مأساة الليبيين أمام «مصارف السيولة»... مشادات وزحام وقتل بالرصاص

لم يستطع الليبي مسعود أبو فراس، لجم غضبه، وهو يصطف منتصف طابور طويل أمام مصرف الوحدة في مدينة أجدابيا (160 كيلومتراً جنوب مدينة بنغازي) للحصول على حصة من السيولة النقدية، مكيلاً الاتهامات والانتقادات لحكومة «الوفاق الوطني» غرب البلاد، وقال: «أنا الشيبة كبير السن... أقف من بعد صلاة الفجر لأحجز دوري أمام شباك البنك لأخذ جزء من معاشي، وها نحن قاربنا على الظهر».
حالة أبو فراس، الذي يقترب من السبعين، تمثل آلاف الليبيين، الذين يتوافدون على المصارف التجارية، في عموم البلد الغني بالنفط، للحصول على سيولة مالية، قُبيل أيام قليلة من عيد الأضحى، وهي الأوضاع التي تعيشها ليبيا من قرابة سنين، لكنها بحسب وصف أبو فراس، «تزداد صعوبة وقساوة».
وأضاف أبو فراس، في اتصال تليفوني مع «الشرق الأوسط»، «الناس تعبت من كثرة الانتظار أمام المصرف، على أمل أن تصل إلى شباك الصرّاف... أقف هنا منذ 9 ساعات وقد تعبت جداً من شدة الزحام والتدافع»، متابعاً: «بالأمس سقط مختار الشريف، ونقلوه إلى مستشفى الشهيد أمحمد المقريف، والأطباء قالوا إنه أصيب بجلطة... ومات».
ولفت الشيخ المُسن، الذي قال إنه «يُنفق على أسرة من 3 أفراد، بعد فقد اثنين من أولاده في اشتباك مسلح عام 2014»، إلى أن حكومة الوفاق في طرابلس تتحمل مسؤولية هي الأخرى في هذه الأزمة التي يعيشها هو وكثيرون من مدينته.
وسبق لمصرف ليبيا المركزي تخصيص 390 مليون دينار تحت بند السيولة المخصصة لفروع المصارف التجارية بالمنطقة الشرقية بمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك، على أن يبدأ الصرف للمواطنين في الثاني عشر من أغسطس (آب) الحالي، حسب ظروف النقل للفروع.
وقال الرئيس السابق لسوق الأوراق المالية في ليبيا سليمان الشحومي، «ما يحدث أمام البنوك مخجل لنا جميعاً»، مضيفاً أن الصور والفيديوهات للمواطنين وهم ينتظرون أمام المصارف «تعكس واقعاً مؤلماً».
وحذر الشحومي، عبر حسابه على «فيسبوك»، من أنه «إذا استمر تردد البنك المركزي والحكومة في إخراج البلد من أزمة السيولة عبر إطلاق برنامج الإصلاح المتعطل، فسيكون القادم خارج السيطرة حتماً».
غير أن المأساة التي نقلها الرجل السبعيني أبو فراس، تكررت أمام مصارف ليبية عدة، الأسبوع الحالي، بشكل أشد قسوة، وتناقلت الميديا مقتل شاب ليبي في العشرين من عمره بطلق ناري، وهو ينتظر دوره في طابور أمام أحد المصارف في منطقة وادي الربيع، شرق العاصمة طرابلس، بالإضافة إلى مقاطع فيديو لسيدات يفترش الأرض انتظاراً لدورهن في صرف الرواتب والمعاشات، وسط زحام ومشادات كلامية وصلت إلى التدافع الشديد.
ووجه المواطن مُسعف الوليد، تحذيراً لحكومة «الوفاق الوطني» برئاسة فائز السراج، وقال: «تنبهوا لغضب منتظري السيولة أمام المصارف للحصول على قدر من رواتبهم للإنفاق على أسرهم قبل العيد».
وكان المصرف المركزي في طرابلس سعى لاحتواء أزمة نقص السيولة، وأمر نهاية الشهر الماضي، بتوزيع سيولة نقدية 374 مليون دينار، لشهري يوليو (تموز) وأغسطس على فروع عدد من المصارف.
وتتراوح قيمة سحب ‏السيولة في بعض المصارف من 400 إلى 1000 دينار، وتعاني غالبية البنوك نقصاً حاداً في السيولة، مما أثر سلباً على الأوضاع المعيشية، وتردي الخدمات في المدينة، ولجوء عدد من المحال التجارية إلى التعامل بالصكوك المصدقة مع المواطنين لتخفيف العبء عليهم.
في سياق قريب، قال الخبير الاقتصادي الليبي سليمان الشحومي إن المجلس الأعلى للدولة يلمّح عبر رئيسه (خالد المشري) في رسالة للمجلس الرئاسي إلى مشروعية فرض رسوم على بيع العملة، ويستعين في ذلك بقانون يعطي الحق للجنة الشعبية العامة للشعبيات سابقاً بفرض رسوم للخدمات في نطاق الشعبيات.
وأضاف الشحومي، عبر حسابه على «فيسبوك»، أن «بيع العملة ليس خدمات»، مشيراً إلى أن التخريجة التي فسّر بها «الأعلى للدولة» فرض رسوم على بيع الدولار لا يمكن أن تصمد أمام المحاكم، وحتماً ليس عند المجلس الأعلى صلاحيات تفسير القوانين.
وانتهى الخبير الليبي قائلاً: «إذا أردنا أن ننجز إصلاحاً يستند إلى أسس سليمة لا بد أن يقود المصرف المركزي عملية التعديل بنفسه وعبر مجلس إدارته».