الشعر العربي من امرئ القيس إلى نزار قباني

عارف حجاوي يلخصه في سلسلة من خمسة كتب

الشعر العربي من امرئ القيس إلى نزار قباني
TT

الشعر العربي من امرئ القيس إلى نزار قباني

الشعر العربي من امرئ القيس إلى نزار قباني

نالت أغنية جورج وسوف «كلام الناس» شهرةً واسعة. أحبها «الناس» لأنها عن «الناس» ولأن «كلام الناس» مهم بالنسبة إلى الناس.
كلام الناس أدى بابن شاعر إلى أن يطلب من والده أن يذبحه، وقاد شاعراً يهودياً إلى أكثر المشاهد دمويةً.
دخل مرةً عبد الرحيم الشيخ قاعة الدرس في جامعة بيرزيت، وأشعل سيجارته، وقال: حاتم الطائي مجنون. وران علينا صمت؛ ما هذه الأسطورة التي يستخف بها الشيخ حتى أنه ينسفها وهو يدخن؟
مضت سنوات... وأفصح لي عارف حجاوي أنه يكتب تلخيصاً للشعر من امرئ القيس حتى نزار قباني. وكان. رنّت برأسي كلمات الشيخ مجدداً.
مخض عارف حجاوي الشعر العربي «مخضَ البخيلة»، على قَوْلة أبي تمام، وجاء بالزبدة، وهو ليس ببخيل. قرأ عشرات آلاف الصفحات، ولخص المسيرة؛ تقرأ السلسلة، وهي خمسة كتب، فتشاهدُ امرأ القيس وهو في طريقه إلى قيصر كي يستردّ ملك أبيه.
الأبيات فيها مضبوطة ضبطاً سليماً ومشروحة، وفيها تتفرج على ذلك الشاعر اليهودي وهو يرى دم ابنه يتدفق؛ السبب: كلام الناس، وفيها لحظة «خوف» سيف الدولة؛ والسبب ذاته: كلام الناس.
ترك «كلام الناس» بصمته في حياة العربي، وأية بصمة! كان العربي يفضّل أن يموت على أن يجري اسمه على ألسنة الناس. وهل أكبر من الموت؟
لم يكن يوجعه السيف، لكنّ الكلمة كانت تقتله، وإن لم يكن ذلك كذلك: قل لي كيف كان الهجّاء يقبض راتباً على شتم الخصوم؟ وكيف كان المدّاح ينال من الحاكم ما لا يناله الوزير؟
وصلت الأمور إلى علم النحو، فعندما كتبوا قواعد اللغة وضعوا حدوداً، واتفقوا على ألا يستعينوا بشاعر بعد إبراهيم بن هرمة، لكنهم كسروا القاعدة كسراً ذريعاً، وأخذوا من بشار بن برد، «خوفاً من لسانه، وتقرباً إليه»، على ذمة السيوطي.
عودة إلى المجنون
حاتم الطائي لم يكن مجنوناً، لكنه كان «عبداً» للضيف؛ وكل ذلك لأنه يخاف «مذمّات الأحاديث»! هل نتجنى على حاتم؟ هو اعترف:

إذا ما صَنَعْتِ الزَّادَ فَالْتَمِسي له
أَكيِلاً فإِنِّي لَسْتُ آكُلُهُ وَحْدي
أَخاً طَارقاً، أو جَارَ بيتٍ فإِنَّنيِ
أخافُ مَذَمَّاتِ الأَحاديثِ مِنْ بعدي

إذا أعددت الطعام، فابحثي عن أكيل، مشارك في الأكل، فلست آكلاً وحدي.. اطلبي لي طارقاً، زائر ليل، أو جاراً ليأكل معي، فأنا أخاف أن أكون عرضة للذم إن أكلت وحدي، والشرح لعارف، والضبطُ له.
إذا صحت المفاضلة، فإن السموأل بن عادياء، الشاعر اليهودي، أجنُّ من امرئ القيس. هذا السموأل، رأى ابنه يذبح وقعد يتفرج. استودعه امرؤ القيس دروعاً، وأبى الشاعر أن يخون الأمانة، والثمن.. ابنه.
قال الأعشى:
واختَارَ أَدْرَاعَهُ أنْ لا يُسَبَّ بها
ولم يكنْ عهدُه فيها بِخَتَّارِ
وقال لا أشتري عاراً بمَكْرُمَةٍ
فاختارَ مكرمةَ الدنيا على العارِ

