شهادة لوزير الخارجية الفرنسي الأسبق تضع قضية «لافارج» تحت الأضواء

TT

شهادة لوزير الخارجية الفرنسي الأسبق تضع قضية «لافارج» تحت الأضواء

عام 2007، اشترت شركة «لافارج» الفرنسية المعروفة مصنع «جباليا» السوري للإسمنت، القائم على بعد 150 كلم شمال شرقي حلب. وطيلة 3 سنوات، استثمرت الشركة الرائدة في إنتاج الإسمنت في العالم عشرات الملايين من الدولارات لتوسيعه وتحديثه، وليصبح أحد أهم مصانع إنتاج الإسمنت في الشرق الأوسط، وليكون الاستثمار الأجنبي الأكبر في الاقتصاد السوري خارج الصناعة النفطية والغازية. وفي عام 2010، بدأ مصنع «جباليا» نشاطه تحت اسم «لافارج سوريا للإسمنت»، وكان يراد له أن يكون واجهة للحضور الفرنسي الاقتصادي في سوريا.
لكن الأمور سارت بعكس ما يشتهيه قادته، وها هي شركة «لافارج»، التي تحولت لاحقاً باندماجها مع شركة «هولسيم» السويسرية إلى «لافارج هولسيم»، تجد نفسها بمواجهة القضاء الفرنسي متهمة رسمياً منذ نهاية يونيو (حزيران) الماضي بـ«المشاركة في جرائم ضد الإنسانية» و«تمويل تنظيم إرهابي» و«تعريض حياة موظفين للخطر»، فضلاً عن «انتهاك الحظر الأوروبي المفروض بالاتجار بالنفط السوري».
وإضافة إلى الاتهامات للشركة باعتبارها «شخصية اعتبارية»، وجه القضاء التهم نفسها لـ8 من كبار مسؤوليها في الفترة الممتدة من 2012 إلى 2015، وبينهم رئيسها ومديرها العام برونو لافون، ونائبه ومسؤول الأمن، فضلاً عن مدير المصنع السوري.
المقصود بالتنظيم الإرهابي الذي جاء في مذكرة الاتهام هو «داعش». وبعد فترة من الإنكار وتقاذف المسؤوليات، اعترف مسؤولو «لافارج» أنهم حقيقة قاموا بتمويل تنظيمات مسلحة، وأن إجمالي ما دفعته الشركة للمحافظة على أشغالها في سوريا، رغم الحرب ورغم احتلال «داعش» للمصنع في شهر سبتمبر (أيلول) 2014، يبلغ نحو 13 مليون دولار. وما يبحث قضاة التحقيق عن جلائه هو معرفة دور السلطات الفرنسية الرسمية، ممثلة بوزارتي الخارجية والدفاع، فضلاً عن جهاز المديرية العامة للأمن الخارجي (المخابرات الخارجية».
وفي حين يؤكد مسؤولو الشركة، في إفاداتهم، أنهم كانوا يستشيرون الخارجية والدفاع في موضوع الإبقاء على نشاطات مصنع «جباليا»، رغم الوضع الأمني المهزوز، تبقى حقيقة الموقف الرسمي غامضة متناقضة مع ادعاءات الشركة. وقد أفاد كريستيان هيرو، المدير العام المساعد السابق للمجموعة، أنه كان على تواصل دائم مع وزارة الخارجية ما بين عامي 2011 و2014، وأن الوزارة نصحت الشركة بـ«البقاء» في سوريا، إلا أن المسؤول السابق اعترف أنه لم يطلع المسؤولين الرسميين على «الضريبة» التي تدفعها الشركة للتنظيمات المسلحة، ومنها «داعش». أما زميله جان كلود فيار، مسؤول الأمن في الشركة، فقد أفاد بأنه عقد 33 لقاءً مع المخابرات الخارجية، ما بين عامي 2012 و2014.
