ليبيا: تحفيز أممي لنواب البرلمان قبل التصويت على استفتاء الدستور

اعتقال «إرهابيين» متورطين في إسقاط طائرة عسكرية

TT

ليبيا: تحفيز أممي لنواب البرلمان قبل التصويت على استفتاء الدستور

استبقت بعثة الأمم المتحدة الجلسة التي سيعقدها مجلس النواب الليبي اليوم بمقره في مدينة طبرق، بالترويج لتفاؤل بإمكانية تصويت أعضاء البرلمان على مشروع قانون الاستفتاء على الدستور الجديد للبلاد، فيما اعتبر عبد الله الثني رئيس الحكومة الموازية في الشرق، السفير الإيطالي لدى ليبيا جوزيبي بيروني، شخصا غير مرغوب فيه وطالب بإبعاده.
ونقلت البعثة الأممية عن عبد السلام نصية عضو مجلس النواب إعرابه لدى اجتماعه، مساء أول من أمس، بالعاصمة الليبية طرابلس مع غسان سلامة رئيس البعثة، عن «تفاؤله بأن يحسم البرلمان موضوع إصدار قانون للاستفتاء الشعبي علي الدستور الدائم للبلاد الذي كتب قبل عام». وأوضحت البعثة في بيان لها أن نصية قال خلال اللقاء، الذي حضرته ستيفاني ويليامز نائبة سلامة للشؤون السياسية، إن مجلس النواب «سيصوت على قانون الاستفتاء علي الدستور خلال الأسبوع القادم»، وأكد على أن «الأولوية بالنسبة لليبيا الآن هي إنجاز المسار الدستوري، وتوحيد المؤسسات والإعداد من أجل الانتخابات».
وبحسب البيان، فقد بحث الاجتماع «الإصلاحات الاقتصادية وسبل تحسين تقديم الخدمات إلى الشعب الليبي»، فيما أكد المجتمعون «أن الوضع السياسي والاقتصادي الحالي لم يعد يحتمل».
بدوره، رأى المبعوث الأممي أن «استعجال التوصل إلى حل، إلى دولة شرعية، موحدة، قادرة، محقة، عادلة، هو استعجال محق ومشروع». وقال مخاطبا الشباب الليبي، في بيان أمس: «أعتقد أنكم محقون في استعجال التوصل لحل سياسي يجعل من مؤسساتكم الوطنية تعمل كما يجب، تشرع، تنفذ، بحيث لا تكون كهرباء لا تضيء ولا سيولة مجمدة ولا خلافات من دون حل ولا بطالة ولا مشكلات أخرى تصيبكم كليبيين وتصيبكم أكثر كشباب».
من جانبه، قال بيان لفائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني إنه اتفق مع سفيرة كندا لدى ليبيا هيلاري أدامز، على «ضرورة توفر قاعدة دستورية سليمة لإجراء الانتخابات، وأهمية أن تكون الانتخابات البرلمانية والرئاسية متزامنة». لكن طلال الميهوب، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، أعرب في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» عن تشاؤمه «حيال إمكانية اكتمال النصاب القانوني اللازم للتصويت على مشروع الاستفتاء على الدستور الجديد». وقال: «سنرى مسألة النصاب. ونصية من حقه أن يتفاءل، لكن الواقع كما أعتقد سيكون مغايرا لهذا التفاؤل داخل قاعة اجتماعات البرلمان».
وكان البرلمان قد قرر تأجيل النقاش لمدة أسبوعين حول موضوع إصدار قانون الاستفتاء علي الدستور وإحالته إلى لجنة استشارية لإبداء الرأي في بعض التعديلات التي يطالب بها بعض أعضاء المجلس، خصوصا المحسوبين على الجيش الوطني وقائده المشير خليفة حفتر في شرق البلاد.
إلى ذلك، عدّ عبد الله الثني رئيس الحكومة الموازية في شرق ليبيا، السفير الإيطالي «غير مرغوب في تواجده داخل البلاد، ويجب عليه مغادرتها خلال 24 ساعة». وأضاف في تصريحات تلفزيونية، مساء أول من أمس، أن «ليبيا دولة ذات سيادة ولكن بسبب تخاذل رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج ونائبه أحمد معيتيق تطاول السفير الإيطالي على ليبيا وتدخل في شؤونها الداخلية، فلم تعد السيادة الوطنية مهمة لهما بقدر بقائهما على كرسي الحُكم».
وأشاد الثني بالمظاهرات التي شهدتها بعض المدن الليبية احتجاجا على تصريحات السفير الإيطالي وتدخل دولته، داعيا مجلس النواب إلى تقديم احتجاج رسمي للحكومة الإيطالية. وكان السفير الإيطالي قد تراجع أول من أمس عن تصريحاته المثيرة للجدل مؤخرا، وقال في بيان وزعته السفارة إنه لم يقصد المطالبة أبدا بتأجيل الانتخابات، لكنه قال إن «تحديد موعدها يخص الليبيين فقط».
على الصعيد العسكري، أعلنت قوات الجيش الوطني الليبي اعتقال 5 إرهابيين متهمين في عملية إسقاط طائرة مروحية عام 2014. وقال مكتب الإعلام التابع للجيش إن العميد صلاح هويدي مدير أمن بنغازي قدم لقائد الجيش المشير خليفة حفتر الذي استقبله بمكتبه في الرجمة خارج مدينة بنغازي بشرق البلاد، تقريرا بشأن إلقاء القبض على 5 إرهابيين قاموا في فبراير (شباط) عام 2014 باستهداف طائرة مروحية تابعة للقوات الجوية الليبية في أجواء الهلال النفطي.
وأدى هذا الهجوم الإرهابي إلى تحطم الطائرة واختفاء طاقمها المكون من 4 أفراد، حيث ظل لغز إسقاط المروحية العسكرية دون إجابة ولم يتم العثور على جثامين الطيارين.
من جهة أخرى، تحدثت مصادر عسكرية عن وقوع اشتباكات بين قوات المعارضة التشادية بقيادة تيمان أرديمي والجيش التشادي، شمالي تشاد على الحدود مع جنوب ليبيا، ما أدى إلى سقوط عدد غير معلوم من القتلى.
إلى ذلك، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة عن عودة 164 مهاجرا غير شرعي إلى بلادهم «طواعية» بالتعاون السلطات الليبية. وقال جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية التابع لوزارة الداخلية بحكومة السراج، إنه تم إعادة 10 مهاجرين جزائريين إلى بلادهم، مشيرا في بيان له إلى أنهم عادوا عبر مطار معيتيقة بالعاصمة طرابلس، مرورا بمطار تونس قرطاج، وصولا إلى مطار هواري بومدين بالعاصمة الجزائرية.
وبهذا، يكون عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين تمت إعادتهم إلى بلادهم من ليبيا قد تجاوز 10 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري، علما بأن المنظمة الدولية للهجرة قد نجحت في إعادة أكثر من 19 ألف مهاجر غير شرعي من ليبيا إلى بلدانهم الأصلية خلال العام الماضي، بينما تكتظ مراكز إيواء المهاجرين بآلاف المهاجرين، الذين أنقذتهم الأجهزة الأمنية الليبية في عرض البحر أو اعتقلتهم داخل البلاد.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.