انتخابات نيابية في ظل الشغور «تسلب» الرئيس اللبناني «أهم صلاحياته»

رئيس لجنة العدل في البرلمان : تدخلنا متاهات دستورية وتخل بتوازن السلطات

رئيس مجلس الوزراء تمام سلام لدى اجتماعه بكتلة من نواب المستقبل أمس (دلاتي ونهرا)
رئيس مجلس الوزراء تمام سلام لدى اجتماعه بكتلة من نواب المستقبل أمس (دلاتي ونهرا)
TT

انتخابات نيابية في ظل الشغور «تسلب» الرئيس اللبناني «أهم صلاحياته»

رئيس مجلس الوزراء تمام سلام لدى اجتماعه بكتلة من نواب المستقبل أمس (دلاتي ونهرا)
رئيس مجلس الوزراء تمام سلام لدى اجتماعه بكتلة من نواب المستقبل أمس (دلاتي ونهرا)

تجد القوى السياسية اللبنانية نفسها اليوم أمام خيارات عدة، أحلاها مر، نتيجة استمرار مأزق الرئاسة، مع تعذر انتخاب رئيس جديد خلفا للرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان الذي انتهت ولايته في 25 مايو (أيار) الماضي. ولا تنحصر تداعيات استمرار شغور الرئاسة على مستوى غياب أحد مكونات الدولة الرئيسة أو فراغ المنصب المسيحي الأول في لبنان فحسب، بل تمتد إلى السلطة التشريعية أيضا، انطلاقا من انتهاء ولاية البرلمان الممددة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل واستحالة إجراء انتخابات نيابية قبل انتخاب رئيس جديد لأسباب «دستورية» عدة.
ورغم إجماع القوى السياسية ومجاهرتها بأن الأولوية تبقى لانتخاب رئيس جديد لـ«إنقاذ ما تبقى من الجمهورية»، ولضمان سير عجلة المؤسسات الدستورية وإنجاز الاستحقاقات الداهمة في موعدها وأبرزها الانتخابات النيابية، لكن الجمود الذي يعتري الاستحقاق الرئاسي واعتراف الفرقاء المعنيين أنفسهم بأنه لا بوادر حل تلوح في الأفق الرئاسي، يثير تساؤلات حول مصير الانتخابات النيابية.
ولم يعقد البرلمان اللبناني منذ تمديد ولايته سنة وخمسة أشهر منتصف العام الماضي، بحجة أن الظروف الأمنية لا تسمح بتنظيم العملية الانتخابية، أي جلسة مخصصة لبحث قانون انتخاب جديد، مما يعني أن قانون الستين الأكثري المعمول به في الانتخابات الأخيرة والذي يلقى معارضة غالبية الكتل السياسية يبقى القانون الساري المفعول في الانتخابات المقبلة. وكانت وزير الداخلية اللبنانية نهاد المشنوق أعلن قبل أيام أن وزارته باشرت الاستعداد للانتخابات وفق هذا القانون.
من الناحية الدستورية، يبدو تنظيم الانتخابات النيابية قبل انتخاب رئيس غير ممكن، انطلاقا من «المتاهات الدستورية» التي يمكن أن يدخلها لبنان، مما يرجح ذهاب غالبية القوى السياسية نحو خيار تمديد ولاية البرلمان للمرة الثانية على التوالي، وهو ما أكدته غالبية المواقف السياسية الصادرة في الأيام الأخيرة والتي عكست موافقة ضمنية على هذا الخيار، باستثناء كتلة النائب ميشال عون التي عارضت التمديد في المرة الأولى وتعارضه اليوم، من دون أن تساهم في الدفع باستحقاق الرئاسة إلى الأمام، مع مقاطعة نوابها وحلفائها جلسات انتخاب الرئيس.
