العبادي يحيل 50 ملف فساد إلى هيئة النزاهة

مراقبون يستبعدون قدرته على محاسبة الفاسدين

رئيس الوزراء، حيدر العبادي.
رئيس الوزراء، حيدر العبادي.
TT

العبادي يحيل 50 ملف فساد إلى هيئة النزاهة

رئيس الوزراء، حيدر العبادي.
رئيس الوزراء، حيدر العبادي.

أكدت مصادر مقربة من مكتب رئيس الحكومة العراقية أن رئيس الوزراء، حيدر العبادي، بصدد إحالة ملفات 50 مسؤولا كبيرا إلى هيئة النزاهة للتحقيق في شبهات فساد وسوء إدارة، بينهم وزراء ووكلاء وزارات، لكن مراقبين للوضع في العراق قللوا من قدرته على محاسبة الفاسدين.
وقال رئيس «مركز التفكير السياسي»، إحسان الشمري، المقرب من رئيس الوزراء العراقي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن الإجراءات المزمع اتخاذها «قد تأخذ وقتا أطول نظرا لطبيعة الملفات المرفوعة وما تتطلبه من عمليات تدقيق ومراجعة». وأكد الشمري أن «المسؤولين المحالين إلى (النزاهة) تتراوح مناصبهم بين وزراء ووكلاء وزارة ومديرين عامين في مؤسسات الدولة المختلفة».
وكان العبادي قال في مؤتمر صحافي أول من أمس: «لدينا حملة أساسية لمكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين، وقريبا سننشر ما عملناه بهذا الشأن، ومن تمت إحالته إلى (النزاهة) والأشخاص الذين تم الحكم عليهم»، عادّاً أن «الفساد غير الظاهر يحتاج إلى أدلة مقنعة وأدلة قاطعة، فالقضاء لا يكتفي فقط بكلام رئيس الوزراء؛ بل يحتاج إلى أدلة ثبوتية قاطعة على الأرض». كما أشار إلى «تشكيل لجان تقوم بمراجعة كل عمل المسؤولين، وإنْ كان هناك تلكؤ أو فساد من مسؤول معين، فسنتخذ إجراءات قوية بحقه».
وإلى جانب رفعه ملفات الفساد إلى هيئة النزاهة، تتداول الأوساط السياسية العراقية هذه الأيام أخبارا عن نية العبادي إيقاف مسؤولين عن العمل وسحب أيديهم من الدوائر والوزارات التي يديرونها مثلما فعل مع وزير الكهرباء قاسم الفهداوي. وتداولت مواقع ووكالات أنباء محلية، أمس، قرار سحب يد طيف سامي مسؤولة الموازنة في وزارة المالية، لكن الأخيرة نفت ذلك.
وينظر مراقبون محليون إلى الإجراءات التي يقوم بها العبادي في الأيام الأخيرة، بوصفها إجراءات واقعة تحت تأثير الضغوط الشعبية المعبر عنها بالمظاهرات والاعتصامات المتواصلة في محافظات الوسط والجنوب، وأيضا بوصفها محاولة من العبادي للظهور بمظهر الحازم والقادر على إدارة الدولة ومحاربة الفاسدين، وهي مطالب شددت عليها خطبة ممثل المرجعية الدينية في النجف.
ويرى رئيس «المركز الإعلامي للتنمية الإعلامية» عدنان السراج، أن «فرص العبادي في محاربة الفساد ليست كبيرة في ظل التعقيد السياسي والإداري القائم». ويقول السراج لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك في أن العبادي جاد تماما في سعيه لمحاربة الفساد، وهو عازم على إحالة ملفات كثيرة لكبار المسؤولين، لكن المشكلة أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فهناك القضاء وهيئة النزاهة وانتماء تلك الشخصيات لكتل كبيرة قد تقف بالضد من محاسبتهم».
وحول عدم مبادرة العبادي إلى طرح قوانين لمكافحة الفساد كانت محل إلحاح من رؤساء هيئة النزاهة المتعاقبين، يعتقد السراج أن «القوانين اللازمة لمحاربة الفساد موجودة، وهيئة النزاهة ليست في حاجة ربما إلى قوانين إضافية، لكن التعقيدات التي تحيط بمجمل عمل الرقابة والمحاسبة وما تحيق به من تعقيدات سياسية، تحول دون محاسبة جدية للفاسدين».
بدوره، يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية أثير ناظم الجاسور، أن «وقت محاسبة الفاسدين قد فات بالنسبة للعبادي». ويؤكد الجاسور في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «خطوات وكلام العبادي عن الفاسدين ومحاسبتهم جاء متأخرا جدا، وهو متأثر بلا شك بخطاب المرجعية الأخير وموجة الاحتجاجات. كان يمكن المباشرة بمعركة الفساد بعد انتهائه من معركة (داعش)، لكنه لم يفعل».
ويشير إلى أن «العبادي أضاع فرصة ذهبية لا تعوض حين هتف المحتجون عام 2015، بهتاف (كلنا معك يا العبادي). أما اليوم؛ فإن الجماهير تهتف ضده، وبالتالي فليس أمامه أي فرصة لمحاربة الفاسدين». ويعتقد الجاسور، أن «الأسباب التي منعت العبادي من محاربة الفاسدين تتعلق بخضوعه إلى ما يمكن تسميته (مفهوم الدولة العميقة) الذي أرسى دعائمه سلفه نوري المالكي، بحيث إن أركان تلك الدولة لن تسمح للعبادي بمحاسبة رجالها».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.