ونقلت صحيفة «لو موند»، في عددها الصادر أمس، مقاطع من رسائل إلكترونية أرسلها سفيران فرنسيان لدى سوريا، هما أريك شوفاليه وفرانك جوليه، وفيها يعرضان مجريات اتصالاتهما مع مسؤولي «لافارج». وثمة تفاصيل أخرى تؤشر إلى اطلاع المسؤولين الرسميين تماماً على وضع مصنع «جباليا»، ومنها أن باريس أعطت الطيران الأميركي والحليف تفاصيل موقع المصنع لتلافي قصفه، رغم وجود «داعش» فيه. ولجأت الشركة إلى «وسطاء» للتعاطي مع التنظيمات المسلحة، وأحدهم - وفق معلومات واسعة الانتشار في باريس - هو ابن مسؤول سوري سابق، لكن الخارجية الفرنسية التي تمتنع عن الغوص في التفاصيل تؤكد بالمقابل، وبشكل رسمي، أنها «نبهت مجموعة (لافارج) للمخاطر المتمثلة في بقائها في سوريا».
ومن الأمور اللافتة للانتباه أن «لافارج» اشترت نفطاً مكرراً من التنظيم الإرهابي، وحاولت بكل الوسائل الاستمرار في تشغيل مصنعها. وثمة معلومات أخرى تفيد بأن «لافارج» باعت «داعش» كميات من الإسمنت بعد احتلاله المصنع. وبعكس الشركات العالمية الأخرى التي قررت الخروج من سوريا مع اشتداد الحرب فيها، فإن «لافارج» قررت البقاء هناك، مع المخاطرة بتعريض موظفيها وعمالها للخطر. وبهذه النقطة بالذات، فإن «لافارج» متهمة بممارسة التمييز في التعامل مع موظفيها، حيث عمدت من جهة إلى ترحيل الفرنسيين والأجانب منهم، والإبقاء على موظفيها وعمالها المحليين في أماكنهم. وكانت النتيجة أن عدداً منهم خطف، وآخر قتل. وإضافة إلى وزارة الاقتصاد وجمعيتين من المجتمع المدني في فرنسا، فإن 11 موظفاً سابقاً قدموا شكوى ضد الشركة إلى القضاء الفرنسي.
من هذه الزاوية، وإزاء التناقضات والتعقيدات، تبرز أهمية شهادة وزير الخارجية السابق لوران فابيوس، الذي شغل هذا المنصب طيلة 4 سنوات (2012 - 2016». وبحسب المعلومات التي حصلت عليها عدة وسائل إعلامية فرنسية اطلعت على محضر أقوال فابيوس أمام القضاة، فإن الأخير نفى علمه بهذه المسألة، جملة وتفصيلاً، وأكد أن مكتبه أو أياً من دوائر الخارجية لم يرفعها إليه. وقال فابيوس ما فحواه أن «أياً من المعلومات لم يصل إليه»، بخصوص استمرار نشاطات «لافارج» في سوريا مقابل دفع أموال لـ«داعش».
ولا تكمن التناقضات بين تأكيدات الشركة ونفي السلطات الرسمية، بل داخل الشركة نفسها، ذلك أن رئيسها ومديرها العام برونو لافون نفى أمام القضاء علمه بوجود اتفاق مع «داعش» حتى شهر أغسطس (آب) من عام 2014، وأنه حال اطلاعه على الاتفاق أمر بإغلاق المصنع. أما نائبه كريستيان هيرو، فقد أكد العكس، زاعماً أنه أطلع رئيسه على الاتفاق قبل ذلك بوقت طويل.
هكذا، يطفو على السطح مجدداً، ومع الاستماع لشهادة وزير الخارجية، ما يمكن تسميته «فضيحة لافارج» في سوريا. فهي من جهة تناقض في حيثياتها الخط الرسمي المعلن لسياسة فرنسا في سوريا، التي جعلت من محاربة «داعش» والإرهاب معلماً رئيسياً من معالمها، وهي من جهة أخرى تكشف عن تقاطعات كان يمكن أن تبقى خفية بين دور الشركات وأجهزة مخابراتية تعتبر أنها قادرة على الاستفادة من وجودها لجمع معلومات عن «داعش» أو تنظيمات مسلحة أخرى يمكن استخدامها في الحرب عليها.



