العراق: تصدع في تحالف العبادي يعزز حظوظ العامري

انتهاء العد اليدوي يدخل جهود تشكيل الكتلة الأكبر في مرحلة الحسم

متجر أعيد فتحه مؤخرا في الموصل القديمة يمارس نشاطه أمس (إ.ب.أ)
متجر أعيد فتحه مؤخرا في الموصل القديمة يمارس نشاطه أمس (إ.ب.أ)
TT

العراق: تصدع في تحالف العبادي يعزز حظوظ العامري

متجر أعيد فتحه مؤخرا في الموصل القديمة يمارس نشاطه أمس (إ.ب.أ)
متجر أعيد فتحه مؤخرا في الموصل القديمة يمارس نشاطه أمس (إ.ب.أ)

فيما أعلنت مفوضية الانتخابات في العراق، التي يقودها قضاة منتدبون من قبل مجلس القضاء الأعلى، انتهاء العد والفرز اليدوي للأصوات في انتخابات مايو (أيار) الماضي في البلاد، يتوقع إعلان النتائج النهائية غدا بنسب تطابق تكاد تكون شاملة مع العد الإلكتروني عدا محافظتي صلاح الدين والأنبار.
وفي انتظار النتائج النهائية، أكد نعيم العبودي، القيادي في تحالف «الفتح» الذي يتزعمه هادي العامري الذي حل ثانيا بعد تحالف «سائرون» المدعوم من قبل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لـ«الشرق الأوسط» أن «الكتل السياسية وفي غضون الساعات الثماني والأربعين المقبلة سوف تكثف نشاطاتها من أجل حسم تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر والتي ترشح بدورها رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة المقبلة».
وفي وقت تباينت ردود فعل القوى والكتل السياسية حيال المواصفات التي حددتها المرجعية الشيعية العليا في النجف لشخص رئيس الوزراء المقبل والتي تتمثل في أن يكون «حازما وقويا وشجاعا» ومثلها شروط الصدر الأربعين فإن الحراك السياسي كان قد استمر طوال الشهور الثلاثة الماضية التي تلت إجراء الانتخابات على وقع الخلافات المعروفة بين الكتل مع اشتداد المنافسة بين جناحين داخل البيت الشيعي والذي باتت تمثله الكتل الخمس «سائرون والفتح والنصر ودولة القانون والحكمة»، حيث تمحور التنافس طوال الفترة الماضية بين «سائرون» و«النصر»، من جهة، و«الفتح» و«دولة القانون»، من جهة ثانية، فيما نأى تيار الحكمة بنفسه عن هذا التنافس جاعلا من نفسه بمثابة بيضة القبان التي ترجح في النهاية كفة أحد التحالفين.
وأفاد مصدر مطلع على سير المفاوضات لـ«الشرق الأوسط» بين الكتل بأن «المنافسة على منصب رئيس الوزراء تكاد من جهة تنحصر بين زعيم ائتلاف النصر حيدر العبادي وزعيم الفتح هادي العامري مع وجود منافسين آخرين لهما من داخل كتلهما ففيما ينافس فالح الفياض مستشار الأمن الوطني العبادي ضمن ائتلاف النصر لا يوجد منافس له من تحالف سائرون الذي يصر على البرنامج الحكومي وليس على اسم معين». وحسب المصدر «فإنه في الوقت الذي يبدو فيه العامري مرشح الفتح الوحيد فإن له منافسين من أقرب حليف له وهو دولة القانون الذي كثيرا ما بات يزج باسم طارق نجم بوصفه أحد المرشحين المحتملين في حال تم البحث عن مرشح تسوية».
ويضيف المصدر المطلع الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه أو هويته أن «التنافس بين العبادي والعامري داخل البيت الشيعي ترك المجال أمام ما يسمى الفضاء الوطني وهما الكرد والسنة يفرضون شروطهما للانضمام إلى أحد التحالفين لتكوين الكتلة الأكبر»، مبينا أن «كل من التحالفين نجح إلى حد كبير في شق صف البيتين السني والكردي اللذين يعانيان تصدعا واضحا من خلال الإغراء بالمناصب سواء كانت السيادية منها أم الوزارية والهيئات المستقلة والمواقع الأمنية والعسكرية».
إلى ذلك، كشف بيان وصف بأنه صادر عن عدد من قيادات النصر نشر أمس عن تصدع مفاجئ في ائتلاف النصر الذي يجيء بعد يوم واحد من اجتماع عقده تحالف العبادي أكد فيه التحالف تمسكه به بوصفه كمرشحه، بالإضافة إلى ما سبق أن أعلنه القيادي في النصر فالح الفياض أول من أمس من أن العبادي هو مرشح النصر الوحيد. لكن البيان الجديد الذي تقول مصادر مطلعة إنه يحمل تواقيع حزب «عطاء» بزعامة فالح الفياض و«بيارق الخير» الذي يقوده خالد العبيدي فضلا عن الحزب الإسلامي، وهم أبرز حلفاء العبادي، قال: «حرصا على وحدة العراق وسيادته واستجابة للمطالب الشعبية بالإصلاح واستجابة لتوجيهات المرجعية العليا بالإسراع بتشكيل الحكومة القادمة ترى قيادات من ائتلاف النصر أنها مع أوسع تمثيل للكتل المعنية باختيار المرشح لرئاسة الوزراء». كما رفض البيان «استبعاد أي طرف معني بذلك وستطلب هذه القيادات اجتماعا لائتلاف النصر للبت بهذا الشأن».
من جهته، قال العبودي، القيادي في تحالف الفتح إن الأخير «هو صاحب المبادرة بالانفتاح على الفضاء الوطني لأننا نرى أن هذا أمر في غاية الأهمية ولا نريد البقاء في دائرة من سيكون رئيس الوزراء المقبل»، مضيفا أن «هادي العامري هو مرشح الفتح الوحيد كما أن للكتل الأخرى مرشحيها لكننا نرى الآن أن على الكتل الشيعية الخمس ومعها الكتل السنية والكردية الجلوس على مائدة مفاوضات واحدة بسبب حراجة الوضع وخطورته».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.