من زيرو مصطفى إلى روجر إيبرت مرورا بباريس

جردة أفلام نصف السنة

من «دبلوماسية»  -  من «ليسا ليمون وبرتقال مغربي: قصة حب سريعة».
من «دبلوماسية» - من «ليسا ليمون وبرتقال مغربي: قصة حب سريعة».
TT

من زيرو مصطفى إلى روجر إيبرت مرورا بباريس

من «دبلوماسية»  -  من «ليسا ليمون وبرتقال مغربي: قصة حب سريعة».
من «دبلوماسية» - من «ليسا ليمون وبرتقال مغربي: قصة حب سريعة».

منذ مطلع العام وإلى هذا الأسبوع، شهدت السوق الأميركية عرض 140 فيلما في صالات السينما وعشرات كثيرة في سوق الأسطوانات المدمجة، إنه المعدل ذاته في كل عام؛ حيث تنطلق الأفلام صغيرة وكبيرة ومتوسطة، ومن كل اتجاه ونوع لاحتلال شاشات السينما في شمالي القارة الأميركية كما حول العالم، والرقم المذكور هو فقط للأفلام المنتجة أميركيا، وليس لتلك المستوردة للعرض في الصالات الأميركية، هذه تصل إلى 27 فيلما رئيسا إلى اليوم، منها الفيلم الفلسطيني «عمر»، والبريطاني «لوك»، والإيطالي «إلقِ اللوم على فرويد».
وليست جميعها أفلام روائية، ولو أن هذا دائما هو الغالب، بل هناك التسجيلي وبالطبع الكثير من أفلام الأنيميشن، والنتيجة هي خلطة معقولة ومتوقعة في سوق زاخر يتحمل صالات تعرض المحدود كما العروض السائدة على حد سواء.
والأسواق العالمية بدورها تعرض الكثير من كل ذلك وفوقه الأفلام المنتجة محليا، فالسوق الفرنسية لديها مئات الأفلام المعروضة كل أسبوع، وبذلك تحافظ على صيتها بصفتها عاصمة للعروض السينمائية العالمية، وإذ تنتقل ما بين السان جرمان والشانزليزيه أو بين روتردام ونواحي مونبرناس، تجد الكثير مما تبحث عنه في تلك الصالات الصغيرة التي تعتقد أن أحدا لم يعد يؤمها؛ صالات تعرض فيلما قديما لإيليا كازان أو برنامجا من الأفلام البولندية أو تظاهرة لنوع الفيلم نوار أو إعادة لأفلام الحرب الفرنسية القديمة، قد تسأل نفسك «من يهتم؟». ادخل إذن وشاهد بنفسك أن هناك من يهتم. الكثيرون ممن يهتمون حقا، أمر مفقود في تربتنا العربية اللاهثة فقط وراء ثلاث جنسيات في مقدّمتها الأميركية وتليها، عن مسافة، الهندية والمصرية.
طبعا «السائد» اسمه كذلك لأنه يسود، ولا يمكن نكرانه ولا نسعى لذلك. والأشهر الستة التي انقضت على مطلع العام الحالي كافية لمعرفة كيف يتبدى نوعيا، ما هي الأعمال التي ارتفعت بمقوماتها الفنية، وما هي تلك التي سقطت بسبب فقدانها لتلك المقومات، لكن الاختيارات اللاحقة لا تتألف منها فقط، بل مما شوهد حتى الآن من كل نوع واتجاه.

* الثلاثة الأولى
* «فندق بودابست العظيم»
زيرو مصطفى، الشخصية المحبوبة في فيلم وس أندرسون البديع «فندق بودابست العظيم»، تساهم في خلق جو خاص لحكاية فانتازية تقع في عالم شائك يبدو جنوحا في الغرابة كما ينطق في الوقت ذاته بالواقع (وليس الواقعية). صبي الفندق الكائن في بعض مرتفعات الألب ورئيسه مدير الفندق (ليام نيسون) يتوغلان في مغامرة تخلع عليهما رداء الصداقة في فيلم لا يتوقف عن مداعبة المشاهد بشخصياته ومفارقاته.
* «دبلوماسية»
كان بعيدا عن الولع باللمعان الإعلامي، عرض المخرج الألماني فولكر شلندروف عملا خاصا ورائعا بعنوان «دبلوماسية»: باريس في ليلة 24 من أغسطس (آب) سنة 1944. الجنرال فون شولتيتز خطط لنسف المدينة مع اقتراب قوات التحالف. المستشار راوول نوردينغ يتسلل إلى مكتب الأول وطوال ساعة ونصف الساعة يحاول إقناعه بعدم إصدار هذا الأمر. تمثيل نيلز أرستروب وأندريه دوسولييه جزء من التكوين الفني العام لهذه المسرحية التي أجري تفليمها بحرص شديد لصنع فيلم ينتمي إلى نوعية نادرة بعيدة تماما عما يروج في الأسواق أو ما قد يثير اهتمام المهرجانات معا.
* «ليفياثان»
يمكن تناول الفساد الإداري في أي بلد، لكن في دولة مثل روسيا، اعتقد الكثيرين أنها ستندمج مع دواعي التغيير بعد الحقبة الشيوعية، فإن المسألة تختلف، وتختلف أكثر إذا ما كان هذا النقد محاطا بإدمان الكاميرا على التقاط أفضل ما يمكن توفيره بصريا من جماليات. إنه عن ذلك الرجل الذي يواجه فسادا إداريا ليكتشف أيضا أن حياته العائلية مخترقة، حين تأتي الجرافة لهدم منزله، تبدو مثل وحش كاسر يأكل أعماقه. فيلم رائع لأندريه زفيغانتسيف.

