مذكرات بسيوني الحلقة (9): وضعت النظام الأساسي لمحكمة صدام حسين بتكليف من الإدارة الأميركية

جرائم الرئيس العراقي السابق شملت إبادة الجنس البشري وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب

بسيوني خلال حفل مع محافظ ولاية إلينوي لتكريمه بمناسبة تقلده وسام لينكون الأميركي وهو ثالث أعلى وسام
بسيوني خلال حفل مع محافظ ولاية إلينوي لتكريمه بمناسبة تقلده وسام لينكون الأميركي وهو ثالث أعلى وسام
TT

مذكرات بسيوني الحلقة (9): وضعت النظام الأساسي لمحكمة صدام حسين بتكليف من الإدارة الأميركية

بسيوني خلال حفل مع محافظ ولاية إلينوي لتكريمه بمناسبة تقلده وسام لينكون الأميركي وهو ثالث أعلى وسام
بسيوني خلال حفل مع محافظ ولاية إلينوي لتكريمه بمناسبة تقلده وسام لينكون الأميركي وهو ثالث أعلى وسام

قبل أن يصدر جورج بوش الأبن قراره بدخول القوات الأميركية إلى العراق، جرت هناك حركة سياسية من شخص يدعى أحمد الجلبي. كان الجلبي قد أتى إلى أميركا وقتذاك، وبدأ العمل مع الجمهوريين. حاول في بداية عمله، أن يجعل من شخصه رمزا للمقاومة الشعبية ضد نظام الرئيس العراقي صدام حسين، وحظي بتأييد حكومة الولايات المتحدة. من جانبي، كنت ممن يريدون أن تبتعد أميركا عن أحمد الجلبي، ومن دعاة أن يكون لها سياسة مستقلة وليست منقادة له.
كنت في اتجاه مضاد له، على أساس أنه لا توجد حركة مستقلة في العراق، لأن نظام صدام حسين لم يكن يسمح بهذا، فكان لا بد أن تدخل أميركا وتستقر وتتحمل عبء إدارة البلاد لفترة معينة. قلت للأميركيين: لا يمكنكم التنصل من تحمل هذه المسؤولية، إذ لا توجد جهة أخرى تتحملها. الأمر ليس كما كانت عليه فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية. لن تتمكنوا من جلب شخص مثل ديغول يدير البلاد وينتهي الموضوع. في العراق النظام الداخلي انهار تماما، وليس هناك معارضة لصدام. وأنتم يجب أن تتحملوا هذه المسؤولية إلى حين استتباب الأمن. لكنهم لم يرغبوا في ذلك، وهذا ما جعل لشخص مثل أحمد الجلبي أهمية بالنسبة لهم.
في الحلقة هذه، يروي بسيوني تفاصيل تكليفه وضع النظام الأساسي لمحكمة صدام حسين.
أسندت الإدارة الأميركية إليّ، مهمة وضع النظام الأساسي لمحكمة خاصة لمحاكمة صدام حسين وعناصر آخرى في نظامه. وأنجزت ذلك، وضمنته الجرائم، وكانت من ثلاثة أصناف: إبادة الجنس البشري، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب. ووضعت لها التعريف نفسه الموجود في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية؛ حيث كنت رئيس لجنة الصياغة. وبالنسبة للمحكمة الخاصة بصدام حسين، فقد حررت كذلك الإجراءات لها وحماية حقوق المتهم. قبلت وزارة العدل الأميركية هذا المشروع، ثم وزارتا الدفاع والخارجية. عرضته على الجهات العراقية التي قبلته بدورها، وصدر به قانون وأنشئت هذه المحكمة. وقد اختاروا أعضاء المحكمة ليس فقط من القضاة ولكن من محامين وغيرهم، فكانت مكونة من 26 قاضيا، من خلفيات مختلفة، وكان هذا مخالفا للنظام القضائي في العراق، وهي أن يأتي على المناصب شخص لا يكون قاضيا، وهذا ما أنشأ خلافا شديدا بين القضاة في العراق.
في الوقت نفسه، وعن طريق معهد سيراكوزا، كنت أدير تدريب القضاة في العراق بالتشاور مع رئيس المجلس الأعلى للقضاة. وكان هناك عقد موقع بين معهد حقوق الإنسان في جامعة دي بول في شيكاغو، الذي كنت أترأسه ووزارة الخارجية الأميركية، لإعادة فتح ثلاث كليات للحقوق، في بغداد والبصرة والسليمانية. وقد أشرفت عن طريق معهد دي بول، على إعادة فتح هذه الكليات وإعادة بنائها وبناء المكتبات، وإعادة تأهيل وتدريب الأساتذة. ثم فتحت الأبواب، وفي فترة عامين، فتحنا ثلاث كليات حقوق، انضم إليها في العام الثالث نحو 4500 طالب. وخلال ثلاث سنوات فتحنا أبواب التعليم وأنشأنا الكليات العراقية للحقوق.
اخترنا المناطق طبعا حسب مختلف الطوائف، لأن بغداد كانت سنية، والبصرة شيعية، والسليمانية من الأكراد. وفي الوقت نفسه، كنا ندرب القضاة للمحكمة الخاصة في معهد سيراكوزا، وفي إنشاء هذه المحكمة الخاصة، واستمر التدريب والعمل عن طريق معهد سيراكوزا والقضاء العراقي، لوضع خطة لتنمية القضاء العراقي مستقبلا، وعملنا عليها لمدة ثلاثة أعوام بالتعاون مع العراق.
وحصلنا في هذا الوقت، على منحة من وزارة الدفاع الأميركية لأخذ التقرير الشفوي لضحايا صدام حسين، فأخذنا أقوال أكثر من خمسة آلاف شخص وجمعناها، وللأسف المنحة لم تتضمن نشر هذه الأقوال، ولذلك لم تصل النتيجة النهائية إلى الأجيال التالية في العراق.
