ملّومي: تضافر جهود العازفين والمؤلفين سيخلق نهضة حقيقية لآلة العود

الفنان المغربي قال إنه سيقدم للجمهور السعودي مفردات فنّ راق يحترم تطلعاته في ثاني أيام العيد

إدريس الملومي
إدريس الملومي
TT

ملّومي: تضافر جهود العازفين والمؤلفين سيخلق نهضة حقيقية لآلة العود

إدريس الملومي
إدريس الملومي

يواصل الأغاديري «إدريس الملّومي» الفنان أو «شاعر العود» كما يصفه كثيرون عزفه... متجولاً بصحبة آلة العود... باحثاً باحتراق عن قصيدة مفقودة حاملاً في صدره «قلب شاعر» ليستطيع البوح بقصيدة على العود... المولود عام 1970، في أغادير المغربية، البيئة التي أثرت ذائقته ونمّت حسه الموسيقي، وتميّز بمهاراته الموسيقية ومواهبه الإبداعية المتنوعة، وسعى إلى صنع تجربته الخاصة لفتح آفاق واسعة من الحرية عبر آلته الموسيقية، يعكس هذا التطويع الناجح للآلات الوترية والأدوات الإيقاعية له تمكنه الأكاديمي ودرايته الواسعة لفنون الموسيقى، ما أهله ليصبح سفيرا فوق العادة لجيل جديد من المبدعين الموسيقيين المغاربة، الذين استطاعوا أن يفرضوا كفاءاتهم الفنية حيث أصبح الملومي فنانا ذائع الصيت وسط نخبة من المبدعين الموسيقيين من ذوي الصيت العالمي.
وأصبح من كوكبة المبدعين الذين يحتلون مكانة مرموقة في قلوب عشاق الفن الراقي والرفيع، حاملا آلة العود الموسيقية، التي أعطاها صادق عشقه، وعميق مشاعره، لتمنحه فيضا عارما من الحب الذي يعكسه التجاوب الجماهيري الذي يلقاه في كل مرة يحيي فيها سهرة فنية، وهنا على أرض المملكة التي أشاد الملومي فيها بـ«مداح» و«عبادي الجوهر» يلتقي محبيه ليؤلف بين الخشب والجلد، والأنغام والموجات، والنقر والقرع، ليضع محبيه في عالم خاص من السحر الموسيقي، الذي يجمع بين روعة العود وحيوية الدفوف، ويأتي هذا الحوار ليعبر عن تجربة إدريس ملّومي ومسيرته مع «العود».

