الجزائر: جدل حول «امتيازات» منحتها الحكومة لـ«التائبين عن الإرهاب»

TT

الجزائر: جدل حول «امتيازات» منحتها الحكومة لـ«التائبين عن الإرهاب»

احتج أمس بالجزائر مئات العساكر السابقين، على «تنكَر السلطات لأفضالنا على البلاد»، في إشارة إلى تعويضات مادية يطالبون بها على إثر إصابات خطيرة تعرضوا لها خلال فترة المواجهة مع الجماعات المسلحة. واستعان الجيش مطلع تسعينات القرن الماضي بآلاف الأشخاص ممن أنهوا الخدمة العسكرية؛ إذ استدعاهم من جديد وسلّحهم في سياق الحرب المعلنة آنذاك على الإرهاب. وانتشر في اليومين الماضيين عدد كبير من رجال الدرك بأسلحتهم وعرباتهم، بمحاور الطرقات السريعة عند مداخل العاصمة، بعد انتشار خبر تنقل عدد كبير من «مجندي التعبئة خلال العشرية السوداء» (فترة الاقتتال مع الإرهاب في تسعينات القرن الماضي)، إلى مقر وزارة الدفاع قادمين من ولايات عدة؛ للمطالبة بدمجهم في «قانون المصالحة».
وقال أحدهم، ينحدر من ولاية غليزان (غرب)، لـ«الشرق الأوسط»، «نطالب بتصنيفنا ضمن ضحايا الإرهاب، لنستفيد من منحة شهرية. أليس من الجحود أن تصرف الدولة أموالاً على أشخاص حملوا السلاح لإسقاطها، تحت عنوان المصالحة وعفا الله عما سلف، بينما يتم إقصاؤنا نحن الذين حاربنا الإرهابيين حفاظاً على الدولة، من حقنا في التعويض؟».
وصدر «قانون المصالحة» عام 2006، ويتضمن تدابير سياسية وقانونية لوضع حد لحرب أهلية خلّفت 150 ألف قتيل، ودماراً في البنية التحتية. وتقترح التدابير على الإرهابيين التخلي عن السلاح من دون شرط، مقابل إلغاء أحكام بالسجن (غالبيتها إعدام) صدرت ضدهم. ولا يتناول القانون رسمياً صرف أموال على «التائبين عن الإرهاب»، لكن صحفاً كتبت منذ سنوات، إن الحكومة ساعدت العشرات منهم على إطلاق مشروعات، في سياق مساعيها لإدماجهم في المجتمع من جديد. غير أن هذا المسعى يلقى معارضة شديدة من طرف فئات مصنّفة «ضحايا إرهاب» ممن يحتجون على «تفضيل الإرهابيين» عليهم، ومن بين هؤلاء «مجنّدو التعبئة» الذين اشتغلوا تحت أوامر الجيش، في عمليات عسكرية بمعاقل الإرهاب. ومنهم من قتل، وكثير منهم أصيب بعاهات مستديمة جراء الإصابة في اشتباكات مسلحة مع الإرهابيين.
وتم أمس وقف سيارات تنقل المحتجين بمدينة البليدة، عند مشارف العاصمة من الجهة الجنوبية. وبدا على هؤلاء الغضب والإرهاق، وقد كانوا يحملون في أيديهم ملفات طبية تثبت، حسب قولهم، عجزاً بدنياً عن العمل و«أحقية في إعانة الدولة». كما كانوا يريدون إيصال صوتهم إلى نائب وزير الدفاع قائد أركان الجيش الفريق قايد صالح، الذي سبق أن رفض استقبالهم. وجرى اعتقال بعضهم عندما حاولوا استعمال القوة لاختراق حواجز أمنية وضعها رجال الدرك، الذين تلقوا تعليمات صارمة بمنع الغاضبين من الوصول إلى مبنى وزارة الدفاع، الواقع بأعالي العاصمة.
واستحدث الجيش فصائل أمنية عدة باندلاع الإرهاب عام 1992 (على إثر إلغاء نتائج انتخابات البرلمان التي فازت فيها «الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، أهمها «الحرس البلدي» و«جماعات الدفاع الذاتي»)، ويتعلق الأمر بمدنيين تم تسليحهم لمحاربة الإرهاب، وهؤلاء أيضاً يحتجون على «الإقصاء من مزايا سياسة المصالحة»، وبخاصة المنح والأموال والمشروعات التي تضمنّتها سياسة التهدئة التي أطلقها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وقالت وزارة الدفاع في وقت سابق، عن «مجندي التعبئة»، إنهم «ينسبون أنفسهم إلى مستخدمي الجيش الوطني الشعبي، وقد انتهجوا للتعبير عن مطالبهم سلوكيات غير قانونية، محاولين بث مغالطات وزرع الشك وسط الرأي العام الوطني؛ إذ يقدّمون أنفسهم بصفتهم ضحايا هُضمت حقوقهم الاجتماعية والمادية ويستعملون الشارع وسيلة ضغط لفرض منطقهم». وأشارت إلى أنه «تم تسجيل وجود عناصر لا علاقة لها بمستخدمي الجيش؛ كونها تحاول إدراج مطالبها ضمن مطالب الفئات المعنية بالتعويض، في حين أنها تدخل ضمن فئة المشطوبين من صفوف الجيش لأسباب انضباطية وقضائية صدرت في حقهم أحكام نهائية».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».