وحسب قراءتي الشخصية لروايات بعض الأشخاص عن الصراع في العراق، يتضح لي أن انتهاكات حقوق الإنسان، وبالأخص فيما يتعلق بالتعذيب والممارسات المشابهة، كالاغتصاب، تُرتكب بالطريقة نفسها، وبواسطة النوعية نفسها من الأشخاص، بغض النظر عن اختلاف الأنظمة الحاكمة التي تتورط في تلك الممارسات. في نهاية المطاف، الأمر يتعلق بالصراع بين الخير والشر، وبسوء استخدام السلطة الذي يؤدي إلى نزع صفة الإنسانية عن الآخر. ما حدث أثناء فترة حكم صدام حسين، يختلف تماما عما اختبرته في يوغوسلافيا السابقة، وكذلك في أماكن أخرى مثل ليبيا.
حرب النجوم وإفلاس موسكو
هناك مثال آخر أود ذكره: كنت أعرف مستشار الأمن القومي لريغان، وكان اسمه روبرت ماكفرلن، كنت أعرفه جيدا وعلى صلة طيبة به. روى لي مرة قصة عن ريغان تعبر عن إدارة ريغان في فترة حكومته. قال لي: ذات يوم كان عقد اجتماع صباحي وقت الإفطار مع رئيس الأركان العسكري ورئيس أركان الطيران، وهو ضابط بدرجة فريق طيار مسؤول عما يسمى «حرب النجوم» وقتها، بحضور وزير الخارجية. وكان ريغان قد أعلن عن برنامج «حرب النجوم» في أميركا، وهي وضع صواريخ في الفضاء الجوي لها القدرة على اعتراض صواريخ سوفياتية، تضربها من الفضاء الجوي. ولأن برنامج تلفزيونية عدة وأفلاما تناولت موضوعا كهذا، فقد اعتبر كثيرون البرنامج خياليا وغير قابل للتحقيق؛ فكيف يوضع قمر صناعي يحمل صواريخ قادرة على قصف صاروخ آخر؟
أثناء الحديث، أراد ريغان تقريرا من الجنرال المسؤول عن البرنامج. فقال له: البرنامج حسب تقديرنا سيتكلف خمسة مليارات دولار. وكان مبلغا ضخما جدا في الثمانينات. وقال له أيضا: إنه لا ضمانات لتحقيقه خلال الأربع أو خمس سنوات المقبلة. فقال ريغان يعني نحن سننفق هذا المبلغ من غير ضمانات؟ أجاب المسؤول: نعم هذا وارد.
كان ريغان شخصية عادية جدا، لم يكن مفكرا كبيرا لكنه كان يتصرف بالبداهة والواقعية. سأل من حوله: هل سيقف الروس مكتوفي الأيدي ونحن نقوم بهذا؟ لأننا إذا نجحنا فهذا يعني أن قوتهم النووية لم تعد تساوي شيئا، وسنتحكم بهم. فرد: لا لن يقفوا.. سيفعلون الشيء نفسه. فقال ريغان: إذا كنا نحن المتقدمين عنهم علما لسنا ضامنين فكيف سيضمنون هم؟ قال: هم غير ضامنين أيضا. ففكر وقال: نحن غير ضامنين وهم كذلك، لكننا نستطيع الإنفاق على المشروع، فهل سيتمكنون من ذلك؟ ثم قال لوزير الخارجية: هل يمتلكون المال اللازم؟ أجابه: لا، حالتهم الاقتصادية متعبة. فقال ريغان: إذن هذا عظيم وسيساعدنا على إفلاسهم. وفعلا كان هو البرنامج الذي جعل الاتحاد السوفياتي ينهار في 1989 نتيجة لإفلاسه. وهذا ما أنهى الحرب الباردة. هذه القصة حكاها لي مكفرلن.
وقد رشحني ريغان لأن أكون المستشار القانوني لوزارة الخارجية، لكن اليهود أبلغوا ألكسندر هيغ، الذي كان وزيرا للخارجية، وأحدث أزمة بينه وبين البيت الأبيض في تلك المرحلة.
أستحضر الآن قصة أخرى عن صديق عزيز اسمه إبراهيم أبو لغد الذي كان أستاذا في جامعة نورثويسترن في شيكاغو، وكان فلسطينيا من القياديين في أميركا وفي فلسطين، وكان رجلا وطنيا. في هذه الفترة كان ابو لغد متواجدا في لبنان مع أبو عمار الذي كان محاصرا من قبل قوات شارون (1982). كانت معركة لبنان جارية، واستطاع أبو لغد الاتصال بزوجته من داخل بيروت، واتصلت هي بدورها بي بعد منتصف الليل، لتقول إن إبراهيم يبلغني أن هذه الساعات هي آخر ساعات لنا؛ لأننا محاصرون ونضرب بالمدافع باستمرار، وشارون سيقضي علينا كما فعلوا في تل الزعتر. قال لها قولي لشريف أمامنا ساعات قبل الإبادة، وكأننا في تل الزعتر. انتظرت حتى السادسة والنصف صباحا لأني كنت أعلم أن مكفرلن يبدأ عمله في هذا الوقت، لكنه وصل السابعة إلا ربعا. قال إنه يعلم ويتابع الموضوع ويقومون بالتفاوض. فقلت رجاء أريد أن أقابلك. قال: حسنا لكن لا وقت كثيرا لمقابلتك. ذهبت إلى واشنطن جوا، وكنت في مكتبه بعد الثالثة بعد الظهر. فقال إنهم وصلوا لمرحلة من التفاوض ستسمح لأبو عمار ومن معه من القياديين بالخروج على ظهر البواخر من لبنان متجهين نحو تونس، ونحن في المراحل النهائية من التفاوض. وحين كنت في مكتبه، أذكر أن السفير السعودي أتى لزيارته، لا أذكر اسمه، وأصبح بعدها وزيرا للصحة. دخل عليه وأبلغه أن المملكة والملك مهتمان جدا بالموضوع. وقال ستكون النتائج صعبة؛ بما معناه أنه قد يعاد الحظر على البترول كما حدث سنة 1973.
وتحدث بطريقة دبلوماسية وليس يستخدم لهجة تهديد. لكن كان واضحا ومفهوما ليس فقط وقف البترول، بل قد يصل الأمر إلى سحب أموال سعودية من أميركا ونقلها إلى وروبا.
وهنا نشير إلى أهمية الدور الذي لعبته السعودية في إخراج أبو عمار من لبنان نحو تونس. ولم يقلق السفير السعودي ولا المستشار من وجودي بل على العكس كانا سعيدين بي كشاهد، فالهدف كان إنسانيا وسياسيا، لأن الشعب الفلسطيني والعربي كان سيثور لو أن شارون أباد الآلاف.

