اشتداد الصراع بين قادة الميليشيات على جني الأموال

نواب في صنعاء يكشفون فساد الجماعة الانقلابية ويتهمونها بنهب تريليون ريال

TT

اشتداد الصراع بين قادة الميليشيات على جني الأموال

تصاعدت في الآونة الأخيرة حدة الصراع بين قيادات الميليشيات الحوثية على جني الأموال والسيطرة على موارد المؤسسات الحكومية الخاضعة للجماعة، وسط تبادل الاتهامات البينية بالفساد ونهب المال العام، وهو ما أدى إلى ظهور تقارير رسمية كشفت عن مقدار العبث الحوثي بمقدرات البلاد وتسخيرها لمصلحة قادتها ومجهودها الحربي.
وفي هذا السياق ذكرت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن خلافات شديدة احتدمت بين القيادي الحوثي فارس الحباري المعين من قبل الجماعة محافظا لريمة وبين القيادات المحلية في المحافظة وصلت إلى حد إشهار السلاح وإجبار الحباري على الهروب إلى صنعاء بعد أسابيع فقط من تعيينه في المنصب.
وأفادت المصادر أن الحباري الذي ينتمي إلى منطقة أرحب شمال العاصمة صنعاء، حاول منذ تعيينه في المنصب السيطرة على موارد المحافظة وسلب الامتيازات التي يحصل عليها القادة المحليون في المحافظة لمصلحته الشخصية، وهو الأمر الذي دفعهم إلى التصعيد ضده وإبلاغ قيادات الجماعة في صنعاء بأنه شخص غير مرغوب فيه.
وفيما اتهم الحباري القيادات المحلية للمحافظة بأنهم غير مخلصين في ولائهم للجماعة الحوثية وبأنهم متقاعسون في تحشيد المجندين إلى الجبهات، بسبب ولائهم العميق للرئيس الراحل علي عبد الله صالح، هددت القيادات المحلية الحباري بالتصفية بعد أن أمر موالين له بتحصيل الضرائب لمصلحته الشخصية واستبعاد القيادات المحلية.
وبحسب المصادر التي تحدثت إلى «الشرق الأوسط»، استدعى رئيس مجلس حكم الجماعة الحوثية مهدي المشاط عددا من القيادات المحلية في ريمة في محاولة لإقناعهم باستمرار الحباري في منصبه، وهو ما قوبل بالرفض من قبلهم، الأمر الذي دفع المشاط إلى تكليف أحد وكلاء المحافظة بتسيير الأعمال، وتوجيه الحباري بعدم الاصطدام مع القيادات المحلية في محافظة ريمة.
وقالت المصادر إن الحباري، الذي يعد من القيادات القبلية الموالية للجماعة المتهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق سكان قبيلة أرحب إلى جانب اتهامه بنهب مساحات واسعة من الأراضي في صنعاء والحديدة وإجبار العشرات من التجار على دفع إتاوات مقابل حمايتهم، لجأ إلى توسيط أحد زعماء قبليته وهو الشيخ نزيه أبو نشطان لدى الجماعة الحوثية من أجل السماح له بإطلاق يده في ريمة وإرغام قياداتها المحليين على الرضوخ له، غير أن الجماعة طلبت منه التريث وعدم استعداء المكونات القبلية في المحافظة ضد وجودها الانقلابي.
وذكرت المصادر أن رجل الأعمال والملياردير الشهير المساند للجماعة الحوثية بتمويل مجهودها الحربي، يحيى الحباري وعد نجل شقيقه فارس الحباري بالتدخل عند المشاط لإقناعه بتعيينه في منصب محافظ صنعاء خلفا للقيادي الموالي للجماعة حنين قطينة.
وفي محافظة ذمار، ذكرت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» أن الخلافات بين محافظ الجماعة محمد حسين المقدشي وقيادات الجماعة المحليين المنتسبين إلى سلالة زعيمها الحوثي بلغت ذروتها في الآونة الأخيرة، بسبب الصراع على موارد المحافظة، وتحديدا على الأموال التي يتم جبايتها من التجار والمستوردين في الجمرك الذي استحدثته الجماعة في مدينة ذمار. وقالت المصادر، إن الجماعة الحوثية فرضت تعيين أحد قياداتها الطائفيين لتولي جباية الأموال المفروضة على التجار وناقلات البضائع القادمة من مناطق الشرعية في عدن وحضرموت ومأرب، في حين رفض المقدشي القرار وأصر على تعيين أحد المقربين منه في المنصب، وسط مساع للقيادات الحوثية في صنعاء لاحتواء الخلاف المتصاعد.
