قلق أوروبي من تنامي شعبية أحزاب اليمين المتطرف

ينحسر النشاط السياسي الأوروبي كعادته في شهر أغسطس (آب) من كل عام، وتُطوى ملفّات الأزمات خلال العطلة الصيفية، فيما تتراجع حدّة الخطاب السياسي التي بلغت مستويات غير مسبوقة في السنوات الأخيرة مع صعود الأحزاب والقوى اليمينية المتطرفة والشعوبية. لكن هذا التراجع في الغليان الذي ساد المشهد السياسي خلال الأشهر الماضية، لا يخفي القلق الذي يتملّك العواصم الأوروبية الكبرى من المواعيد والاستحقاقات المقبلة على الجبهات الساخنة التي تحاصر البيت الأوروبي.
الجبهة الإيطالية هي الأكثر اشتعالاً اليوم، في ظلّ بركان الحكومة الائتلافية الذي بدأ يقذف حِممه خارج المحيط الإيطالي، مدعوماً طوراً من الاتحاد الروسي وطوراً من الولايات المتحدة التي امتدح رئيسها منذ أيام سياسة الهجرة الإيطالية، ودعا الدول الأوروبية الأخرى إلى الاقتداء بها.
تتابع دوائر المفوضية الأوروبية، التي أعربت عن دهشتها من تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول الهجرة في أوروبا لدى استقباله رئيس الوزراء الإيطالي مؤخراً، عن كثب وبقلق شديد، الأنشطة الأوروبية التي يقوم بها منذ أشهر ستيف بانون، الذي كان الذراع اليمنى لترمب في مطلع ولايته، والمعروف بميوله اليمينية المتطرفة. ويبدو أن بانون الذي عزله ترمب في مثل هذه الأيام من العام الماضي، قد اتخّذ من العاصمة الإيطالية مقرّاً لنشاطه على الساحة الأوروبية، حيث يعقد لقاءات دورية مع الأحزاب اليمينية المتطرفة، ويشارك في ندوات لنشر أفكاره واستقطاب المناصرين لها.
لم يتوقف بانون عن تأييد ترمب رغم خروجه مُقالاً من البيت الأبيض، حيث وصف مؤخراً قرار فصل الأطفال المهاجرين عن ذويهم على الحدود بأنه «قرار إنساني جداً»، وقال إن معركته المقبلة هي «دعم القوى والأحزاب القومية والشعبوية في أوروبا» لتحضير حملة انتخابات البرلمان الأوروبي بهدف تمكينها من «تشكيل كتلة برلمانية فاعلة». وقال في تصريحات له مؤخراً إن «المستقبل في أوروبا هو للقوى الشعبوية اليمينية... والعودة إلى الدول الأمم بهوياتها وحدودها الذاتية». ويضرب على ذلك مثالاً ما حصل في إيطاليا، حيث تمكنت هذه القوى من الوصول إلى الحكم للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية.
وتفيد المعلومات، التي تناقلتها مؤخراً وسائل إعلام أوروبية مطّلعة، بأن بانون يحظى بالدعم المالي واللوجيستي من أوساط مالية واجتماعية يمينية نافذة في أوروبا والولايات المتحدة، وأنّ تركيز حملته المقبلة على انتخابات البرلمان الأوروبي يهدف إلى ضرب إحدى المؤسسات الرئيسية في المشروع الأوروبي الذي يواجه تحديات متعاظمة منذ فترة.
تجدر الإشارة إلى أن البرلمان الأوروبي الذي تأسس منذ أربعين عاماً تديره الكتلتان الشعبية والاشتراكية، إلى جانب الكتلة الليبرالية التي تنضوي أحزاب الخضر تحت لوائها. أما الأحزاب اليمينية المتطرفة التي عززت موقعها في الانتخابات الأخيرة، فهي ما زالت دون الثقل الذي يتيح لها التأثير الفاعل على نشاط البرلمان.
ويعتمد بانون في استراتيجيته الأوروبية على حزب الجبهة الوطنية الفرنسي، الذي تتزعمه ماري لوبان، والذي غيّر اسمه مؤخراً ليصبح «التجمع الوطني»، وعلى حزب «البديل من أجل ألمانيا». لكن النموذج الذي يعتزم بانون تسويقه في حملته الأوروبية هي الحكومة الإيطالية الائتلافية بين حركة «النجوم الخمس» الشعوبية و«رابطة الشمال» اليمينية المتطرفة، ووزير الداخلية ماتّيو سالفيني، الذي يحمل خطابه العنصري والتحريضي إلى كل الساحات والمناسبات، والذي صرّح بعد لقائه بانون مؤخراً بأن «إيطاليا هي القلب النابض للسياسة الحديثة».
وكان بانون قد أدلى بتصريحات أمام حشد من أنصار «رابطة الشمال» الإيطالية، جاء فيها: «دعوهم يطلقون عليكم أوصاف العنصرية وكره الأجانب أو ما شابهها. إنها أوسمة شرف تزّين صدوركم».