إيطاليا تكشف خطة أوروبية لتحقيق الاستقرار في جنوب ليبيا

حكومة السراج تحذر البلديات من الاجتماع بالسفراء الأجانب

TT

إيطاليا تكشف خطة أوروبية لتحقيق الاستقرار في جنوب ليبيا

كشفت إيطاليا على لسان وزير داخليتها ماتيو سالفيني النقاب عن وجود ما وصفته بـ«خطة أوروبية وإيطالية في جنوب ليبيا بهدف تحقيق الاستقرار» هناك، نافيةً أيَّ تدخل عسكري، في وقت انتقدت فيه حكومة الوفاق الليبية زيارة السفير الإيطالي جوزيبي بيروني السرية إلى بلدية الزنتان، كما طالبت لجنة تابعة للبرلمان في شرق البلاد بتغييره، وذلك على خلفية تصريحات صحافية مثيرة للجدل أدلى بها أخيراً.
وتزامنت هذه التطورات، مع تصريحات الدكتور وليد فارس، مستشار الشؤون الخارجية للرئيس الأميركي دونالد ترمب، إبان حملته الانتخابية، تحدث فيها عن تصاعد التوتر بين فرنسا وإيطاليا حول ليبيا. إذ نقل فارس في بيان مقتضب عن مصادر أن «إيطاليا تملك نفوذاً في غرب ليبيا مع حكومة السراج وميليشيات الإخوان المسلمين، بينما تدعم فرنسا الجيش الوطني الليبي، تحت قيادة المشير خليفة حفتر والبرلمان في طبرق».
من جانبه، كشف وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني، في تصريحات تلفزيونية أعاد سفيره لدى ليبيا نشرها عبر موقع «تويتر»، مساء أول من أمس، عن وجود خطة أوروبية وإيطالية في جنوب ليبيا «تهدف إلى المساعدة في جلب الاستقرار للبلاد، وليس هناك تدخل عسكري بأي شكل من الأشكال»، مكرراً مواقف بلاده الرافضة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا قبل نهاية العام الحالي. كما اعتبر أن الغرب «ليس بإمكانه تصدير نموذجه السياسي إلى الخارج، ولا تحديد توقيت إجراء انتخابات الآخرين».
بدورها، دعت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الليبي السلطات الإيطالية إلى تغيير سفيرها لدى ليبيا جوزيبي بيروني، ونددت بتصريحاته الأخيرة حول الانتخابات المقبلة، بعد أن أثارت موجة احتجاجات ومظاهرات في مختلف المدن، وعدتها تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي الليبي، ومساساً خطيراً بالسيادة الوطنية، وإهانة تستدعي تقديم الاعتذار.
وشددت اللجنة في بيان لها، أمس، على أن «السيادة الوطنية وخيارات الشعب الليبي بمثابة خط أحمر، ولن يتم السماح بالمساس بهما تحت أي ذريعة»، قبل أن تطالب بعثة الأمم المتحدة بأن يكون لها موقف حاسم إزاء هذه التدخلات.
من جهتها، طلبت حكومة الوفاق الوطني، التي يترأسها فائز السراج في خطاب وجهته وزارة الحكم المحلي لعمداء البلديات ورؤساء المجالس المحلية، ورؤساء المجالس التسييرية، إلى عدم التواصل أو عقد لقاءات مع المسؤولين في مكاتب الأمم المتحدة والسفارات الأجنبية والمؤسسات الأخرى وخارج الدولة دون التقيد بالأعراف الدبلوماسية.
واعتبرت الوزارة، في بيان لها، هو الأول من نوعه، أن «تلك التصرفات تشكل مساساً بسيادة الدولة وأمنها القومي».
لكن رغم توتر الأجواء مع إيطاليا بسبب تصريحات سفيرها لدى ليبيا، إلا أن السراج ناقش خلال اجتماعه مع مسؤولي شركة «إيني» الإيطالية مراحل تنفيذ الشركة لعدد من مشاريع قطاع الكهرباء، إضافة لإعادة تشغيل بعض الوحدات بالمحطات الكهربائية، بالتنسيق مع الشركة العامة للكهرباء.
ومن جهته، أعرب السفير الإيطالي عن أمله في أن تساعد زيارة فريق خبراء الشركة الإيطالية إلى ليبيا، واجتماعه مع السراج، ومسؤولي الشركة العامة للكهرباء على تخفيف معاناة المواطن الليبي، مشيراً إلى أن الاجتماع ناقش تنفيذ عدد من مشاريع قطاع الكهرباء بصورة سريعة، بالإضافة إلى إعادة تشغيل بعض الوحدات بالمحطات الكهربائية.
إلى ذلك، أعلن محمد بالتمر، رئيس مصلحة الأحوال المدنية في ليبيا، أنه يجري حالياً مراجعة ما وصفه بالسجلات الخاطئة في منظومة الرقم القومي وسجلات الناخبين، استعداداً لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المرتقبة في البلاد.
وكان بيان للمجلس الأعلى للدولة قد نقل بعد اجتماع رئيسه خالد المشري مع بالتمر، أول من أمس، أن المشري استفسر خلال اللقاء عن «موضوع التزوير في منظومة الرقم الوطني وسجل الناخبين»، مشيراً إلى أن بالتمر أكد أن «العمل جار على مراجعة ومعالجة السجلات الخاطئة في المنظومة»، قبل أن يوضح أن «هذا الأمر سيستغرق 20 أسبوعاً حتى يمكن القول إنها خالية تماماً من الأخطاء».
وكان محمود جبريل، رئيس تحالف القوي الوطنية، أكبر تجمع للأحزاب الليبرالية في ليبيا، قد كشف، الشهر الماضي، عن وجود تزوير في منظومة الرقم الوطني الليبية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.