*سينما الأنواع
هوليوود هي مرتع سينما الأنواع، هناك عشرات منها، من بينها البوليسي، والأكشن، والوسترن، والرعب، والخيال العلمي، والدراما الاجتماعية، والدراما العاطفية، والكوميديا، ومثل كل سنة كان هناك، من بين ما عرض في الأشهر الستة السابقة، ما يستحق الإشادة في كل نوع.
* بوليسيا
«أليست تلك الأبدان ملائكية» لديفيد فلاوري يقف على قمة الأعمال البوليسية، انطلق لعروض محدودة قبيل نهاية العام وبمعجزة بقي لأسبوع أو أسبوعين في بعض صالات سنست بوليفارد في هوليوود.
* رسوم متحركة
كلها باتت تتشابه، لكن أفضلها فيلمان من عروض مهرجان أنيسي: «ليسا ليمون والبرتقال المغربي: قصة حب سريعة» لمايت لاس، والثاني «إلى أن يفرق بيننا سبورينو» لأوتو غويرا وإنيو توريسان، الأول من استونيا ويدور حول صبي لاجئ من الساحل المغاربي عبر مركب صغير تحطم قبل وصوله إلى الشاطئ الإيطالي، يقع في أسر إدارة مصنع لمعجون البندورة؛ حيث يعامل كعبد. الثاني برازيلي حول بلد صغير مجهول يقع خلف جبل عال، عندما ينهار وينكشف أمره يسارع المستثمرون الآتون من البلد المجاور إلى الاستثمار فيه، إنه عن كيف يؤثر ذلك على الحياة والثقافة ولا ينسى تقديم قصة حب تمتد كعمود فقري.
أميركيا، تتشابه التقنيات والمواضيع كثيرا لكن أحد الأكثر تميزا وفانتازية «كيف تدرب تنينك 2» للأميركي دين ديبوا، يعود إلى حكايات الفايكنغ ويحتفي بسخافة مفارقاته إنما على نحو كوميدي لطيف.
* خيال علمي
على كثرة ما عرض فإن «غودزيللا» لغارث إدواردز لا يزال الأفضل، لا يهم أن «ترانسفورمرز 4» و«رجال إكس: أيام الماضي المقبل» حققا شعبية أعلى، إنه الأفضل من حيث معرفته كيف لا يزال قادرا على إثارة الدهشة.
«حافة الغد» لدوغ ليمان لا بأس به، لا تتوقع أنه سيتحسن لكنه يفعل ذلك واضعا حكاية بطله توم كروز وسط إعصار من الحلقة المفرغة ليكسرها في الوقت المناسب ويمنع عنها التكرار والضجر.
* تسجيلي
«الحياة ذاتها» لستيف جيمس هو الأفضل هذا العام من بين حفنة من الأعمال التي شوهدت (معظمها في مهرجاني برلين وكان)، ليس لأنه عن زميل ناقد (روجر إيبرت)، بل لأنه يستعرض من خلال حياته مواقفنا وأحلامنا وإحباطاتنا أيضا.
سينما عربية
آسف. لا يوجد.

… أما الأسوأ فهو
* هل سمعت عن «حب بلا نهاية»؟ إنه ركاكة بلا نهاية فعلا، وماذا عن «ليلة سهر الأمهات»؟ أو «أكاديمية مصاصي الدماء»؟ يتجاوزها جميعا «مليون طريقة للقتل» ويجاورها الإيطالي «إلق اللوم على فرويد»، وقبل أن يتوه وسط الزحام «بعد الإشارة الصوتية» شيء هولندي جرى عرضه في مهرجان روتردام ومثيلا أرجنتينيا له هو «تاريخ من الخوف» عرضه برلين.



