كابيلا يتخلى عن رئاسة الكونغو الديمقراطية

اختار وزير داخليته السابق لخلافته في انتخابات ستكون عاصفة

كابيلا يتخلى عن رئاسة الكونغو الديمقراطية
TT

كابيلا يتخلى عن رئاسة الكونغو الديمقراطية

كابيلا يتخلى عن رئاسة الكونغو الديمقراطية

استسلم جوزيف كابيلا، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، للضغوط الداخلية والخارجية التي تسعى إلى منعه من الترشح لولاية رئاسية ثالثة في الانتخابات التي ستشهدها بلاده شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وأعلن المتحدث باسم الرئيس كابيلا أمس (الأربعاء)، أمام الصحافة المحلية والدولية، عدم ترشح الرئيس للانتخابات الرئاسية.
كابيلا الذي حكم الكونغو الديمقراطية خلال ولايتين رئاسيتين متتاليتين منذ 2001، عندما قرر الانصياع للدستور الذي يحدد عدد الولايات الرئاسية باثنتين، كان بذلك ينهي سنوات من الجدل حول مستقبله السياسي والغموض حول نيته البقاء في الحكم، في بلاد عرفت بأن عمليات التناوب على السلطة فيها دوماً تكون عنيفة ودامية.
ولكن كابيلا وهو ينصاع للدستور، قرر عدم الخروج من اللعبة بشكل كامل، وذلك من خلال اختيار «خليفة» سيكون هو مرشحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ يتعلق الأمر بوزير الداخلية السابق إيمانويل رامزاني شاداري، الذي قدم أمس أوراقه كمرشح عن الأغلبية الرئاسية للانتخابات المقبلة، وفق ما أكده المتحدث باسم الرئيس كابيلا أمام الصحافة في العاصمة كينشاسا.
وأوضح المتحدث باسم الرئيس كابيلا أن اختيار شاداري جاء نتيجة لسلسلة من المشاورات والمباحثات أجراها الرئيس جوزيف كابيلا خلال الأشهر الأخيرة، من أجل اختيار مرشح يكون محل إجماع داخل الأغلبية الرئاسية، ويعد شاداري واحداً من الشخصيات السياسية في الكونغو التي تعرضت لعقوبات من طرف الاتحاد الأوروبي العام الماضي بسبب تورطه في «خروقات ضد حقوق الإنسان». وغادر شاداري منصب وزير الداخلية في جمهورية الكونغو قبل عدة أشهر، ليتولى منصب الأمين الدائم للحزب الحاكم، فيما اتضح أنه تهيئة لتقديمه كمرشح للأغلبية الرئاسية، وهو المتورط في العديد من الملفات مع الرئيس المنتهية ولايته جوزيف كابيلا.
وحظي الضغط الداخلي في الكونغو بمساندة كبيرة من طرف كل من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، وقد لوحت الأخيرة بفرض عقوبات على كابيلا في حالة سعيه لولاية رئاسية ثالثة مخالفة للدستور، فيما كشفت تقارير إعلامية مؤخراً عن استعداد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لفرض «مزيد من العقوبات» ضد نظام كابيلا، في محاولة لإثنائه عن البقاء في السلطة.
وسبق أن فرضت الإدارة الأميركية عقوبات ضد نظام كابيلا، وذلك بشكل تصاعدي، فقد بدأت وزارة الخزانة الأميركية في يونيو (حزيران) من العام الماضي (2017) بفرض عقوبات على أحد كبار المسؤولين العسكريين في كينشاسا، وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي طالت العقوبات الأميركية دان جيرتلر، وهو رجل أعمال إسرائيلي وصديق مقرب للرئيس الكونغولي، وفي يونيو الماضي توسعت دائرة العقوبات الأميركية لتطال أحد أفراد عائلة كابيلا، وحالت دون حصوله على تأشيرة سفر للولايات المتحدة.
وتحظى جمهورية الكونغو الديمقراطية باهتمام كبير لدى القوى العالمية، بسبب امتلاكها العديد من المعادن الثمينة، بما في ذلك اليورانيوم، فضلا عن امتلاكها أكبر احتياطي للكوبالت في العالم، يتم استخدامه بشكل أساسي في صناعة الهواتف الجوالة، وتعتمد الصناعات الأميركية بشكل رئيسي على هذه المعادن، وفق تصريحات أدلى بها السفير الأميركي في الكونغو خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأميركي، كانت تناقش التطورات في هذه الدولة الأفريقية الفقيرة.
ويحكم كابيلا البالغ من العمر 47 عاماً، جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ عام 2001، بعد اغتيال والده لوران ديزيريه كابيلا خلال الحرب الأهلية التي اندلعت في البلاد التي تعد اليوم من بين أفقر الدول في العالم، ومنذ وراثته لحكم والده أصبح «كابيلا الشاب» واحداً من أقوى وأخطر الشخصيات في الكونغو، واستطاع أن يحكم البلاد بقبضة من حديد، رغم فشل سياساته الاقتصادية.
وأمام تزايد الضغط الدولي عليه للخروج من الحكم، رفض كابيلا الشهر الماضي أن يستقبل مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، وهي التي سبق أن التقت به نهاية العام الماضي ووجهت إليه «تحذيرات صريحة» من مغبة خرق الدستور من أجل البقاء في الحكم.
وفتح الباب أمام استقبال الترشحات للانتخابات الرئاسية منذ يوم 25 يوليو (تموز) الماضي، على أن تختتم أمس (الأربعاء) الثامن من أغسطس (آب) الجاري، وفي اللحظات الأخيرة قرر كابيلا عدم الترشح والدفع بمرشح من المقربين منه يريده خليفة له في القصر الرئاسي.
من جهة أخرى قال زعيم المعارضة مويس كاتومبي إن السلطات منعته من دخول الكونغو عن طريق الحدود البرية للبلاد مع زامبيا يوم الجمعة الماضي، لدى محاولته العودة من المنفى لتقديم أوراق ترشيحه في انتخابات الرئاسة، وهو الذي غادر الكونغو مايو (أيار) من عام 2016 بعد أن اتهمته الحكومة بالتآمر ضد الرئيس كابيلا، وحُكم عليه غيابياً بالسجن ثلاث سنوات بعد أن أدين بتهم فساد في مجال العقار، وهو الذي يعد ضمن أثرياء الكونغو.
وقال كاتومبي معلقاً على منعه من دخول البلاد: «جريمتي هي أنني أريد أن أدخل بلدي وأقدم ترشحي، بمحاولة منعي يريدون حرمان الشعب الكونغولي من انتخابات حقيقية، سأناضل».
من جهة أخرى كان تعامل السلطات في الكونغو مختلفاً جداً مع جان بيير بيمبا، الذي يعد أبرز منافس جدي للرئيس كابيلا، وهو أحد أمراء الحرب السابقين وسبق أن حل في المرتبة الثانية بعد كابيلا في الانتخابات الرئاسية التي نظمت عام 2006، ولكن بيمبا الذي سبق أن شغل منصب نائب رئيس جمهورية الكونغو ويوجد خارج البلاد منذ 11 عاماً، هبطت طائرته الخاصة في مطار كينشاسا تحت حماية الشرطة وتمكن من تقديم أوراق ترشحه للانتخابات.
وتمت تبرئة بيمبا من تهمة ارتكاب جرائم حرب في المحكمة الجنائية الدولية، وأطلق سراحه بعد قضاء عشر سنوات في السجن، ليتوجه منتصف شهر يونيو (حزيران) الماضي إلى عائلته في بلجيكا، قبل أن يعود نهاية الأسبوع الماضي إلى الكونغو ليدخل على الخط في هذه الانتخابات كمنافس جدي لخطط كابيلا الساعية لتوريث الحكم لوزير داخليته السابق.



بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
TT

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مباحثات هاتفية مع الرئيس السنغالي بشيرو ديوماي فاي، ناقشا خلالها الوضع الأمني في منطقة الساحل والصحراء، حيث يتصاعد خطر الجماعات الإرهابية، حسب ما أعلن الكرملين. وقال الكرملين في بيان صحافي، إن المباحثات جرت، الجمعة، بمبادرة من الرئيس السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل».

الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي (أ.ب)

الأمن والإرهاب

وتعاني دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، المحاذية للسنغال، من تصاعد خطر الجماعات الإرهابية منذ أكثر من عشر سنوات، ما أدخلها في دوامة من عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية المتتالية.

وتوجهت الأنظمة العسكرية الحاكمة في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، نحو التحالف مع روسيا التي أصبحت الشريك الأول لدول الساحل في مجال الحرب على الإرهاب، بدلاً من الحلفاء التقليديين؛ فرنسا والاتحاد الأوروبي.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (أ.ف.ب)

وبموجب ذلك، نشرت روسيا المئات من مقاتلي مجموعة (فاغنر) في دول الساحل لمساعدتها في مواجهة تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول، حصلت الأخيرة بموجبها على طائرات حربية ومعدات عسكرية متطورة ومسيرات.

ومع ذلك لا تزالُ الجماعات الإرهابية قادرة على شن هجمات عنيفة ودامية في منطقة الساحل، بل إنها في بعض الأحيان نجحت في إلحاق هزائم مدوية بمقاتلي «فاغنر»، وقتلت العشرات منهم في شمال مالي.

في هذا السياق، جاءت المكالمة الهاتفية بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، حيث قال الكرملين إن المباحثات كانت فرصة لنقاش «الوضع في منطقة الصحراء والساحل وغرب أفريقيا، على خلفية عدم الاستقرار المستمر هناك، الناجم عن أعمال الجماعات الإرهابية».