يطل الموسيقار العالمي إدريس الملّومي، في ثاني أيام أعياد الأضحى المبارك، على مسرح مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» في الظهران، حيث يستعد الملّومي الحائز على عدة جوائز، من ضمنها جائزة «زرياب المهارات» عام 2011، التي منحها المجلس الوطني للموسيقى التابع لليونيسكو، إضافة إلى لقب «فارس للفنون والآداب» عام 2016، من قِبَل وزارة الثقافة الفرنسية، ويهدف المركز من خلال إقامة هذه الفعالية إلى تأكيد العلاقة الوطيدة بين الأذن العربية وأوتار العود وإلى تقديم أسماء مميزة وجديدة للمتلقي السعودي.
> كيف استطعت دمج العود مع الآلات الموسيقية الأجنبية؟
- أنا ممن يعتقدون أن الآلة الموسيقية لا تقول سوى ما يمليه عليها الموسيقي، هامش الخداع غير وارد بين الاثنين، والتواصل والحوار بين الآلات الموسيقية تمرين قديم بقدم الإنسان، والآلة الموسيقية بشكل عام ترفض الاحتكار ولا تعترف بالقصور الموسيقي.
إن المسؤول الأول عن محدودية الفعل الموسيقي بالكتابة والتأليف والعزف، هو الموسيقي نفسه وليس الآلة وإلا كيف نفسر السفر الناجح لآلة الكمان بين مختلف الثقافات الإنسانية؟ وكيف السبيل لتعليل صمود آلات القيثارة أو الكلارنيط أو البيانو... أمام فكرة الاختلاف الموسيقي؟
إن الالتقاء بين الآلات مسألة طبيعية بالنسبة إلي ولا أستشير أي انتماء تعسفي بعملية الكتابة بأعمالي، فأنا أكتب وأعزف أفكاراً وليس أصواتاً، وبالتالي اختيار الآلات محسوم بفكرة الموضوع.
إذن أنا أعطي الكلمة للنداء الداخلي في فكرة الموضوع بغض النظر عن الأدوات التي سأستعملها للترجمة أو للعزف، وأعتز وأفتخر لكون عودي جاور آلات موسيقية متعددة حول العالم، ويعد هذا التعدد مصدر غنى لي، وليس تهجيناً لثقافتي أو لهويتي، فإن هنالك توافقا وتعايشا جميلا بين الآلات الموسيقية، وينبغي على المؤلف أن ينجح في حمايتها من خلال كتاباته.
> ما التأثير الذي أحدثه دخول آلة العود مع الموسيقى الأجنبية على الجمهور؟
- إن الموسيقى فعل جمالي ينتصر للحظات تسمو بكتلة الأحاسيس والانفعالات، حيث يعد انخراط «العود» في الكتابات الموسيقية الخارجة عن المألوف، مسألة غير حديثة وقد نجح العود في غالبية مواعيده في خلق جمهور واسع عبر العالم، منهم من يكتشف العود لأول مرة ومنهم من كان يعرفه ويكتشف وجهاً جديداً لهذه الآلة، وقدرتها الهائلة على الذهاب بعيداً بمجال الكتابة والعزف، ومنهم من يزداد إيماناً ويقيناً بكون هذه الآلة العظيمة لا تقل عن أي آلة عظيمة أخرى.
بتجربتي، هناك جمهور عالمي غير قليل يبحث ويسأل ويترقب لحظات نتقاسم فيها انتباهاً جماعياً، لنبل وعظمة هذه الآلة، وهناك أيضاً جمهور غير فكرته عن العود واكتشف عوداً آخر خارج المعتاد والمكرّس.
> نعلم أن العود الذي تعزف عليه مصنوع من خشب مأخوذ من مناطق متعددة حول العالم، حدثنا عن قصته.
- أنا أتجوّل كثيراً حول العالم مع عودي وأعمالي وأفكاري الموسيقية، ومن الطبيعي أن يترجم عودي تصوراتي على مستوى البنية أو المكونات أو الأجزاء، ولدي أعواد متعددة لكن العود الذي أقدم به عمل «مكان» موضوع الحفلات الحالية، هو عود مشكّل من أجزاء جمعتها من مناطق مختلفة تجمعها فكرة البحث بالمقاسات وطبيعة الصوت والدوزان والرنين، حيث إن علاقاتي ساعدتني في ذلك مع صناع آلات موسيقية عبر العالم، لكن صناعة عودي مغربية من صنع الراحل «عبد الله موريد» رحمة الله عليه، عندما كنا نناقش المقاسات، ونوعية الخشب، والأوتار، وكان يطلب مني أن أحضر له خشباً من بلد محدد أو من منطقة أخرى، حتى أصبح عوداً يختزل أسفاراً ونقاشات وحكايات من حول العالم.
> كيف كانت تجربة العزف مع أشهر الموسيقيين العالميين؟
- مند أعمالي الأولى وأنا أبحث عن مسافة إيجابية مع تراثي وثقافتي وهويتي وأشيائي الإبداعية، وليس سهلاً أن تضع عودك بتحديات الجدال والحوار والنقاش، وأشكر عودي كثيراً على تحمل عناء السفر والهم الجميل الذي تقاسمه معي، والذي مكنّني من تقاسم الخشبة مع أسماء عالمية خالدة كالمايسترو العالمي الإسباني «جوردي سافال»، والنجم الهندي عازف السلاي قيتار «ديباشيش ديباتشاريا»، وغيرهما من الأسماء الشهيرة، بالإضافة إلى أبرز الأسماء العربية: «شربل روحانا»، و«مسلم رحال»، و«وعد بوحسون»، و«عمر بشير».