شاشة الناقد: الذكاء الاصطناعي

«ذكاء إصطناعي» (وورنر)
«ذكاء إصطناعي» (وورنر)
TT

شاشة الناقد: الذكاء الاصطناعي

«ذكاء إصطناعي» (وورنر)
«ذكاء إصطناعي» (وورنر)

A.I. ARTIFICIAL INTELLIGENCE ★★★⭐︎

* إخراج: ستيفن سبيلبرغ

* الولايات المتحدة | 2001 | استعادة

انتُخب قبل أيام «ذكاء اصطناعي» بوصفه أحد أفضل 100 فيلم في التاريخ، وذلك على موقع (Indiwire) المعروف. سبق له أن ورد في قائمة مجلة «Sight and Sound» قبل 4 سنوات، وهي بدورها من أهم وأشهر من بقي من مجلات السينما الورقية في العالم.

في عام 2001 ذُهل النقاد بهذا الفيلم المصنّف، بلا تردّد، بالخيال العلمي. كانت إحدى المرات الأولى التي يسمع معظم الناس بها كلمة «ذكاء اصطناعي» والمخرج سبيلبرغ أحسن اختيار العنوان والفيلم بوصفه مشروعاً ورثه عن ستانلي كوبريك (The Shining وEyes Wide Shut) الذي - من بعد سنوات عديدة من العمل عليه اقترحه على سبيلبرغ ومدّه بالتصاميم التي وضعها والمعالجات التي كتبها.

كان طبيعياً أن يصبّ المشروع المقتبس عن رواية «Supertoys Last All Summer Long» القصيرة وضعها برايان ألديس سنة 1969 في بحيرة كوبريك، وما اشتغل عليه في فيلمه الشهير «2001: أويسا الفضاء» (1968) حول خطر التكنولوجيا متمثلاً بالكمبيوتر المتقدم على الإنسان وقدراته الذهنية. وضع السيناريو والتصاميم الفنية ورسم كل شيء تمهيداً لتحقيقه لولا انشغاله في الوقت نفسه بما أصبح لاحقاً فيلمه الأخير «عينان مغلقتان واسعاً» (1999). الذي يتعامل فيه حول الرجل (توم كروز) الباحث عن هويّته بين الخيال والواقع.

إذ أقدم سبيلبرغ على تحقيق الفيلم بنى السيناريو الذي كتبه بنفسه على حكاية الولد المصنوع في المختبرات ديڤيد (هايلي جووَل أوزموند، مُذهل)، في إيجاز شديد لفيلم يتجاوز الساعتين. هو روبوت فريد من نوعه صُنع ليحب. يُباع لعائلة تفتقد ابنها الطبيعي مارتن الذي يرقد في المستشفى. تتبناه ويتعلّق ديڤيد بحب أمّه بالتبني، لكن خروج مارتن من المستشفى يدفع العائلة للتخلي عن ديڤيد وتركه وحيداً في عالم موحش يهرب منه إلى أعماق البحر بحثاً عن الجنية الزرقاء التي ستحوّله إلى إنسان حقيقي ليعود إلى «أمّه» آدمياً. بعد ألفي سنة تكتشفه مخلوقات فضائية هبطت الأرض وتحقق له حلمه.

سَعيُ ديڤيد للتحوّل إلى بشر حقيقي مستوحى من حكاية «بينوكيو» التي قرأتها له أمه (فرنسيس أوكونور). في نهاية رواية كارلو كولودي (1883) يتحوّل بينوكيو من ولد - خشب إلى بشر من لحم ودم، وهذا ما يبقى في بال ديڤيد وهو يسعى لتقليد مارتن في كل شيء استجداءً لحب أمّه. لكن هذه كانت وافقت على طلب زوجها بالتخلي عنه مكرهة، مدركة أن البيت لن يتَّسع لولدين وعليها اختيار ابنها الطبيعي وليس الصناعي.

تقود الأم سيارتها إلى غابة خطرة وتترك ديڤيد هناك رغم توسلاته. كلاهما يبكي لكنها ستُقدم على ما قرّرته تاركة ديڤيد لمصيره المجهول. تزداد رغبة الصبي في الارتقاء من آلي إلى حيّ ومن ثم تتحقق بعد ألفي سنة بقي خلالها هامداً لا يموت بفضل مساعدة تلك المخلوقات على الإتيان بشخص الأم المتوفاة.