المحكمة الخاصة بملاحقة صدام حسين وكبار المسؤولين في نظامه

بعد الغزو الأميركي للعراق، أخذت وزارة العدل الأميركية على عاتقها تنفيذ برنامج يهدف إلى إنشاء محكمة خاصة لملاحقة صدام حسين والمسؤولين الكبار في نظامه، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من البرامج المتعلقة باستعادة دور دولة القانون وإنشاء سجل بانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها النظام العراقي، إلا أن ملف محاكمة صدام حسين وكبار مسؤوليه هو الذي حظي باهتمام الولايات المتحدة.
أُسندت إلى بسيوني مهمة تحضير مسودة لائحة لإنشاء ما بات يُعرف بالمحكمة الجنائية العراقية العليا (IST) التي حاكمت في النهاية، صدام حسين وكبار المسؤولين في نظامه وأدانتهم. وقد قام بسيوني بتحضير مسودة اللائحة. وبما أنه كان يعمل في ذلك الوقت، على إنشاء محكمة جنائية دولية اعتمادا على عمله السابق على تحضير لائحة المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة بوصفه رئيس لجنة الخبراء ليوغوسلافيا السابقة، فقرر أن يضم ثلاثة جرائم منصوصا عليها في تلك الهيئات الدولية، وهي الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. وحيث إن مسودة لائحة المحكمة الجنائية الدولية لم تكن قد تمت الموافقة عليها بعد، فلم يكن تعريف الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي تعاقب عليها المحكمة الجنائية العراقية العليا هو التعريف نفسه بالكامل للجرائم الذي جرى الموافقة عليه في روما. وكانت تعريفات الجرائم التي تعاقب عليها المحكمة العراقية أقرب إلى تلك الجرائم المنصوص عليها في لوائح محكمة يوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا. لكن هذا لم يحل دون استكمال دوره في محكمة العراق.
ومن خلال المعهد الدولي للدراسات العليا في العلوم الجنائية، كلف بسيوني بتدريب جميع قضاة المحكمة الجنائية العراقية العليا، وكان بعض هؤلاء الذين جرى اختيارهم على أسس سياسية لا يمتلكون خبرة قضائية سابقة. لكن حتى أولئك الذي لم تكن لديهم خبرة سابقة بالقانون الجنائي الدولي، وكان عليهم بالتالي أن يفهموا الأسباب الجنائية التي يجب تحققها لإثبات الجرائم الثلاث المذكورة آنفا، إلى جانب القدر الأدنى من معايير العدل والإنصاف. جرى التدريب الأولي في مقر المعهد الدولي للدراسات العليا في العلوم الجنائية في مدينة سرقوسة الإيطالية، وتبعته حلقات تدريب أخرى في العراق.
واصل اﻟﻤﻌﻬد اﻟدوﻟﻲ ﻟﻘﺎﻨون ﺤﻘوق الإﻨﺴﺎن بكلية اﻟﺤﻘوق ﺒﺠﺎﻤﻌﺔ دي ﺒول الأميركية، الذي شارك بسيوني في تأسيسه عام 1990، والمعهد الدولي للدراسات العليا في العلوم الجنائية، الذي كان يديره في ذلك الوقت، واصلا العمل معا للاضطلاع بعدد من الأنشطة. وقام اﻟﻤﻌﻬد اﻟدوﻟﻲ ﻟﻘﺎﻨون ﺤﻘوق الإﻨﺴﺎن بعمل جزء من الأنشطة منفردا، بينما قام المعهد الدولي للدراسات العليا في العلوم الجنائية منفردا بعمل جزء آخر من تلك الأنشطة. كان اﻟﻤﻌﻬد اﻟدوﻟﻲ ﻟﻘﺎﻨون ﺤﻘوق الإﻨﺴﺎن يتلقى تمويله من وزارة الخارجية الأميركية، وتضمن مجال نشاطه إعادة تشغيل ثلاث كليات للحقوق في بغداد والبصرة والسليمانية في كردستان. وقد أشرف على إعادة تشغيل كليات الحقوق الثلاث تلك وإعادة بناء مرافق التربية البدنية والمكتبات القانونية وتطوير المناهج، وأخيرا عندما أُنجزت كل تلك المهام كنت سعيدا برؤية 4500 طالب يلتحقون بالثلاث كليات التي تعمل تحت إشراف اﻟﻤﻌﻬد اﻟدوﻟﻲ ﻟﻘﺎﻨون ﺤﻘوق الإﻨﺴﺎن.