قد يعتقد البعض أن الجوائز والتقديرات التي منحت لنا ولتجربتنا أهم ما في الأمر، وقد يعتقد البعض أن الترشيحات من قبل «جائزة زرياب» للمهارات أو «أحسن فنان» أو حتى «الوسام الشرفي من درجة فارس للفنون ولآداب للجمهورية الفرنسية»، وغيرها من الترشيحات قد تخفف من ثقل المسؤولية، لكننّي أقول إن تقدير الناس واحترام الجمهور أقوى وأعمق.
> باعتقادك، هل ترى أن نهضة العود مشرقية أم مغربية؟
- أعتقد أن تضافر جهود جميع الفنانين والعازفين والمؤلفين هو الكفيل بخلق حالة نهضة حقيقة لهذه الآلة العظيمة التي استمر إشعاعها، ولا يزال منذ قرون.
وعلى الصعيد الشخصي، أشعر بالفخر حين أستمع لهذا التعدد من آلة العود الشرقي، والخليجي، والمغربي، وهو انتصار حقيقي لشساعة خيال هذه الآلة، فحين أستمع لعود عبادي الجوهر مثلاً، أشعر بافتخار موضوعي، وحين أستمع للعود العراقي أو الكويتي فإنني أنتشي وأطرب، فإن لكل لون حضوره ورنينه الخاص.
ولا يجب علي أن أعزف مثل السنباطي أو فريد الأطرش، بل من الأفضل التنقل بين أعواد الوطن العربي التي هي مفخرتنا وغنانا بشكل يحترم خصوصيات كل جزء، وينبغي علينا خلق مساحات أوسع للتعرف واكتشاف بعضنا، فالعود بالوطن العربي غني ومتعدد، وهنا تكمن النهضة الحقيقية لهذه الآلة العظيمة، وكجواب حقيقي عن سؤال: هل نهضة العود مشرقية أم مغربية؟ فإني أقول: الاثنان معاً.
> كيف ترى المشهد الموسيقي في السعودية والتغييرات التي طرأت عليه؟
- إن المشهد الموسيقي العربي بشكل عام، يتميز بهيمنة الغناء والشعر الغنائي، وسيطرة الصوت البشري، حيث يعد هذا المفهوم متداولا عبر تاريخنا الموسيقي، سواءً بالمشرق أو المغرب أو بالمملكة العربية السعودية.
لقد قدمت لنا المملكة عبر التاريخ أصواتاً مهمة جداً وثراء غنيا بالنمط الغنائي البحري أو البدوي أو الصحراوي وغيرها من الأنماط المتنوعة، ولا أزعم أنني على دراية كافية بها، كفن المزمار، وفن الطنبورة، وفن المجرور، حيث إن المملكة قدمت لنا أيضاً أسماء مهمة في تاريخ الغناء، على سبيل المثال لا الحصر، الراحل طلال مداح، ومن أهم عازفي العود عبادي الجوهر.
وككل أجزاء الوطن العربي المعاصر، من المفترض أن يظهر غناء الهامش أو الشكل الموازي لفن الهيب هوب أو الراب أو ما نستطيع تسميته الأغنية البديلة، وأود أيضاً أن أشير إلى أهمية الدور المهم الذي تشكله.
> بما أنك تلقب بـ«شاعر العود» كيف ترى العلاقة بين فن الموسيقى وفن الشعر؟
- إن «الشعر» المنبع السخي للرقة والقوة والفرح والحزن والتأمل والانتشاء والأمل وكل تفاصيل الحياة، وبالنسبة إلي أرى أن أقرب مسافة بين الفنان وأدواته الإبداعية هي الشعر، والفلسفة، واللوحة، والصورة، ولكن للقصيدة مكانة خاصة، إن الشعر والموسيقى يتقاسمان غموضاً ضرورياً، ويلزمني قلب شاعر كي أستطيع البوح بقصيدة العود، فنحن «عودي وأنا» نبحث باحتراق عن قصيدة مفقودة، أو كما قال الشاعر: «أيها الأصدقاء لا تمروا قرب الحياة سدى... فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة».
> ماذا يعني أن يكون لإدريس الملومي حفلة موسيقية في المملكة العربية السعودية؟
- أن نعزف ونقدم أعمالنا الفنية لأول مرة للجمهور السعودي هو ذهاب جميل إلى خشبة المسرح لخلق حالة فنية جماعية راقية، هو ذهاب باتجاه لحظة انتشاء وتأمل وسمو، هو استنشاق هواء أرض عزيزة علينا واكتشاف تفاعل وجدل الفرح المشترك...
سافرنا وجلنا - عودي وأنا - بالقارات الخمس وأسعد كثيرا لاكتشاف الجمهور السعودي بأرضه وسمائه... شخصيا أثق بذوق ومكانة العود لدى المتلقي العربي، ولدي اليقين أن المتلقي السعودي يكرس لهذا التفاعل الراقي مع هذه الآلة العظيمة... فيها محمد عبده وطلال مداح وعبادي الجوهر وغيرهم من فنانين كبار يفرض على كل فنان أن يرتب أدواته الإبداعية باجتهاد ومثابرة حقيقية كي يكون بمستوى تطلعات جمهور تعود على أسماء وإبداعات شرّفت العود بمجد غامر...
نحن سنقدم تصورا آخر للعود واشتغالا آخر لعملية الإبداع بعالمه الفسيح.
سنحمل معنا أشياء الفرح والتأمل والعمق والسؤال وكل المحبة التي استطعنا إليها سبيلا... فشكرا لهذه الدعوة، وشكرا لهذا التشريف...
للجمهور السعودي، إذن، سنقدم مفردات فنّ راق يحترم تطلعاته وينتصر لمحبة جماعية راقية.



ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
TT

ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)

قبل أسابيع قليلة، شارك المغني ميشال رميح في المهرجان الفني اللبناني في ولاية أريزونا في أميركا. تردد رميح قبل الموافقة على هذه المشاركة. وجد نفسه محرجاً في الغناء على مسرح عالمي فيما لبنان كان يتألّم، ولكنه حزم أمره وقرر المضي بالأمر كونه سيمثّل وجه لبنان المضيء. كما أن جزءاً من ريع الحفل يعود إلى مساعدة النازحين. ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «كانت الحفلة الأولى لي التي أقيمها خلال هذه الحرب. وترددي جاء على خلفية مشاعري بالحزن على وطني».

خلال الحرب أصدر ميشال رميح أغنيته الوطنية «عم يوجعني بلدي». وقدّمها بصورة بسيطة مع عزف على البيانو، فلامست قلوب سامعيها بدفء كلماتها ولحنها النابع من حبّ الوطن. فهو كما ذكر لـ«الشرق الأوسط» كتبها ولحنها وسجّلها وصوّرها في ظرف يوم واحد. ويروي قصة ولادتها: «كنا نتناول طعام الغداء مع عائلتي وأهلي، ولم أتنبه لانفصالي التام عن الواقع. شردت في ألم لبنان ومعاناة شعبه. كنت أشعر بالتعب من الحرب كما كثيرين غيري في بلادي. والأسوأ هو أننا نتفرّج ولا قدرة لنا على فعل شيء».

ألّف رميح أغنيته "عم يوجعني بلدي" ولحّنها بلحظات قليلة (ميشال رميح)

وجعه هذا حضّه على الإمساك بقلمه، فكتب أحاسيسه في تلك اللحظة. «كل ما كتبته كان حقيقياً، وينبع من صميم قلبي. عشت هذا الوجع بحذافيره فخرجت الكلمات تحمل الحزن والأمل معاً».

يقول إنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل، ولذلك آثر تمرير ومضات رجاء تلونها. وجعه الحقيقي الذي كان يعيشه لم يمنعه من التحلي بالصبر والأمل. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «في النهاية سنقوم من جديد؛ كوننا شعباً صلباً لا تشّلنا الأزمات. والفنان صاحب الأحاسيس المرهفة لا يمكنه أن يفرّق بين وجهة سياسية وأخرى، ولا بين طائفة وأخرى ينتمي إليها هذا الشخص أو ذاك. فما أعرفه جيداً هو أننا جميعنا لبنانيون، ولذلك علينا التوحّد ومساعدة بعضنا البعض. رؤية أبناء بلدي يهجرون منازلهم وقراهم المدمّرة، لامستني عن قرب، فولدت أغنيتي (عم يوجعني بلدي)؛ لأني بالفعل عشت ألماً حقيقياً مع نفسي».

حفرت في ذاكرة ميشال رميح مشاهد عدة مؤثّرة عن لبنان المهجّر والمدمّر، كما يقول. «لن أنسى ذلك المسنّ الذي بكى خسارته لزوجته وبيته معاً. اليوم لا يجد مكاناً يؤويه، كما يفتقد شريكة حياته. وكذلك تعاطفت مع الأطفال والأولاد الذين لا ذنب لهم بحروب الكبار. فهؤلاء جميعاً أعتبرهم أهلي وإخوتي وأبنائي. كان لا بد أن تخرج مني كلمات أغنية، أصف فيها حالتي الحقيقية».