ويقول رئيس لجنة الإدارة والعدل في البرلمان اللبناني النائب روبير غانم في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن من شأن «تمديد ثان لولاية البرلمان أن يزيد الطين بلة وآمل ألا نصل إلى هذا الخيار»، عادا أنه «ما من مبرر لعدم انتخاب رئيس جديد، ولا يجوز تعطيل البلد بسبب فريق سياسي، مهما كان حجمه وتمثيله». ويحذر غانم من تداعيات الوصول إلى انتخابات نيابية قبل انتخاب رئيس «لأننا بذلك نسهم في التفريط بصلاحيات الرئيس ومقام الرئاسة وبالتوازنات القائمة بين السلطات اللبنانية»، موضحا أن «شغور الرئاسة يفقد التوازن القائم بين السلطات المتعاونة، وبالتالي من الملح والضروري العمل والسعي مع كل القيادات السياسية لانتخاب رئيس جديد». ويرى أن «كل ما عدا ذلك ليس حرفا لوجهات النظر عما يجب أن يحصل في موضوع الرئاسة»، مشيرا إلى أنه «إذا لم يتمكن البرلمان من انتخاب رئيس، فمعناها أنه عاجز عن القيام بواجباته الوطنية والمعنوية والدستورية، وإذا قارناه بشركة ما، فلا يجوز القول إنه بعد عجزها عن إتمام مهماتها، ينبغي إقفالها».
ويوضح غانم في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»، أن «إجراء انتخابات من دون وجود رئيس يخلق مشكلات دستورية لأسباب كثيرة، أحدها أنه إذا جرت الانتخابات النيابية وبات لدينا مجلس نيابي جديد، تصبح الحكومة اللبنانية، بحسب الدستور اللبناني، مستقيلة حكما في التاريخ ذاته، مما يستوجب انتخاب رئيس جديد للبرلمان ومن ثم تشكيل حكومة جديدة». ويثير ذلك، كما يتابع غانم، تساؤلات عدة، أهمها «من سيحل مكان الرئيس اللبناني ويمارس صلاحياته التي تخوله إجراء استشارات نيابية مع الكتل الممثلة في البرلمان تمهيدا لتسمية شخصية يكلفها تشكيل الحكومة الجديدة؟ ومن سيحل مكانه في توقيع مرسوم تشكيل الحكومة؟».
ويستنتج غانم أن من شأن الذهاب إلى انتخابات نيابية قبل الانتخابات الرئاسية أن «يدخلنا في متاهات دستورية تضعف مقام الرئاسة وتسلب الرئيس بعض صلاحياته وهي الصلاحيات الأهم: مرسوم تكليف رئيس الحكومة وتوقيع مرسوم تشكيل الحكومة»، مشددا بالتالي على أولوية «حض المعرقلين على أن يبادروا إلى القيام بواجباتهم وانتخاب رئيس جديد قبل أي أمر آخر».
وتنص المادة 69 من الدستور اللبناني على أن الحكومة «تعد مستقيلة» في حالات عدة، منها «عند بدء ولاية مجلس النواب»، في حين يعود للرئيس اللبناني، وفق المادة 53 من الدستور، أن «يسمي رئيس الحكومة المكلف التشاور مع رئيس مجلس النواب استنادا إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسميا على نتائجها»، ويصدر «مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزراء منفردا»، على أن «يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم».
ويدعو غانم القوى السياسية إلى تجنيب لبنان الدخول في «متاهات كبيرة في ظل الأخطار المحدقة بلبنان وترددات ما يجري في المنطقة على الساحة المحلية»، مشددا على أن المطلوب «تحصين الداخل اللبناني بدءا بانتخاب رئيس جديد، لا أن تترك الأمور حتى استفحالها وفقدان المؤسسات التي تشكل ركيزة الدولة وشرعيتها». ويعرب عن اعتقاده أن «تحقيق خرق في الملف الرئاسي ليس رهن اتفاق خارجي، بل رهن اللبنانيين أنفسهم وعلى الزعماء المسيحيين أن يتنازلوا ويقدموا عطاءات في سبيل المصلحة العامة لملء شغور الرئاسة».
ويشدد غانم على أن «الدساتير وضعت خدمة المصلحة العامة، ولكي تطبق لا لأن تعدل»، لافتا إلى أن «مشكلتنا في لبنان أننا وضعنا دستورا ولجأنا إلى تعديله من دون أن نطبقه يوما بشكل كامل، رغم ما كلفنا من شهداء ومفقودين ودمار وخراب». ويضيف: «المطلوب اليوم العودة إلى منطق الدستور، الكفيل وحده بأن يزيل معظم المشكلات التي نواجهها، لا سيما ما يتعلق بتطبيق اللامركزية الإدارية وإلغاء الطائفية السياسية وتحقيق الإنماء المتوازن في المناطق».



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.