في غضون ذلك، كان المعهد الدولي للدراسات العليا في العلوم الجنائية مشاركا المجلس الأعلى للقضاة في العراق في مشروع كبير، كان يهدف إلى تطوير السياسات والمناهج المعدة لتدريب القضاة، ووضع قواعد السلوك الأخلاقية للقضاة ووكلاء النيابة، وكذلك أساليب وطرق الإدارة القضائية. وفي هذا السياق عمل المعهد الدولي للدراسات العليا في العلوم الجنائية في العراق منذ عام 2002 حيث قام بإعداد 12 برنامجا للمساعدة الفنية في مجال حقوق الإنسان، مبدأ سيادة القانون وتحقيق العدالة في فترة ما بعد الصراعات. وقد شارك في تلك البرامج 725 شخصا ما بين فقهاء قانون وموظفين مسؤولين عن تطبيق القانون وفني عدالة ومسؤولين في الحكومة العراقية، بالإضافة إلى 195 خبيرا دوليا. وكان من بين ثمار تلك البرامج إصدار 10 إصدارات قانونية. وقد عمل المعهد الدولي للدراسات العليا في العلوم الجنائية على ربط حقوق الإنسان ومبدأ سيادة القانون وتحقيق العدالة في فترة ما بعد الصراعات بالعملية الوطنية الشاملة لإعادة إعمار العراق. وقد نسق المعهد جهوده مع جهود المحكمة العراقية العليا والحكومة العراقية وكليات الحقوق والجهات الأخرى التي تدعم بناء دولة سيادة القانون. وكانت هناك مساهمات محددة في مجالات أهمها إصلاح التعليم القانوني، والتدريب في مجال العدالة، وتطوير مؤسسات قانونية جديدة، وتدعيم المساواة بين الجنسين، بالإضافة إلى توفير المساعدة للمحكمة العليا ووزارة العدل في تطوير خطة شاملة لإصلاح قطاع العدالة. عمل المعهد الدولي للدراسات العليا في العلوم الجنائية على ترويج فكرة تبني أسلوب أكثر شمولية لمبدأ سيادة القانون كمكون محوري في عملية إعادة الإعمار الوطنية. وقام مستشارو المعهد الدولي للدراسات العليا في العلوم الجنائية بعمل أبحاث وتدريب لفكرة تحقيق العدالة والترويج لها في فترة ما بعد الصراعات، كما قاموا بابتكار عدد من المؤتمرات بشأن قضايا الحوكمة مثل الفيدرالية والأمن الداخلي وإدارتها، وتوفير دورات تدريبية وبرامج بناء القدرات لأعضاء المحكمة الجنائية الخاصة بالعراق (المحكمة الجنائية العراقية العليا الآن)، كما ساعدوا في تطوير برنامج شامل عن مبدأ سيادة القانون لنظام العدالة العراقي. جرى تنفيذ برامج المعهد الدولي للدراسات العليا في العلوم الجنائية للمساعدة الفنية بالتعاون مع والدعم المالي المقدم من وزارة الخارجية الأميركية، والمحكمة الخاصة بالعراق، ومكتب الاتصال الخاص بجرائم النظام، ووزارة العدل الأميركية، واﻟﻤﻌﻬد اﻟدوﻟﻲ ﻟﻘﺎﻨون ﺤﻘوق الإﻨﺴﺎن، ووزارة الخارجية الإيطالية، ووزارة شؤون حقوق الإنسان العراقية، ومصلحة إدارة الجرائم الخطيرة، ووزارة العدل الإيطالية، وﺒﻌﺜﺔ الاﺘﺤﺎد اﻷوروبي ﻟدﻋم ﺴﻴﺎدة اﻟﻘﺎﻨون ﻓﻲ اﻟﻌراق، والبعثة الأوروبية في العراق، وبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ووزارة الداخلية العراقية، ووزارة الداخلية المصرية، ووزارة التنمية الدولية البريطانية، والحكومة البريطانية، ووزارة الأمن العام ووزارة الداخلية الإيطالية.
وقد حصل اﻟﻤﻌﻬد اﻟدوﻟﻲ ﻟﻘﺎﻨون ﺤﻘوق الإﻨﺴﺎن على عدد من المنح من وزارة الخارجية الأميركية، واحدة منها في إطار التحقيقات، وهو مشروع عمل تسجيلات للتأريخ الشفهي لضحايا نظام صدام حسين. وقد نفذ هذا البرنامج تحت الإشراف المباشر لدانيال روزنبرغ، الذي كان يشغل منصب مدير مجلس إدارة المعهد في ذلك الوقت. تولى المشروع عمل لقاءات مع 5000 شخص من ضحايا نظام صدام حسين وسجل تجاربهم. ولم يكتمل المشروع بعد أن تركت رئاسة المعهد الدولي لقانون حقوق الإنسان، ولم تُنشر نتائجه أيضا.
مذكرات شريف بسيوني الحلقة (8)
مذكرات شريف بسيوني الحلقة (7)
مذكرات شريف بسيوني الحلقة (6)
مذكرات شريف بسيوني الحلقة (5)
مذكرات شريف بسيوني الحلقة (4)
مذكرات شريف بسيوني الحلقة (3)
مذكرات شريف بسيوني الحلقة (2)
مذكرات شريف بسيوني الحلقة (1)

