إجماع سني رافض للتعدي على صلاحيات رئيس الحكومة

رداً على ضغوط يتعرض لها الحريري في عملية التشكيل الوزاري

من اجتماع سابق بين الرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري بعد تكليفه تشكيل الحكومة (رويترز)
من اجتماع سابق بين الرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري بعد تكليفه تشكيل الحكومة (رويترز)
TT

إجماع سني رافض للتعدي على صلاحيات رئيس الحكومة

من اجتماع سابق بين الرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري بعد تكليفه تشكيل الحكومة (رويترز)
من اجتماع سابق بين الرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري بعد تكليفه تشكيل الحكومة (رويترز)

في ضوء شد الحبال السياسية وفرض الشروط الوزارية في عملية تشكيل الحكومة اللبنانية، برز جدل حول صلاحيات رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ومهامه ومحاولة البعض الالتفاف عليها. وعبّرت مواقف الحريري وحلفائه كما خصومه من الطائفة السنية عن مواقفها، محذّرة من التمادي في ذلك، كما أكدت أن مهمة التشكيل هي من صلاحية الرئيس المكلف وحده بالتشاور مع رئيس الجمهورية، فيما حمّل البعض الآخر مسؤولية ما يحصل للحريري نفسه الذي يفسح المجال لهذه «التعديات».
وإضافة إلى محاولات فرض المطالب الوزارية برزت مواقف عدة منها المطالبة بتوحيد المعايير، ووضع مهلة للتأليف وصلت إلى حد التلويح بسحب التكليف من الحريري. كما لوح وزير الخارجية جبران باسيل بتشكيل حكومة أكثرية واستبعاد الأطراف الأخرى، وهو ما رأى فيه الفرقاء تعديا على صلاحية الحريري. كذلك، جاء تلويح رئيس مجلس النواب نبيه بري بإطلاق عمل مجلس النواب في ظل حكومة تصريف الأعمال، وهو ما لاقى بدوره رفضا حتى من خصوم الحريري على غرار رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي الذي حذّر من القيام بهذه الخطوة.
وكان واضحا يوم أمس الموقف الذي أطلقه مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان والذي سبق أن كرره مرات عدّة وهو أن الرئيس المكلف هو صاحب القرار والخيار في عملية التشكيل، بالتشاور مع رئيس الجمهورية، داعيا إلى تشكيل حكومة ثقة تؤسس لمرحلة جديدة، ومشددا على أن مسؤولية التأخير في التأليف لا يتحملها الحريري وحده.
وفي خطوة لافتة، ولمواجهة ما يرى فيه البعض تعديا على مهمة الحريري، كان قد سجّل لقاء قبل نحو شهرين جمع الحريري مع رؤساء الحكومات السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، بدعم من دار الفتوى، أكد خلاله المجتمعون التفافهم ودعمهم لمهمة الحريري وصلاحياته في تشكيل الحكومة.
ورأت مصادر رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي أن هناك محاولات غير علنية للتعدي على صلاحيات رئيس الحكومة المكلف، واضعة إياها في خانة «جس النبض» لفرض أعراف جديدة أو تعديل في اتفاق الطائف انطلاقا من مبدأ، ما لم نأخذه في الطائف قد نحصل عليه اليوم. وأكدت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» رفض ميقاتي هذا الأمر وتمسكه بالصلاحيات الدستورية بغض النظر عن مذهب وطائفة الرئيس المكلف، وقالت «ليس من مصلحة أي طرف فتح بات تعديل اتفاق الطائف لأن هذا الأمر ستكون له تداعيات سلبية».
ومع تأكيد مصادر «حزب القوات اللبنانية» أن محاولات التعدي على صلاحيات الرئيس المكلف لن تجدي نفعا حذّرت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» من «أن خطورتها تؤدي إلى اصطفافات طائفية، وهو ما بدا واضحا من مواقف شخصيات سياسية ودينية سنية، للدفاع عن صلاحيات الحريري، وهذا حقّهم، ما قد يؤدي إلى أجواء غير مريحة تؤدي إلى المزيد من العرقلة بدل تسهيل المهمة».
في المقابل، رأت مصادر معارضة لوزير الخارجية جبران باسيل أن تمادي الأخير في سلوكه السياسي عبر وضع شروط أمام التأليف ناتج عن أداء الحريري نفسه الذي يفسح المجال أمام الفرقاء لوضع الشروط والشروط المضادة، معتبرة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن المسؤولية تقع عليه في حسم الموضوع، ورأت أن على الحريري أن يأخذ قراره بالعودة إلى السراي والقيام بعمله كرئيس حكومة تصريف الأعمال وعدم ترك الأمور تأخذ منحى سلبيا أكثر من ذلك.
وبين المواقف الرافضة لمحاولات الالتفاف على صلاحيات الحريري ومن يحمّله مسؤولية إفساح المجال للآخرين، يقف الوزير السابق والنائب فيصل كرامي بين وجهتي النظر، باعتباره أن الأمور لا تزال ضمن السياق المقبول لمعركة تشكيل الحكومة ولم تصل إلى حدود الأزمة. وتقول مصادره لـ«الشرق الأوسط» «لا شك أنه حصلت بعض التجاوزات حيال صلاحيات الرئيس المكلف لكن لا يمكن الحديث عن أزمة إنما لا تزال ضمن السياق الطبيعي للمشادات السياسية في مرحلة تشكيل الحكومة»، وحمّلت المصادر في الوقت عينه مسؤولية هذا الأمر للرئيس المكلف، قائلة «الحريري أيضا يتحمّل المسؤولية عبر البت بقرارات عدة وعدم فسح المجال أمام الآخرين للتمادي».
وفيما يبدو الدستور واضحا لجهة مهمة تشكيل الحكومة حيث تنص الفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور أن رئيس الجمهورية «يصدر بالاتفاق مع رئيس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة» من دون أن يتطرق إلى خيار سحب التكليف أو مهلة محددة للتأليف، برز في المقابل جدل حيال التشريع في البرلمان في ظل حكومة تصريف الأعمال، وهو ما وضعه البعض أيضا في خانة الضغوط على الرئيس المكلف. وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري لوح بالذهاب إلى هذا الخيار وفق المادة 69 من الدستور، ليعود بعدها ويؤكد «أنه ورغم هذا الحق سيعتمد سياسة التروي كي لا تفسر الأمور على غير محملها». وفي هذا الإطار، رأى الخبير الدستوري بول مرقص أن «التشريع في الوقت الحاضر أمر متعثر لأن المجلس النيابي في دورة انعقاد حكمي وليس في عقد تشريعي وبالتالي لا يمكن أن يدعى إلى عقد استثنائي، لأن رئيس الجمهورية بحاجة إلى توقيع رئيس الحكومة والأخير هو مجرد رئيس مكلف لا يمكنه التوقيع على المراسيم».
وعما إذا كانت هناك إمكانية للتشريع في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل أوضح مرقص «هناك تنازع في الآراء بين من يقول أن المجلس سيد نفسه وبين من يؤكد أن حكومة تصريف الأعمال لا قرار لها بشأن أي تشريع خصوصا أنه بعد الطائف أصبح معنى تصريف الأعمال بالمعنى الضيق كما جاء في النص الدستوري».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.