وتخشى السنغال توسع دائرة الأعمال الإرهابية من دولة مالي المجاورة لها لتطول أراضيها، كما سبق أن عبرت في كثير من المرات عن قلقها حيال وجود مقاتلي «فاغنر» بالقرب من حدودها مع دولة مالي.

الرئيس إيمانويل ماكرون مودعاً رئيس السنغال بشير ديوماي فاي على باب قصر الإليزيه (رويترز)

وفي تعليق على المباحثات، قال الرئيس السنغالي في تغريدة على منصة «إكس» إنها كانت «ثرية وودية للغاية»، مشيراً إلى أنه اتفق مع بوتين على «العمل معاً لتعزيز الشراكة الثنائية والسلام والاستقرار في منطقة الساحل، بما في ذلك الحفاظ على فضاء الإيكواس»، وذلك في إشارة إلى (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا)، وهي منظمة إقليمية تواجه أزمات داخلية بسبب تزايد النفوذ الروسي في غرب أفريقيا.

وكانت الدول المتحالفة مع روسيا (مالي والنيجر وبوركينا فاسو) قد جمدت عضويتها في المنظمة الإقليمية، واتهمتها بأنها لعبة في يد الفرنسيين يتحكمون فيها، وبدأت هذه الدول الثلاث، بدعم من موسكو، تشكيل منظمة إقليمية جديدة تحت اسم (تحالف دول الساحل)، هدفها الوقوف في وجه منظمة «إيكواس».

صورة جماعية لقادة دول مجموعة «إكواس» في أبوجا السبت (رويترز)

علاقات ودية

وفيما يزيد النفوذ الروسي من التوتر في غرب أفريقيا، لا تتوقف موسكو عن محاولة كسب حلفاء جدد، خاصة من بين الدول المحسوبة تقليدياً على فرنسا، والسنغال تعد واحدة من مراكز النفوذ الفرنسي التقليدي في غرب أفريقيا، حيث يعود تاريخ الوجود الفرنسي في السنغال إلى القرن السابع عشر الميلادي.

ولكن السنغال شهدت تغيرات جذرية خلال العام الحالي، حيث وصل إلى الحكم حزب «باستيف» المعارض، والذي يوصف بأنه شديد الراديكالية، ولديه مواقف غير ودية تجاه فرنسا، وعزز هذا الحزب من نفوذه بعد فوزه بأغلبية ساحقة في البرلمان هذا الأسبوع.

وفيما وصف بأنه رسالة ودية، قال الكرملين إن بوتين وديوماي فاي «تحدثا عن ضرورة تعزيز العلاقات الروسية السنغالية، وهي علاقات تقليدية تطبعها الودية، خاصة في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية».

ميليشيا «فاغنر» تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)

وأضاف بيان الكرملين أن الاتفاق تم على أهمية «تنفيذ مشاريع مشتركة واعدة في مجال الطاقة والنقل والزراعة، خاصة من خلال زيادة مشاركة الشركات الروسية في العمل مع الشركاء السنغاليين».

وفي ختام المباحثات، وجّه بوتين دعوة إلى ديوماي فاي لزيارة موسكو، وهو ما تمت الموافقة عليه، على أن تتم الزيارة مطلع العام المقبل، حسب ما أوردت وسائل إعلام محلية في السنغال.

وسبق أن زارت وزيرة الخارجية السنغالية ياسين فال، قبل عدة أشهر العاصمة الروسية موسكو، وأجرت مباحثات مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، حول قضايا تتعلق بمجالات بينها الطاقة والتكنولوجيا والتدريب والزراعة.

آثار الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين بدكار في 9 فبراير (رويترز)

حياد سنغالي

رغم العلاقة التقليدية القوية التي تربط السنغال بالغرب عموماً، وفرنسا على وجه الخصوص، فإن السنغال أعلنت اتخاذ موقف محايد من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وطلبت قبل أشهر من السفير الأوكراني مغادرة أراضيها، بعد أن أدلى بتصريحات اعترف فيها بدعم متمردين في شمال مالي، حين كانوا يخوضون معارك ضد الجيش المالي وقوات «فاغنر».

من جانب آخر، لا تزالُ فرنسا الشريك الاقتصادي الأول للسنغال، رغم تصاعد الخطاب الشعبي المعادي لفرنسا في الشارع السنغالي، ورفع العلم الروسي أكثر من مرة خلال المظاهرات السياسية الغاضبة في السنغال.

ومع ذلك، لا يزالُ حجم التبادل التجاري بين روسيا والسنغال ضعيفاً، حيث بلغت صادرات روسيا نحو السنغال 1.2 مليار دولار العام الماضي، وهو ما يمثل 8 في المائة من إجمالي صادرات روسيا نحو القارة الأفريقية، في المرتبة الثالثة بعد مصر (28 في المائة) والجزائر (20 في المائة). ولا يخفي المسؤولون الروس رغبتهم في تعزيز التبادل التجاري مع السنغال، بوصفه بوابة مهمة لدخول أسواق غرب أفريقيا.