مطبخ بيكاسو... 200 لوحة تستكشف علاقة الفنان الأسباني بالطعام

زائر للمعرض يلتقط صورة لإحدى اللوحات (غيتي)
زائر للمعرض يلتقط صورة لإحدى اللوحات (غيتي)
TT

مطبخ بيكاسو... 200 لوحة تستكشف علاقة الفنان الأسباني بالطعام

زائر للمعرض يلتقط صورة لإحدى اللوحات (غيتي)
زائر للمعرض يلتقط صورة لإحدى اللوحات (غيتي)

يقول فران آدريا، ألمع الطهاة الإسبان وأوسعهم شهرة على الصعيد العالمي، «الأكل هو أول نشاط قام به الإنسان منذ نحو ثلاثة ملايين سنة، عندما استخدم حجراً ليقطع به جلد حيوان ليأخذ من لحمه ويسد به جوعه. ذلك كان طبخ الضرورة. ثم جاء بعده طبخ المتعة واللذة، رغم أن مليار إنسان ما زالوا ينامون على جوعهم كل ليلة. المرحلة الثالثة تحول فيها الطعام إلى نشاط اجتماعي، وفي الرابعة دخل عالم التذوق الذي مهد للمرحلة الراهنة: مرحلة التأمل والاختبار».
منذ سنوات افتتح آدريا مطعمه ذائع الصيت عالمياً El Bulli على مقربة من برشلونة، تعاونه كوكبة من الطهاة الشباب البارعين والشغوفين بإطلاق الأفكار الجديدة في عالم الطهي. كان المطعم يفتح أبوابه للجمهور ستة أشهر فقط في العام، ويخصص الأشهر الباقية لتجربة الأفكار والمذاقات المبتكرة. وكان عندما يعلن عن بدء الحجوزات أمام الزبائن، لا ينقضي يومان أو ثلاثة حتى يكون باب الحجز قد أُقفل إلى نهاية الموسم، رغم أن تكلفة الوجبة للفرد تتجاوز 400 دولار.
لكن رغم انقطاعه عن الطهي في مطاعمه منذ ثلاث سنوات، يواصل آدريا نشاطه في مجال التجارب والاختبار والتأليف ونشر أفكاره الرائدة ونتائج بحوثه، وقد اختارته الـ«نيويورك تايمز» أفضل الطهاة في العالم لسنتين متتاليتين. آخر أنشطته كان بالتعاون مع متحف الرسام الإسباني بابلو بيكاسو في مدينة برشلونة، حيث ينظم معرضاً بعنوان «مطبخ بيكاسو» يضم 200 لوحة ورسماً وقطعاً خزفية للعبقري الذي شهد النور في مدينة مالقة الأندلسية وقلب معايير الرسم في العالم. ويحاول آدريا من خلال هذا المعرض: «الاقتراب من الفلسفة الإبداعية لبيكاسو عبر الأعمال الكثيرة التي تركها ولها علاقة بالطعام»، ويقول: «الطعام هو اللغة الأكثر تعقيداً، لكنها لم تحظ بالدراسة الكافية. في الطعام نستخدم كل حواسنا: النظر والذوق والشم والسمع. هذه الحاسة الأخيرة لم تأخذ حصتها من الاهتمام، رغم أن الأحاديث حول المائدة مهمة جدا. أما حاسة النظر فليست مهمة في الطعام، بل غالباً ما تلعب دوراً تمويهياً يغطي العيوب أو يحجب المزايا». ثم يجزم قائلاً: «من الأفضل ألا نرى ماذا نأكل. النظر غشاش في الأكل».
ويلقى هذا المعرض نجاحاً كبيراً بين الزوار الذين يقفون فترات طويلة في الطوابير لمشاهدته، مما دفع بإدارة المتحف إلى تمديده حتى أواخر العام بعد أن كان مبرمجاً حتى نهاية الشهر المقبل.
وينكب آدريا حالياً على إعداد موسوعة عن الطبخ يشتق عنوانها من اسم مطعمه الشهير Bullipedia تتضمن الأطباق والحلويات والمذاقات التي خرجت من «مختبره» طوال عشر سنوات.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.