بعد يوم من تحذيراتها... واشنطن تؤكد التزام العبادي بالعقوبات على إيران

بومبيو تحدث هاتفياً مع رئيس الوزراء العراقي... وبارزاني لتسريع تشكيل الحكومة

TT

بعد يوم من تحذيراتها... واشنطن تؤكد التزام العبادي بالعقوبات على إيران

في أول تعليق لها على الجدل الدائر هذه الأيام حول إمكانية التزام العراق بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية ضد إيران، أصدرت السفارة الأميركية في بغداد، أمس، توضيحاً، أكدت فيه التزام العراق بالعقوبات، وأنه «لا يوجد خرق». واعتبرت السفارة أن الطريقة التي نقلت بها وسائل الإعلام العراقية تصريحات أدلت بها المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر ناورت، أول من أمس، وقالت فيها إن منتهكي نظام العقوبات يمكن أن يخضعوا هم أنفسهم للعقوبات، غير دقيقة، وذلك في معرض ردها على سؤال بشأن موقف العراق من العقوبات ضد إيران. وذكرت السفارة في معرض توضيحها لتصريحات المتحدثة الأميركية في بيان أنه وبعد «مراجعة السؤال (للمتحدثة باسم البيت الأبيض) والجواب عن السؤال وبعد متابعة الموضوع مع نائب السفير، فتوضيح الموضوع هو كما يلي: في جوابها عن السؤال أشارت السيدة هذر إلى الجهود فيما يتعلق بحل القضايا العالقة بين حكومة إقليم كردستان وحكومة العراق».
وأضافت: «أما بخصوص الجزئية المتعلقة بالعقوبات على إيران، فقد قالت (هيذر ناورت) إن البلدان التي تخرق العقوبات ستتعرض للمساءلة، ونعلم أن العقوبات هي على التعامل بالدولار مع إيران، وأن دولة رئيس الوزراء حيدر العبادي قال إن العراق لن يتعامل بالدولار مع إيران». واستناداً إلى المعطيات الواردة، خلص بيان السفارة الأميركية إلى أن «العراق ملتزم و(لا يوجد خرق للعقوبات)». واعتبرت السفارة أن «الطريقة التي نقلت بها وسائل الإعلام العراقية هذا الخبر غير دقيقة».
في غضون ذلك، وبالتزامن مع التصريحات الأميركية، قال مدير عام العمليات المالية في البنك المركزي محمود داغر في تصريحات صحافية أمس، إن «التعامل بالدولار مع إيران محظور منذ زمن بعيد وليس الآن، ولم يتعامل البنك أو المنظومة المصرفية بالعراق مع إيران بالدولار ضمن التبادل التجارة الخارجية»، مؤكداً أن «جميع المصارف العراقية تخضع لرقابة صارمة، كما تخضع لمكتب غسل الأموال وجهات رقابية مختلفة».
من جهته، اعتبر جاسم محمد جعفر القيادي في حزب «الدعوة» الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء حيدر العبادي أن «الولايات المتحدة تريد أن تستبق الأحداث وتبعث رسائل تحذير إلى القيادة العراقية مفادها ضرورة التزامها بالعقوبات ضد إيران، وذلك ينطلق من معرفتها بتعدد الولاءات في بلد مثل العراق».
ويعترف جعفر في حديث لـ«الشرق الأوسط» بـ«جرس الإنذار الذي تلوح به الولايات المتحدة» لرئيس الوزراء حيدر العبادي، ويشير إلى أن الأخير «يواجه ضغوطاً كبيرة من الطرفين الأميركي والإيراني وهو في موقف لا يحسد عليه، كلاهما يطالبه بموقف منحاز بذريعة أنه قدّم له الكثير ودعمه أثناء الحرب ضد داعش».
وحول مواقف بقية الأحزاب والكتل السياسية من موضوع العقوبات ضد إيران وانفراد العبادي باتخاذ القرار، يرى جعفر أن «القوى السياسية تركت العبادي وحيداً في هذه المرحلة الصعبة، يبدو أن الجميع يبحث عن عثرة تطيح به حتى يتمكن من طرح البديل لرئاسة الوزراء، حتى إن تلك القوى تبدو اليوم وكأنها لا تنتمي إلى بلد اسمه العراق».
ويعتقد جعفر أن «العبادي لن يشترك في أي ظلم يتعرض له الشعب الإيراني، لكنه لا يريد التفريط بمصالح بلاده، أظن أنه قادر على تجاوز الأزمة ويمكنه أن يلعب دوراً في نزع فتيل أزمة العقوبات، لأن التصعيد الأميركي الإيراني لا يخدم العراق بأية حال».
بدوره، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة أن «بيان السفارة الأميركية في بغداد بشأن موقف العراق من العقوبات ضد إيران أكثر غموضاً بالنسبة لي من موقف المتحدثة باسم البيت الأبيض». ويقول العنبر لـ«الشرق الأوسط» إن «الغموض مقصود بتقديري ويقصد منه حث بغداد على الالتزام الكامل بالعقوبات، واتفق أنه جرس إنذار مبكر للعراق».
من جهة أخرى، أكد القيادي في ائتلاف «الفتح» الحشدي عامر الفايز، أمس، أن «تهديد الخارجية الأميركية للعراق حول الالتزام بالعقوبات الأميركية ضد إيران تدخل سافر في السياسة الخارجية».
وقال الفايز في تصريحات صحافية إن «الولايات المتحدة لم تصرح فيما يخص الاتحاد الأوروبي أو دول أخرى، وإنما خصت العراق في تصريحها لاستغلال ضعفه الحالي وهذا الأمر مرفوض». وفي سياق متصل، أجرى مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركية أمس اتصالاً هاتفياً مع حيدر العبادي رئيس وزراء العراق، ونيجيرفان برزاني رئيس وزراء إقليم كردستان، للتشديد على أهمية تشكيل حكومة عراقية جديدة معتدلة، وفقاً للجدول الزمني الدستوري والحوار العراقي، معرباً عن التقدم الذي أحرزه الجانبان في حل القضايا العالقة بين بغداد وأربيل، التي تستجيب لتوقعات الشعب العراقي.
وأكد بومبيو وفقاً لبيان صادر عن وزارة الخارجية الأميركية، على دعم الولايات المتحدة الأميركية المستمر للعراق، الذي يواصل محاربة القوات الإرهابية من خلال العمليات المشتركة ما بين القوات العراقية العسكرية والبيشمركة الكردية ضد «داعش»، لافتاً إلى أن واشنطن تساند العراق في سيادته وبناء قوته وازدهاره، ضمن الاتفاقية المبينة في الإطار الاستراتيجي الأميركي مع العراق، بيد أن الوزير بومبيو اكتفى بذلك من خلال البيان، ولم يُشِر إلى التصريحات التي أطلقها العبادي وأثارت استغراب الإدارة الأميركية.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.