إليسا تحتفل بالحياة في كليب «إلى كل اللي بيحبوني»

وثّقت فيه مشوارها الحقيقي مع السّرطان بالأيام والساعات

اللبنانيون على موعد مع إليسا في 10 أغسطس الجاري ضمن {مهرجانات أعياد بيروت}
اللبنانيون على موعد مع إليسا في 10 أغسطس الجاري ضمن {مهرجانات أعياد بيروت}
TT

إليسا تحتفل بالحياة في كليب «إلى كل اللي بيحبوني»

اللبنانيون على موعد مع إليسا في 10 أغسطس الجاري ضمن {مهرجانات أعياد بيروت}
اللبنانيون على موعد مع إليسا في 10 أغسطس الجاري ضمن {مهرجانات أعياد بيروت}

عندما غابت الفنانة إليسا عن الوعي في فبراير (شباط) الفائت، أثناء إحيائها حفلاً غنائياً في القرية العالمية في دبي، لم يجرؤ أحد على التفكير بأنّها مصابة بالسرطان. فمن شاهد مقطع الفيديو الذي جرى تداوله حينها على وسائل التّواصل الاجتماعي، يظهر وقوعها على خشبة المسرح، اعتقد أنّه مجرد «قطوع ومر». واكتفى محبوها حينها بما تناقلته بعض الصّحف بأنّه أغمي عليها بسبب تعرضها لإرهاق شديد ولارتفاع بضغط الدم، فغنت يومها لـ70 دقيقة بدلا من 90 دقيقة كما كان مقررا.
لكن إثر إطلاق إليسا أغنيتها الجديدة المصورة «إلى كل اللي بيحبوني» من ألبومها الجديد الذي يحمل العنوان نفسه، ربطوا الأحداث مع بعضها وتأكّدوا من صحة ما كشفته في الكليب الذي تحتفل فيه بالعودة إلى الحياة من مرض خبيث نال من صبرها وقوتها وصحتها. ولم تمر دقائق على إطلاقه حتى احتلت إليسا المرتبة الأولى في تراند «تويتر»، بعد أن روت فيه قصة معافاتها من مرض السرطان بعد عذاب معه دام لنحو سنة.
في البداية خيّل لعدد كبير من مشاهدي الكليب بأن الأمر لا يتعدى كونه فكرة خارجة عن المألوف قدمتها كعادتها صاحبة لقب «ملكة الإحساس» بالتعاون مع المخرجة إنجي جمال. فهي سبق وحققت نجاحاً منقطع النّظير معها في كليب أغنيتها السابقة «عكس اللي شايفينها». إلّا أنّهم وعندما دققوا في الكليب الذي يوثق مشوار إليسا مع المرض بالزمان والمكان أصيبوا بصدمتين. الأولى سلبية لحزنهم على معاناة مطربتهم المفضلة وحدها من دون علمهم، وأخرى إيجابية لانتصارها على المرض ومعافاتها تماماً منه، كما تشير مجريات الكليب.
وجاءت تغريدة إليسا عقب إطلاق عملها المصوّر الجديد الذي تتوجه فيه بالشكر إلى كل الذين ساندوها في مرضها وإلى جمهورها الذي ساهم بحبه لها بتمسكها بالحياة وعبر حسابها الخاص على صفحة «تويتر» ليؤكد الخبر ويمحو الشّك ويثبت اليقين. قالت إليسا: «لا يجب أن يدفعكم الكليب إلى البكاء بل هو سبب لجعلكم تبتسمون وتفرحون وتكونون ممتنين. نستطيع أن نحارب السرطان إذا تمكنّا من اكتشافه في مراحله الأولى. أحبّكم جميعاً».