ميشال ابن زحلة، يقيم اليوم في أميركا. يقول: «هاجرت إلى هناك منذ زمن طويل. وفي كل مرة أعود بها إلى لبنان أشعر بعدم قدرتي على مغادرته. ولكن بسبب أطفالي اضطررت للسفر. وعندما أغادر مطار بيروت تمتلكني مشاعر الأسى والحزن. لم أرغب في ترك بلدي وهو يمرّ في محنة صعبة جداً. ولكن الظروف مرات تدفعنا للقيام بعكس رغباتنا، وهو ما حصل معي أخيراً».

يقول بأنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل (ميشال رميح)

صوّر ميشال أغنيته، وسجلها في الاستوديو، في الوقت نفسه. لم يرغب في أن تكون مصطنعة بمشهديتها بل أن تمثّل واقعاً يعيشه. «الأغنية ليست تجارية، كتبت كلماتها على قصاصة ورق صغيرة. وأنا أتوجّه إلى استوديو التسجيل قمت بتلحينها».

سبق وتعاون رميح في عدة أغنيات مع مجموعة شعراء وملحنين، ومن بينهم هيثم زيات وسليم عساف. ولكن في أغنية «عم يوجعني بلدي» ترك العنان لأحاسيسه، فلحّن وكتب وغنّى من هذا المنطلق. صديقه ريكاردو عازار تسلّم مهمة عزف اللحن على آلة البيانو. «لم أشأ أن ترافقها آلات وإيقاعات كثيرة لأنها أغنية دافئة ووطنية».

يعدّ رميح الأغنية الوطنية وجهة يجب أن يتحوّل إليها كل فنان تتملّكه أحاسيس حقيقية تجاه وطنه. ويستطرد: «هكذا أنا مغنٍ أستطيع أن أقاوم عندما بلدي يشهد مرحلة صعبة. لا أستطيع أن ألتزم الصمت تجاه ما يجري من اعتداءات على أرضه. ولأن كلمات الأغنية تنبع من رحم الواقع والمشاعر، لاقت انتشاراً كبيراً».

حتى أثناء مرور لبنان بأزمات سابقة لم يوفّر ميشال رميح الفرصة ليغني له. «أثناء ثورة أكتوبر (تشرين الأول) وانفجار المرفأ غنيّت لبنان بأسلوبي وعلى طريقتي. وتركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي. غنيت (شعب لبنان) يومها من ألحان هيثم زيات».

تركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي (ميشال رميح)

ينقل ميشال رميح حقيقة أحاسيس كل لبناني اضطر إلى هجرة وطنه. «قد يعتقد البعض أن من يعيش خارج لبنان وهو في أزمة، يتمتع بالراحة. هذا أمر خاطئ تماماً. فقد عصرني الألم وأنا أغادر وطني، وكلما حلّقت الطائرة وصغرت صورة لبنان من الأعلى، شعرت بحزن أكبر. جميع أبناء لبنان ممن أعرفهم هنا في أميركا يحزّ في قلبهم ابتعادهم عن وطنهم المجروح. ولكنهم جميعهم يأملون مثلي بالعودة القريبة إليه. وهو ما يزيد من صبرهم، لا سيما وأن أعمالهم وعائلاتهم تعيش في أميركا».

أغانٍ وطنية عديدة لفتت ميشال رميح أخيراً: «أرفع القبعة لكل فنان يغني لبنان المتألم. استمعت إلى أغانٍ عدة بينها لجوزف عطية (صلّوا لبيروت)، ولماجد موصللي (بيروت ست الدنيا)، وأخرى لهشام الحاج بعنوان (بيروت ما بتموت)، وكذلك واحدة أداها الوليد الحلاني (بعين السما محروس يا لبنان)». ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «أعتبر هذه الأغاني بمثابة غذاء الروح لوطني لبنان. لا شك أن ما أعنيه يأتي مجازياً؛ لأن لا شيء يعوّض خسارات بلدي. ولكن من ناحيتي أجد صوتي وأغنيتي هما سلاحي الذي أدافع فيه عن بلدي».

عندما غادر رميح لبنان منذ نحو الشهر كان في زيارته الثانية له بعد غياب. فحب الوطن زرعه في قلبه، ونما بداخله لا شعورياً. «لن أستسلم أبداً، وسأثابر على زيارة لبنان باستمرار، على أمل الإقامة فيه نهائياً وقريباً. فوالداي علّماني حب الوطن، وكانا دائماً يرويان لي أجمل الذكريات عنه. وأتمنى أن أشهد مثل هذه الذكريات كي أرويها بدوري لأولادي».