عدا تأثير بينوكيو هناك كل ما يخطر على بال المُشاهد المزوّد ثقافياً من عقدة أوديب إلى موضوع الطفولة الباحثة عن مصيرها إلى موضوع البحار.

عقدة أوديب مقترحة في الـ45 دقيقة الأولى من خلال تعلّق ديڤيد بأمه. نُفورُ والده (بالتبني) منه تدريجياً، ثم شعور ديڤيد بالغيرة من مارتن الذي يُجيد فعل كل شيء على نحو أفضل.

أما موضوع الطفولة الباحثة فنجده مزروعاً (بعناية) في أفلام عدة لسبيلبرغ. هو في «هوك» (Hook) في 1991، و«إنديانا جونز والحملة الصليبية الأخيرة» (Indiana Jones and the Last Crosade) في 1989. كما في «إي تي، خارج الأرضي» (E.T. The Extr-Terrestrial في 1982). المثال الواضح كذلك نراه في «إمبراطورية الشمس» (Empire of the Sun) في 1987 الذي يبحث فيه فتى صغير عن والديه بعدما غزا الجيش الياباني الصين وانفصل عنهما.

البحار هي أيضاً من بين ما يتكرر في بعض أفلام سبيلبرغ محفوفة برموز الخطر والموت. في «ذكاء اصطناعي» يتجلّى ذلك بلجوء ديڤيد إلى البحر والبقاء في قاعه. يوعز المشهد بمشاهد أخرى وردت في «Jaws» سنة 1975 (الأطفال في خطر) والأهم في «دائماً» (Always) في 1989 من خلال مشهد سقوط طائرة في البحر وعدم قدرة قبطانها على الخروج منها. وهناك مشهد غرق سفينة في «أميستاد» (Amistad) تحمل عبيداً من أفريقيا (1997) ومقتلهم جميعاً.

كل هذا يرد في «ذكاء اصطناعي» من خلال حكاية تموج ما بين مؤثرات خاصّة رائدة (في ذلك الحين) وعواطف عاتية ومرتفعة تؤمّها مشاهد مطوّلة في بيت العائلة، ثم أخرى طويلة أيضاً عند نهاية الفيلم.

في حين تلعب المؤثرات كل ما هو مطلوب منها في فيلم من الخيال العلمي، مثل حال هذا الفيلم، لا تؤدي المشاهد العاطفية إلا أدواراً مرحلية. مشهد الفراق الصعب عندما تتخلّى الأم عن ديڤيد رغم توسلاته يصيب عاطفة المشاهدين بسبب توقيته كما بسبب تأييد المُشاهدين لديڤيد. لكن ما يلي من مغامرات في كنف ميدان لجماهير حاشدة يتم فيه التضحية بمن يُقبض عليهم من روبوتس وميكانيكيين آخرين لا علاقة فعلية له بما يقع، وسيبقى تحوّلاً مرحلياً من الحكاية الأم (ورموزها المذكورة آنفاً) إلى صنو المغامرات. يخدم ذلك الفصل تفعيل التشويق وحس المغامرة لكنه يودي بالمضمون العميق للحكاية إلى قاع.

مشاهدتي الأولى للفيلم (في يوليو/ حزيران، 2001 التي تبعها لقائي مع ستيفن سبيلبرغ) أذهلتني. الآن أشعر أن الفيلم كان رائداً وجيّدَ التنفيذ لكن «العاطفية» التي تشوب العديد من أعمال المخرج تدخلت طويلاً وأنتجت في النهاية مشاهد لا ضرورة لها.

* عروض: منصّة Apple‪+‬

«في ظلال بيروت» (ARTE)

في الصالات

* In the Shadow of Beirut ★★★ - فيلم تسجيلي حُقّق قبل عامين يرى النور حالياً ويدور حول أم لبنانية وابنتها تعيشان في مخيم صبرا. الفتاة مريضة والأم لا تستطيع معالجتها.

* Better Man (لم يُشاهد بعد) - سيرة حياة المغني البريطاني روبي ويليامز الذي قرّر الظهور كقرد على المسرح لأسباب نفسية وحقق نجاحاً.

* September 5 ★★ - عودة إلى أحداث أولمبياد ميونيخ 1972 إنما من زاوية تغطية الإعلام الأميركي لها. مضج ومتكلّف ويفتقر إلى موقف.

* Wolf Man ★ - فيلم رعب عن رجل يَرِث منزلاً يأوي إليه ثم تنتابه حالات مفزعة. يبدأ واعداً وينحدر بعد ذلك سريعاً.