكلة الملوحة في المياه.
في هذه الأثناء، دخل الاعتصام الذي يقوم به ناشطون في البصرة أمام مبنى المحافظة أسبوعه الثالث، ويقول المشرفون عليه إنه سيستمر رغم المضايقات التي يتعرض لها المعتصمون من قبل السلطات الأمنية، وعدم سماحها بنصب خيام الاعتصام. وكان تحالف المادة 38 من الدستور المؤلف من عشرات منظمات المجتمع المدني قام بإرسال قافلة تضامن واشترك بالمظاهرة الحاشدة في مركز البصرة مساء أول من أمس.
الناشط البارز والأستاذ في جامعة البصرة كاظم السهلاني، علق على الدعم التي تقدمه مختلف الفعاليات العراقية للبصرة مؤخراً بالقول: «أي جهد ودعم نتلقاه من أصدقائنا وإخوتنا في بقية المحافظات العراقية، شيء جيد ويسهم في دعم مطالبنا المحقة». ويرى السهلاني، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «قضيتنا اليوم لا تتعلق بالخدمات وملوحة المياه فقط، القصة أبعد من ذلك، البصرة تعيش في ظل منظومة فساد متكاملة، وهذه المنظومة غير قادرة على إصلاح نفسها، وتحقيق المطالب المحقة للمواطنين». ويضيف: «أهدافنا اليوم تتمحور حول تغيير هذه المنظومة، وتحويل الأمور باتجاه إيجاد حكومة مواطنة، وليس حكومة تسعى لخدمة الأحزاب». وحمّل السهلاني، الحكومتين الاتحادية والمحلية، مسؤولية تدهور أوضاع البصرة، ذلك أن «الأحزاب الحاكمة في البصرة وغيرها لديها ممثلون في الحكومتين الاتحادية والمحلية».
من جهتها، أعلنت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، أمس، عن عزمها زيارة محافظة البصرة للاطلاع على الأوضاع هناك ومتابعة حالات التسمم. وقال عضو المفوضية فاضل الغراوي، في تصريحات، إن «المفوضية تراقب عن كثب ما يحصل في محافظة البصرة، وغداً سيصل إلى البصرة وفد رفيع المستوى من المفوضية، وسيبقى هناك لفترة طويلة لمراقبة الأوضاع، وأن الوفد سيدون إفادات المواطنين الذين أصيبوا بحالات التسمم وكذلك من يعانون من التلوث البيئي».
بدورها، ترأست وزيرة الصحة والبيئة عديلة حمود حسين، أمس، وفداً وزارياً للوقوف على آخر المستجدات الصحية ومتابعة الوضع الصحي في البصرة. وأصدرت الوزارة بياناً أكدت ما سبق أن أعلنته من «عدم تفشي وبائي خطير كالكوليرا، ولا يوجد أي نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.