إسلام آباد: تأثير محدود على تعليق واشنطن برنامج التدريب العسكري

TT

إسلام آباد: تأثير محدود على تعليق واشنطن برنامج التدريب العسكري

من المتوقع أن يكون لتوقف برنامج التربية والتدريب العسكري الدولي للجيش الباكستاني تأثير محدود في قدرته على شن حرب أو على تدريب ضباطه على فنون الحرب، بحسب مسؤول بالحكومة الباكستانية. وقد أبلغت الحكومة الأميركية نظيرتها الباكستانية أنها لن تستقبل الضباط الباكستانيين في معاهدها العسكرية العام المقبل. وكان أكثر من 66 ضابطاً بالجيش الباكستاني قد شاركوا في الدورة التدريبية بمعهد التدريب العسكري العام الماضي.
غير أن حالة من الجدل بأن برنامج التدريب العسكري الأميركي يخلق نوعاً من التواصل بل والتعاطف بين صانعي القرار السياسي الأميركي والقادة العسكريين الباكستانيين لا تزال قائمة في واشنطن. وعلى الجانب الآخر، يشعر المسؤولون الباكستانيون بالحيرة من فهم السبب الذي دفع بالإدارة الأميركية إلى تعليق تمويل برنامج التدريب العسكري. وأفاد المسؤولون الأميركيون بأن توقف البرنامج لن يكون له تأثير كبير على الجيش الباكستاني. وكان ويليام إيدوم الجنرال بالجيش الأميركي وعضو البعثة الدبلوماسية في باكستان أقنع الجنرال ضياء الحق بالانضمام إلى المعسكر الأميركي عام 1979 ليصبح جزءاً من الجهد الأميركي الهادف إلى توفير السلاح والتدريب والتمويل للمجاهدين الأفغان في صراعهم المسلح ضد الاتحاد السوفياتي. وكانت لهذا القرار الاستراتيجي تبعاته الأمنية الخطيرة على باكستان، حيث إنه عرضها للحنق السوفياتي من دون ضمانات أمنية من واشنطن. ولاحقاً، عام 1993، استدعي الجنرال إيدوم للوقوف أمام لجنة الكونغرس الأميركي لسؤاله عن سبب قبول الديكتاتور العسكري الباكستاني اتخاذ هذا القرار ذي التبعات الاستراتيجية الخطرة وبهذه السهولة. وفي شهادته أمام لجنة الكونغرس دعماً لاستمرار برنامج التدريب العسكري، قال الجنرال إيدوم: «لقد أظهرت العلاقات الأميركية - الباكستانية نوعاً آخر من النفوذ المرغوب من خلال برنامج التدريب العسكري الدولي عقب الغزو السوفياتي لأفغانستان. وقد تلقى الجنرال ضياء الحق النصح من وزير خارجيته للتقليل من عروض المساعدة الأميركية بهدف الوصول إلى حالة وفاق مع موسكو. ولأن الجنرال ضياء الحق حضر دورتين تدريبيتين أميركيتين، ولأنه كون صداقة وثيقة مع الأميركيين العاديين في غضون عامين، فقد مال ضياء الحق إلى الجهد الأميركي، وشعرت أنا شخصياً بتفضيله السياسة الأميركية بشأن أفغانستان، وكان لدي إحساس داخلي بأن تجربة برنامج التدريب العسكري الأميركي كانت عاملاً حاسماً في اتخاذ هذا القرار».
ولا يزال تمويل برنامج «التدريب العسكري الأميركي الدولي» يلقى قبول ومساندة عدد كبير من المسؤولين حتى خلال الفترة الثانية من إدارة أوباما. غير أن إدارة ترمب قررت إيقاف برنامج التدريب العسكري المقدم من الجيش الأميركي رغم أن مقاعد التدريب للضباط الباكستانيين ظلت محجوزة في الولايات المتحدة لأكثر من عقد كامل. لكن الضباط الباكستانيين أبلغوا من قبل الأكاديمية بأنها ستشغل مقاعدهم بطلاب من دول أخرى. وأعلنت إدارة ترمب بداية العام الحالي تعليقها المساعدات العسكرية لباكستان بسبب خلافات بشأن أفغانستان. وقد اكتسب برنامج التدريب العسكري الأميركي أهمية خاصة خلال الأيام الأولى للحرب على الإرهاب عقب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) التي استهدفت مدناً أميركية. في ذلك الوقت، دخل الجيش وأجهزة الاستخبارات الباكستانية في تحالف مع الجيش الأميركي، لتبدأ المؤسسات العسكرية في الدولتين في تنسيق الجهود لمحاربة الإرهاب على الحدود الأفغانية - الباكستانية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