 



مصر تؤكد رفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية

وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
TT

مصر تؤكد رفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية

وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)

أكدت مصر «موقفها الثابت والرافض للمساس بسيادة لبنان ووحدة وسلامه أراضيه، فضلاً عن دعم المؤسسات الوطنية للاضطلاع الكامل بمسؤولياتها في الحفاظ على أمن واستقرار لبنان». وشددت على «ضرورة منع التصعيد واحتوائه، ورفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية».

جاء ذلك خلال لقاء وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط، كلير لوجندر، على هامش «منتدى صير بنى ياس» في الإمارات، السبت.

وثمن عبد العاطي العلاقات الاستراتيجية بين مصر وفرنسا، معرباً عن التطلع لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري وزيادة الاستثمارات الفرنسية في مصر، فضلاً عن تعزيز التعاون في مختلف المجالات وفى مقدمتها قطاعات الصناعة والنقل والسياحة والثقافة والتعليم. كما رحب بقرب انعقاد الجولة الأولى من الحوار الاستراتيجي بين وزارتي الخارجية المصرية والفرنسية.

وفيما يتعلق بتطورات القضية الفلسطينية، رحب وزير الخارجية المصري بالموقف الفرنسي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، مبرزاً الجهود التي تقوم بها مصر لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وأكد «ضرورة تضافر الجهود الدولية لضمان تنفيذ قرار مجلس الأمن 2803 وسرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية في غزة للاضطلاع بمسؤوليتها ومهامها».

ونوه عبد العاطي بأهمية المضي في خطوات تشكيل لجنة التكنوقراط الفلسطينية لإدارة قطاع غزة. ولفت إلى أهمية ضمان نفاذ المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق إلى قطاع غزة في ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية، مشدداً على أهمية خلق الأفق السياسي للتوصل إلى تسوية عادلة ومستدامة للقضية الفلسطينية من خلال تنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

الشيخ عبد الله بن زايد خلال لقاء وزير الخارجية المصري في الإمارات (الخارجية المصرية)

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، السبت، تم التطرق خلال اللقاء إلى الأوضاع في السودان، حيث أطلع الوزير عبد العاطي المسؤولة الفرنسية على الجهود المصرية في إطار الرباعية بهدف تحقيق وقف إطلاق النار بما يسمح بإطلاق عملية سياسية سودانية شاملة، مؤكداً على ثوابت الموقف المصري بشأن حماية سيادة السودان، ووحدة وسلامة أراضيه، ورفض التقسيم، ودعم مؤسسات الدولة. وشدد على ضرورة توحيد الجهود الإقليمية والدولية لدفع مسار التهدئة والتوصل إلى وقف لإطلاق النار ونفاذ المساعدات الإنسانية. كما حرص وزير الخارجية على إطلاع المسئولة الفرنسية على نتائج زيارته الأخيرة للبنان.