ويتضمن الكليب ومدته نحو 7 دقائق، شريط حياة إليسا منذ تلقيها خبر إصابتها بالمرض مروراً بمواقف صعبة واجهتها بصلابة وقوة وصولاً إلى تعافيها منه. وحرصت مخرجة العمل إنجي جمال على استخدام مشاهد حقيقية من تلك المرحلة بالصوت والصورة، ممّا دفع بكثيرين ممن شاهدوه للتأثر وذرف الدموع. وتظهر في أولى لقطاته على أرجوحة حديثة ترتدي الأبيض وتدير ظهرها إلى الكاميرا فيتسلّل صوت ذكوري (نعرف لاحقا بأنّه الطبيب المعالج)، يعلمها بإصابتها بالمرحلة الأولى من المرض في 26 ديسمبر (كانون الأول) من عام 2017. ولتّطل بعدها متعبة على خلفية حديث لها في اتصال هاتفي مع المخرجة تحكي لها فيه عن شعورها بالإحباط والأسف لمجرد تفكيرها بأنّها لن تستطيع التواصل بعد اليوم مع من تحبهم ويحبونها فتقول: «إنو هيك فيه لحظة خلص انو مش رح كون موجودة بكرا»، في إشارة منها إلى حالتها الصحية الحرجة يمكن أن توصلها إلى الموت. وننتقل بعدها إلى منتصف شهر يناير (كانون الثاني) في مشهد يصورها مع الطبيب المعالج ودائما مع خلفية لصوتها المتهدج خلال اتصالها بإنجي تقول لها: «بتعرفي شو قللي الطبيب عندما صارحته بأوجاعي التي لا تحتمل؟ قللي أنت واحدة مجنونة لهلق منك مستوعبة إنك مصابة بمرض مميت، وعلى الرغم من ذلك تعيشين وكأنك مصابة بنزلة بردية، فلم تتكبدي عناء أخذ استراحة من عملك؟». وتتوالى أحداث كليب إليسا الذي يشعر مشاهده وعلى الرّغم من مدته القصيرة بأنّه يشاهد فيلما سينمائيا مؤثرا يكفكف دموعه في غالبية مشاهده، ويختنق حينا ويأخذ نفساً طويلاً حيناً أخرى من شدة اندماجه بقصته النابعة من الواقع. واقع فنانة شهيرة لطالما عنت له الفرح والحلم والسعادة والقوة فإذا بها تعاني الأمرين وحيدة وبعيدة عنه.
ونرى في الكليب الأصدقاء الحقيقيين لإليسا الذين رغبت في تكريمهم من خلال هذا العمل وتوجيه الشكر إليهم لصمودهم معها أمثال طوني سمعان أحد المسؤولين في شركة روتانا، وبسام فتوح خبير التجميل الذي يرافقها في جميع حفلاتها، وبعض صديقاتها المقربات منها، إضافة إلى مدير أعمالها الذي أطل قبل نهاية الكليب بدقائق وهو يبتسم لها. وقد حرصت المخرجة من خلال ملامح وجهه ووقفته على إبراز كمية الحب الكبير الذي يكنّه لإليسا وأهمية وجوده بقربها دائماً كصخرة صلبة لا تنحني للعواصف فتهرع للاحتماء بها.
كثيرة هي الإشارات والرّسائل التي تضمنها كليب «إلى كل إلى بيحبوني» الذي تغنيه إليسا بالمصرية من كلمات شادي نور وألحان محمد يحيي، وقد حقق المليونية في الأسبوع الأول لإطلاقها له وقبيل أن يرى كليبها النور.
وجاءت التعليقات كثيفة على هذا العمل المصور من قبل فنانين وإعلاميين، فوصفه البعض بخير علاج لمريض السرطان، فيما رأت فيه شريحة كبيرة من زملائها بأنّه يمثل إليسا الصلبة والقوية التي تحتفل بالحياة التي تليق بأشخاص من أمثالها.
ويخلص الكليب إلى نهاية سعيدة رومانسية تماما كأغاني إليسا التي تحمل الأمل لسامعها مهما قست كلماتها. فنراها تحتفل بشفائها وبعودتها إلى إيقاع حياتها الطبيعي وإلى إحياء الحفلات الغنائية التي ستشهد «مهرجانات أعياد بيروت» في 10 من الشهر الجاري، أول محطة فنية لها بعد شفائها من المرض، وإعلام جمهورها عنه، فتعانقه عناق الأحباء بأغاني ألبومها الجديد وبباقة أخرى من قديمها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».