من تنصيب ترمب إلى انتهاء حرب أوكرانيا... أهم الأحداث المتوقعة لعام 2025

ترمب خلال مناسبة بمدينة فينكس في ولاية أريزونا يوم 22 ديسمبر 2024 (رويترز)
ترمب خلال مناسبة بمدينة فينكس في ولاية أريزونا يوم 22 ديسمبر 2024 (رويترز)
TT

من تنصيب ترمب إلى انتهاء حرب أوكرانيا... أهم الأحداث المتوقعة لعام 2025

ترمب خلال مناسبة بمدينة فينكس في ولاية أريزونا يوم 22 ديسمبر 2024 (رويترز)
ترمب خلال مناسبة بمدينة فينكس في ولاية أريزونا يوم 22 ديسمبر 2024 (رويترز)

هناك الكثير من الأحداث المهمة المنتظر حدوثها في عام 2025، بدءاً من تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب ومروراً بالانتخابات في أوروبا واضطراب المناخ والتوقعات بانتهاء حرب أوكرانيا.

ونقل تقرير نشرته شبكة «سكاي نيوز» البريطانية تفاصيل هذه الأحداث المتوقعة وكيفية تأثيرها على العالم ككل.

تنصيب دونالد ترمب

سيشهد شهر يناير (كانون الثاني) الحدث الأكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، بل وربما للعالم أجمع، وهو تنصيب ترمب ليصبح الرئيس السابع والأربعين لأميركا.

وسيقع هذا التنصيب في يوم 20 يناير، وقد تعهد الرئيس المنتخب بالقيام بتغييرات جذرية في سياسات بلاده الداخلية والخارجية فور تنصيبه.

ونقل مراسل لشبكة «سكاي نيوز» عن أحد كبار مستشاري ترمب قوله إنه يتوقع أن يوقّع الرئيس المنتخب على الكثير من «الأوامر التنفيذية» الرئاسية في يوم التنصيب.

وتنبأ المستشار بأنه، بعد لحظات من أدائه اليمين الدستورية «سيلغي ترمب قدراً كبيراً من إرث الرئيس الحالي جو بايدن ويحدد اتجاه أميركا للسنوات الأربع المقبلة».

وعلى الصعيد المحلي، سيقرّ ترمب سياسات هجرة جديدة جذرية.

وقد كانت الهجرة قضية رئيسية في الحملة الانتخابية للرئيس المنتخب، حيث إنه وعد بترحيل الملايين وتحقيق الاستقرار على الحدود مع المكسيك بعد عبور أعداد قياسية من المهاجرين بشكل غير قانوني في عهد بايدن.

ويتوقع الخبراء أن تكون عمليات الترحيل الجماعي التي وعد بها خاضعة لمعارك قانونية، إلا أن فريق ترمب سيقاتل بقوة لتنفيذها.

ومن المتوقع أيضاً أن يصدر ترمب عفواً جماعياً عن أولئك المتورطين في أحداث الشغب التي وقعت في 6 يناير 2021، حين اقتحم الآلاف من أنصاره مبنى الكونغرس بهدف منع التصديق على فوز بايدن بالانتخابات.

وعلى الصعيد الدولي، يتوقع الخبراء أن يكون لرئاسة ترمب تأثيرات عميقة على حرب أوكرانيا، والصراع في الشرق الأوسط، وأجندة المناخ، والتعريفات الجمركية التجارية.

ومن المتوقع أن ينسحب ترمب من اتفاقية باريس للمناخ؛ الأمر الذي سيجعل أميركا غير ملزمة بأهداف خفض الانبعاثات الكربونية.

وفيما يتعلق بأوكرانيا، قال ترمب إنه يستطيع تحقيق السلام وإنهاء الحرب في غضون 24 ساعة.

أما بالنسبة للصراع في الشرق الأوسط، فقد هدَّد الرئيس الأميركي المنتخب حركة «حماس» بأنه «إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن في غزة قبل 20 يناير (موعد تنصيبه) سيكون هناك جحيم يُدفع ثمنه في الشرق الأوسط». إلا أن الخبراء لا يمكنهم توقع كيف سيكون رد فعل ترمب المتوقع في هذا الشأن.

انتخابات أوروبا

سيبدأ العام بانتخابات في اثنتين من أبرز دول أوروبا، وهما فرنسا وألمانيا.

سينصبّ التركيز أولاً على برلين - من المرجح أن ينتهي الأمر بالليبرالي فريدريش ميرز مستشاراً لألمانيا؛ مما يحرك بلاده أكثر نحو اليمين.

ويتوقع الخبراء أن تكون أولويات ميرز هي السيطرة على الهجرة.

أما في فرنسا، فسيبدأ رئيس الوزراء الفرنسي السابق إدوارد فيليب في الترويج لنفسه ليحلّ محل إيمانويل ماكرون رئيساً، بحسب توقعات الخبراء.

ويعتقد الخبراء أيضاً أن يتطور دور جورجيا ميلوني وينمو من «مجرد» كونها زعيمة لإيطاليا لتصبح قناة الاتصال بين أوروبا وترمب.

علاوة على ذلك، ستجري رومانيا انتخابات لاختيار رئيس جديد في مارس (آذار) المقبل.