وقال وزير الخارجية المصري خلال زيارته إلى العاصمة اللبنانية بيروت، الشهر الماضي، إن بلاده تنظر إلى لبنان بعدّه ركناً أساسياً في منظومة الأمن والاستقرار الإقليمي، مؤكداً على أن صون سيادته واستقلال قراره الوطني يظلان أولوية ثابتة في السياسة الخارجية المصرية.

في سياق آخر، التقى عبد العاطي، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، مساء السبت. وتناول اللقاء آفاق تعزيز العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين الشقيقين والبناء على ما تشهده من زخم إيجابي في مختلف المجالات، في ضوء ما يجمع القيادتين والشعبين من روابط راسخة وشراكة استراتيجية.

وبحسب «الخارجية المصرية»، السبت، تبادل الجانبان الرؤى حول عدد من القضايا والملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والأوضاع في الضفة الغربية وتنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس ترمب للسلام في قطاع غزة، فضلاً عن تطورات الأوضاع في السودان والتنسيق القائم في إطار الرباعية، والأوضاع في اليمن وسوريا وليبيا. واتفق الوزيران على «أهمية مواصلة التنسيق والتشاور لدعم جهود تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وتعزيز العمل العربي المشترك».


«قوة استقرار غزة»... اجتماع مرتقب بالدوحة لسد الفجوات

أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
TT

«قوة استقرار غزة»... اجتماع مرتقب بالدوحة لسد الفجوات

أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)

تستضيف العاصمة القطرية، الدوحة، اجتماعاً عسكرياً، الثلاثاء، لبحث «تشكيل قوة الاستقرار» في قطاع غزة التي تنص عليها خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام، التي دخلت حيز التنفيذ 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ولاقت دعماً من مجلس الأمن في نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت.

ذلك الاجتماع المرتقب يأتي وسط ضبابية بشأن مستقبل تلك القوات وتعثر الانتقال للمرحلة الثانية، ويراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» محاولة لسد فجوات، منها مهام تعترض عليها فصائل فلسطينية مرتبطة بالوجود داخل القطاع أو نزع السلاح، بخلاف وجود «فيتو إسرائيلي» على مشاركة دول بينها تركيا، وسط تباين بشأن قدرة الاجتماع على تقديم حلول ناجزة، في ظل عدم اتفاق سياسي على الانتقال للمرحلة الثانية، وترقب نتائج لقاء ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أواخر هذا الشهر.

وتوقع مسؤولون أميركيون نشر هذه القوات مطلع العام المقبل، بعد بحث التفاصيل خلال اجتماع للقيادة المركزية الأميركية، بمشاركة عدد من الدول، في العاصمة القطرية، الدوحة، الثلاثاء، وفق ما أوردت وكالة «رويترز».

وقال مسؤولان أميركيان للوكالة، أخيراً، إنه من المتوقع أن ترسل أكثر من 25 دولة ممثلين عنها للمشاركة في الاجتماع الذي «سيتضمن جلسات لمناقشة هيكل القيادة، وقضايا أخرى متعلقة بقوة الاستقرار في غزة»، لافتين إلى أن «قوة الاستقرار الدولية لن تقاتل حركة (حماس)، وأن دولاً كثيرة أبدت رغبتها في المساهمة فيها».

ونقل موقع «أكسيوس»، الجمعة، أن مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، الذي زار إسرائيل أخيراً، أبلغ نتنياهو ومسؤولين آخرين بأن إدارة ترمب ستتولى قيادة ما تُعرف باسم «قوة الاستقرار الدولية» وستعين جنرالاً قائداً لها.

ويعطي قرار تبناه مجلس الأمن الدولي في 17 نوفمبر الماضي تفويضاً «لمجلس سلام» في غزة والدول التي تتعاون معه، من أجل تأسيس «قوة استقرار دولية» مؤقتة في القطاع.

وسبق أن تحدثت القناة الـ«14» الإسرائيلية أواخر نوفمبر الماضي، بأن الولايات المتحدة الأميركية حددت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لبدء انتشار «قوة الاستقرار الدولية» في غزة، ونهاية أبريل (نيسان) المقبل موعداً نهائياً لإتمام عملية نزع السلاح من القطاع، مشيرة إلى أن ذلك طموح منفصل عن الواقع، في إشارة لإمكانية تأجيله مجدداً.

صبيَّان يحتميان من المطر وهما جالسان على عربة يجرُّها حمار في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

رئيس «المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية»، العميد سمير راغب، يرى أن اجتماع الدوحة سيركز على «سد الفجوات» مثل عدم تعيين قائد للقوة، رغم أن التسريبات تشير إلى أنه أميركي، فلا مهام محددة بشأن القوة حتى الآن، كما أنه لم يتم تشكيل «مجلس السلام» الذي صدر له التفويض الأممي بتشكيل القوة، بجانب وجود «فيتو إسرائيلي» على مشاركة تركيا، وهذا يعرقل مسار تحديد الدول، بخلاف عدم حسم قضايا سياسية مرتبطة بنزع السلاح.