رجعنا إلى السبب.. لا يريد السموأل أن يشتمه الناس ويلحقه العار، فضحّى بولده، وبرر ذلك تبريراً شنيعاً. (القصيدة القصة كاملة والأبيات مشروحة في كتاب أول الشعر)
تذكّر معي أن هذه أمثلة، وإن تصفحت دواوين الشعراء القدامى وجدت أكثر. شاعر آخر جنى جناية، فهدم والي البصرة داره. الرجل محقوق، لكنه مستعد لكل شيء في سبيل غسل العار، اقرأ البيتين واحكم:
سأغسِلُ عني العارَ بالسَّيْفِ جالِبًا
علي قضاءُ اللهِ ما كانَ جالِبا
ولكنْ أَبَى قومٌ أصيب أَخُوهُمُ
رِضَا العَارِ فاخْتَارُوا على اللَّبَنِ الدَّمَا

ثمة كلمات أخرى تتردد في الشعر تكشف عن أن العربي إنما كان يأتي ما يأتي من كرم يُهلك ماله، ومن شجاعة تزهق روحه، ومن وفاء يودي بابنه أمام ناظره، خوفًا من: المذمة، السباب.. هاتان كلمتان أخريان تترددان في شعر العربي قديماً.
قال الشاعر:
ولولا اجتنابُ الذَّامِ لم يُلْفَ مَشْرَبٌ
يُعاشُ بِهِ إِلَّا لَدَي ومَأْكَلُ

يريد أخونا أن يحصل على كل الطعام وكل الشراب (أو ألا يجود بشيء مما عنده)، إلا أن الذم و«كلام الناس» يمنعانه من أن يحقق رغباته. طموح غريب. هل كلامي تشكيك بأخلاق العرب؟
كلا! أكثر ما تجنبه العربي هو: العار، الذم، السباب، الهجاء، الغدر. ولم لا يتجنبها؟ لكن لو أمن السموأل «كلام الناس»، هل كان سيصبر على ذبح ولده؟
تدخل بعض رجال الدين في هذه الظاهرة من باب واسع اسمه «الرياء». وهناك حديث مشهور، ومعناه أن متصدقاً وقارئاً للقرآن ومجاهداً يقذفون في النار لأنهم كانوا يريدون من وراء أعمالهم «السمعة الحسنة» فقط.

سطوة الكلمة
للكلمة قوة سحرية عند العربي، لكنْ حرارتها بردت قليلاً. كان لبيت الشعر مفعول: إذا قال النابغة لحسان بن ثابت أنت لا تحسن أن تقول «فإنك كالليل الذي هو مدركي / وإن خلتُ أنّ المنتأى عنك واسعُ»، سكت حسان.
لهذا، كان السباب يلقي بالشاتم أو المشتوم إلى التهلكة، لا سيما إن كان ذلك شعراً يسير بين الناس.
خذ المتنبي.. الخبيث! كيف سيقول إن سيف الدولة له لحظات خوف؟ قال له إنك تخاف من العار.
قال أبو الطيب:
لله درّك ما تخاف من العدى
وتخاف أن يدنو إليك العارُ.
حتى أنت يا سيف الدولة تهتمّ بكلام الناس؟!
لكن ماذا لو لم تكن الكلمات مشحونة بهذه الدلالة النفسية؟ لو كان الشرف كلمة لها دلالة، كقولك: سنجاب، هل ستكون هناك جرائم شرف؟ انتبه سلامة موسى في الأربعينات إلى هذا، لكنه بالغ حين حمّل اللغة مسؤولية جرائم كثيرة.
كان الشاعر القديم يذكِّر الجيش بالعار، فيموتون خشية المذمة، ويذكرهم بكلام الناس عنهم وهم عائدون مهزومين، فتبدأ الرؤوس تتطاير.
والشاعر كان صحافياً. ألم يسجّل المعركة تسجيلاً؟ بل كان مثل صحافيي التطبيل، هذه الأيام، يعبّئ الجيش ويحرضهم. إلا أننا نغفر للشاعر، ولا نغفر للصحافي.

