ارتفاع حدّة المواجهة بين روما وبروكسل

ارتفعت في الساعات الأخيرة حدّة المواجهة بين روما وبروكسل في سياق أزمة السفينة البحرية الإيطالية Diciotti الراسية منذ أسبوع في ميناء كاتانيا بجزيرة صقلية وعلى متنها 150 مهاجرا أفريقيا ترفض إيطاليا السماح لهم بالنزول إلى البرّ لاعتبارهم «غير شرعيين»، بعد أن هددت الحكومة الائتلافية، التي تضم حركة النجوم الخمس ورابطة الشمال، بوقف دفع مساهماتها المالية إلى الاتحاد إذا تعذّر التوصّل إلى حل لهذه المشكلة في الساعات المقبلة.
وقد ردّ ناطق بلسان المفوضية الأوروبية على تصريحات نائب رئيس الوزراء الإيطالي بقوله «التهديدات لا تنفع مع الاتحاد الأوروبي». لكن جسامة التحدي الإيطالي الذي لا سابقة له في تاريخ الاتحاد، من شأنها أن تُحدِث شرخاً كبيراً في البنيان الأوروبي التي تظهر عليه بوادر التصدّع منذ سنوات بفعل الأزمات المالية والسياسية المتعاقبة، رغم أن الاعتقاد السائد في بروكسل هو أن المواجهة مع روما لن تتجاوز حدود التصعيد في التصريحات. ولا يغيب عن بروكسل أن الوضع السياسي داخل الحكومة الإيطالية هو الذي يملي هذا التنافس بين نائبي رئيس الوزراء، وزير الداخلية زعيم رابطة الشمال وزعيم حركة النجوم الخمس وزير البنى التحتية، على المزايدة في ملفّ المهاجرين الذي أصبح الحصان الرابح في المعارك الانتخابية بلا منازع.
وبينما كان سالفيني يعلن في تغريدة أخرى أمس «إما أن تباشر أوروبا بالدفاع عن حدودها وتتقاسم المهاجرين الذين يدخلون إليها بصورة غير شرعية، أو سنضطر إلى إعادتهم إلى الموانئ التي انطلقوا منها». وصرّح دي مايو قائلاً «ما لم تتوصّل المفوضية الأوروبية إلى حل في الساعات القليلة المقبلة، سنتوقف عن سداد اشتراكنا السنوي في ميزانية الاتحاد الأوروبي والبالغ 20 مليار يورو».
وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات بين إيطاليا والاتحاد الأوروبي دخلت في مرحلة من التوتر المتصاعد منذ تشكيل الحكومة الجديدة مطلع يونيو (حزيران) الماضي، يرجّح أن يرتفع منسوبه في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل عندما يفترض أن تعطي بروكسل الضوء الأخضر لمشروع الموازنة الإيطالية.
ولفتت التصريحات غير الدبلوماسية التي أدلى بها رئيس الحكومة جيوزيبي كونتي عندما تساءل «ما الذي تنتظره بروكسل للتدخل كي نباشر بتوزيع المهاجرين؟»، علما بأن دور المفوضّية تنسيقي بين الدول الأعضاء التي يعود لها قرار استقبال المهاجرين. في غضون ذلك تفاقم الوضع على متن السفينة الراسية منذ ستة أيام في كاتانيا، بعد أن أعلن المهاجرون على متنها إضراباً مفتوحاً عن الطعام، مطالبين بحل سريع لوضعهم والسماح لهم بالنزول إلى اليابسة.
وكان سالفيني، نسجاً على منواله المعهود بالبحث عن حلول سهلة لمشكلات معقدة، قد أعلن أنه «يكفي وصول طائرة من أي مطار أوروبي إلى كاتانيا لنقل المهاجرين من السفينة، مما يسمح لأوروبا بممارسة هوايتها المفضلة باستقبال المرشحين لطلب اللجوء». وعلى غير عادتها، ردّت المفوضية الأوروبية بالقول «الاتحاد الأوروبي منظمة تقوم على قواعد وقوانين وليس على التهديدات».
وفي سياق متصل قال المستشار النمساوي سيباستيان كورتز إن بلاده تحتاج إلى تحقيق أقصى استفادة من رئاستها الدورية الحالية للاتحاد الأوروبي، من أجل الحد من التوترات في أنحاء أوروبا، مشيرا إلى أن الحد من الهجرة سيعزز الروابط بين الدول الأوروبية. وأضاف كورتز أمام نحو ثلاثة آلاف عضو من أعضاء الحزب المسيحي الديمقراطي الألماني، الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، خلال تجمع في ولاية تورينجيا شرقي ألمانيا، إن النمسا لديها فرصة جيدة لتعزيز
العلاقات بسبب موقعها في وسط أوروبا وعلاقاتها مع أوروبا الشرقية. وقال، كما نقلت عنه الوكالة الألمانية، إن أحد أسباب تمزق أوروبا يتمثل في التدفق واسع النطاق للمهاجرين خلال السنوات القلائل الماضية، حيث تسبب ذلك في فرض ضغوط على قدرة كثير من الدول على استيعاب هؤلاء المهاجرين، فضلا عما تسبب فيه ذلك من مشاحنات بين الجماعات المؤيدة والمناهضة للهجرة. وساعدت قمة بشأن الهجرة كان كورتز قد نظمها في يونيو (حزيران) الماضي على تحديد «اتجاه» جديد في أوروبا، مشيرا إلى أن «الناس بدأوا يفكرون الآن في الوضع بشكل مختلف»، مضيفاً أن التركيز ينصب حاليا على تعزيز الوكالة المشتركة لحماية الحدود في الاتحاد الأوروبي (فرونتكس).
كما تُبذل جهود لدعم اليونان وإيطاليا، اللتان تستقبلان الجزء الأكبر من المهاجرين الوافدين، وكثيراً ما شعرت الدولتان بأنهما تم التخلي عنهما من جانب بقية أوروبا. وقال كورتز: «نرى الآن أن عددا أقل من الناس يسلكون هذا المسار. سنجد طريقة لإنهاء الموت» في إشارة إلى الأعداد الكبيرة من المهاجرين الذين يموتون في معابر البحر المتوسط الخطيرة. ويدعو كورتز، 31 عاما، وهو من التيار المحافظ وواحد من أبرز دعاة مكافحة الهجرة إلى أوروبا، إلى تعزيز أمن الحدود في الوقت الذي يصارع فيه الاتحاد الأوروبي مع استمرار وصول المهاجرين.