وأشار إلى أن حديث انتشار القوات بداية العام يكون صحيحاً إذا كنا قد عرفنا الآن مهام وتسليح القوات، وباتت تتجمع هذه الأيام، وبالتالي نحن بصدد ترتيبات ستأخذ ربما شهرين لتحقيق انتشار لو حُسمت الملفات السياسية.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن اجتماع الدوحة بشأن تلك القوات يناقش سد الفجوات «لكنه يشكل إطاراً عاماً للتعايش معها، وليس لحلها»، موضحاً أن الفجوات تتعلق بكيفية الانتشار ومهام القوات، وهل ستنزع سلاح «حماس» وتبدأ الانسحابات. ونبه إلى أن هذا الاجتماع قد يحسم التشكيل والتمويل، و«لا يعني مشاركة 25 دولة فيه أن هناك موافقة على الانخراط في القوة؛ لكن ستتم مناقشة الخطوط الأولية».

منظر عام لمخيَّم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بغزة (أ.ف.ب)

وعلى هامش مشاركته في «منتدى صير بني ياس» بالإمارات، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، السبت: «ضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وأهمية تشكيل قوة الاستقرار الدولية»، وذلك خلال لقاء المدير العام لـ«أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية»، والمنسق الأممي الخاص السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، وفق بيان لـ«الخارجية المصرية».

وهذا التأكيد ليس الأول من نوعه من جانب مصر؛ حيث أعلنته أكثر من مرة أخيراً.

وردت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، على الصحافيين أخيراً بشأن تطورات اتفاق غزة، قائلة إن «هناك كثيراً من التخطيط الهادئ الذي يجري خلف الكواليس في الوقت الحالي للمرحلة الثانية من اتفاق السلام... نريد ضمان سلام دائم ومستمر».

وأوضح راغب أن المرحلة الأولى لم تنتهِ بعد، وهناك أمور سياسية لم تُحَل، لافتاً إلى أن «قمة ترمب-نتنياهو» المقررة نهاية هذا الشهر ستكون فاصلة في المرحلة الثانية، وتشكيل القوات، ورفع «الفيتو»، وإنهاء الفجوات.

أما نزال فيرى أن المرحلة الثانية لم تنضج بعد، والهدوء الأميركي في المناقشات محاولة لتفادي الفشل من أي إعلان قد يُحدث ضجة عند أي طرف، في ظل ريبة فلسطينية مما يُعد في الكواليس، متوقعاً أن تزداد مساعي الوسطاء تجاه الانتقال للمرحلة الثانية بأقل تكلفة ومخاطرة، وهذا سيتضح عقب لقاء ترمب بنتنياهو.


حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
TT

حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

يترقَّب الشارع اليمني أن تُكلَّل الجهود التي تقودها السعودية، بشراكة مع الإمارات، بنزع فتيل التوتر وإنهاء التصعيد في حضرموت والمهرة على خلفية التحركات الأحادية الميدانية التي قام بها المجلس الانتقالي الجنوبي في الأيام الماضية، التي أدت إلى إرباك معسكر الشرعية اليمنية، وسط مخاوف من أن يقود ذلك إلى تبعات اقتصادية وإنسانية وأمنية في ظل تربص الجماعة الحوثية بالمناطق المُحرَّرة.

جاء ذلك غداة حراك سياسي وعسكري مكثَّف في إطار الجهود السعودية - الإماراتية الرامية إلى احتواء التوتر في المحافظات الشرقية، وذلك مع وصول فريق عسكري مشترك إلى عدن، وعقد لقاءات رسمية مع قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي، بالتوازي مع لقاءات في حضرموت مع قيادات محلية وقبلية، في مسعى لإعادة تطبيع الأوضاع ومنع انزلاقها إلى مزيد من التصعيد.

وجاءت هذه التحركات في وقت تشهد فيه محافظتا حضرموت والمهرة توتراً متزايداً على خلفية تحركات ميدانية للمجلس الانتقالي الجنوبي، وما أعقبها من مواجهات وأحداث أمنية، دفعت «تحالف دعم الشرعية» إلى تكثيف مساعيه السياسية والعسكرية لفرض التهدئة، والحفاظ على وحدة مؤسسات الدولة في المناطق المُحرَّرة.

الزبيدي استقبل في عدن وفداً عسكرياً سعودياً إماراتياً مشتركاً (سبأ)

في هذا السياق، استقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي، وهو رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في القصر الرئاسي بعدن، قيادة القوات المشتركة لـ«تحالف دعم الشرعية»، يتقدمهم اللواء الركن سلطان العنزي، واللواء الركن عوض الأحبابي، بحضور عضو مجلس القيادة عبد الرحمن المحرمي، ورئيس هيئة التشاور والمصالحة محمد الغيثي، ورئيس اللجنة العسكرية والأمنية المشتركة العليا اللواء هيثم قاسم طاهر.