وأفادت المصادر بأن القيادات المحلية للجماعة رفضت قرار المقدشي بتعيين أحد المقربين منه ويدعى عباس العمدي في منصب جابي الضرائب من تجار المحافظة ومزارعيها، وقاموا بفرض قيادي آخر ينتمي إلى السلالة الحوثية، وهو الأمر الذي رد عليه المقدشي بالإيعاز إلى المزارعين في قبائل عنس التي ينتمي إليها بوقف إنتاج المحاصيل وبيعها، بخاصة نبتة «القات» التي تعد أهم مورد لجباية الضرائب في المحافظة.
وفي الوقت الذي تصاعدت حدة التذمر بين عناصر الميليشيات في ذمار من إجراءات المقدشي التي يرون أنها تحاول أن تسلبهم نفوذهم وتحول بينهم وبين تعزيز قوتهم، لصالح أطراف قبلية موالية للمقدشي، أفادت المصادر بأن عددا من القيادات المنتمين إلى سلالة الحوثي من آل الديلمي والمطاع والحوثي والموشكي والمتوكل، عقدوا اجتماعا سريا خرجوا على إثره باقتراح تعيين محافظ جديد خلفا للمقدشي، وكلفوا أحد المجتمعين من آل المطاع بعرض المقترح على رئيس مجلس حكم الجماعة الحوثية في صنعاء، وتحذيره من بقاء المقدشي في منصبه لجهة ممارساته التي وصفوها بأنها تستهدف المنتمين إلى السلالة الحوثية، وتميل إلى تعزيز نفوذ رجال القبائل.
وعلى ذات الصعيد، تفاقمت فجوة الخلاف أخيرا بين حكومة الانقلاب الحوثي غير المعترف بها وبين النواب الخاضعين لها في صنعاء، ما أدى إلى تشكيل لجنة من النواب للتحقيق في فساد الحكومة الحوثية، حيث أعدت اللجنة تقريرا رصدت فيه أبرز أوجه الفساد التي ارتكبها قادة الجماعة عبر سياساتهم الساعية إلى تدمير الاقتصاد وتجويع السكان.
وذكر التقرير الذي اطلعت عليه «الشرق الأوسط» أرقاما مهولة عن فساد الجماعة الحوثية، من بينها نهب الميليشيات أكثر من ستة مليارات ريال (الدولار نحو 540 ريالا) في الشهر الواحد من أرباح بيع المشتقات النفطية، وعدم توريدها إلى البنك، إلى جانب العشوائية وسوء الإدارة والسماح باستيراد شحنات من الوقود الملوث.
واتهم التقرير الجماعة الحوثية بأنها تعيق دخول السفن إلى ميناء الحديدة وتتعمد تأخير تفريغها لإحداث نقص في السلع في الأسواق من أجل رفع الأسعار، كما اتهم الجماعة بأنها تحتكر عبر تجار موالين لها استيراد الوقود وتتفرد باتخاذ القرارات خارج الأطر الرسمية لمؤسسة موانئ البحر الأحمر الحكومية.
وذكر تقرير اللجنة البرلمانية أن الجماعة الحوثية هي المتسبب في زيادة أسعار السلع الغذائية بسبب الجبايات غير القانونية التي تتم في نقاط التفتيش المنتشرة على الطرق وبين المدن، فضلا عن وجود تواطؤ بين قيادات الجماعة وبين كبار التجار من أجل التلاعب بحركة الأسواق وفرض زيادات غير منطقية على أسعار السلع.
وفيما أوصت اللجنة بمنح مهلة شهر واحد للحكومة الحوثية الانقلابية، اتهمتها بنهب أكثر من 33 في المائة من عائدات الجمارك، كما اتهمت في تقريرها قادة الميليشيات بالسطو على أكثر من 60 مليار ريال خلال عام واحد، لم يتم توريدها إلى البنك المركزي الخاضع للجماعة، إلى جانب عدم صرفها لرواتب الموظفين الحكوميين على الرغم الأموال التي قامت بتحصيلها رسميا والتي بلغت نحو تريليون ريال خلال العام الماضي.
وكانت الجماعة الحوثية أطاحت وزيرها للتجارة والصناعة عبده بشر وهو أيضا نائب في البرلمان، بعد أن فتح النار عليها متهما قادتها بنهب موارد الدولة والسطو على المال العام وتدمير المؤسسات، في الوقت الذي عينت خلفا له أحد أتباعها المنتمين إلى سلالة زعيمها الحوثي. وأدى فساد الجماعة الحوثية ونهم قادتها لجني الأموال واستثمارها في شراء العقارات والاتجار في الوقود وتسخير الموارد للإنفاق على ميليشياتها ومجهودها الحربي إلى إصابة الاقتصاد المحلي بالشلل، كما قادت تصرفاتها في المضاربة بالعملة واكتناز وتهريب العملات الأجنبية إلى إصابة العملة اليمنية (الريال) في مقتل، متسببة في انهيار قيمتها على نحو غير مسبوق، إذ وصلت سعر صرف الدولار الواحد يوم أمس إلى نحو 540 ريالا لأول مرة في تاريخه، مقارنة بـ215 ريالا قبل أن انقلابها المشؤوم على الشرعية أواخر 2014.


