«أم عبدو»... تزوّجت مبكراً وتلعب مع طفلها في خيمة اللجوء

مخيم للاجئين السوريين في تركيا
مخيم للاجئين السوريين في تركيا
TT

«أم عبدو»... تزوّجت مبكراً وتلعب مع طفلها في خيمة اللجوء

مخيم للاجئين السوريين في تركيا
مخيم للاجئين السوريين في تركيا

"أم عبدو" فتاة سورية يافعة تزوجت وأصبحت أماً لطفل رضيع عمره سنة وثلاثة أشهر. هي فتاة صغيرة تتحمّل مسؤولية الأمومة وأعباءها. تضع ألعابها والعاب طفلها في خيمتها الكائنة في مخيم للاجئين السوريين في مدينة غازي عنتاب التركية.
تقول أم عبدو - 16 عاماً - لـ "الشرق الأوسط": "عندما دخلت الأراضي التركية كان عمري 11 عاما، لم أكن أعرف ماذا يحدث من حولي، وكل ما كنت أفكر فيه هو أنني نسيت قسماً كبيراً من ألعابي في البيت ولم أحملها معي. لا أستطيع وصف المعاناة التي عشناها وتحملنا خلالها الكثير من المتاعب في مرحلة اللجوء، من جوع وعطش وبرد في الشتاء وحرارة شديدة في الصيف... عندما دخلنا الأراضي التركية وضعونا في أحد المخيمات، وبعد فترة نجح بعض المعلمين السوريين ممن فقدوا عملهم في أن يجمعوا التلامذة الموجودين في المخيم من أجل تعليمهم. كنت من هؤلاء التلامذة، علماً أني من المجتهدين والمثابرين على دروسهم. بلغت الصف الثامن، وكان طموحي أن أصبح طبيبة أو مهندسة... لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد تقدم لخطبتي شخص ثريّ من خارج المخيم، عمره يقارب 30 عاما، وكان عمري 14 عاما. فما كان من عائلتي الا الموافقة هذا العريس لأنه ثري ويستطيع مساعدتنا، من دون أن يلتفت أبي إلى فرق السن ما بيني وبينه".
تضيف أم عبدو: "لم تطل خطبتي وتزوجت بعد شهر من عقد القران. كان زوجي يعاملني كطفلة في بادئ الامر ويلبي كل متطلباتي. حملت منه وكان حملي صعباً جداً وتملكني خوف شديد وشعور بأنني سوف أموت قبل ان اضع مولودي. بعدما أنجبت تغيرت معاملته لي وأصبح يتذمر مني كثيرا وأحيانا يضربني ويُسمعني كلمات قاسية فيها من الإهانة ما فيها. وبقي هذا الحال مستمرا إلى أن أعادني الى بيت أبي مطلقة وابني الصغير معي. في الحقيقة لم استطع التعامل معه، وكان يتهمني بأنني لا أفهمه مع أنني حاولت كثيرا أن أرضيه وفعلت المستحيل كي لا يطلقني واعود إلى بيت أبي... لا أعرف ما هو السبب الذي جعله يطلقني ولكن قيل لي إنه فرق السن، ولا أعرف ما إذا كان هذا هو السبب الحقيقي أم لا".
تستطرد أم عبدو: "الآن أنا مطلقة وأصبح عمر ابني الصغير سنة وثلاثة أشهر، أتسلى معه وهو يتسلى معي وأحيانا نلهو معاً بهذه الألعاب الصغيرة والبسيطة... كم يحز في نفسي أنني تركت المدرسة وأتمنى أن أعود إليها. أنا وطفلي ضحيتا مجتمع لا يرحم أحدا ولا يسمع نداء أحد. أنا لا أعتب على أبي لأنني أدرك مدى المعاناة التي عاشها في سنوات الحرب الأخيرة والعبء الكبير الذي تحمله ويتحمله من أجل إطعام إخوتي الصغار. وكم أخاف من الآتي لأني لا أعرف هل سأتزوج مرة أخرى وهل سيجبرني زوجي الجديد على التخلي عن ابني. أخشى أن أصبح سلعة قابلة للتداول والبيع، والمشكلة أني لست الضحية الوحيدة، بل هناك كثيرات دخلن تجربة الزواج المبكر، حتى أن بعضهن أصغر مني سناً".

غياب التوعية والحماية
يقول علي محمد - 55 عاماً - وهو أحد سكان المخيم لـ "الشرق الأوسط أونلاين" إن "هذه الظاهرة ازدادت بشكل كبير سواء في الداخل السوري أو في مخيمات اللجوء التركية في السنوات الأربع الأخيرة. ومن هذه الحالات فتى يبلغ من العمر 14 عاما متزوج من زوجة أخيه الشهيد التي تكبره بأكثر من نصف عمره، اعتقاداً من الأهل أنها الطريقة الوحيدة للمحافظة على أولاد أخيه بحيث لا يتشردون ويفقدون أمهم. فما ذنب هذا الطفل الذي أصبح زوجاً ومسؤولاً عن عائلة بين عشية وضحاها وهو لا يعرف من الحياة إلا اللعب واللهو. وطفل آخر يتزوج من فتاة أصغر منه، وبعد فترة ينجبان أولاداً، وهذا كله يدل على عدم إدراك الأهل لمدى خطورة أن يصبح طفل ربّ عائلة!".
يضيف علي: "هناك انعدام تام للإرشاد والتوعية وخاصة في مخيمات اللجوء حول هذه الظاهرة الخطيرة التي تنتشر في ظل عجز أولياء الأمور عن توفير أسباب العيش لكريم لأولادهم، فيتخلصون مع الأسف من بناتهم بهذه الطريقة".
ويلفت الكاتب والباحث السوري ماجد علوش إلى أن هذه الظاهرة كانت موجودة في السابق، ولكن بنسب أقل بكثير مما نشاهده الآن في الداخل السوري أو في بلاد اللجوء. ويقول إن "زواج القاصرات منشأه ثقافي في الأساس وليس اقتصادياً كما يشاع، بل يأتي العامل الاقتصادي كمبرّر تأسيساً على الرؤية الاجتماعية العامة التي ترى في بيت الزوجية ستراً للفتاة ووقاية من الانحراف".
ويضيف علوش: "هذه الظاهرة كانت منتشرة في سوريا قبل الحرب في موازاة وجود ظاهرة العنوسة ذات المنشأ الاقتصادي. والزواج المبكر ظاهرة ذات آثار طويلة الأمد، قد تمتد أجيالا وتقف وراء وجود أسر مفككة بسبب انعدام التفاهم وغياب النضج. وبما أن منشأ الظاهرة ثقافي فالعلاج هنا ثقافي بالدرجة الأولى، ويتطلب بناء منظومات مجتمعية تحارب هذه التصورات وتكشف أخطارها وتحمي الطفولة، في موازاة إيجاد منظومة قانونية رادعة من جهة وحامية للطفولة من جهة أخرى".

* مبادرة المراسل العربي



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.