الأوضاع في الشرق الأوسط

يقول الخبراء إن التنبؤ بما قد يحدث في الشرق الأوسط هو أمر صعب للغاية.

وعلى الرغم من تهديد ترمب بتحويل الأمر «جحيماً» إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن الموجودين في غزة، فإن وضع الرهائن لا يزال غير معروف وغير محسوم.

وعلى الرغم من التفاؤل الأخير بشأن المفاوضات، لا تزال الخلافات قائمة بين «حماس» وإسرائيل. لكن وقف إطلاق النار لا يزال محتملاً.

لكن أي هدنة ربما تكون مؤقتة، وهناك الكثير من الدلائل على أن الجيش الإسرائيلي ينوي البقاء في غزة في المستقبل المنظور مع تزايد الدعوات إلى احتلال دائم بين الساسة الإسرائيليين من أقصى اليمين.

وما لم يتحسن الوضع الإنساني في غزة بشكل كبير وسريع، فإن سمعة إسرائيل الدولية سوف تستمر في التردي في حين تنظر محكمة العدل الدولية في اتهامات بالإبادة الجماعية.

ويتوقع الخبراء أن يفكر نتنياهو في ضرب إيران، سواء لردع الحوثيين أو للتصدي للبرنامج النووي للبلاد، لكن قد يتراجع عن ذلك إذا لم يحصل على دعم من الرئيس الأميركي القادم.

ومن بين الأحداث التي يدعو الخبراء لمراقبتها من كثب هذا العام هي صحة المرشد الإيراني المسن علي خامنئي، التي كانت مصدراً لكثير من التكهنات في الأشهر الأخيرة، حيث ذكرت الكثير من التقارير الإعلامية أنها متردية للغاية.

أما بالنسبة لسوريا، فسيحتاج قادة سوريا الجدد إلى العمل على دفع البلاد للاستقرار وجمع الفصائل الدينية والعسكرية المختلفة، وإلا فإن التفاؤل المفرط الذي شوهد بعد الإطاحة ببشار الأسد سينقلب وتحلّ محله تهديدات بوقوع حرب أهلية جديدة بالبلاد.

العلاقات بين الصين والولايات المتحدة

قد تكتسب المنافسة بين الصين والولايات المتحدة زخماً كبيراً هذا العام إذا نفَّذ دونالد ترمب تهديداته التجارية.

وقد هدد الرئيس الأميركي المنتخب بفرض تعريفة جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع السلع الصينية؛ وهو ما قد يشعل حرباً تجارية عالمية ويتسبب في انهيار اقتصادي.

وتستعد بكين لمثل هذه المتاعب، وهي منخرطة بالفعل في إجراءات تجارية انتقامية مع الولايات المتحدة.

ودبلوماسياً، وفي حين توجد جهود لقلب العلاقة المتوترة بين المملكة المتحدة والصين، من المرجح أن تستمر مزاعم التجسس واتهامات التدخل الصيني في السياسة الأميركية، وهي اتهامات تنفيها بكين بشدة.

حرب أوكرانيا

يتوقع الخبراء أن تنتهي حرب أوكرانيا في عام 2025، مشيرين إلى أن القتال سيتوقف على الأرجح وأن الصراع سيتجمد.

وأشار الجانبان الروسي والأوكراني مؤخراً إلى استعدادهما لتقديم تنازلات من أجل التوصل إلى اتفاق سلام.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لـ«سكاي نيوز» إنه على استعداد للتنازل عن الأراضي التي تسيطر عليها كييف، بينما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن روسيا مستعدة لتقديم تنازلات أيضاً.

إنه تحول دراماتيكي في اللهجة، نتج من انتخاب دونالد ترمب، بحسب الخبراء الذين قالوا إن المحادثات والتوصل لصفقة بات أمراً حتمياً الآن.

ومهما كانت النتيجة، ستقدمها روسيا للعالم على أنها انتصار لها.

ويعتقد الخبراء أن الكرملين يأمل في اختتام المفاوضات قبل التاسع من مايو (أيار)، الذي يصادف الذكرى الثمانين لانتصار الاتحاد السوفياتي على ألمانيا النازية، ليكون الاحتفال الروسي مزدوجاً.

لكن المشاكل لن تنتهي عند هذا الحد بالنسبة لبوتين. فمع ارتفاع التضخم، وانخفاض قيمة الروبل، وضعف الإنتاجية، سيكون الاقتصاد هو معركة روسيا التالية.