أدلة أخرى
إليك أبيات أمثلة من كتابَي عارف حجاوي: «أول الشعر»، و«تجدد الشعر»، مأخوذة بطريقة النسخ واللصق، بضبطها وشرحها.. الكسل لذيذ!
وفيها الابن الذي طلب من والده أن يذبحه، مخافة كلام الضيف إن هو ظنهم بخيلين. وفيها الذي يرثي زوجته ولا يستطيع أن يبكي عليها حياءً، لأن الرجل العربي لا يبكي على امرأة! يا ويله من كلام الناس. كان إبراهيم موسى يعلمنا النقد في الجامعة، وقال: الفارس في العصور الوسطى: شجاع في الحرب، ضعيف أمام الحبّ.. وأقول قبل العصور الوسطى، قال المتنبي:
«إني لأجبن عن فراق أحبتي
وتحسّ نفسي بالحمام فأشجعُ».
*كاتب فلسطيني



اكتشاف بقايا معبد الوادي لحتشبسوت في الأقصر

اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)
اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)
TT

اكتشاف بقايا معبد الوادي لحتشبسوت في الأقصر

اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)
اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)

أعلن عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس، الأربعاء، عن اكتشاف بقايا معبد الوادي للملكة حتشبسوت بالأقصر (جنوب مصر)، مع عدد من الاكتشافات الأثرية الأخرى، من بينها مقبرة المشرف على قصر الملكة تتي شيري، وجزء من جبَّانة بطلمية.

جاء الكشف في إطار عمل البعثة الآثارية المشتركة التابعة لـ«مؤسسة زاهي حواس للآثار والتراث» بالتعاون مع «المجلس الأعلى للآثار» التابع لوزارة السياحة والآثار المصرية. وأشار حواس، في مؤتمر صحافي بالأقصر، إلى أن «البعثة تعمل في المنطقة منذ عام 2022، وتمكنت خلال ثلاث سنوات من التوصل عبر الحفائر إلى عدد من الاكتشافات الأثرية المهمة في المنطقة الواقعة عند بداية الطريق الصاعدة لمعبد الملكة حتشبسوت بالدير البحري».

وكشفت البعثة عن جزء من أساسات معبد الوادي للملكة حتشبسوت التي تولت الحكم بين (1479 و1458 قبل الميلاد)، ويقع الجزء المكتشف عند مشارف الوادي، وهو بوابة الدخول الرئيسية للمعبد الجنائزي للملكة حتشبسوت المسمى «جسر جسرو»، الذي يعدّ «أجمل المعابد الفرعونية على الإطلاق»، بحسب حواس.

وقال حواس إن «البعثة عثرت على عدد كبير من نقوش معبد الوادي، التي تعدّ من أندر وأجمل نماذج فن النحت في عصر الملكة حتشبسوت وتحتمس الثالث، حيث لا يوجد مثيل لها في المتاحف المصرية سوى نماذج قليلة في متحفي (الأقصر) و(المتروبوليتان) في نيويورك»، مشيراً إلى أن «مجموعة النقوش الملكية المكتشفة حديثاً هي الأكمل على الإطلاق من بقايا معبد الوادي، الذي تعرَّض للهدم خلال عصر الرعامسة والأسرة التاسعة عشرة».

الدكتور زاهي حواس يعلن عن الكشف الأثري (البعثة الآثارية)

بدوره، قال الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد إن «البعثة عثرت أيضاً على أكثر من مائة لوحة من الحجر الجيري والرملي مسجل عليها أسماء وخراطيش الملكة حتشبسوت (اسم الميلاد واسم التتويج على العرش)، تُعدّ جزءاً من ودائع الأساس، التي تؤكد على ملكية صاحب المعبد».

ومن بين اللوحات الحجرية المكتشفة، لوحة من الحجر الجيري تحمل بالنقش البارز اسم المهندس المعماري المختص بقصر الملكة حتشبسوت واسمه سنموت، ولقبه «المشرف على القصر».

وقال حواس إن «مجموعة ودائع الأساس الكاملة للملكة حتشبسوت تُعدّ من أهم مكتشفات البعثة، لا سيما أنها تأتي بعد مرور ما يقارب القرن من الزمان منذ أن كشف العالم الأميركي هيربرت وينلوك عن آخر مجموعة كاملة من ودائع الأساس للملكة حتشبسوت في موقع المعبد الجنائزي في الفترة من (1923 - 1931)».

عدد من اللقى الأثرية في الكشف الأثري الجديد (البعثة الآثارية)

وعثرت البعثة على مقبرة شخص يدعى جحوتي مس، وهو المشرف على قصر الملكة تتي شيري، وأوضح حواس أن «الملكة تتي شيري هي جدة الملك أحمس محرر مصر من الهكسوس، وأم والدة الملك سقنن رع، أول ملك شهيد في حرب الكفاح والتحرير»، وقال: «المقبرة تلقي كثيراً من الضوء على تلك الفترة المهمة من تاريخ مصر».

وتؤرخ المقبرة بالعام التاسع من حكم الملك أحمس الأول (1550 - 1525 قبل الميلاد)، وهي عبارة عن حجرة مربعة منحوتة في الصخر تتقدمها مقصورة من الطوب اللبن المكسو بطبقة من الملاط الأبيض ولها سقف مقبى.