ووفق مصادر رسمية، ناقش اللقاء سبل توحيد الجهود لمواجهة التحديات التي تهدِّد أمن اليمن والمنطقة، وفي مقدمتها الإرهاب، وتهريب الأسلحة، والتهديدات التي تمس المصالح الدولية وحرية الملاحة، إلى جانب آليات تعزيز التنسيق العسكري والأمني بين القوات اليمنية والتحالف.

وأشاد الزُبيدي بالدور الذي تضطلع به دول التحالف بقيادة السعودية والإمارات، مؤكداً أهمية الشراكة القائمة في دعم القوات اليمنية، بينما أكدت قيادة القوات المشتركة دعمها المستمر للقوات المسلحة اليمنية في مواجهة الميليشيات الحوثية، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز الاستقرار في المرحلتين الحالية والمستقبلية.

بيان رئاسي

بالتوازي مع هذه التحركات، جدَّد مصدر مسؤول في مكتب الرئاسة اليمني الإشادة بجهود السعودية لخفض التصعيد وإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية، وذلك بعد وصول الفريق العسكري السعودي - الإماراتي إلى عدن.

وأوضح المصدر أن الزيارة تأتي ضمن جهود الرياض وأبوظبي لتعزيز وحدة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، ومعالجة تداعيات الإجراءات الأحادية الأخيرة، بما يضمن عودة الأوضاع إلى مسارها الطبيعي، وتمكين السلطات المحلية والحكومة من أداء مهامها وفقاً للدستور والقانون.

وأشار البيان إلى أن المشاورات الجارية تتناول معالجة مسألة القوات المُستقدَمة من خارج المحافظات الشرقية، وسبل مغادرتها، إضافة إلى تمكين مؤسسات الدولة من ممارسة صلاحياتها الحصرية، واحترام المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي خلال حشد في عدن (أ.ف.ب)

وحذَّر المصدر من أن أي تصعيد إضافي من شأنه تبديد المكاسب المُحقَّقة، وصرف الانتباه بعيداً عن المعركة ضد جماعة الحوثي، وتقويض جهود الإصلاحات الاقتصادية، ومفاقمة الأزمة الإنسانية في البلاد، مؤكداً حرص قيادة الدولة على تغليب الحلول السياسية، ودعم الجهود السعودية - الإماراتية، والعمل الوثيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين.

آليات مرتقبة للحل

أفادت مصادر مطلعة بأن الفريق العسكري السعودي - الإماراتي يبحث وضع آليات تنفيذية لخروج القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي من محافظتَي حضرموت والمهرة، وإعادتها إلى مواقعها السابقة، إلى جانب ترتيبات لتسليم بعض المواقع لقوات «درع الوطن»، في إطار إجراءات منسقة تهدف إلى إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التصعيد.

كما عقد الوفد السعودي، برئاسة اللواء الدكتور محمد القحطاني، لقاءً موسعاً في حضرموت مع قيادة السلطة المحلية برئاسة المحافظ سالم الخنبشي، وقيادات الكتلة البرلمانية ومجلس الشورى، ومرجعيات قبائل حضرموت، ومشايخ وأعيان الوادي والصحراء.

وأكد المحافظ الخنبشي أن زيارة الوفد السعودي تمثل دعامةً لأواصر الأخوة بين البلدين، مشيداً بمواقف المملكة الداعمة لحضرموت في هذه الظروف، بينما شدَّد رئيس الوفد السعودي على أن اللقاءات تأتي في إطار فرض التهدئة، ورفض أي تشكيلات عسكرية خارج نطاق الدولة، والحفاظ على أمن واستقرار المحافظة.

رئيس الوفد السعودي في حضرموت اللواء محمد القحطاني يلتقي قيادات قبلية ومحلية (سبأ)

وأشادت القيادات البرلمانية والقبلية بالموقف السعودي، عادّةً أن هذه التحركات تمثل تطميناً للمواطنين، وتؤكد الحرص على معالجة تداعيات دخول قوات من خارج المحافظة، والحفاظ على النسيج الاجتماعي.

في المقابل، نعت رئاسة هيئة الأركان العامة اليمنية عدداً من منتسبي المنطقة العسكرية الأولى، الذين سقطوا خلال مواجهات وصفتها بأنها اعتداءات نفَّذتها مجاميع تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، مشيرةً إلى سقوط 32 قتيلاً و45 جريحاً، إضافة إلى مفقودين، ومؤكدة التزام القوات المسلحة بواجباتها تحت قيادة الدولة ووفقاً للدستور والقانون.

وفي موقف سياسي لافت دعا أحمد علي عبد الله صالح، وهو النجل الأكبر للرئيس اليمني الأسبق، جميع الأطراف اليمنية، إلى وقف التصعيد وضبط النفس، والعودة إلى الحوار، محذِّراً من أن استمرار التوتر في المحافظات الشرقية لا يخدم استقرار البلاد، ولا جهود توحيد الصف في مواجهة الحوثيين والتنظيمات الإرهابية.