مقالات ذات صلة

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي العام الماضي كان قاسياً على اليمنيين وتضاعفت معاناتهم خلاله (أ.ف.ب)

اليمنيون يودّعون عاماً حافلاً بالانتهاكات والمعاناة الإنسانية

شهد اليمن خلال العام الماضي انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وتسببت مواجهات البحر الأحمر والممارسات الحوثية في المزيد من المعاناة للسكان والإضرار بمعيشتهم وأمنهم.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي أطفال جندتهم الجماعة الحوثية خلال 2024 في وقفة تحدٍ لتحالف الازدهار (غيتي)

تحالف حقوقي يكشف عن وسائل الحوثيين لاستقطاب القاصرين

يكشف تحالف حقوقي يمني من خلال قصة طفل تم تجنيده وقتل في المعارك، عن وسائل الجماعة الحوثية لاستدراج الأطفال للتجنيد، بالتزامن مع إنشائها معسكراً جديداً بالحديدة.

وضاح الجليل (عدن)
شؤون إقليمية أرشيفية لبقايا صاروخ بالستي قال الجيش الإسرائيلي إنه أطلق من اليمن وسقط بالقرب من مستوطنة تسور هداسا (إعلام إسرائيلي)

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ أطلق من اليمن

قال الجيش الإسرائيلي في ساعة مبكرة من صباح اليوم (السبت)، إن الدفاعات الجوية الإسرائيلية اعترضت صاروخاً أطلق من اليمن.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الخليج جانب من مؤتمر صحافي عقده «فريق تقييم الحوادث المشترك» في الرياض الأربعاء (الشرق الأوسط)

«تقييم الحوادث» في اليمن يفنّد عدداً من الادعاءات ضد التحالف

استعرض الفريق المشترك لتقييم الحوادث في اليمن عدداً من الادعاءات الموجهة ضد التحالف، وفنّد الحالات، كلٌّ على حدة، مع مرفقات إحداثية وصور.

غازي الحارثي (الرياض)

10 قتلى بجنوب الخرطوم في غارة نفذها الجيش

مواطنون في بورتسودان 30 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)
مواطنون في بورتسودان 30 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

10 قتلى بجنوب الخرطوم في غارة نفذها الجيش

مواطنون في بورتسودان 30 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)
مواطنون في بورتسودان 30 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

أفاد مُسعفون متطوعون أن عشرة مدنيين سودانيين قُتلوا، وأصيب أكثر من 30 في غارة جوية نفذها الجيش جنوب الخرطوم.

وقالت غرفة الاستجابة الطارئة بالمنطقة، وهي جزء من شبكة من المتطوعين في جميع أنحاء البلاد يعملون على تنسيق إيصال المساعدات في الخطوط الأمامية، إن الضربة التي وقعت، الأحد، استهدفت «محطة الصهريج بمنطقة جنوب الحزام، للمرة الثالثة في أقل من شهر».

وقالت المجموعة إن القتلى قضوا حرقاً، وإن بين الجرحى الثلاثين خمسة في حالة حرجة لإصابتهم بحروق من الدرجة الأولى.

ونُقل بعض المصابين والجثامين المتفحمة إلى مستشفى بشائر الذي يبعد أربعة كيلومترات عن موقع القصف، وفق وكالة «رويترز» للأنباء.

ويأتي الأهالي إلى منطقة الصهريج من مناطق مختلفة بغرض التبضع وشغل أعمال هامشية مثل بيع الأطعمة والشاي.

وقالت المجموعة إن قصف محطة الصهريج، للمرة الثالثة في أقل من شهر، «ليس سوى جزء من حملة تصعيد مستمرة تدحض ادعاءات أن القصف يركز فقط على الأهداف العسكرية، حيث تتركز الغارات على المناطق السكنية المأهولة».

ومنذ أبريل (نيسان) 2023، أسفرت الحرب بين الجيش النظامي السوداني وقوات «الدعم السريع» عن مقتل عشرات الآلاف. وفي العاصمة وحدها، قُتل 26 ألف شخص بين أبريل 2023 ويونيو (حزيران) 2024، وفقاً لتقرير صادر عن كلية لندن للصحة والطب الاستوائي.

وشهدت الخرطوم بعضاً من أسوأ أعمال العنف في الحرب، حيث جرى إخلاء أحياء بأكملها. ولم يتمكن الجيش، الذي يحتكر الأجواء بطائراته النفاثة، من استعادة السيطرة على العاصمة من قوات «الدعم السريع».

وتفيد أرقام الأمم المتحدة بأن ما يقرب من ثلث النازحين داخل السودان، البالغ عددهم 11.5 مليون شخص، فرُّوا من العاصمة.

واتُّهمت قوات «الدعم السريع» والجيش مراراً باستهداف المدنيين وقصف المناطق السكنية دون تمييز.