وداخل حجرة المقبرة عُثر على بقايا رسوم ملونة باللون الأحمر على طبقة من الملاط الأبيض، وفي أرضية الحجرة عُثر على بئر مستطيلة تؤدي إلى حجرتَي دفن، وفي البئر تم العثور على مائدة قرابين من الحجر الجيري، وكذلك على اللوحة الجنائزية لصاحب المقبرة.

الاكتشافات تضمنت مقابر بطلمية (البعثة الآثارية)

وعلى الرغم من اللقب المهم الذي كان يحمله صاحب المقبرة، فإن «هيئة وبساطة المقبرة تعطي الكثير من المعلومات عن الحالة الاقتصادية في بدايات الأسرة الثامنة عشرة، التي جاءت بعد حروب مريرة من أجل التحرير استنزفت اقتصاد الدولة»، وفق حواس.

أعلن حواس أيضاً الكشف عن «جزء من جبانة بطلمية ممتدة شغلت موقع الطريق الصاعدة ومعبد الوادي، وشُيّدت مقابرها من الطوب اللبن وأجزاء من حجارة معبد الملكة حتشبسوت». وأوضح أن «هذه الجبَّانة كان قد تم الكشف عن بعض أجزائها عن طريق بعثات أجنبية في بدايات القرن الماضي ولم يتم توثيقها بشكل مناسب».

وتضمن الكشف العثور على عدد كبير من الآثار التي توثق تلك الفترة التاريخية، بينها عملات برونزية تحمل صورة الإسكندر الأكبر، وتعود لعصر بطلميوس الأول (367- 283 قبل الميلاد)، كما تم العثور على ألعاب أطفال من التراكوتا (الطين المحروق)، بأشكال آدمية وحيوانية، وكذلك عدد من قطع الكارتوناج والماسكات الجنائزية التي كانت تغطي المومياوات، وعدد من الجعارين المجنحة والخرز والتمائم الجنائزية.

الجعارين والنقوش الجنائزية من المكتشفات الجديدة (البعثة الآثارية)

كما أعلن حواس أن «البعثة عثرت أيضاً على عدد من المقابر الصخرية من عصر الدولة الوسطى (2050 - 1710 قبل الميلاد)»، مشيراً إلى أن «البعثة كشفت بموقع معبد الوادي عن التسلسل التاريخي للموقع، الذي بدأ إشغاله في عصر الدولة الوسطى، واستمر حتى بداية الأسرة الثامنة عشرة عندما أمر المهندس سنموت بوقف الدفن في المنطقة، واختاره موقعاً لتشييد معبد الوادي».

وقد عمل سنموت على دفن الجبانة أسفل كميات كبيرة من الرمال، ضمن أعمال تمهيد الموقع لتشييد معبد الوادي، وفق حواس.

وتضمن الكشف الأثري أيضاً عدداً من المقابر الصخرية التي تعود لعصر الدولة الوسطى، بداخلها عدد من القطع الأثرية، من بينها موائد القرابين المصنوعة من الفخار وعليها مجسمات للقرابين من خبز ونبيذ ورأس وفخذ الثور، وقال حواس: «هذه الموائد من الآثار المميزة لعصر الدولة الوسطى».

كشفت البعثة أيضاً، بحسب حواس، عن عدد من أبيار الدفن من عصر الأسرة السابعة عشرة (1580 - 1550 قبل الميلاد)، منحوتة في الصخر، وبداخلها عدد من التوابيت الخشبية بالهيئة الإنسانية، التي تُعرَف بالتوابيت الريشية.

من بين التوابيت المكتشفة، تابوت لطفل صغير مغلق وموثق بالحبال، التي لا تزال على هيئتها منذ دفنها قبل 3600 سنة، بحسب حواس، الذي أشار إلى العثور، بجانب تلك التوابيت، على «حصير ملفوف تعدّ البعثة حالياً برنامجاً خاصاً لترميمه ونقله للعرض بمتحف الحضارة».

وكانت البعثة قد نقلت إلى متحف الحضارة في موسم الحفائر الماضي (2023 - 2024)، أحد اكتشافاتها، وهو سرير من الخشب والحصير المجدول يعود إلى عصر الأسرة السابعة عشرة، كان يخصّ أحد حراس الجبانة.

وعدّ حواس «العثور على أقواس الرماية الحربية، أحد المكتشفات المهمة للبعثة، لا سيما أنها تشير إلى وظيفة أصحاب هذه المقابر، وخلفيتهم العسكرية وكفاحهم لتحرير مصر من الهكسوس».